المضامين الإنسانية والتربوية والتعليمية
في
حوارات النبي صلى الله عليه وسلم
عَلَّمَ النَّبي " صلى الله عليه وسلم" -بما آتاه الله من الهُدى والفرقان- الناس المبادئ الإنسانية الحقّة والقيم التربوية والتعليمية الفاضلة التي أرشدت الناس إلى التفكير السّديد في الدِّين الصحيح، والرأي الصائب، والقول الحسن، والحوار الرصين.

وسنسلط الضوء على جوانب مهمة من المَضَامين الإنسانية والتربوية والتعليمية في حواراته وأحاديثه الشَّريفة " صلى الله عليه وسلم" ، عِلمًا بأنَّ هذه المضامين بحاجةٍ إلى كتابٍ كامل.

الإنسان هو أحد أفراد الجنس البشري, أو هو كلُّ آدمي, مهما اختلفت الأشكال والألوان والصفات.

وقد اختار الله تعالى الإنسان من سائر خلقه, وميّزه على غيره, وكلّفه إعمار الأرض بعد أن شرَّفه بالنَّفخِ فيه من روحه. كما كرَّم الله تعالى الإنسان على سائر المخلوقات الأخرى وجعله هَدَفًا في ابتعاث الرسل, وإنزال الكتب.

وقد انطوتْ حوَارَات النَّبي " صلى الله عليه وسلم" مع أصحابه الكرام، والناس أجمعين بمختلف أشكالهم وألوانهم وأديانهم على مَضامين إنسانية عظيمة، كون الرسالة التي نزلت عليه موجّهة إلى البشر كافة.

وقد ظهر البُعد الإنساني كطابع مهم في الكثير من أحاديث النَّبي " صلى الله عليه وسلم" ، والعديد من حواراته ومناقشاته الخاصّة والعامة مع أزواجه وأقاربه وأصحابه وسائر الناس.

وفي الحديث النَّبوي الحواري: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السَّماء»(1).

ومن الوصايا الإنسانية العظيمة لرسول الله " صلى الله عليه وسلم" لمن يُرسله للدفاع عن المسلمين والجهاد: «انطلقوا باسم الله, وبالله, وعلى ملة رسول الله, لا تقتلوا شيخًا فانيًا, ولا طفلًا, ولا امرأة, ولا تغلوا, وضعوا غنائمكم, وأصلحوا, وأحسنوا, إنَّ الله يحبُّ المحسنين»(2).

وحَاربَ رسول الله العصبية القبلية الجاهلية المَقِيتة, فعن جبير بن مطعم أنَّ رسول الله " صلى الله عليه وسلم" قال: «ليس منّا من دعا إلى عصبية, وليس منّا من قاتل على عصبية, وليس منّا من مات على عصبية»(3).

كما حَاربَ الرسول " صلى الله عليه وسلم" العصبية العنصرية القومية, فعن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «إنَّ الله قد أذهب عنكم عصبيَّة الجاهلية -الكِبر، والنخوة بها- وفخرها بالآباء, مؤمن تقيّ, وفاجر شقيّ, أنتم بنوآدم وآدم من تراب, ليدعن رجالٌ فَخْرَهم بأقوام, إنما هو فحمٌ من فحم جهنم, أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن»(4).

وحَاوَرَ النَّبي " صلى الله عليه وسلم" أصحابه الكرام حول كثير من الجوانب الإنسانية العظيمة كاحترام الأرقاء, وحسن معاملتهم, ومنع ضربهم.

روى البخاري أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" قال: «إخوانُكم خَوَلكم, جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفُوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم فأعينوهم»(5).

المَضَامين التربوية:
كان الإنسان محور التربية القُرآنية, حيث اتجه الإسلام أصلًا إلى تربية الإنسان تربية شاملة متكاملة، في مختلف النواحي الجسدية والروحية والعقلية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية.


لقد رَبّى النَّبي " صلى الله عليه وسلم" النفوس وغَذّى الأرواح وهَذَّب السَّلوك وبنى العقول النَّيِّرَة.

