مناقب أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهي عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-، وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولها من المكانة الرفيعة ما لم تبلغها زوجة من زوجات النبي[.

1- مكانة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحبه لها:
عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ عُمَرٌ: «فَعَدَّ رِجَالاً». (متفق عليه).
وعن عروة -رضي الله عنه- عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟» يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ؛ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. (رواه البخاري ومسلم).
يا لها من مكانة عظيمة لأم المؤمنين عائشة..! يحبها النبي[، ومُرِّض في بيتها، وخالط ريقه ريقها قبل موته، ومات بين نحرها وسحرها، وقُبِر في بيتها.
علم عائشة:
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: «مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ؛ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وعن سفيان بن عيينة قال: «قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجميع النساء، كان علم عائشة -رضي الله عنها- أكثر».
صوم عائشة:
عن عروة «أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تسرد الصوم» -تتابع أيام الصيام-، وعن القاسم: «أنها كانت تصوم الدهر، لا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر».
عبادة عائشة:
وعن القاسم (وهو ابن أخي عائشة محمد بن أبي بكر) قال: «كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة -رضي الله عنها- فأسلم عليها، وغدوت يومًا فإذا هي قائمة تسبح، وتقرأ: {ﯡﯢﯣﯤﯥﯦ} (الطور:27)، وتدعو وتبكي وترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت؛ فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي!».
حياء عائشة:
إن المرأة المؤمنة بفطرتها النقية تستحي من أي رجل حتى لو كان زوجها، فما ظنك بمن لا تستحي من الأحياء فحسب؛ بل تستحي من الأموات؟!
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي، وَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللهِ مَا دَخَلْتُهُ إِلا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي، حَيَاءً مِنْ عُمَرَ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
براءة عائشة:
لقد تحدث القرآن ببراءة عائشة -رضي الله عنها- حين تكلم المنافقون في عرضها في حادثة الإفك، واتُهمت كذبًا وزورًا، وتولى كبر هذا الأمر كبير المنافقين، وكان ابتلاءً عظيمًا ابتلي به المجتمع المسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وانقطع الوحي شهرًا، يبتلى المرء على قدر دينه، ولعظم مكانة عائشة؛ كان البلاء عظيمًا.
وقد ابتلي بمثل بلاء أمنا عائشة يوسف -عليه السلام-، وكانت براءته على لسان قريب من امرأة العزيز: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } (يوسف:26-28).
وابتليت أيضًا مريم -عليها السلام-: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم:27-28)، فجاءت براءتها على لسان صغيرها النبي عيسى -عليه السلام-: { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } (مريم:29).
وبراءة عائشة -رضي الله عنها- لم تأت على لسان قريب أو نبي، ولكن برأها الله من فوق سبع سموات في عشر آيات من سورة النور، قرآنًا يتلى إلى قيام الساعة، يشهد لعائشة -رضي الله عنها- من قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُ مُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النور:11-20).
ونزل فيها وفي أمثالها من المؤمنات العفيفات الطاهرات: {وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (النور:26).
لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:
إن تطاول الصفويين على الصحابة -رضي الله عنهم- ولاسيما أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ليس شرًا محضًا، بل فيه جملة من الفوائد:
- أولها: إظهار للعقائد الفاسدة. فالطعن في الصحابة طعن في سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وطعن في دين الإسلام.
وسب عائشة -رضي الله عنها- بما برأها الله منه طعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفر بالله -سبحانه وتعالى- لأنه معارضة لنصوص القرآن العظيم معارضة صريحة.
- ثانيها: ما يحدث من سب للصحابة -رضي الله عنهم- وتعاون مع اليهود والنصارى على أكل بلاد المسلمين «العراق - أفغانستان - وغيرها..»، فيه رد صريح على دعاة التقريب، بل الواجب على المسلمين أن يأخذوا حذرهم منهم.
- ثالثها: إن الصحابة -رضي الله عنهم- انقطعت أعمالهم بموتهم، إلا ما تركوه لنا من علم يُنتفع به، وأراد الله أن يجري عليهم من الحسنات بعد موتهم بما يفعله الصفويون الفسقة.
الواجب علينا:
1- إظهار مناقب الصحابة -رضي الله عنهم- وبيان فضلهم؛ لأنهم حملة الدين، وفرسان العقيدة، وصفوة الخلق الذين اختارهم الله لنصرة الدين، ونصرة نبيه[، وإظهار مناقب أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وبيان براءتها في القرآن.
2- الترضي والترحم عليهم، كما قال الله -تعالى-: {وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (التوبة:100).
3- الإكثار من التسمي بأسمائهم، وإظهار أسمائهم في مجتمعات المسلمين، ولاسيما الصحابة -رضي الله عنهم- الذين يبغضهم الصفويون، أمثال: «أبي بكر- عمر -عثمان - معاوية - عمرو ..»، ومن النساء: «عائشة - حفصة..» -رضي الله عنهم جميعًا-.
فرضي الله عن الصحابة جميعًا، ورضي الله عن أمنا الطاهرة الشريفة العفيفة الصديقة بنت الصديق، عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين، وزوج النبي[ في الدنيا والآخرة.


اعداد: ياسر برهامي