يقول السائل : في قصة قرأتها أن علي رضي الله عنه أراد الزواج ببنت أبي جهل ورفض النبي صلى الله عليه وسلم وغضب لأن بنته فاطمة رضي الله عنها زوجة علي رضي الله عنه .. والسؤال: كيف تتحمل البنت ذنب أبيها ، والله يقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى )----الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله :
- ليس في الحديث النبوي أن الله جل جلاله يحاسبها بجريرة أبيها (كما هو في النصرانية مثلًا وفق عقيدة توريث "الخطيئة الأصلية " )، بل القاعدة في الإسلام كما تفضل السائل "ولا تزر وازرة وزر أخرى " فليس في الإسلام أن من كان أبوه مشركًا كان معرضا للعقوبة..وليس فيه: لا تنكحوا المسلمات إذا كان آباؤهن مشركين ، بل فيه: "فإن علمتموهن مؤمناتٍ فلا ترجعوهن الى الكفار "

- في رواية للحديث كما في الصحيحين (إن فاطمة مني وإني أتخوف أن تفتن في دينها) فعلل بخوفه- عليه الصلاة والسلام- على بنته أن تفتن في دينها ، يعني أن اجتماعها مع بنت أبي جهل قد يعرض السيدة فاطمة رضي الله عنها إلى ما يخدش الاستقامة على أمر الله تعالى ولو قليلا.. لمناسبة قربها بسبب يتصل بعدو الله ..

-قوله عليه السلام في نفس الحديث (وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما) يبطل المعنى الموهوم أن البنت تتحمل ذنب أبيها ..بل يدل على أن نكاح بنت أبي جهل مباح في الأصل

-وفي الأثر نفسه قال المسور بن مخرمة رضي الله عنه (ثم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه ، قال :حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي) ، قال العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" : (وفي ذكره صلى الله عليه وسلم صهره الآخر وثنائه عليه بأنه حدثه فصدقه ووعده فوفى له تعريض بعلي رضي الله عنه وتهييج له على الاقتداء به وهذا يشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه لا يريبها ولا يؤذيها فهيجه على الوفاء له كما وفى له صهره الآخر ،فيؤخذ من هذا أن المشروط عرفا كالمشروط لفظا.. ) (5-107)

-صورة الموقف أن بنت أشرف رسل الله و
بنت فرعون تلك الأمة معًا تحت رجل واحد ، وفي هذا من المفاسد ما فيه من رفع شأن عدو الله (أبي جهل) إلى مقام سامٍ ، ومن حق الأب العاقل أيًا كان أو من واجبه أحيانا أن يصون بضعته التي يحب من أن تكون على مساس مع قوم ذوي عيب ما ، فيحاذر- وهو مسترعى عليها- لما قد يورثها ويورثه من مفاسد شتى ، واعتبر في فهم ذلك :رجلا له بنت تقدم لها ابن أحد رؤوس الإجرام أو الفجور، ففي حالة كهذه :لم يكن مستهجنًا أن يأبى تزويجه مادام كان جانب المفسدة مخوفا ، دون أن يعني هذا أن البنت تحملت وزر أبويها..

-وهذا النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم المؤمنين صفية رضي الله عنها :بنت حيي بن أخطب أحد أشهر زعماء اليهود..فتأمل. فكيف يقال : إن كفر الأب يحمل الأولاد الوزر ؟

-ولو قد فعل علي رضوان الله عليه وتزوج بنت أبي جهل لتعاظم أبو جهل في عين نفسه وانتفش ، وقال: لم تعجبه بنت محمد-صلى الله عليه وسلم- فأخذ ابنتي ..!

-ومهما يكن من شيء ، فللنبي عليه الصلاة والسلام خصوصيات ، ولا نكير أن يكون هذا منها ، وقد وجه الحديث بعض أهل العلم بأن هذا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وأذيته عليه السلام :حرام ، فتعود بالضر إلى من يؤذيه ، فكان من مقتضى الرحمة له والشفقة عليه أن ينهى عنه ..
والله أعلم
---
فائدة : سياق هذا الحديث يتضمن الرد على الرافضة الذين يجعلون قول النبي صلى الله عليه وسلم "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " حجة لهم في الحط على الصديق الأكبر :أبي بكر عليه رضوان الله..فيكفي في إبطال الدعوى قراءة الحديث بسياقه تامًا ليعلم أن سبب مورده هو فعل علي رضي الله عنه في قصده أن يجمع إلى السيدة فاطمة عليها السلام ، بنت أبي جهل لعنه الله ..

منيب بن أحمد شراب.