«وكان من نتيجة التربية الإسلامية لبناء الإنسان الكامل أولًا, أنها كانت الباعث الرئيسي, والسبب في اعتناق ملايين الناس الإسلام, والإقبال عليه, وقبوله عقيدة وشريعة, ليتفيؤوا ظلاله, وينعموا بخيره, لأنه التقى مع الفطرة السليمة, وحقَّق لهم ما يصبون إليه من معاني الإنسانية الصادقة, والواقعية, وأنه يؤمِّنُ السعادة والرفاهية, التي يتطلع إليها الإنسان في الدنيا والآخرة»(6).

لقد ركَّزَ النَّبي " صلى الله عليه وسلم" في حواراته وأحاديثه مع أصحابه الكرام على تربية الإنسان بعامة، والطفل بخاصة, حيث يحتاج إلى الرعاية والمحبة, والاهتمام، والحنان، والعدل في المعاملة.

روى الشّعبي أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم" قال: «اعدلوا بين أولادكم في العطايا, كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البرِّ»(7).

وروى النعمان بن بشير "رضي الله عنه" أن أباه أعطاه عطية, ولم يعطِ إخوته, وأراد أن يُشْهِد على تصرُّفه رسول الله " صلى الله عليه وسلم" , فسأله (عليه الصلاة والسلام): «هل أعطيت كلَّ أولادك مثل هذا؟» قال: لا, فقال (عليه الصلاة والسلام): «فاتقوا الله, واعدلوا بين أولادكم» وفي رواية قال: «لا تشهدني على جَوْر, وإنَّ لِبَنِيك عليك من الحق أن تعدل بينهم»(8).

ولاشك أنَّ هذا هو المبدأ التربوي السليم الذي يترك أثرًا حسنًا على الأطفال, لأنَّ تفضيل أحد الأطفال على إخوته يعدُّ من أساليب التربية القديمة الخاطئة التي ألغتها التربية الإسلامية وأحلت مكانها أساليب تربوية رشيدة.

وعلَّم النَّبي " صلى الله عليه وسلم" أصحَابَه الكرام "رضي الله عنه" أن يحُسِنوا تربية أولادهم بالمناقشة المقنعة والحوار الرشيد.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالوا: يا رسول الله! قد عَلِمْنَا ما حقُّ الوالدِ, فما حقُّ الولد؟ قال: «أن يُحْسِنَ اسمَه, ويحسنَ أدبه»(9).

وشدّد رسول الله " صلى الله عليه وسلم" في حواراته وأحاديثه الشَّريفة على برّ الوالدين والإحسان إليهما، كمبادئ تربوية رَاشدة في الحياة الدنيا ووسيلة مهمة لابتغاء مرضاة الله تعالى.

سُئل رسول الله " صلى الله عليه وسلم" عن أحق الناس بالصُّحبة والبرّ من أهله, فأجاب رسول الله: " صلى الله عليه وسلم" «أمك, ثم أمك, ثم أمك, ثم أباك, ثم أدناك أدناك»(10).

وعلَّمَ النَّبي " صلى الله عليه وسلم" أصحَابه الكرام رضي الله عنهم الكثير من المبادئ التربوية الحميدة التي تركت أثرًا إيجابيًا كبيرًا انعكس على حياة الفرد والأسرة والمجتمع.

قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «إياكم والجلوسَ في الطرقاتِ. فقالوا: ما لنا بدٌ، إنما هي مجالسُنا نتحدثُ فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالسَ، فأعطوا الطريقَ حقَّها. قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلامِ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المنكرِ»(11).

وأكَّدَ رسول الله " صلى الله عليه وسلم" على أهمية تربية الأولاد وتأديبهم وتهذيبهم, قال " صلى الله عليه وسلم" : «لأن يؤدِّب أحدكم ولده خير من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين)(12).

وبَيَّنَ رسول الله " صلى الله عليه وسلم" لأصحابه رضي الله عنهم والمسلمين كافة أن المسؤولية التربوية ملقاة على عاتق الجميع, الفرد والأسرة والمجتمع.

قال " صلى الله عليه وسلم" : «كلكم راعٍ, وكلُّكم مسؤول عن رعيته, والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته, والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»(13).

ثم تأتي مسؤولية تربية الأولاد ورعايتهم, وقد أوصى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" باتخاذ الصَّديق الصالح وحذّرَ من رفيق السّوء.

