تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: هل مذهب السلف في الصفات هو التفويض ؟

  1. Post هل مذهب السلف في الصفات هو التفويض ؟

    24-05-2013 | د. عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف
    فقد أمر الله بتدبر القرآن كله،وأجلّه آيات الصفات،فدل ذلك على أن آيات الصفات تُفهم وتعقل. فمذهب السلف الصالح بريء من مذهب التفويض والتجهيل والتضليل الذين يجعلون معاني الصفات مجهولة،أو لامعنى لها.
    يقول السائل :
    -حين ندعو بعض الأشاعرة لاتباع السلف يردون بأن مذهب السلف هو التفويض فهل حقا هو كذلك ؟ وما الرد عليهم ؟
    -------------------
    الجواب :
    مذهب السلف الصالح في الصفات الإلهية:إثباتها من غير تحريف ولاتعطيل،ولاتكي يف ولاتمثيل،وأن معاني الصفات معلومة،وهذا معنى قول السلف:أمرّوها كما جاءت بلا كيف؛فقد أمر الله بتدبر القرآن كله،وأجلّه آيات الصفات،فدل ذلك على أن آيات الصفات تُفهم وتعقل.
    فمذهب السلف الصالح بريء من مذهب التفويض والتجهيل والتضليل الذين يجعلون معاني الصفات مجهولة،أو لامعنى لها.
    والأشاعرة يترنحون بين التحريف والتفويض،وربما ترك بعضهم مسلك التأويل المذموم،وانتقل لمذهب التفويض،كما وقع لأبي المعالي الجويني،وهذا من مقابلة البدعة بالبدعة،أو مايسمى بردود الأفعال،ثم إن التحريف والتفويض يجمعهما:تعطيل الصفات الإلهية ونفيها،فلاغرابة أن يسلكهماالأشاعرة ؛إذ إن جحد سائر الصفات متحقق لديهم،سواء تأوّلوا أو فوضوا.
    وقد كتبت مقالا قديما بعنوان:التفويض الجهل والجفاء : -

    قرر السلف الصالح أن صفات الله - تعالى - معلومة المعنى ومجهولة الكيفيـة، كمـا قـال الإمـام مالك بـن أنس - وكذا شيخه ربيعة الرأي -: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"[1].

    وبيَّن ذلك شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (ت 449هـ) قائلاً: "وقد أعاذ الله - تعالى - أهل السُّنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومَنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه... "[2].

    فأفصح في هذه العبارة عن مجانبة السلف طرائق التحريف والتمثيل والتكييف، ولزوم سبيل التعريف والتفهيم خلافاً لأرباب التجهيل والتفويض.

    وقال قِوام السُّنة الأصفهاني (ت 535هـ): "ينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً طلب أن يعرف اسمه وكُنْيَتَه، واسم أبيه وجدِّه، وسأل عن صغير أمره وكبيره؛ فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أَوْلَى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها"[3].

    فمعاني الصفات الإلهية معلومة؛ إذ أن الله أمر بتدبُّر القرآن كله في عدَّة آيات، فقال - سبحانه -: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 92] وقال - تعالى -: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 42].

    والتدبُّر هو:
    أن يفهم آيات القرآن ويعقِلها ويعلم معانيها، وأشرَفُ ذلك آيات الصفات... "وإذا كان الله قد حَضَّ الكفار والمنافقين على تدبُّره، عُلِمَ أن معانيه مما يمكن للكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها؛ فكيف لا يكون ذلك ممكناً للمؤمنين؟ وهذا يبيِّن أن معانيه كانت معروفة بيِّنةً لهم"[4].

    وأما أهل التفويض[5] والتجهيل؛ فهم القائلون بأن نصوص الصفات ألفاظ لا تُعْقَل معانيها، ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن نقرؤها ألفاظاً لا معاني لها؛ فجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكــلام الأعجمي الذي لا يُفهم[6]!

