إنَّ الـمذاهب الأدبية الغربية قد فعلت فعلتها فـي الأدب العربي الـحديث؛ إذ غرَّبت كثيـرًا من نـماذجـه، وقطعت صلتـه شكلاً، ومضمونًـا بـمنابع الثَّـقافـة العـــربيـة، والإسلامية الأصيلة؛ بل حتـى بالقيـم الإنسانيـة الـمشتـركـة؛ كمـا ينبغي أن يؤخـذ فـي الـحسبان أمـران هامـان يتعلقـان بالـمـدارس الأدبيـة الـغـربيـة:
الأول: وهو ما أشرنا إليه من كونها نتاج فلسفـاتٍ، وإيديولوجيـاتٍ [والـتـي أعبـر عنهـا هنـا؛ بالنَّماذج الـمعرفيـة؛ فبيـن الـنَّـموذج، والأيـديولوجيـا عمـومٌ، وخصوصٌ] أنتجتها حضارةٌ تـختلف فـي تصوراتها، ومصادرها، ومرجعياتها عن حضارتنـا العربيـة الإسلامية كـل الاختـلاف.
الثاني: أنَّ هـذه الـمذاهب الأدبيـة الغربيـة قد استنبطت مـن أدبٍ ذي طبيعـــــةٍ مـختلفـةٍ – فكريًـا، وفنيًـا، وجـماليًـا– عن طبيعة أدبنا العربي الإسلامي؛ وبالتالي فهي ليست إنتاجًـا إبداعيًـا عربيًـا؛ ولا هي مستقـرأةٌ من نـماذج أدبنـا العربي، أو الإسلامي؛ قديـمه، أو حديثـه؛ ولا هي إفـرازات مـجتمعٍ عربـيٍّ إسلامـيٍّ؛ أو حضارةٍ عـربيـةٍ إسلاميـةٍ.
لقد غابت هاتان الـحقيقتـان -جهـلاً، أوتـجاهلاً، تـحـت مطارق انبهار الـمغلوب بالغالب على نـحـو ما ذكر ابن خلدون- عن كثيـرٍ من أدبائنا العرب الـمعاصرين؛ فسجلت الـمذاهب الأدبيـة الغربيـة – على ما فيها من مـجافاة لعقيدتنـا، وتصوراتنـا الفكريـة، ولغتنا، وذوقنـا حضورًا طاغيًـا فـي الأدب العربي الـحديث، على نطاق الشَّـكل، والـمضمون معًـا. [نقلا عن كتاب عود الربيع. كيف تنسج النماذج المعرفية خيوط الأدب.10. للمحقق والباحث والناقد الاسلامي: عمر بوساحة]