قال " صلى الله عليه وسلم" «مثلُ الجليس الصَّالح, والجليس السوء كحامل المسك, ونافخ الكير»(14).

المَضَامين التعليمية:
أول كلمة وآية نزلت من الله العَليّ القَدير على رسول الله " صلى الله عليه وسلم" كانت في طلب القراءة والعلم والحثّ على المعرفة.


قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} (العلق: 1-5).

وتوالت الآيات الكريمة التي تحثُّ على العلم, والفكر, والمعرفة, وتبيّن فضل العـلـماء.

وقد حثَّ رسول الله " صلى الله عليه وسلم" على طلب العلم, ولم يجعله مجرَّد حقّ لصاحبه, بل هو واجبٌ وفرض, وليس واجبًا دنيويًا, وقضائيًا في الدنيا, يُسأل عنه أمام الدولة والسلطة, بل هـو فرضٌ ديني يسأل عنه في الدّنيا والآخرة» (15).

قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" «طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم»(16).

ثم بَيَّن " صلى الله عليه وسلم" فضل العلم والعلماء, فيما رواه عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: مرَّ رسول الله " صلى الله عليه وسلم" بمجلسين في مسجده, فقال: «كلاهما خيرٌ وأحدهما أفضل من صاحبه, أما هؤلاء فيدعون الله, ويرغبون إليه, فإن شاء أعطاهم, وإن شاء منعهم, وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم, ويُعلِّمون الجاهل, فهم أفضلُ, وإنما بعثت معلِّمًا, ثم جلس بينهم»(17).

وأوصى رسول الله " صلى الله عليه وسلم" بتأديب الأولاد ذكورًا وإناثًا وتعليمهم. فقال " صلى الله عليه وسلم" : «مُروا أولادكم بالصَّلاة, وهم أبناء سبع»(18).

وقال " صلى الله عليه وسلم" : «عَلِّمُوا أبناءكم السِّباحة والرمي, والمرأة المغزل»(19).

وهكذا كان رسول الله " صلى الله عليه وسلم" -بما آتاه الله من الهُدى والفُرقان- مدرسة إنسانية وتربوية وتعليمية عظيمة، ستظلُ الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء تنهل من معينها الرقراق كل المبادئ التربوية والقيم الفاضلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
1- هذا جزء من حديث رواه الترمذي عن ابن عمرو مرفوعًا, وأوله «الرّاحمون يرحمهم الرحمن». وروى البخاري ومسلم والترمذي عن جرير قال: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم" : «من لم يرحم الناس لا يرحمه الله» (رواه أبوداود: 2-625 تحفة الأحوذي: 6-19,51).
2- رواه أبوداود عن أنس "رضي الله عنه" مرفوعًا، الفتح الكبير (1-282).
3- رواه أبو داود: (2-625).
4- رواه أبوداود: (2-624), والترمذي وحَسّنَه (10-455).
5- صحيح البخاري: كتاب الإيمان, (1-33).
6- السيّد, د.محمود: معجزة الإسلام التربوية, ص40 -41.
7- صحيح البخاري:( 4-1919).
8- رواه البخاري: 2-913, صحيح مسلم:11-65, مسند الإمام أحمد, 4-269, 271.
9- رواه البيهقي عن ابن عباس: فيض القدير: 3-394.
10- صحيح مسلم: (16-102).
11- صحيح البخاري: (2-870), صحيح مسلم: (14-102).
12- رواه الترمذي والطبراني عن جابر بن سمرة (تحفة الأحوذي 6-82, الفتح الكبير 3-5).
13- صحيح البخاري: (01-304), صحيح مسلم (12-213).
14- رواه البخاري عن أبي موسى مرفوعًا, صحيح البخاري: (2-741).
15- الزحيلي, د.محمّد: حقوق الإنسان في الإسلام, ص268.
16- رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك "رضي الله عنه" : (1-81).
17- سنن ابن ماجه: (1-83)، سنن الدارمي: (1 -81).
18- هذا جزء من حديث رواه أبوداود والترمذي والإمام أحمد والحاكم عن ابن عمر مرفوعًا (الفتح الكبير: 3-135), مسند الإمام أحمد: (2 -187).
19- رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر مرفوعًا (الفتح الكبير 2-231).
المصدر
مجلة الوعي الإسلامي