    ومذهب التجهيل والتضليل وإن كان مقابلاً لمذهب أهل التحريف والتأويل المذموم، إلاَّ أن منشأ الاشتباه واحد؛ إذ أن طائفتَيِّ التفويض والتحريف قد انقدح في أذهانهم أن في إثبات نصوص الصفات تمثيلاً وتشبيهاً[7]؛ فنفوا الصفات الإلهية التي دلَّت عليها نصوص الوحيين، واستروحوا إلى التفويض تارةً، والتحريف تارةً أخرى[8]، كما في جوهرة (الأشاعرة):

    وكل نصٍّ أوْهَمَ التشبيها أوِّلْه أو فوِّض ورُمْ تنزيها

    ومن ذلك أن أبا المعالي الجويني سلك التعطيل والتحريف، كما في كتابه (الإرشاد) ثم أعقب ذلك بالتفويض والتجهيل في (الرسالة النظامية)[9].

    ولئن كان الأشاعرة والماتريدية ونحوهم يترنَّحون بين تأويل مذموم وتفويض مجهول؛ فيسوِّغون المذهبَيْن بدعوى: "أن مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم!".

    والمصيبة أن متسنِّنَةً في هذا العصر قد غشيتهم هذه اللوثة؛ فتوثبوا على عقيدة السلف الصالح، وتنكَّبُوا الهدى والنور، والعلم والبصيرة، ولَحِقهم الولع والهوس بمذهب التجهيل والتفويض، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور[10].

    ولئن كان التفويض ناشئاً عن جهل بمذهب السلف، أو ضلال بتصويب طريقة الخلف، فربما كان باعث ذلك الشهوة وحظوظ النفس، والتفلُّت من لزوم الصراط المستقيم: "إن النفوس فيها نوع من الكِبر؛ فتحبُّ أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسـابوري - رحمه الله -: ما ترك أحد شيئاً من السُّنة إلا لِكِبْر في نفسه، ثم هذا مظنَّة لغيره؛ فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويصير فيه من الكِبْر وضعف الإيمان بالله ما يفسد عليه دينه"[11].

    ويقـال لهـؤلاء المفوِّضـة: هـا أنتـم تثبتون أن للـه - تعالـى - ذاتاً - تليق به سبحانه - تعقلونها وتعْلَمونها، فكذا أسماؤه وصفاته - عز وجل - تُعلم وتُعْقَل؛ فالقول في الصفات كالقول في الذات[12].

    "ويقال أيضاً: أتقولون بهذا التجهيل في جميع أسماء الله - تعالى - وصفاته؟ فإن قالوا: هذا في الجميع كان هذا عناداً ظاهـراً وجحداً لما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام، بل كُفْر صريح؛ فإنا نفهم من قوله - تعالى -: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 651] معنىً، ونفهـم من قولـه - تعالـى -: {إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [إبراهيم: 74] معنىً، وصبيان المسلمين بل وكل عاقل يفهم هذا.

    ويقال لهذا المعاند: فهل هذه الأسماء دالة على الإله المعبود أم لا؟ فإن قال: لا، كان معطِّلاً محضاً، وما أعلم مسلماً يقول: هذا، وإن قال: نعم، قيل له: فلم فهمت منها دلالتها على نفس الرب، ولم تفهم دلالتها على ما فيها من المعاني من الرحمة والعلم، وكلاهما في الدلالة سواء؟"[13].

    ومن أَوْجُه فساد مذهب التفويض:
    "أن هذا قدح في القرآن والأنبياء؛ إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم، وأمر بتدبُّر القرآن وعَقْلِه، ومع هـذا؛ فأشرف مـا فيـه - وهـو مـا أخبـر الــربُّ عـن صفـاتـه - لا يعلم أحد معناه؛ فلا يُعْقَل ولا يُتَدبَّر! ولا يكون الرسول بلَّغ البلاغ المبين... فتبيَّن أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد"[14].

