فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه

الحمدُ للهِ العليم الحكيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد ..
لطالما سألتُ نفسي ما الذي فعلهُ هذا الصحابي الجليل حتى يهتز عرش الرحمن لموتهِ وماهي الفضائل التي تميز بها رضي الله عنه .

هذه بعض فضائل هذا الصحابي الجليل حتى نتأسى ببعض ما كان فيه من أعمال صالحات وأي عمل أفضل من حب الله عز وجل وحب رسولهِ صلى الله عليه وسلم.


ذكر في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار ." فقال أبو هريرة ما ظلم بأبي وأمي آووه ونصروه أو كلمة أخرى .

هو سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل أبو عمرو الانصاري الاوسي.
أسلم وهو في عامه الواحد والثلاثين من عمره على يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير وأستشهد وهو في السابع والثلاثين من عمرهِ.


قال ابن إسحاق: (لما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد الاشهل ! كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا: سيدنا فضلا، وأيمننا نقيبة.
قال: فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
قال: فوالله ما بقيَ في دار بني عبد الاشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا)


وذكرَ ابن هشام نقض كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيّ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعذ بن معاذ وسعذ بن عبادة ونفر من الصحابة .

فقال : " انْطَلِقُوا حَتّى تَنْظُرُوا، أَحَقّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ حَقّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنّاسِ" فعلموا من نقضهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: أَنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ. قَالَ وَكَانَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَمَرّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ يَرْقُدُ بِهَا وَيَقُولُ:
لَبّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الهيجا جمل ** لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إذَا حَانَ الأجل


قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ الْحَقّ: أَيْ بني، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخّرْت؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لَهَا: يَا أُمّ سَعْدٍ وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمّا هِيَ قَالَتْ وَخِفْتِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السّهْمُ مِنْهُ فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ رَمَاهُ .

فلما أصيبَ سعد بن معاذ قال :" اللّهُمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ اللّهُمّ وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ"

فضرب عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب.

فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريضة خمسة وعشرون ليلة حتى قذف الله في قلوبهم الرعب .


ذكر ابن هشام : ( قَالَ فَلَمّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت- وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَسَأَلَهُ إيّاهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ- فَلَمّا كَلّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.)

فأرسل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحكم أن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وكانوا أربع مئة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد :" قَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ "


وفاة سعد بن معاذ :

فلما قُضيَ في بني قريضة أنفجرَ جُرحَ سعد بن معاذ فلما ثقل نقله قومه ، فاحتملوه إلى بني عبد الاشهل إلى منازلهم ومات شهيداً.

وذكر بن هشام : ( قَالَ : أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ؟ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا يَجُرّ ثَوْبَهُ إلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ .)



وذكرَ :( كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا، فَلَمّا حَمَلَهُ النّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفّةً فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفّ مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُمْ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِ سَعْدٍ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ. )


فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ : "لَمّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبّحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَبّحَ النّاسُ مَعَهُ ثُمّ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّ سَبّحْت؟ قَالَ لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ قَبْرُهُ، حَتّى فَرّجَهُ اللّهُ عَنْهُ ."

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لِلْقَبْرِ لَضَمّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ

وذُكر بعث رسول الله جيشا إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بجبة من ديباج منسوج فيها الذهب.
فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يمسحونها وينظرون إليها.
فقال: " أتعجبون من هذه الجبة " ؟ قالوا: يا رسول الله ! ما رأينا ثوبا قط أحسن منه.
قال: " فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون "


رحمَ الله سعداً عاش بعد إسلامه قليلاً وعمل عملاً عظيماً . هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أختارهم الله لصحبته ونصرته فكلٍ منهم تميز عن الآخر بأعمال عظام غفرَ الله لهم جميعاً رضوان الله عليهم وألحقنا الله في زمرتهم.



المراجع:
سير أعلام النبلاء
سيرة ابن هشام
صحيح البخاري