31-12-2012 | د. أبوزيد محمد مكي
فالشيعة في الصدر الأول ليست فرقة مضادة للسنة, بل هم من أهل السنة والجماعة رأوا أن علياً أحق بالخلافة من عثمان , وخاصة في سنيه الأخيرة , فكان يطلق على الواحد منهم شيعي , ويقصد به الذم له , وأمَّا من تكلم منهم في عثمان فيعتبرونه من الشيعة الغلاة

التشيع لقب عام , يختلف مدلوله بحسب الزمان والأعيان .
ففي العصر الأول أطلق التشيع على كل من يقدم علياً على عثمان – رضي الله عنهما – في الفضل والأحقية بالخلافة.
وأمَّا بعد ذلك فصار هذا اللقب شعاراً , تستتر به كثير من الفرق , وتخفي تحته أنواعاً من العقائد الغالية .
فالشيعة في الصدر الأول ليست فرقة مضادة للسنة, بل هم من أهل السنة والجماعة رأوا أن علياً أحق بالخلافة من عثمان , وخاصة في سنيه الأخيرة , فكان يطلق على الواحد منهم شيعي , ويقصد به الذم له , وأمَّا من تكلم منهم في عثمان فيعتبرونه من الشيعة الغلاة(1). وقد استقر مذهب أهل السنة على أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة وأن ترتيبهم في الخلافة وقع كترتيبهم في الفضل.
وأمَّا فيما بعد فتحول لقب الشيعة من معناه اللغوي إلى معنى اصطلاحي, استأثرت به فرقة الإمامية أكثر من غيرها من فرق الشيعة , ولكن يجمعهم القول بتقديم علي على سائر الصحابة في الخلافة والفضل بالنص والتعيين, ثم تتميز كل فرقة فيما بعد بمعتقدات خاصة بها , فصار من يثبت خلافة الثلاثة رضي الله عنهم يسمى سنياً , والمخالف شيعياً (2).
يقول ابن تيمية : "ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا علياً أو كانوا في ذلك الزمان , لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر , وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي على عثمان , وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر" (3).
وأمَّا الشيعة اصطلاحاً , فيعرفها شيخ الطائفة الإمامية الملقب بالمفيد بأنهم: "أتباع أمير المؤمنين – صلوات الله عليه – على سبيل الولاء , والاعتقاد لإمامته بعد الرسول – صلوات الله عليه وآله – بلا فصل , ونفي الإمامة عمَّن تقدمه في مقام الخلافة .. "(4).
وقد عرَّف كثير من كتاب الفرق ؛ سواء الشيعة أو السنة مصطلح الشيعة, وكان أفضلها ـ في نظري ـ تعريف الشهرستاني . يقول : "الشيعة هم الذين شايعوا علياً على الخصوص , وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية , إمَّا جلياً وإمَّا خفياً , واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده , وإن خرجت فبظلم يكون من غيره , أو بتقية من عنده , وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة , وينتصب الإمام بنصبهم , بل هي قضية أصولية , وهي ركن الدين , لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله, ولا تفويضه إلى العامة وإرساله . ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص , وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر , والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلاَّ في حال التقية . ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك , ولهم في تعدية الإمام كلام وخلاف كثير, وعند كل تعدية وتوقف : مقالة ومذهب وخبط" (5).



----------------------------
(1) انظر : لسان الميزان (1/9 - 10) .
(2) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية (3/356).
(3) منهاج السنة (1/13).
(4) أوائل المقالات (2).
(5) الملل والنحل (1/146) , وانظر تعريفات أخرى ومناقشتها : الشيعة والتشيع , إحسان إلهي ظهير (13 - 44). وأصول مذهب الشيعة , د.ناصر القفاري (1/30 – 56).