    "إن من أعظم أبواب الصدِّ عن سبيل الله وإطفاء نور الله، والإلحاد في آيات الله وإبطال رسالة الله، دعوى أن القرآن لا يُفهم معناه، ولا طريق لنا إلى العلم بمعناه... فمن كان يرى أن الذي أمر الله به، أن تكون الأمة كلها لا تعقل معاني الكتاب، فهو ممن يدعو إلى الإعراض عن معاني كتاب الله ونسيانها، ولهذا صار هؤلاء ينسون معانيه حقيقة؛ فلا يخطر بقلوبهم المعنى الذي أراده الله ولا يتفكرونه... "[15].

    ومن الأجوبة العقلية والضرورية في ردِّ هذا التجهيل؛ أن من قرأ مصنَّفات الناس في الطب والنحو والفقه والأصول... لكان من أحرص الناس على فَهْم معنى ذلك، ولكان من أثقل الأمور عليه قراءة كلام لا يفهمه، فإذا كان السابقون - رضي الله عنهم - يعلمون أن هذا كلام الله وكتابه الذي أنزله إليهم وهداهم به، أفلا يكونون أحرص الناس على فهمه ومعرفة معناه؟ بل ومن المعلوم أن رغبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته من تعريفهم حروفه...[16]

    وها هنا ضرورة فطرية، وأمر وَجْديٌّ لا انفكاك عنه؛ وهو أن التعرف على الله بأسمائه وصفاته وما يستلزم ذلك من محبته وعبادته لهو أكبر المقاصد وأجلُّ المطالب؛ فمعرفة هذا أصل الدين، وأساس الهداية، وأفضل ما اكتسبته القلوب، وأدركته العقول؛ فلا يُتَصوَّر أن يكون السلف الصالح كلهم كانوا مُعْرِضين عن هذا؛ لا يسألون عنه، ولا يشتاقون إلى معرفته، ولا تطلب قلوبهم الحــق فيه، وهــم - ليلاً ونهاراً - يتوجهون بقلوبهم إليه - سبحانه - ويدعونه تضرعاً وخفية، ورغبةً ورهباً. والقلوب مجبولة مفطورة على طلب العلم بهذا، ومعرفة الحق فيه، وهي مشتاقة إليه أكثر من شوقها إلى كثير من الأمور[17].

    ويتعذر على هؤلاء المفــوِّضة أن ينكــروا ما يجــدونه في قلوبهــم من محبة اللـه - تعالــى - لما لــه - سبحانه وتعالى - من صفات الكمال والجلال والجمال، ولعظيم نِعَمِه وكثرة آلائه...

    وكذا استصحاب الخوف من ملك الملوك، ومالك يوم الدين، هو ناشئ عن ظهور آثار أسمائه وصفاته الدالة على بطشه، وقهره، وعدله، وانتقامه... كما يمتنع أن يجحدوا ما في أنفسهم من الطمع برحمة الله ورأفته؛ إذ يرجون رحمته ويرغبون إليه.

    إن التعرُّف على الله - تعالى - والعلم بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا والتفقه في فهم معانيها يحقــق عبــادة الله - تعالى - ومحبته وخشيته ورجاءه؛ فكلما ازداد العبد معرفة بربِّه ازداد إيماناً وتوحيداً[18].

    قال ابن القيِّم: "لا يستقر للعبد قَدَم في المعرفة - بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الربِّ - جل جلاله - ويعرفها معرفة تخرج عن حدِّ الجهل بربِّه؛ فالإيمان بالصفات وتعرُّفُها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان"[19].

    والمقصود أن مذهب التفويض بلوازمه الفاسدة وما يؤول إليــه، من شــر المذاهب؛ لِـمَا فيه من الطعــن في حكمــة الله - تعالى - ورحمته وعلمه... ونفي صفاته، وانتقاص القرآن في هدايته وبيانه وشفائه، والقدح في سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - من جهة عِلْمِه وبيانه ونُصْحه؛ إذ هو - صلى الله عليه وسلم - أعلم النــاس بــربه - سبحانه وتعالى - وأفصح الناس وأنصح الناس... واستجهالِ السابقين الأولين، ولَـمْزِ الصحابة - رضــي الله عنهم - بقلَّة العلم وضعف الحكمة..

