الخيول العربية في الإسلام

جميل حسين الأحمد - باحث سوري

الخيول العربية من أجود أنواع الخيول في العالم وأكثرها أصالة وعراقة وتميزًا عن غيرها بقوتها وشدة بأسها وجمالها وألوانها المتعددة وتسمياتها المختلفة التي اقترنت مع مواصفاتها الجمالية وتكوينها الفيزّيولوجي.


لقد اقترن موضوع الخيل بالجهاد، والجهاد بالاعتقاد، والاعتقاد بالإيمان، والإيمان باليقين، ولقد عزز الإسلام حب الخيل عند العرب وشجع المسلمين على الاعتناء بها ورعايتها، وهذا التعزيز يأتي من أهميتها الكبيرة للمسلمين، فهي الوسيلة التي حملتهم لنشر رسالة السماء العادلة ورافقتهم في فتوحاتهم التي امتدت لخارج حدود الوطن العربي، فقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم الخيول العربية في أكثر من مكان وعلى رأسها وصف سرعة الخيل خلال إغارتها على الأعداء في الصباح وتلاحق أنفاسها وزفراتها أثناء الجري، ووصف ارتطام سنابكها بالحجارة والحصى والغبار المتناثر خلفها (عجاج الخيول) في قوله سبحانه وتعالى: {وَالْعَادِيَات ضَبْحاً فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } (العاديات: 1-5)، وجاء في آية أخرى من سورة الأنفال {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال: 59).
وواضح في هذا البيان الإلهي أن الاستعداد لا يكون كاملًا بإعداد المسلمين فقط وإنما ستكمل قوتهم بإعداد أنفسهم مع خيولهم وحبسها بوقف أي نشاط إلا استعدادها لخوض المعارك والحروب بسورة آل عمران قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ ..} (آل عمران: 14). يضاف إلى ما ورد ذكره عن الخيل في كتاب الله ما ورد من اهتمام النبي " صلى الله عليه وسلم" بالخيل وتكريمها، ومما ورد عن النبي " صلى الله عليه وسلم" من أحاديث توصي بذلك قوله " صلى الله عليه وسلم" : «أكرموا الخيل وجللوها» وقوله " صلى الله عليه وسلم" : «لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها» ويؤكد رسولنا الكريم " صلى الله عليه وسلم" أن الخير في الخيل دائم ومستمر مادامت الخليقة، ويبين ذلك في الحديث الشريف عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي " صلى الله عليه وسلم" قال: «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة»، كما ورد من الأحاديث النبوية الأخرى على لسان الرسول " صلى الله عليه وسلم" مثل قوله: «عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنـز»، ومعنى هذا أن ظهورها عز وأبهة ومجد وشرف في المكانة ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «كل لهو ابن آدم باطل إلا تأديبه فرسه وملاعبة أهله ورميه عن قوسه»، وهذا الإمام ابن حذيفة يقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في غزواته يعطي الفارس سهمين والراجل سهمًا واحدًا وإنه فعل ذلك مع المقداد بن عمرو في بدر ومع الزبير بن العوام في يوم بني قريظة، ومع جميع الفرسان في وقعة بني المصطلق، وفي غزوة الحديبية، وحصل هذا مع المهاجرين والأنصار فهو بمنـزلة الإجماع، وقد ملك الرسول " صلى الله عليه وسلم" العديد من رؤوس الخيل العربية الأصيلة المشهورة الأرسان وعرف من أسمائها (اللزاز– لحيف– والسكب– واليعسوب)، بقي هذا الاعتزاز والاهتمام متوارثًا عند المسلمين حيث استمروا بالحفاظ على أصالة خيولهم وإكرامها والاعتزاز بأرسانها، وللحفاظ على هذه الخيول وأصالتها وضعوا أفضل نظام عالمي لتثبيت ذلك هو نظام الأرسان، حيث يجب على العربي أن يسلسل نسب خيله حتى يعيدها إلى رسنها الأصلي.
