بسم الله الرحمن الرحيمحقيقة قصة يأجوج و مأجوج - الحقيقة الأولى:
من خلال الأحاديث الثابتة في قصة يأجوج و مأجوج يمكن أن نستخلص مجموعة من الحقائق المتعلقة بهذه الأمة:الحقيقة الأولى:
يأجوج و مأجوج موجودون و ليسوا خرافة بل هم حقيقة ثابتة، و أنهم لا يزالون في السد الذي بناه ذو القرنين، و أنهم يحاولون الخروج، لكنهم لم يستطيعوا بعد كما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه-1-.
و أما قول الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى عن هذا الحديث:" و مهما كان سند مثل هذا، فهو من الإسرائيليات عن كعب و أمثاله و قد يكون رفعها إلى النبي صلى الله عليه و سلم غلطا أو خطأ من بعض الرواة أو كيدا يكيد به الزنادقة اليهود للإسلام و إظهار رسوله بمظهر من يروي ما يخالف القرآن، فالقرآن قد نص بما لا يحتمل الشك على أنهم لم يستطيعوا أن يعلوا السد و لا أن ينقبوه، قال تعالى:" فما اسطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا""اهـ -2-
فهذا القول لا يسلم، و ذلك من وجوه:
أ- الحديث ثابت فقد رواه كل من الإمام أحمد و الحاكم و أبو داود، و صححه العلامة المحدث الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع تحت رقم:2276-4040
ب- الحديث ليس من الإسرائيليات بل هو حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم بالسند الصحيح.
ت- أنه ليس هناك تعارض بين هذا الحديث و القرآن، فالقرآن نص على أنهم ما استطاعوا أن يعلوا السد لا أنهم لن يستطيعوا، و فرق بين الأمرين، بل إن القرآن نفسه أخبر أنهم سيفتحون الردم و ينقبوه و يعلون السد، و لنتأمل قول البارئ سبحانه:" ...حتى إذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا، فما اسطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا، قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكا، و كان وعد ربي حقا"الكهف:96-98.
فقوله تعالى:" فإذا جاء وعد ربي جعله دكا" الضمير يعود على السد، و أنه يصير دكا، فهذا يعني أنهم سيفتحونه، ليخرجوا بعد ذلك.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره:" { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي } أي: إذا اقترب الوعد الحق { جَعَلَهُ دَكَّاءَ } أي: ساواه بالأرض. تقول العرب: ناقة دكاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها..." اهـ.
و يقول الحافظ ابن كثير كذلك في النهاية:" فإن قيل فما الجمع بين قوله تعالى: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) [ الكهف: 97 ] وبين الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه وهو يقول: " لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " وحلق تسعين قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث".
وأخرجاه في الصحيحين: من حديث وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وعقد تسعين".
فالجواب أما على قول من ذهب إلى أن هذا إشارة إلى فتح أبواب الشر والفتن وإن هذا استعارة محضة وضرب مثل فلا إشكال.
وأما على قول من جعل ذلك إخبارا عن أمر محسوس كما هو الظاهر المتبادر فلا إشكال أيضا لأن قوله: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) أي في ذلك الزمان لان هذه صيغة خبر ماض، فلا ينفي وقوعه فيما يستقبل بإذن الله لهم في ذلك قدرا وتسليطهم عليه بالتدريج قليلا قليلا حتى يتم الأجل، وينقضي الأمر المقدور فيخرجون كما قال الله تعالى: (وهم من كل حدب ينسلون)" اهـ -3- .
يتبع إن شاء الله تعالى.
-------------------------------------------------------------
-1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" إن يأجوج و مأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم و أراد الله أن يبعثهم على الناس حضروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله و استثنوا فيعودون إليه و هو كهيئته حين تركوه فيحفرونه و يخرجون على الناس فينشفون الماء و يتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع و عليها كهيئة الدم الذي اجفظ فيقولون : قهرنا أهل الأرض و علونا أهل السماء ! فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها و الذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن و تشكر شكرا من لحومهم و دمائهم" رواه الإمام أحمد و الحاكم و الإمام أبو دواد، و صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع- حديث رقم:2276-، و هو في السلسلة الصحيحة تحت رقم:1735-.
-2- الإسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير:.317.
-3- النهاية: 2/132-133.