    وما كان لمذهب التجهيل والتضليل أن يروج على فئام من المسلمين، لولا تقصير علماء ودعاة أهل السُّنة والجماعة عن تبليغ رسالات الله ومدافعة شبهات المبطلين، لا سيما وأن مذهب التفويض قد ينشأ عن ضعفٍ وقعودٍ عن مجالدة أرباب التأويل الفاسد؛ فقد يعلم بعضهم فساد تأويلات المحرِّفين لآيات الصفات، لكنه يضعف عن تحقيق الإيمان بمعاني القرآن؛ فيركن إلى الجهل، ويخلد إلى التفويض، ويُعْرِض عن معاني القرآن ولا حول ولا قوة إلا بالله[20].


    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ
    [1] أخرجه اللالكائي في شرح أصول السُّنة: 2/398، والصابوني في عقيدة السلف: ص 181، والذهبي في العلو: ص 98 وغيرهم.
    [2] عقيدة السلف أصحاب الحديث: ص 63.
    [3] الحجة في بيان المحجة: 1/22.
    [4] القاعدة المراكشية لابن تيمية: ص 30.
    [5] كتب د. أحمد القاضي رسالة علمية متينة بعنوان: «مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات عرض ونقد» تزيد على ستمائة صفحة، وهي مطبوعة متداولة؛ بيَّن حقيقة هذا المذهب مع الرد على شبهاتهم، وقد انتفعتُ بها.
    [6] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 13/295، والصواعق المرسلة لابن القيم: 2/422.
    [7] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 5/476.
    [8] الحموية لابن تيمية: ص 205، 206.
    [9] انظر: الدرء: 3/381.
    [10] مثل يُضرب لمن أصابه نقصٌ بعد زيادة.
    [11] اقتضاء الصراط المستقيم: 2/612.
    [12] هذا الأصل الكبير «القول في الصفات كالقول في الذات» قرره جمع من المحققين: كالخطابي، والخطيب البغدادي، وابن الزاغوني، وأبي عثمان الصابوني، وابن عبد البر، وابن تيمية رحمهم الله.
    [13] مجموع الفتاوى: 13/297 ،298 (بتصرف يسير).
    [14] الدرء: 1/205،204 (باختصار).
    [15] جواب الاعتراضات المصرية لابن تيمية: ص 24، 25 (باختصار).
    [16] انظر: جواب الاعتراضات المصرية: ص 14، والقاعدة المراكشية: ص 29.
    [17] انظر: الحَمَوية: ص 196، والقاعدة المراكشية: ص 47، 48.
    [18] انظر: تفسير السعدي: 1/24.
    [19] مدارج السالكين: 3/347.
    [20]انظر: تفصيل ذلك في: جواب الاعتراضات المصرية لابن تيمية: ص 26-31


    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي

    بارك الله فيكم!
    الرَّد على الزَّنادقة والجهمية لللإمام أحمد بن محمد بن حنبل:
    http://www.ajurry.com/vb/attachment....8&d=1370176387