ويقال إن الفاروق عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" أول ما تولى الخلافة شك في أصالة بعض خيول الفرسان سيما وأنها ابتعدت عن مرابطها خلال الفتوحات الإسلامية البعيدة وطال بها البعد عن هذه المرابط، فدعا خبيرًا بعناق الخيل يدعى سلمان بن ربيعة الباهلي وطرح عليه شكه، فقام هذا الأخير بجمع الخيل وجاء بدلو فيه ماء ووضعه على الأرض وأطلق الجياد لتشرب بعد عطش شديد فما شرب منها ورفع رأسه دون أن يثني ذلك اعتبره أصيلًا، وأما ما شرب وسنبك في شربه اعتبره غير أصيل، وبذلك تم إبعادها عن الخيول حفاظًا على أصالتها.
الأنبياء وحبهم للخيل
كان نبي الله داود عليه السلام يحب الخيل كثيرًا حيث لم يسمع بفرس إلا اقتناها ويقال: إنه جمع ألف فرس لم يكن على وجه الأرض غيرها، ويروي ابن الكلبي النسابة المعروف أن أول من ركب الخيل هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإنما كانت وحشا لا تطاق، لكن الله سبحانه وتعالى سخرها له، وفي قصة موسى عليه السلام مع فرعون من حكمة الله أن تبعته أحصنتهم فأغرقوا، لأن الحصان رأى الحجر وتبعها، قيل إن الله تعالى أمر نبيه موسى عليه السلام أن يعبر البحر وعبره وهم خلفه فأعمى أعينهم عن الماء فكانوا يرونها بقعًا والخيل تراه ماءً فلولا دخول جبريل عليه السلام بفرسه لما دخلت خيلهم.
والخيل أصناف، منها: الصافنات وهي التي إذا ربطت في مكان وقفت على إحدى رجليها وقلبت بعض الأخرى في الوقوف وقيل غير ذلك، وكانت الصافنات ألف فرس لسليمان عليه السلام فعرضها يومًا ففاتته الصلاة، وقيل إنها صلاة العصر فأمر بعقرها فعوضه الله عنها بالريح فكانت فرسه.
وقيل إنه عقرها على القربى كالهدي، وقيل إن الفرس لا يحب الماء الصافي ولا يضرب فيه بيده كما يضرب بها في الماء الكدر فرحًا به فإنه يرى خياله بالماء الصافي فيفزعه ولا يراه في الماء الكدر، ألم تسمع أبا الطيب المتنبي وهو يقول:
أعز مكان في الدنا سرجُ سابح
وخيرُ جليس في الأنام كتابُ
نعم إنه خير مكان سرج سابح وهو سابح فوق الأرض لكن ممتطيه وراكبه يشعر أنه يطير بالفضاء، وعن هذا المخلوق تخيل الإنسان بساط الريح وجنح خيال الإنسان أن يصورها بجناحين بيد أن الأجنحة للطيور ولكنها كنايات عن سرعة عدوه وكأنه سابق الريح.
ومن الأيام التي يتباشر بها العرب حيث يقيمون لها الأفراح والمآدب ثلاثة إذا ولد لهم ولد (ذكر) وإذا نبغ فيهم شاعر وإذا ولدت لهم مهر أنثى، كما أن أشراف العرب لا يخدمون إلا ثلاثة منهم يخدمون الضيف والولد والخيل، وتنصر العرب على ظهور الخيل لثلاثة للمرأة كما حدث في قصة (وامعتصماه) وغيرها، وللضيف، وللنخوة فيلبون النداء ليوم الوقيعة والنـزال.
يقول أبوعثمان الجاحظ: لم تكن أمة قط أشد عجبًا بالخيل ولا أعلم بها من العرب، ولذلك أضيفت إليهم بكل لسان ونسبت إليهم بكل مكان فقالوا فرس عربي، ولم يقولوا فرس هندي أو فرس رومي، كان الجواد جزءًا من حياة العربي وشغله الشاغل ومحور معاناته اليومية يجاع من أجله العيال.
إنه لم يرو التاريخ عن أمة أعطت اهتمامًا لهذا الأمر كما هو عند الأمة العربية بجاهليتها وبعد دخولها الإسلام، ورغم تطور الآلة الحديثة، ورغم أن العامة من شعبنا نسوا الكثير من تراث هذه الأمة العريقة وفي مقدمة هذا التراث الأصيل الاهتمام بالحصان العربي الذي رافق أجدادنا في فتوحاتهم التي خلدها التاريخ، نقول رغم ذلك لا يزال الكثير من أبناء امتنا يسعون للمحافظة على الحصان العربي وتنميته ورفده بأسس التطور التي تتنامى بهذا العالم يومًا بعد يوم.
المراجع
1- أنساب الخيل في الجاهلية والإسلام لابن الكلبي تحقيق المرحوم أحمد زكي– طبعة دار الكتب 1946م.
2- الحصان العربي وخيول العالم– ترجمة وإعداد محمد غسان سبانو- دار الكتاب العربي– دمشق– القاهرة.
3- عيون الأخبار - ابن قتيبة الدينوري «الخيل».
4- رياض الصالحين– أبو زكريا بن شرف الدين النووي.