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    نقل نافع، بارك الله فيك أبا عاصم.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    مذهب المفوضة مذهب كبير، والذين قالوا بالتفويض كثرة جدا وليسوا بالقليل سواء من المتقدمين يعني في عهد الإمام أحمد وما قبل إلى زماننا هذا.
    والذي ورد عن السلف فيمن قال منهم إنهم يفوضون، أو نفوض هذا، أو نكل علمه إلى قائله، أو نحو ذلك مما يفهم منه التفويض، فيراد به تفويض الكيفية؛ لأن الكيفية من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله جل وعلا كما قال سبحانه ?هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ?[الأعراف:53]، إلى آخر الآية في الأعراف، وكذلك قوله ?وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ?[آل عمران:7]، عند الوقف على لفظ الجلالة يدخل في التأويل ما تؤول إليه حقائق الأخبار، ومنها العلم بالكيفيات.
    فلاشك أن أحدا لا يعلم كيفية اتصاف الرب جل وعلا بصفاته، ولا كيفية الغيبيات على حققيتها التي خلقها الله جل وعلا عليه؛ لأن هذا من العلم من علم الغيب الذي اختص الله جل وعلا به نفسه العلية جل جلاله وتقدست أسماؤه.
    فهذا المعنى الأول تفويض الكيفية وهذا نؤمن به، فنفوض كيفية الأمور الغيبية ومن ذلك صفات الرب جل وعلا نعوت جلاله ومعاني أسمائه، وما يتصل بذلك من أمور الغيب نفوض كيفيتها إلى ربنا جل وعلا.
    والقسم الثاني من التفويض تفويض المعنى؛ يعني يقول أنا أفوض العلم بالمعنى، أفوض المعنى، ما أدري معنى الرحمن الرحيم، ما أعرف معنى الرحمن، ثم استوى على العرش ما أعلم معنى استوى، أفوض معناها إلى الله، فالاستواء ربما يكون معناه القهر، ربما يكون معناه العلو، ربما يكون معناه الرحمة، ربما يكون معناه أي معنى، فيوفضون المعنى.
    فيقولون: لا نعلم معاني الغيبيات ولا أحد يعلمها.
    ولهذا ذهب إلى هذا المذهب قلة -يعني تفويض المعنى- قلة من المتقدمين يعني في القرن الثاني والثالث، وشاع عند طائفة من المتأخرين بسبب أنه قول للأشاعرة، وقد نظموه في عقائدهم بقول القائل في جوهرة التوحيد:
    وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوّض ورم تنزيها
    فباب الأشاعرة له في الصفات قولان:
    الأول وهو الراجح عندهم والأقوى أن تؤول الصفات التي تتعارض مع الصفات السبع التي أثبتوها وتتعارض مع العقل.
    والثاني وهو صحيح عندهم؛ لكنه ليس بقول أهل العلم والحكمة هو تفويض المعنى.
    وهذا التفويض -تفويض المعنى- حيث يقول لا نعلم معنى الصفات، هذا موجود عند الأشاعرة من بعد أبي الحسن الأشعري إلى وقتنا الحاضر، وهو أيضا الذي راج على جملة من الحنابلة في كتبهم، حيث ظنّوا أنّ ذمّ الإمام أحمد لمن فوّض أنه تفويض الإثبات في أصله؛ يعني لا ندري نثبت أو لا، لا ندري الصفة موجودة أو غير موجودة أو نفي الصفة من أصلها، وفهموا أيضا من قوله قول الإمام أحمد وقول الشافعي ونحو ذلك (لا كيف ولا معنى) في الصفات، مثل ما ساقها صاحب اللمعة، فهموا منه أنه التفويض، وفهموا هذا من قول الشافعي: نؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، ونؤمن بما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أنه في التفويض.
    هذا التفويض في الحقيقة تفويض المعنى الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال فيه غيره أيضا: إن التفويض هو شر المذاهب. وذلك لأنّ تفويض المعنى يرجع إلى عدم العلم به، ولهذا صنفهم ابن تيمية في أول درء التعارض: إلى أن من فوّض فهو من اهل التجهيل يعني الذين يقولون إنه لا يوجد أحد يعلم معنى الصفات، ما يوجد أحد، الصحابة يعلمون؟لا، هذه المعاني مجهولة حتى إن بعضهم يقول إن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لا يعلم هذه المعاني، إنما هو إثبات ألفاظ دون معاني، فتفوض المعنى لا معنى معقول من هذه الصفات.
    ولاشك أن مذهب المفوضة هو شر المذاهب؛ لأنه يقتضي تجهيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عنْهُم بل يقتضي أن في القرآن كلاما وآيات كثيرة لا أحد يعلم معناها، ومعلوم أن أكثر القرآن في الغيبيات ولذلك جاء أول آية في القرآن في امتداح الذين يؤمنون بالغيب يعني في سورة البقرة ?الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ?[البقرة:1-2]، والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالكيفيات والله جل وعلا أعلم بها، والإيمان بمعاني ما دلنا ربنا جل وعلا به على الغيب، نؤمن بها على ظاهرها؛ يعني على ما دلت عليه لغة العرب.
    نعم معلوم أن المعاني في الشيء الواحد تتفاوت، فمثلا إذا أخذت السمع، إذا أخذت البصر، إذا أخذت القوة، خذ القوة مثلا والقدرة، الكائن الضعيف النملة لها قوة ولها قدرة ولها نطق ولها سمع ولهذا بصر، فأصل القوة موجود فيها؛ يعني معنى القوة موجود فيها، ما هو أعلى منها في الخِلْقة من جهة مثلا الهرة موجود عندها قوة، لاشك موجود عندها، بصر موجود عندها سمع، موجود عندها قدرة على أشياء، خذ الأعلى منها الأعلى إلى أن تصل إلى الإنسان إلى أن تصل من الحيونات من جهة القوة والقدرة أقوى من الإنسان يعني بذاته يعني من جهة الحوانات المفترسة كالأسد ونحو ذلك.
    إذن القوة قدر مشترك، القدرة قدر مشترك؛ لكن نقول إنه مادام انها في النملةمختلفة عن الإنسان، نقول: لا في الإنسان ماله قوة أن قوة النملة هذه هذا تحديد للصفة لبعض أفردها، لبعض من يتصف بها وهذا جناية على المعنى الكلي؛ لأن اللغة العربية كليات فيها كليات المعاني أما الذي يوجد في الخارج فهي الذوات نعم نقول جدار يد أشياء هذه تتصورها؛ لكن من جهة المعاني، المعاني تتصور هذا المعنى بالإضافة إلى من اتصف به.
    ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقررهم في كتابه التدمرية كما تعلمون.
    إذن فتفويض المعنى، المعنى أصلا متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من هذا المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على الأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأن القرآن حجة، وجعله الله جل وعلا دالا على ما يجب له جل وعلا وما يتّصف به ربنا سبحانه وتعالى من نعوت الجلال والجمال والكمال.
    التفويض يحتاج إلى مزيد بسط؛ لكن يمكن أن ترجعوا إليه في مظانه، وكثير من العلماء فهم وظنّ أن مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والسلف هو التفويض، حتى إنهم ينقلون كلام شيخ الإسلام ويحملونه على الفويض مثل السفاريني ومثل [...] يوسف في أقوايل الثقات، وجماعة من المتأخرين ينقلون كلام شيخ الإسلام وفهموا مذهب الإمام أحمد ومذهب شيخ الإسلام ومذهب السلف الذي هو أسلم أنه التفويض، وهذا ليس بصحيح، إذا كان المقصود تفويض المعنى بحيث إنه لا نعلم معنى استوى، لا نعلم معنى ?وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ?[البقرة:255]، إيش معنى العلي، نقول لا نعلم معناها، لا نعرف العلو، ما نعرف هنا العلي، قد يكون بمعنى الرحيم، قد يكون بمعنى القدير، هذا تجهيل وجهالة؛ بل ربما آل إلى الطعن في القرآن.-------------------[شرح الطحاوية]

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2019
    المشاركات
    303

    افتراضي رد: هل مذهب السلف في الصفات هو التفويض ؟

    هذا مثال يبين مراد السلف الذين قالوا امروها بلا تفسير
    قال ابن بطة في الابانة الكبري
    وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ، ثنا الْأَثْرَمُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَرْبٌ مُحَدِّثٌ، وأنا عِنْدَهُ بِحَدِيثٍ: [ص:331] «يَضَعُ الرَّحْمَنُ فِيهَا قَدَمَهُ» ، وَعِنْدَهُ غُلَامٌ، فَأَقْبَلَ عَلَى الْغُلَامِ فَقَالَ: إِنَّ لِهَذَا تَفْسِيرًا؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: انْظُرْ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ سَوَاءً
    -----------------
    فبان من هذا ان مرادهم تفسيرات الجهمية وهي تفسيرات المريسي وابن الثلجي ومن لخص افكارهما وهذبها كابن فورك في المشكل والتي نقضها الدارمي واحدة تلو الاخري

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •