تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 66

الموضوع: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

  1. #1

    افتراضي فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهده.
    وبعد: فهذا شرح يسير على (
    كتاب التوحيد ) للإمام محمد بن عبد الوهاب جمعته من شروح كوكبة من أهل العلم, قال العلامة السعدي_ رحمه الله_:
    هذه قواعد نظمتها ... من كتب أهل العلم قد حصلتها
    جزاهم المولى عظيم الأجر ... والعفو مع غفرانه والبر


    فليس لي هاهنا إلا الجمع والترتيب والتنسيق بين كلامهم والله أسأل أن يغفر لي زللي وخطأي وجهلي وكل ذلك عندي.


    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال الشيخ _رحمه الله تعالى_: الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.
    كتاب التوحيد
    المتن:
    وقول الله تعالى:{وََمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}( الذاريات: 56). وقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}( النحل:36). وقوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}.( الإسراء:24).
    وقوله:{وَاعْبُدُ وا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} وقوله:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}( الإنعام :153).
    قال ابن مسعود:"من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}- إلى قوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}(
    [1]).
    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:"كنت رديف النبي_صلى الله عليه وسلم_ على حمار فقال لي:يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت:الله ورسوله أعلم, قال:حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت:يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال لا تبشِّرهم فيتكلوا". أخرجاه في الصحيحين(
    [2]).

    الشرح:
    لماذا لم يذكر الشيخ مقدمة لكتابه؟
    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين:"لم يذكر في النسخ التي بأيدينا خطبة للكتاب من المؤلف، فإما أن تكون سقطت من النساخ. وإما أن يكون المؤلف اكتفى بالترجمة لأنها عنوان على موضوع الكتاب وهو التوحيد، وقد ذكر المؤلف في هذه الترجمة عدة آيات"([3]).

    وقال العلامة صالح آل الشيخ:"جرت عادة المصنفين والمؤلفين،أن يضعوا بعد البسملة والحمدلة خطبة للكتاب، يبينون فيها طريقتهم فيه، ومرادهم من تأليفه، وهاهنا سؤال معروف، وهو: لماذا خالف الشيخ -رحمه الله- طريقة المصنفين، فلم يجعل للكتاب خطبة يبين فيها طريقته؟ بل قال:"كتاب التوحيد" وقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. فأخلاه من الخطبة ؟

    والسبب في ذلك، والسر فيه -فيما يظهر لي- أن التوحيد الذي سيبينه الشيخ -رحمه الله- في هذا الكتاب هو توحيد الله -جل جلاله-، وتوحيد الله قد بينه الله -جلا وعلا- في القرآن، فكان -لذلك- من الأدب في مقام التوحيد ألا يَجعل فاصلاً بين الحق والدال على الحق وكلام الدال عليه، فالحق الذي لله هو التوحيد، والذي دل على هذا الحق هو الله -جل جلاله- والدليل عليه هو كلامه، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

    وهذا من لطائف أثر التوحيد في القلب، وهذا كصنيع الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه إذ لم يجعل لصحيحه خطبة، بل جعل صحيحه مبتدأً بالحديث؛ ذلك أن كتابه كتاب سنة، ومن المعلوم أن من الأدب، أو من مراعاة الأدب: ألا يتقدَّم بين يدي الله ورسوله، فلم يقدِّم كلامه على كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فجعل البخاري صحيحه مفتتحاً بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم_:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" لأن كتابه كتاب سنة، فجعل كتابه في ابتدائه مبتدأً بكلام صاحب السنة -عليه الصلاة والسلام-. وهذا من لطيف المعاني التي يرعاها من نَوَّرَ الله قلوبهم لمعرفة حقه، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم(
    [4]).

    منهج الشيخ في تأليف كتاب التوحيد

    كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، هو أهمُّ وأوسع كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين باباً، أوَّلها: باب ( فضل التوحيد وما يُكفِّرُ من الذنوب ) وآخرها: باب ما جاء في قول الله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الآية.
    وقبل الباب الأول ترجم بكتاب التوحيد، وأورد فيه خمس آيات وحديثاً وأثراً، وهذه الآيات هي قول الله عزَّ وجلَّ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
    وقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]. وقوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً} الآية [الإسراء:23] وقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} الآية [النساء:36] وقوله:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} الآيات، وعقَّب الآيات من سورة الأنعام بأثر ابن مسعود بشأنها، ثم أورد حديث معاذ بن جبل المتفق على صحته في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله وقد كانت هذه الآيات والأحاديث كالمقدمة لهذا الكتاب العظيم. وقدمنا سبب عدم ذكر خطبة له وهو من باب الأدب مع الله سبحانه وتعالى.


    ومن منهجه في تأليفه

    1 ـ أنَّ الكتابَ من أوَّله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثاراً عن سلف هذه الأمَّة، من الصحابة ومن بعدهم مِمَّن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه الجامع الصحيح، وعلى الأخصِّ كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في صحيح البخاري، فإنَّ طريقةَ البخاري في ذلك أنَّه يورد آيات وأحاديث وآثاراً، وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من صحيح البخاري ثمانية وخمسين باباً، أوَّلها: باب ما جاء في دعاء النَّبيِّ أمَّته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل في بيان حقِّ الله على العباد وحق العباد على الله، وعدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في الصحيح ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
    2 ـ أنَّه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدِّم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلاَّ إذا كان الأثر متعلِّقاً بآية أو بحديث، فإنَّه يقدِّمه من أجل ذلك التعلق.
    3 ـ هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدرُ الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ـ رحمه الله ـ فيه كلام إلاَّ ما يورده في آخر كلِّ باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدلُّ على قوة فهم الشيخ ـ رحمه الله ـ ودقَّة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاَّب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
    4 ـ أنَّ أبواب هذا الكتاب متضمِّنةٌ تقرير التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مِمَّا يُنافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو يُنافي كمالَه، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب كتاب التوحيد في تقرير التوحيد باب فضل التوحيد وما يُكفِّر من الذنوب، وباب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. وباب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وباب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله.
    ومن الأبواب فيما يُنافي أصل التوحيد وهو الشرك، باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره، وباب ما جاء في الذبح لغير الله، وباب من الشرك النذر لغير الله، وباب من الشرك الاستعاذة بغير الله، وباب قول الله تعالى: ( أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ ) الآية. وباب قول الله تعالى: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).
    ومن الأبواب فيما يُنافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: باب ما جاء أنَّ سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين، وباب ما جاء من التغليظ فيمَن عبَد اللهَ عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عَبَدَه؟! وباب ما جاء أنَّ الغلوَّ في قبور الصالحين يصيِّرها أوثاناً تُعبد من دون الله، وباب ما جاء في حماية المصطفى جَناب التوحيد وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك وباب قول: ما شاء الله وشئت.(
    [5])

    وقال بعض أهل العلم من شراح الكتاب:"استغنى الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن المقدمة لكتابه بهذه الخمسة أبواب وهي كالمقدمة لكتاب ( كتاب التوحيد) وقول الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }. و بَابُ فَضْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا يُكَفَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ و بَابٌ مَنْ حَقَّقَ اَلتَّوْحِيدَ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ و. بَابُ اَلْخَوْفِ مِنْ اَلشِّرْك. و بَابُ اَلدُّعَاءِ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ واما الباب الذي بعدها وهو : ( باب تفسير التوحيد وشهادة ان لا إله إلا الله ( فهو الباب الذي بدا به الدخول إلى مقصود الكتاب وقد يتسائل شخص كيف استغنى الشيخ بالمقدمة بهذه الأبواب ؟
    فنقول:إن الأبواب بنفس الترتيب لو أخذت ورتبت النصوص مع بعض الشرح لاكتملت لنا المقدمة فيُقال في المقدمة على سبيل المثال .. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين (أول باب) جمعت في هذا الكتاب النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف في توحيد الألوهية الذي أرسلت به الرسل وانزلت به الكتب وانه لابد فيه من النفي والإثبات وذلك أن تنفي العبادة عما سوى الله وثبتها لله وحده.
    (ثاني باب) ولهذا التوحيد الذي أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل فضائل كثيرة منها الأمن والهداية ودخول الجنة وتحريم النار عليه وأن يثقل ميزانه يوم القيامة وأن تغفر ذنوبه مهما عظمت (ثالث باب) وأهل التوحيد هؤلاء على مراتب وأعلاها هي دخول الجنة بغير حساب بأن يزيد على الباب الذي قبله بترك الذنوب كبيرها وصغيرها وترك البدع الغير مكفرة .
    (رابع باب) وتحقيق التوحيد عند أهله لا بُدَّ أن يقترن معه الخوف من الشرك ، إذ هو علامة لأهل تحقيق التوحيد.(خامس باب) والموحد إذا عرف التوحيد وعرف فضله ورغب فيه وسلك طريقه وخاف من ضده وتجنبه فقد كمل نفسه فيسعى الى تكميل غيره.

    فيه مسائل:
    الأولى: الحكمة في خلق الجن والإنس.
    الثانية: أن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه.
    الثالثة: أن من لم يأت به لم يعبد الله. ففيه معنى قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}.
    الرابعة:الحكمة في إرسال الرسل.
    الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة.
    السادسة: أن دين الأنبياء واحد.
    السابعة: المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت ففيه معنى قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.
    الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله.
    التاسعة:عظم شأن ثلاث الآيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف وفيها عشر مسائل أولها: النهي عن الشرك.العاشرة:ال آيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها,ثمانية عشرة مسألة بدأها الله بقوله:{لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً}. وختمها بقوله :{وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً}.ونبه نا الله سبحانه , على عظم شأن هذه المسائل بقوله:{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}.
    الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى: آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}.
    الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته.
    الثالثة عشرة. معرفة حق الله علينا.
    الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه.
    الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة.
    السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
    السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسره.
    الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
    التاسعة عشرة: قول المسئول عما لا يعلم: ( الله ورسوله أعلم ).
    العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
    الحادي والعشرون: تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار، مع الإرداف عليه.
    الثاني والعشرون: جواز الإرداف على الدابة.
    الثالث والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
    الرابع والعشرون: عظم شأن هذه المسألة.




    ([1]) رواه الترمذي في التفسير: (3070) رواه الطبراني: (10060) بلفظ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ صَحِيفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ فَلْيَقْرَأْ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] ، إِلَى قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. والبيهقي في شعب الإيمان: (7540). قال الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ضعيف الإسناد. وروى الإمام احمد:(4142) بإسناد حسن وغيره: عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ:" هَذَا سَبِيلُ اللهِ " ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ:" هَذِهِ سُبُلٌ - قَالَ يَزِيدُ: مُتَفَرِّقَةٌ - عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ "، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153].
    ([2]) رواه البخاري: الجهاد والسير (2856) , ومسلم: الإيمان (30) , وأبو داود: الجهاد (2559) , وأحمد (5/236).
    ([3]) ينظر القول المفيد : (ص8).
    ([4]) ينظر التمهيد لشرح كتاب التوحيد : (ص14).
    ([5]) ينظر شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرزاق عبد المحسن العباد.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  2. #2

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (1)

    باب

    فضل التوحيد وما يكفره من الذنوب


    وقول الله تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } الآية [الأنعام82].
    عن عبادة بن الصامت  قال: قال رسول الله :"من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح ومنه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" أخرجاه.

    ولهما في حديث عتبان :"فإن الله حرَّم على النار من قال:لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
    وعن أبي سعيد الخدري  عن رسول الله  قال:"قال موسى:يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال:قل يا موسى لا إله إلا الله قال:يا رب كل عبادك يقولون هذا؟ قال:يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله". رواه ابن حبان والحاكم وصححه ( 1),( 2).
    وللترمذي وحسنه -عن أنس  سمعت رسول الله  يقول:" قال الله تعالى:يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة "(3 ).


    الشرح:

    عقد المؤلف _رحمه الله تعالى_ هذا الباب لبيان أمرين:

    • فضل التوحيد.
    • انه يكفر الذنوب.

    من فوائد التوحيد:

    1- أنه أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله سبحانه وتعالى وعليه، فهو يعمل سراً وعلانية،أما غير الموحد؛ كالمرائي مثلاً، فإنه يتصدق ويصلى، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط،ولهذا قال بعض السلف:"إني لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو".

    2- أن الموحدين لهم الأمن وهم مهتدون كما قال تعالى:{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }[الأنعام: 82].

    بيان معنى الظلم الوارد في الآية: وقول الله تعالى:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم }. الآية [الأنعام: 82] .قوله:{ لم يلبسوا } أي:يخلطوا. قوله:{ بظلمٍ }الظلم هنا ما يقابل الإيمان، وهو الشرك، ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة وقالوا:أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي :"ليس الأمر كما تظنون إنما المراد به الشرك، ألم تسمعوا إلى قول الرجل الصالح - يعني لقمان { إن الشرك لظلمٌ عظيم }.

    بيان أنواع الظلم أنواع :

    1_أظلم الظلم، وهو الشرك في حق الله تعالى .

    2_ظلم الإنسان نفسه؛ فلا يعطيها حقها، مثل أن يصوم فلا يفطر، ويقوم فلا ينام .

    3_ظلم الإنسان غيره، مثل أن يتعدى على شخص بالضرب، أو القتل، أو أخذ مال، أو ما أشبه ذلك.
    وإذا انتفى الظلم، حصل الأمن، لكن هل هو أمنٌ كامل؟
    الجواب:أنه إن كان الإيمان كاملاً لم يخالطه معصيةٌ؛ فالأمن أمنٌ مطلق، أي كامل، وإذا كان الإيمان مطلق إيمانٍ - غير كامل ـ؛ فله مطلق الأمن؛ أي: أمن ناقص. مثال ذلك: مرتكب الكبيرة، أمنٌ من الخلود في النار، وغير آمن من العذاب، بل هو تحت المشيئة، قال الله تعالى:{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [النساء: 116] ( 4).

    المعاصي نوع من الشرك لأنها ناتجة من إتباع الهوى:
    قال الشيخ العلامة ابن عثيمين:فالمعاصي من حيث المعنى العام أو الجنس العام يمكن أن نعتبرها من الشرك وأما بالمعنى الأخص فتنقسم إلى أنواع:
    • شرك أكبر.
    • شرك أصغر.
    • معصية كبيرة.
    • معصية صغيرة.
    وهذه المعاصي منها ما يتعلق بحق الله، ومنها ما يتعلق بحق الإنسان نفسه، ومنها ما يتعلق بحق الخلق. وتحقيق لا إله إلا الله أمر في غاية الصعوبة، ولهذا قال بعض السلف:"كل معصية، فهي نوع من الشرك".

    وقال بعض السلف:"ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص". ولا يعرف هذا إلا المؤمن، أما غير المؤمن؛ فلا يجاهد نفسه على الإخلاص، ولهذا قيل لابن عباس:"إنّ اليهود يقولون:نحن لا نوسوس في الصلاة. قال:فما يصنع الشيطان بقلبٍ خرب؟!" فالشيطان لا يأتي ليخرّب المهدوم، ولكن يأتي ليخرّب المعمور ولهذا لما شُكي إلى النبي  أن الرجل يجد في نفسه ما يستعظم أن يتكلم به قال:وجدتم ذلك؟ قالوا:نعم قال:"ذاك صريح الإيمان" أي:أن ذاك هو العلامة البينة على أنّ إيمانكم صريح لأنّه ورد عليه، ولا يرد إلا على قلب صحيح خالص.

    وقوله:( من شهد أن لا إله إلا الله) من:شرطية، وجواب:الشرط أدخله الله الجنة على ما كان من العمل. والشهادة:هي الاعتراف باللسان، والاعتقاد بالقلب، والتصديق بالجوارح، ولهذا لما قال المنافقون للرسول :{ نشهد إنّك لرسول الله } [المنافقون:1] وهذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات:الشهادة، إن، واللام، كذبهم الله بقوله:{ والله يعلم إنّك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }[المنافقون:1]. فلم ينفعهم هذا الإقرار باللسان لأنه خالٍ من الاعتقاد بالقلب،وخالٍ من التصديق بالعمل فلم ينفع؛ فلا تتحقق الشهادة إلا بعقيدة في القلب، واعتراف باللسان، وتصديق بالعمل"(5 ).

    وبهذا التقرير نعلم بطلان قول المرجئة الذين:جعلوا الإيمان مجرد النطق من غير عمل وانقياد و مجرد التصديق من غير نطق وعمل وانقياد. لأن معنى الشهادة يستلزم القول باللسان والاعتقاد بالقلب والعمل بالجوارح.

    الذنوب والمعاصي تؤثر على التوحيد والإخلاص بل تضعفهما:
    أخرج البخاري في صحيحه بسنده:"عن قتادة قال:حدثنا أنس بن مالك :" أن النبي - ومعاذ رديفه على الرحل قال:يا معاذ قال:لبيك يا رسول الله وسعديك قال:يا معاذ قال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال:يا معاذ قال:لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال:ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار قال:يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال:إذا يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما". وساق بسند آخر:"حدثنا معتمر قال: سمعت أبي قال:سمعت أنسا قال:ذكر لي أن النبي  قال لمعاذ بن جبل:"من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة قال:ألا أبشر الناس ؟ قال:لا إني أخاف أن يتكلوا".

    قلت:فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلاص.

    قال شيخ الإسلام وغيره:في هذا الحديث ونحوه أنها فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة بقوله:"خالصا من قلبه غير شاك فيها بصدق ويقين". فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة لأن الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا فإذا مات على تلك الحال نال ذلك فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه:"يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة". وتواترت بأن كثيرا ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم فهؤلاء كانوا يصلون ويسجدون لله، وتواترت بأنه يحرم على النار من قال:لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, ولكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليدا أو عادة ولم تخالط حلاوة الإيمان بشاشة قلبه وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء،كما في الحديث:"سمعت الناس يقولون شيئا فقلته". وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم وهم من أقرب الناس من قوله تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الز خرف ـ 23).

    وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرا على ذنب أصلا فإن كان كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله ، ولا كراهة لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك, فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص، وهذه التوبة وهذه المحبة وهذا اليقين ، لا تترك له ذنبا إلا محي عنه كما يمحو الليل النهار.

    فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر فهذا غير مصر على ذنب أصلا فيغفر له ويحرم على النار وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك ، فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار.
    ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته ومات مصرا على ذلك،فإنه يستوجب النار وإن قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعدها بسيئات رجحت على حسنة توحيده فإنه في حال قولها كان مخلصا لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك بخلاف المخلص المستيقن فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته ولا يكون مصرا على سيئات،فإن مات على ذلك دخل الجنة.
    وإنما يخاف على المخلص أن يأتي بسيئة راجحة فيضعف إيمانه فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر فإن سلم من الأكبر بقي معه من الأصغر،فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك فيرجح جانب السيئات فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين فيضعف قول:لا إله إلا الله, فيمتنع الإخلاص بالقلب فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم أو من يحسن صوته بآية من القرآن من غير ذوق طعم وحلاوة فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين بل يأتون بعدها بسيئات تنقض ذلك بل يقولونها من غير يقين وصدق ويموتون على ذلك ، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة.


    فإذا كثرت الذنوب ثقل على اللسان قولها وقسا القلب عن قولها وكره العمل الصالح وثقل عليه سماع القرآن واستبشر بذكر غير الله واطمأن إلى الباطل واستحلى الرفث ومخالطة أهل الغفلة ،وكره مخالطة أهل الحق فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه وبفيه ما لا يصدقه عمله.
    قال الحسن:"ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال فمن قال خيرا وعمل خيرا قبل منه ومن قال خيرا وعمل شرا لم يقبل منه". وقال بكر بن عبد الله المزني:"ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه". فمن قال:لا إله إلا الله ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوبا وكان صادقا في قولها موقنا بها لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه و انضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملي فرجحت هذه السيئات على هذه الحسنة ومات مصرا على الذنوب بخلاف من يقولها بيقين وصدق فإنه إما أن لا يكون مصرا على سيئة أصلا ويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته. والذين يدخلون النار ممن يقولها:إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافيين للسيئات أو لرجحانها أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم،ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقين من قلوبهم فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات فترجح سيئاتهم على حسناتهم. انتهى ملخصا ( 6).


    قال الحافظ ابن رجب:"وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث:أن لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع وهذا قول الحسن ووهب ابن منبه وهو الأظهر"(7 ).
    وقال _رحمه الله تعالى_:"من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة". ثم قال:"فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله تعالى فيه وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أعقب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله:محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها وإن كانت مثل زبد البحر(8 ).

    وقال العلامة ابن القيم_رحمه الله تعالى_:في معنى الحديث:ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده( 9). فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب الأرض فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي فلا تثبت معه،ولكن نجاسة الزنا واللواط أغلظ من غيرهما من النجاسات، من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً فكلما كان الشرك فى العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصا كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام:{كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخْلَصِينَ}[يوسف: 24] ( 10).

    وقال ابن رجب _رحمه الله تعالى_: (قول لا إله إلا الله) تقتضي أن لا يحب سواه فان الآلة هو الذي يطاع فلا يعصي محبة وخوفا ورجاء ومن تمام محبته محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه فمن أحب شيئا مما يكرهه الله أو كره شيئا مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله وما أحبه مما يكرهه الله قال الله تعالى (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم). قال الليث عن مجاهد في قوله : (لا يشركون بي شيئا) قال لا يحبون غيري( 11).

    وقال أيضا:"إخواني إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله :"من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار". فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فان هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها من صدق في قول: لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج سواه ولم يخف أحدا إلا إيّاه ولم يخش أحداً إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة. قال زيد بن أسلم:"إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك". وقال الشعبي:" إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب".
    وتفسير هذا الكلام أن الله عز و جل له عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة ييسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى. وفي بعض الآثار يقول الله تعالى أهل ذكرى أهل مجالستي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أويسهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب"( 12).

    ثم قال _رحمه الله تعالى_:في خاتمة رسالته البديعة:إخواني اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد فانه لا يوصل إلى الله سواه واحرصوا على القيام بحقوقه التوحيد فانه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه:

    ما نطق الناطقون إذ نطقوا ... أحسن من لا إله إلا هو
    تبارك الله ذو الجلال ومن ... أشهد أن لا إله إلا هو
    من لذنوبي ومن يمحصها ... غيرك يا من لا إله إلا هو
    جنان خلد لمن يوحده ... أشهد أن لا إله إلا هو
    نيرانه لا تحرق من ... يشهد أن لا إله إلا هو
    أقولها مخلصا بلا بخل ... أشهد أن لا إله إلا هو.

    قال ابن القيم:"التوحيد ألطف شيء وأنزهه أنظفه وأصفاه فأدنى شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه فهو كأبيض ثوب يكون يؤثر فيه أدنى أثر,وكالمرآة الصافية جدا أدنى شيء يؤثر فيها. ولهذا تشوشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية.
    فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده،وإلا استحكم وصار طبعا يتعسر عليه قلعه وهذه الآثار و الطبوع التي تحصل فيه:منها ما يكون سريع الحصول سريع الزوال،ومنها ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال ومنها ما يكون بطيء الحصول سريع الزوال ، ومنها ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال ولكن من الناس من يكون توحيده كبيرا عظيما ينغمر فيه كثير من تلك الآثار ويستحيل فيه بمنزلة الماء الكثير الذي يخالطه أدنى نجاسة أو وسخ فيغتر به صاحب التوحيد الذي هو دونه فيخلط توحيده الضعيف بما خلط به صاحب التوحيد العظيم الكثير توحيده فيظهر من تأثيره فيه ما لم يظهر في التوحيد الكثير وأيضا فإن المحل الصافي جدا يظهر لصاحبه مما يدنسه ما لا يظهر في المحل الذي لم يبلغ في الصفاء مبلغه فيتدراكه بالإزالة دون هذا فإنه لا يشعر به. وأيضا فإن قوة الإيمان والتوحيد إذا كانت قوية جدا أحالت المواد الرديئة وقهرتها بخلاف القوة الضعيفة. وأيضا فإن صاحب المحاسن الكثيرة والغامرة للسيئات ليسامح بما لا يسامح به من أتى مثل تلك السيئات وليست له مثل تلك المحاسن ، كما قيل:

    وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ...... جاءت محاسنه بألف شفيع( 13).


    أهل التوحيد يحتاجون التنبيه عليه:
    فهذا الحديث فيه دلالة على أن أهل الفضل والرفعة في الدين والإخلاص والتوحيد قد ينبهون على شيء من مسائل بالتوحيد فهذا موسى- عليه السلام - وهو أحد أولي العزم من الرسل ، وهو كليم الله جل وعلا أراد شيئا يختص به غير ما عند الناس وأعظم ما يختص به أولياء الله وأنبياؤه ورسله وأولو العزم منهم هو كلمة التوحيد:( لا إله إلا الله ). فأراد شيئا أخص من ذلك فأعلم أنه لا أخص من كلمته التوحيد فهي أفضل شيء وهي التي دُلّ عليها أولو العزم من الرسل ومن دونهم من الناس(14 ).

    حديث عتبان فيه ردٌّ على الخوارج والمعتزلة لأن ظاهر الحديث أن من فعل هذه المحرمات لا يخلد في النار لكنه مستحق للعقوبة، وهم يقولون: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار.
    قوله:من قال (لا إله إلا الله) المراد بالقول هنا:القول الذي معه تمام الشروط ؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) يعني إذا أتى ببقية الأركان والواجبات،فيكون معنى قوله هنا:من قال:لا إله إلا الله يعني باجتماع شروطها وبالإتيان بلازمها(15 ).

    تنبيه:
    لا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعن على من فعل شيئاً من ذلك؛ لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع؛ فلا نقول لمن أكل الربا: ملعون؛ لأنه قد يوجد مانع يمنع من حلول اللعنة عليه؛ كالجهل مثلاً أو الشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركاً؛ فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول: من صام رمضان إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه.
    فإذا رأينا شخصاً يتبرز في الطريق؛ فهل نقول له:لعنك الله؟
    الجواب:لا إلا إذا أريد باللعن في قوله: (اتقوا الملاعن) أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلاً بالأدب مؤذياً للمسلمين؛ فهذا شيء أخر, فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله:هذا مشرك؛ حتى نعرف قيام الحجة عليه،أو نقول: هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله ( 16).


    قوله:(لا تشرك بي شيئاً) جملة:(لا تشرك) في موضع نصب على الحال في التاء،أي:لقيتني في حال لا تشرك بي شيئاً. ( شيئاً) نكرة في سياق النفي تفيد العموم؛أي:لا شركاً أصغر ولا أكبر. وهذا قيد عظيم قد يتهاون به الإنسان، ويقول:أنا غير مشرك وهو لا يدري( 17) فحب المال مثلاً بحيث يلهي عن طاعة الله من الإشراك، قال النبي: " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة..". الحديث فسمى النبي: من كان هذا همه سماه:عبداً له.

    قوله:(لأتيتك بقرابها مغفرة) أي:أن حسنة التوحيد عظيمة تكفر الخطايا الكبيرة إذا لقي الله وهو لا يشرك به شيئاً، والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه( 18) .


    وقوله:( حرم على النار) تحريم النار في نصوص الكتاب والسنة يأتي على درجتين:
    الأولى:تحريم مطلق. والثانية:تحريم بعد أمد فالتحريم المطلق يقتضي أن من حرم الله عليه النار تحريما مطلقا:فإنه لن يدخلها إما بأن يغفر الله له،وإما بأن يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب الحديث يحتمل الأول ويحتمل الثاني:فإن الله حرم على النار من قال :(لا إله إلا الله):يعني أن الذي أتى بالتوحيد وانتهى عن ضده وكانت عنده بعض الذنوب والمعاصي ومات من غير توبة فهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه ثم حرم عليه النار وإن شاء الله غفر له وحرم عليه النار ابتداء" ( 19) .


    فيه مسائل:
    الأولى:سعة فضل الله.
    الثانية: كثرة ثواب التوحيد عند الله.
    الثالثة:تكفيره مع ذلك للذنوب.
    الرابعة:تفسير الآية ( 82 ) التي في سورة الأنعام.
    الخامسة:تأمل الخمس اللواتي في حديث عُبادة.
    السادسة:أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده؛ تبين لك معنى قول:« لا إله إلا الله » وتبين لكم خطأ المغرورين.
    السابعة:التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان.
    الثامنة:كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله.
    التاسعة:التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه .
    العاشرة:النص على أن الأرضين سبع كالسماوات.
    الحادية عشرة:أن لهن عمارًا.
    الثانية عشرة:إثبات الصفات خلافًا للأشعرية.
    الثالثة عشرة:أنك إذا عرفت حديث أنس:عرفت أن قوله في حديث عتبان:« فإن الله حرم على النار من قال:لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله » أن ترك الشرك ليس قولها باللسان.
    الرابعة عشرة :تأمُّلُ الجمع بين كون عيسى ومحمد عَبْدَيِ الله ورسولَيْه.
    الخامسة عشرة: معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله.
    السادسة عشرة :معرفة كونه روحا منه.
    السابعة عشرة: معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار.
    الثامنة عشرة:معرفة قوله:« على ما كان من العمل».
    التاسعة عشرة:معرفة أن الميزان له كفتان.
    العشرون:معرفة ذكر الوجه.






    ____________
    ( 1) والحديث ضعفه الشيخ الألباني في تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب .
    (2) عن عبد الله بن عمرو قال كنا عند رسول الله  (فذكره ) : " إن نبي الله نوحا  لما حضرته الوفاة قال لابنه : إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين و أنهاك عن اثنتين آمرك بـ ( لا إله إلا الله ) فإن السموات السبع و الأرضين السبع لو وضعت في كفة و وضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله و لو أن السموات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله و سبحان الله و بحمده فإنها صلاة كل شيء و بها يرزق الخلق و أنهاك عن الشرك و الكبر. قال: قلت: أو قيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر ؟ - قال -: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان ؟ قال: لا قال:هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه ؟ قال: لا قيل: يا رسول الله فما الكبر ؟ قال: سفه الحق و غمص الناس ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 548 ) و أحمد ( 2 / 169 - 170 ، 225 ) و البيهقي في " الأسماء " ( 79 هندية ) وصححه الألباني في : " السلسلة الصحيحة " ( _ج1_ص 259_ رقم 134).
    ( 3) بلفظ قال الله تعالى:" يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك و لا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " . حسنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: " السلسلة الصحيحة " ( ج1 _ص _ رقم 127 ) .
    ( 4) انظر القول المفيد (ج1_ص61).
    (5 ) القول المفيد: (ج1 _ ص66) .
    ( 6) ينظر فتح المجيد: ( ص76_79) .
    (7 ) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها: (ص223 ) الجامع المنتخب من رسائل ابن رجب.
    (8 ) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها.
    ( 9) وعلى هذا يحمل حديث البطاقة أي عنده سجلات لكن ليس فيها شرك.
    ( 10) إغاثة اللهفان:( ج1_ص132) ط دار ابن الجوزي تخريج العلامة الألباني وتحقيق شيخنا علي الحلبي.
    (11 ) كلمة الإخلاص: (ص231) .
    ( 12) كلمة الإخلاص: (ص239) .
    (13 ) ينظر فوائد الفوائد: (ص38_39 ) بتحقيق شيخنا علي الحلبي حفظه الله تعالى.
    (14 ) التمهيد لشرح كتاب التوحيد: (ص35) .
    (15 ) التمهيد لشرح كتاب التوحيد: ( ص34) .
    (16 ) القول المفيد على كتاب التوحيد: ( ج1_ص52) .
    ( 17) سيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة في باب: (الخوف من الشرك ).
    ( 18) القول المفيد: (ج1_ص84) .
    ( 19) التمهيد لشرح كتاب التوحيد: ( ص34) .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #4

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (2)
    باب
    من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب


    وقول الله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [النحل:120] . وقال:{ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ } [المؤمنون: 59] .
    عن حصين بن عبد الرحمن قال:كنت عند سعيد بن جبير فقال:أيكم رأى الكوكب الذي انقضَّ البارحة ؟ فقلت:أنا ثم قلت:أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال:فما صنعت ؟ قلت:ارتقيت قال:فما حملك على ذلك؟ قلت:حديث حدثناه الشعبي قال:وما حدثكم ؟ قلت:حدثنا عن بريدة بن الحصيب:t أنه قال:" لا رقية إلا من عين أو حمة ". قال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي:r أنه قال:" عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي:هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي:هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم:فلعلهم الذين صحبوا رسول الله:r وقال بعضهم:فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله: r فأخبروه فقال:هم الذين لا يَسْتَرْقُون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال:يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال:أنت منهم ثم قام رجل، فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال:سبقك بها عكاشة".

    الشرح :
    تحقيقه:تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي.
    هذا الباب كالمتمم للباب الذي قبله؛ لأن الذي قبله: ( باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب). فمن فضله هذا الفضل العظيم الذي يسعى إليه كل عاقل، وهو دخول الجنة بغير حساب وهو أرفع رتبة من" بيان فضل التوحيد" لأنه يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام ولا شك أن لكل مسلم نصيباً من التوحيد، فيكون له تبعا لذلك نصيب من فضل التوحيد وتكفير الذنوب. أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد ولهذا عطف هذا الباب على الذي قبله؛ لأنه أخص. وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب، وتحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين: ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ). ومعنى تحقيق الشهادتين: تصفية الدين من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء:
    الأول:ترك الشرك بأنواعه:الأكبر والأصغر والخفي.
    الثاني:ترك البدع بأنواعها.
    الثالث:ترك المعاصي بأنواعها.
    فإذًا رجع تحقيق التوحيد الذي هذا فضله وهو أن يدخل أهله الجنة بغير حساب ولا عذاب رجع إلى تينك المرتبتين: الإتيان بالتوحيد والبعد عن الشرك بأنواعه ولأن في قوله:(أشهد أن محمدا رسول الله) البعد عن المعصية والبعد عن البدع؛ لأن مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله : أن يُطاع فيما أمر وأن يصدَّق فيما أخبر وأن يُجتَنَبَ ما عنه نَهَى وزَجَرَ وألا يعبد الله إلا بما شرع فمن أتى شيئا من المعاصي والذنوب أو البدع ثم لم يتب منها أو لم تكفر له فإنه لم يحقق التوحيد الواجب وإذا لم يأت شيئا من البدع ولكن حسَّنها بقلبه أو قال : لا شيء فيها فإن حركة قلب من ذا شأنه لما كانت في غير تحقيق التوحيد وفي غير تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله:فإنه لا يكون من أهل تحقيق التوحيد. وكذلك أهل الشرك بأنواعه ليسوا من أهل تحقيق التوحيد,وأما مرتبة الخاصة التي ذُكِرَتْ ففيها يتنافس المتنافسون وما ثمَّ إلا عفو الله ومغفرته ورضوانه(
    [1]).
    لأن الشرك والبدعة تنافيان تحقيق التوحيد بل الشرك والبدعة تنقيص للربوبية والرسالة.
    كما قال العلام ابن القيم_رحمه الله تعالى_:" فالمشرك:ملزوم لتنقص الرب سبحانه، والتنقص لازم له ضرورة، شاء المشرك أم أبى، ولهذا اقتضى حمده سبحانه وكمال ربوبيته أن لا يغفره، وأن يخلد صاحبه فى العذاب الأليم، ويجعله أشقى البرية. فلا تجد مشركا قط إلا وهو متنقص لله سبحانه وإن زعم أنه يعظمه بذلك. كما أنك لا تجد مبتدعا إلا وهو متنقص للرسول r و إن زعم أنه معظم له بتلك البدعة.
    فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب،أو يزعم أنها هى السنة، وإن كان مستبصرا فى بدعته فهو مشاق لله ورسوله فالمتنقِّصون المنقوصون عند الله تعالى ورسوله وأوليائه : هم أهل الشرك والبدعة ولا سيما من بَنَى دينه على أن كلام الله ورسوله أدلة لفظية لا تفيد اليقين، ولا تغنى من اليقين والعلم شيئا. فيا لله للمسلمين، أي شىء فات من هذا التنقص؟!" ([2]).

    وتحقيق التوحيد تخليصة من الشرك، ولا يكون إلا بأمور ثلاثة:

    الأول:العلم فلا يمكن أن تحقق شيئاً قبل أن تعلمه، قال الله تعالى:{ فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] .
    الثاني:الاعتقاد فإذا علمت ولم تعتقد واستكبرت؛ لم تحقق التوحيد، قال الله تعالى عن الكافرين:{ أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب } [ص:5]. فما اعتقدوا انفراد الله بالألوهية.
    الثالث:الانقياد فإذا علمت واعتقدت ولم تنقد لم تحقق التوحيد، قال تعالى:{ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } [الصافات:36] . فإذا حصل هذا وحقق التوحيد فإن الجنة مضمونة له بغير حساب، ولا يحتاج أن نقول إن شاء الله؛ لأن هذا حكاية حكم ثابت شرعاً، ولهذا جزم المؤلف رحمه الله تعالى بذلك في الترجمة دون أن يقول:إن شاء الله. أما بالنسبة للرجل المعين؛ فإننا نقول: إن شاء الله. أن أهل تحقيق التوحيد قليل وليسوا بكثير!(
    [3]).
    وفي قرة العيون:وتحقيق التوحيد عزيز في الأمة لا يوجد إلا في أهل الإيمان الخلص الذين أخلصهم الله واصطفاهم من خلقه كما قال تعالى في يوسف:(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) بفتح اللام, وفي قراءة (المخلصين) بكسرها, وهم في صدر هذه الأمة كثيرون وفي آخرها هم الغرباء، وقد قلوا، وهم الأعظمون قدرا عند الله.
    طبقات الناس في التوحيد :
    فإن قيل: ( باب فضل التّوحيد ) و ( باب من حقّق التّوحيد ) ما الفرق بينهما؟
    الفرق فضل التّوحيد في حق الموحّد الذي ليس عنده شرك، ولكن قد يكون عنده بعض المعاصي التي تكفر بالتّوحيد. أما هذا الباب فهو أعلى من الباب الذي قبله:(من حقق التوحيد) يعني:أنه لم يشرك بالله شيئاً،ولم يكن عنده شيء من المعاصي،هذا تحقيق التّوحيد، ومن بلغ هذه المرتبة دخل الجنة بلا حساب، أما من كان في المرتبة التي قبلها، وهو الموحّد الذي عنده ذنوب فهذا قد يُغفر له وقد يعذب بالنار، ثم يُخرج منها، لأن الموحّدين على ثلاث طبقات:كما قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ} الآية.
    الطبقة الأولى:الذين سلموا من الشرك، وقد لا يسلمون من الذنوب التي هي دون الشرك وهم الظالمون لأنفسهم وهم معرضون للوعيد.
    الطبقة الثانية:المقتصد ن الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات وقد يفعلون بعض المكروهات ويتركون بعض المستحبات وهم الأبرار.
    الطبقة الثالثة:التي سَلِمَت من الشرك الأكبر والأصغر ومن البدع وتركت المحرمات والمكروهات وبعض المباحات واجتهدت في الطاعات من واجبات ومستحبات وهؤلاء هم السابقون بالخيرات ومن كان بهذه المرتبة دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب(
    [4]).

    وقول الله تعالى:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
    فمعنى وصف إبراهيم بأنه كان قانتاً أي:أنه كان مداوماً على طاعة الله، ثابتاً عليها بخلاف الذي يجتهد في يوم أو شهر أو سنة ثم بعد ذلك يتراجع انتكاساً بعدما بدأ بالخير لكنه لم يُكمل، فالمطلوب من الإنسان أن يثبت على الخير، بمعنى أنه يلازم عمل الخير، ولا يتخلى عنه، ولو كان قليلاً فـ:"أحب العمل إلى الله أدومه وإن قَلَّ".
    وكذلك {قَانِتاً لِلَّهِ} يعني:أنه يعمل هذا مخلصاً لله، لا يقصد به رياءً ولا سُمعة، ويؤخذ من هذا وجوب الإخلاص لأن بعض الناس قد يصلي ويحسن صلاته ويطول قيامه وركوعه من أجل رياء الناس، فإذا أحَسَّ أن عنده أحد يطوّل الركوع والسجود من أجل أن يوصف بأنه صاحب طاعة، وإذا صلى وحده نقر الصلاة، وخفّفها([5]).
    ومعنى:{ ولم يك من المشركين } تأكيد، أي لم يكن مشركاً طول حياته؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام معصوماً عن الشرك، مع أن قومه كانوا مشركين، فوصفه الله بامتناعه عن الشرك استمراراً في قوله:{ حنيفاً } وابتداءً في قوله:{ ولم يك من المشركين } والدليل على ذلك:أن الله جعله إماماً، ولا يجعل الله للناس إماماً من لم يحقق التوحيد أبداً.
    وقال في فتح المجيد وقوله:(ولم يك من المشركين) فقد فارق المشركين بالقلب واللسان والأركان, وأنكر ما كانوا عليه من الشرك بالله في عبادته وكسر الأصنام، وصبر على ما أصابه في ذات الله. وهذا هو تحقيق التوحيد وهو أساس الدين ورأسه. كما قال تعالى: ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) وأنت تجد أكثر من يقول:"لا إله إلا الله" ويدعي الإسلام يفعل الشرك بالله في عبادته. بدعوة من لا يضر ولا ينفع من الأموات والغائبين والطواغيت والجن وغيرهم، ويحبهم ويواليهم, ويخافهم ويرجوهم, وينكر على من دعا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه, ويزعم أن ذلك بدعة وضلالة, ويعادي من عمل به وأحبه وأنكر الشرك وأبغضه, وبعضهم لا يعد التوحيد علما ولا يلتفت إليه لجهله به وعدم محبته فالله المستعان.
    فالصفة الرابعة:{وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهذا محل الشاهد من الباب، ومعناه:أنه تبرّأ من المشركين براءة تامة أي:قطع ما بينه وبين المشركين من المودّة من أجل الله سبحانه وتعالى لأنهم أعداء الله والمؤمن لا يحب أعداء الله.
    ويجب أن نعلم أن ثناء الله على أحد من خلقه لا يقصد منه أن يصل إلينا الثناء فقط، لكن يقصد منه أمران هامان:
    الأول:محبة هذا الذي أثنى الله عليه خيراً، كما أن من أثنى الله عليه شراً، فإننا نبغضه ونكرهه، فنحب إبراهيم عليه السلام؛ لأنه كان إماماً حنيفاً قانتاً لله ولم يكن من المشركين ونكره قومه لأنهم كانوا ضالين، ونحب الملائكة وإن كانوا من غير جنسنا لأنهم قائمون بأمر الله، ونكره الشياطين لأنهم عاصون لله وأعداء لنا ولله ونكره أتباع الشياطين لأنهم عاصون لله أيضاً وأعداء لله ولنا.
    الثاني:أن نقتدي به في هذه الصفات التي أثنى الله بها عليه؛ لأنها محل الثناء، ولنا من الثناء بقدر ما اقتدينا به فيها قال تعالى:{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [يوسف:111]. وقال تعالى:{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} [الممتحنة: ] وقال تعالى:{لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الممتحنة:6]. وهذه مسألة مهمة لأن الإنسان أحياناً يغيب عن باله الغرض الأول، وهو محبة هذا الذي أثنى الله عليه خيراً، ولكن لا ينبغي أن يغيب؛ لأن الحب في الله، والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان([6]) .
    لماذا لم يطلبوا الرقية والكي من أحد؟
    1) لقوة اعتمادهم على الله.
    2) لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله.
    3) ولما في ذلك من التعلق بغير الله .
    قال الشيخ العلامة ابن عثيمين_رحمه الله تعالى_:وهل هذه الأشياء تدل على أن من لم يتصف بها فهو مذموم، أو فاته الكمال؟
    الجواب:أن الكمال فاته إلا بالنسبة للتطير فإنه لا يجوز؛ لأنه ضرر وليس له حقيقة أصلاً.
    مراتب الناس في الرقية:
    المرتبة الأولى:أن يطلب من يرقيه وهذا قد فاته الكمال.
    المرتبة الثانية:أن لا يمنع من يرقيه، وهذا لم يفته الكمال لأنه لم يسترق ولم يطلب.
    المرتبة الثالث:أن يمنع من يرقيه، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي:r لم يمنع عائشة أن ترقيه، وكذلك الصحابة y لم يمنعوا أحداً أن يرقيهم لأن هذا لا يؤثر في التوكل([7]).

    قال ابن القيم - رحمه الله - قد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع :
    أحدها:فعله. والثاني:عدم محبته. والثالث: الثناء على من تركه.والرابع:الن هي عنه.
    ولا تعارض بينها بحمد الله؛ فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه وأما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل، وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة(
    [8]) .

    التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب :
    قوله:(وعلى ربهم يتوكلون) ذكر الأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال وهو التوكل على الله، وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه، الذي هو نهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف: من المحبة والرجاء والخوف، والرضا به ربا وإلها، والرضا بقضائه.
    واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلا; فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه بل نفس التوكل: مباشرة لأعظم الأسباب كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه. وإنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلا على الله تعالى كالاكتواء والاسترقاء فتركهم له لكونه سببا مكروها لا سيما والمريض يتشبث فيما يظنه سببا لشفائه بخيط العنكبوت.
    وأما مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهة فيه، فغير قادح في التوكل فلا يكون تركه مشروعا، لما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا:"ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " وعن أسامة بن شريك قال:" كنت عند النبي: r وجاءت الأعراب فقالوا:يا رسول الله أنتداوى؟ قال:نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد. قالوا: وما هو قال: الهرم" رواه أحمد.


    وقال ابن القيم _رحمه الله تعالى_:"وقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع ألم الجوع والعطش، والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضية لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة . ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا".
    حكم التداوي ؟
    وقد اختلف العلماء في التداوي هل هو مباح وتركه أفضل، أو مستحب أو واجب؟
    فالمشهور عن أحمد:الأول لهذا الحديث وما في معناه،والمشهور عند الشافعية الثاني حتى ذكر النووي في شرح مسلم:أنه مذهبهم ومذهب جمهور السلف وعامة الخلف،واختاره الوزير أبو المظفر قال:ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يدانى به الوجوب. قال:ومذهب مالك أنه يستوي فعله وتركه؛ فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه. وقال شيخ الإسلام:"ليس بواجب عند جماهير الأئمة،وإنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد"([9]).

    فيه مسائل:
    الأولى:معرفة مراتب الناس في التوحيد .
    الثانية : ما معنى تحقيقه .
    الثالثة : ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين .
    الرابعة : ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك .
    الخامسة : كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد .
    السادسة : كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل .
    السابعة : عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل .
    الثامنة : حرصهم على الخير .
    التاسعة : فضيلة هذه الأمة بالكَمية والكيفية .
    العاشرة : فضيلة أصحاب موسى .
    الحادية عشرة : عرض الأمم عليه - عليه الصلاة والسلام - .
    الثانية عشرة : أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها .
    الثالثة عشرة : قلة من استجاب للأنبياء .
    الرابعة عشرة : أن من لم يجبه أحد يأتي وحده .
    الخامسة عشرة : ثمرة هذا العلم ، وهو عدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة .
    السادسة عشرة : الرخصة في الرقية من العين والحُمَة .
    السابعة عشرة : عمق علم السلف لقوله:" قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ، ولكن كذا وكذا" . فعُلِم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني.
    الثامنة عشرة : بُعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
    التاسعة عشرة : قوله « أنت منهم » عَلَمٌ من أعلام النبوة .
    العشرون : فضيلة عُكَّاشة .
    الحادية والعشرون : استعمال المعاريض .
    الثانية والعشرون : حُسْنُ خُلُقِه - صلى الله عليه وسلم -
    .


    ([1]) التمهيد شرح كتاب التوحيد .
    ([2]) إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ( ج1_ص 130) .
    ([3]) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد.
    ([4]) إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد.
    ([5]) إعانة المستفيد.
    ([6]) القول المفيد على كتاب التوحيد.
    ([7]) القول المفيد.
    ([8]) انظر فتح المجيد.

    ([9]) انظر فتح المجيد.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    المشاركات
    26

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    هل الاصح ان يقال الحكمة او الغاية من الخلق

  6. #6

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جبرائيل مشاهدة المشاركة
    هل الاصح ان يقال الحكمة او الغاية من الخلق
    التعبير بلفظ الحكمة اقرب والله اعلم.

    لانه استخدام المؤلف وهكذا عبر كثير من الشراح.

    قال العلامة ابن عثيمين: أخذها رحمه الله من قوله تعالى: {
    وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فالحكمة: هي عبادة الله، لا أن يتمتعوا بالمآكل والمشارب والمناكح.

    وقال الشيخ الحازمي: وهذا أخذها من قوله تعالى:{
    وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فهذه اللام لام التعليل فبَيَّنَ الله تعالى أنه ما خلق الجن والإنس إلا لحكمة واحدة وهي محصورة في عبادته جل وعلا، ولذلك بعض السلف كما مر معنا فسَّر {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} إلا يوحدون بناء على أن التوحيد شرط في صحة العبادة فلا تصح العبادة إلا بالتوحيد، إذًا الحكمة في خلق الجن والإنس هي عبادة الله تعالى بالإخلاص.


    وإذا كان لديكم شيء افيدونا بارك الله فيكم.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  7. #7

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (3)
    باب
    باب الخوف من الشرك

    وقول الله عز وجل:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء :46].
    وقال الخليل عليه السلام:{وَاجْنُب ْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}[إبراهيم :35].
    وفي الحديث:"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه قال:الرياء".
    وعن ابن مسعود أن رسول الله r قال:"من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار" رواه البخاري.
    ولمسلم عن جابر t أن رسول الله r قال:"من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار".

    الشرح:
    هذا مجمل ما استدل به المؤلف_رحمه الله تعالى_ على هذه الترجمة العظيمة:(الخوف من الشرك).

    قال العلامة صالح آل الشيخ:" كل من حقق التوحيد فلا بد أن يخاف من الشرك ولهذا كان سيد المحققين للتوحيد محمد عليه الصلاة والسلام يُكثر من الدعاء بأن يبعد عنه الشرك وكذلك كان إبراهيم عليه السلام يكثر من الدعاء لئلا يدركه الشرك ، أو عبادة الأصنام. فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة وهي أن تحقيق التوحيد عند أهله لا بد أن يقترن معه الخوف من الشرك وقَلَّ من يكون مخاطرا بتوحيده أو غير خائف من الشرك ويكون مع هذا على مراتب الكمال بل لا يوجد فكل محقق للتوحيد وكل راغب فيه حريص عليه: يخاف من الشرك وإذا خاف من الشرك فإن الخوف الذي هو فزع القلب وهلعه يجعل العبد حريصا كل الحرص على البعد عن الشرك والهروب منه والخوف من الشرك يثمر ثمرات منها:
    1_ أن يكون متعلما للشرك بأنواعه حتى لا يقع فيه.
    2_ منها أن يكون متعلما للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم ، ويستمر على ذلك.
    3- ومنها أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائم الاستقامة على طاعة الله مبتغيا مرضاة الله فإن عصى أو غفل كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار وعظم حاجته للاستغفار لأن الناس في الاستغفار أنواع ، لكن من علم منهم حق الله - جل وعلا - وسعى في تحقيق التوحيد وتعلم ذلك، وسعى في الهرب من الشرك:فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجة إلى الاستغفار ولأجل صلاح القلب بوب الشيخ - رحمه الله - هذا الباب الذي عنوانه ( باب الخوف من الشرك ) فكأنه يقول لك:إذا كنت تخاف من الشرك كما خاف منه إبراهيم - عليه السلام - وعرفتَ ما توعد الله به أهل الشرك من أنه لا يغفر لهم شركهم ، فينبغي لك أن تعلم وأن تتعلم ما سيأتي في هذا الكتاب فإن هذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد وللخوف من الشرك والبعد عنه فما بعد هذين البابين: ( باب من حقق التوحيد),و( باب الخوف من الشرك) تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين اللتين هما: تحقيق التوحيد والخوف من الشرك؛ يان معناه وبيان أنواعه. وقال العلامة صالح الفوزان:"ولهذا قال الشيخ: (باب الخوف من الشرك) أي:أن الموحّد يجب أن يخاف من الشرك، ولا يقول أنا موحّد وأنا عرفت التّوحيد، ولا خطر علي من الشرك، هذا إغراء من الشيطان، لا أحد يزكي نفسه، ولا أحد لا يخاف من الفتنة ما دام على قيد الحياة(
    [1]).

    فالإنسان معرّض للفتنة، ضلّ علماء أحبار، وزلّت أقدامهم، وخُتم لهم بالسّوء، وهم علماء، فالخطر شديد، ولا يأمن الإنسان على نفسه أن تَنْزَلِق قدمه في الضلال، وأن يقع في الشرك، إلاَّ إذا تعلم هذه الأمور من أجل أن يجتنبّها، واستعان بالله، وطلب منه العصمة والهداية:{رَبَّن َا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} خافوا من الزّيغ بعد الهداية، والمهتدي يكون أشد خوفاً أن يزيغ، وأن تزلّ قدمه، وأن تسوء خاتمته، وأن يكون من أهل النار، نسأل الله العافية.
    وقال:"إذاً لا يعرف قيمة التّوحيد، وفضل التّوحيد، وتحقيق التّوحيد إلاَّ من عرف الشرك وأمور الجاهلية حتى يتجنّبها، ويحافظ على التّوحيد، ومِن هنا يظهر خطأ هؤلاء الذين يقولون: لا داعي أن نتعلم العقائد الباطلة ونعرف المذاهب الباطلة، ونرد على المعتزلة والجهمية، لأنهم بادوا وذهبوا،علموا الناس التّوحيد ويكفي! أو بعضهم يقول لا تعلّموهم التّوحيد لأنهم أولاد فطرة! ونشأوا في بلاد المسلمين!، علّموهم أمور الدنيا: الصناعات والاختراعات والأمور الحديثة، أما التّوحيد فيحصلونه بفطرتهم وبيئتهم!
    نعم وجُد من يقول هذا، وبعض الناس يقول:الناس تجاوزوا مرحلة الخرافات،لأنهم تثقفوا وعرفوا، فلا يمكن أنهم يشركون بعد ذلك، لأن الشرك كان في الجاهلية، يوم كان الناس سذج ويسمون الشرك في العبادة شركاً ساذجاً!، والشرك عندهم ما يسمونه بالشرك السياسي أو شرك السلاطين أو شرك الحاكمية!
    ولذلك لا يهتمون بإنكار هذا الشرك الذي بعثت الرسل لإنكاره، وإنما ينصبّ إنكارهم على الشرك في الحاكمية فقط. وقال أيضا:"بعدما ذكر أبواب التّوحيد وفضله، وما يكفر من الذنوب، وتحقيق التّوحيد وهذه نعمة عظيمة لكن إذا حازها الإنسان، فإنه يخشى من ضدها فلابد أن يعرف ضدّها حتى يتجنّبه، فلنتنبّه لهذا الأمر، فإن هناك أناساً الآن كثيرين يزهِّدون في تعلم هذه الأمور:تعلّم التّوحيد، تعلّم الشرك، معرفة الشُّبَه والضلال، يزهدون في هذه الأمور، وهذا إما من جهلهم، وعدم معرفتهم، وإما لأنهم يريدون الدّس على المسلمين، وإفساد عقيدة المسلمين فلنحذر من هذا الأمر، سمعنا من يقول إن الذي يدرس عقائد المعتزلة والرد عليهم مثل الذي يرجم القبر، لأنهم ماتوا، يقولون كذا، نقول: يا سبحان الله هم ماتوا بأشخاصهم، لكن مذاهبهم باقية، وشبهاتهم باقية، وكتبهم، تطبع الآن وتحقق، وينفق عليها الأموال، وتُرَوّج، فكيف نقول نتركهم لأنهم ماتوا، والله تعالى ذكر شبهات المشركين من الأمم السابقة: فرعون وهامان وقارون وقوم ونوح وعاد وثمود، مع أنها أمم بائدة، ذكر شبهها ورد عليها، فالعبرة ليست بالأشخاص، العبرة بالمذاهب، والعبرة بالشُّبَه الباقية ولكل قوم وارث.
    وقال في قوله تعالى:{لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}. فهذا فيه خطورة الشرك، فالله لا يغفر للمشرك مع أن رحمته وسعت كل شيء، ولكن المشرك لا يدخل فيها، لعِظم جريمته- والعياذ بالله، فمن مات على الشرك فإنه لا يغفر له، وهذا يدلّ على خطورة الشرك، فإذا كان الشرك بهذه الخطورة، فإنه يجب الحذر منه غاية الحذر، كل الذنوب مَظِنّة المغفرة ورجاء المغفرة إلاَّ الشرك. والشرك لا يمكن تجنبه إلاَّ إذا عرف وعرف خطره([2]).

    وقال العلامة ابن عثيمين:"في الباب الأول ذكر المؤلف رحمه الله تحقيق التوحيد، وفى الباب الثاني ذكر أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث بهذا الباب رحمه الله تعالى، لأن الإنسان يرى أنه قد حقق التوحيد وهو لم يحققه، ولهذا قال بعض السلف:"ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص" وذلك أن النفس متعلقة بالدنيا تريد حظوظها من مال أو جاه أو رئاسة، وقد تريد بعمل الآخرة الدنيا، وهذا نقص في الإخلاص، وقل من يكون غرضه الآخرة في كل عمله، ولهذا أعقب المؤلف رحمه الله ما سبق من البابين بهذا الباب، وهو الخوف من الشرك، وذكر فيه آيتين:

    الأولى قوله:{إن الله لا يغفر أن يشرك به}{لا}:نافية،{أن يشرك به} فعل مضارع مقرون بأن المصدرية، فيحول إلى مصدر تقديره: أن الله لا يغفر الإشراك به، أو لا يغفر إشراكاً به، فالشرك لا يغفره الله أبداً، لأنه جناية على حق الله الخاص، وهو التوحيد.
    أما المعاصي، كالزنى والسرقة، فقد يكون للإنسان فيها حظ نفس بما نال من شهوة،أما الشرك، فهو اعتداء على حق الله تعالى، وليس للإنسان فيه حظ نفس، وليس شهوة يريد الإنسان أن ينال مراده، ولكنه ظلم،ولهذا قال الله تعالى:{ إن الشرك لظلم عظيم } [لقمان: 13]. وهل المراد بالشرك هنا الأكبر، أم مطلق الشرك؟
    قال بعض العلماء:إنه مطلق يشمل كل شرك لو أصغر، كالحلف بغير الله، فإن الله لا يغفره، أما بالنسبة لكبائر الذنوب، كالسرقة والخمر، فإنها تحت المشيئة، فقد يغفرها الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية المحقق في هذه المسائل اختلف كلامه في هذه المسألة، فمرة قال: الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر، ومرة قال:الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر، وعلى كل حال فيجب الحذر من الشرك مطلقاً، لأن العموم يحتمل أن يكون داخلاً فيه الأصغر، لأن قوله:{أن يشرك به} أن وما بعدها في تأويل مصدر، تقديره: إشراكاً به، فهو نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.

    وقوله:{ويغفر ما دون ذلك}،المراد بالدون هنا:ما هو أقل من الشرك، وليس ما سوى الشرك. قال ابن كثير:" أخبر تعالى أنه {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي من الذنوب لمن يشاء من عباده" انتهى.

    فتبين بهذه الآية أن الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة إن شاء غفره لمن لقيه به، وإن شاء عذبه به، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله؛ لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم([3]). وتنقص لرب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به؛ كما قال تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}،ول نه مناقض للمقصود بالخلق والأمر، مناف له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين،والاست كبار عن طاعته والذل له، والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك، فمتى خلا منه خرب وقامت القيامة، كما قال r:" لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله " رواه مسلم.

    ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى، ومشاركة في خصائص الإلهية:من ملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل، وأنواع العبادة كلها بالله وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، شبيها بمن له الحمد كله، وله الخلق كله، وله الملك كله، واليه يرجع الأمر كله، وبيده الخير كله، فأزمة الأمور كلها بيده سبحانه ومرجعها إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، الذي إذا فتح للناس رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم.
    فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات. ومن خصائص الإلهية:الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال، والخشية والدعاء، والرجاء والإنابة; والتوكل والتوبة والاستعانة، وغاية الحب مع غاية الذل. كل ذلك يجب عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلا وشرعا وفطرة أن يكون لغيره. فمن فعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثيل له، ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله. فلهذه الأمور وغيرها أخبر - سبحانه وتعالى - أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة. هذا معنى كلام ابن القيم رحمه الله([4]).

    هل يدخل الشرك الأصغر تحت المشيئة؟

    قال الشيخ صالح آل الشيخ:"ومعنى قوله - جل وعلا - في هذه الآية ( لَا يَغْفِرُ ) أي: أبدا فقوله:{ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } هذا وعيد بأنه - تعالى - لم يجعل مغفرته لمن أشرك به ، وقد قال العلماء في قوله:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } إن في هذه الآية دليلا على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركا أكبر أو أشرك شركا أصغر فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة ، بل يكون بالموازنة ، فهو لا يغفر إلا بالتوبة ، فمن مات على ذلك غير تائب فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك ، وقد يغفر الله - تعالى - غير الشرك كما قال { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فجعلوا الآية دليلا على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة.
    وجه الاستدلال من الآية:أن (إن) في قوله تعالى:{ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } موصول حرفي فتؤول مع الفعل الذي بعدها وهو يشرك بمصدر- كما هو معلوم - ، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمت، قالوا:فهذا يدل على أن الشرك الذي نفي هنا يعم الأكبر والأصغر والخفي فكل أنواع الشرك لا يغفرها الله- جل وعلا - وذلك لعظم خطيئة الشرك لأن الله- جل وعلا - هو الذي خلق ورزق وأعطى ، وهو الذي تفضل فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره ؟! لا شك أن هذا ظلم في حق الله جل وعلا ولذلك لم يغفر وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأكثر علماء الدعوة.

    وقال آخرون من أهل العلم إن قوله هنا:{ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } دال على العموم لكنه عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر فالمقصود بالشرك في قوله:{ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} هو:الشرك الأكبر فقط دون غيره وأما ما دون الشرك الأكبر فإنه يكون داخلا تحت المشيئة فيكون العموم في الآية مرادا به الخصوص،لأنه غالبا ما يرد في القرآن هذا اللفظ:{ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } ونحو ذلك ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر،وهذا في الغالب كما سبق فالشرك غالبا ما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر ومن شواهد ذلك قوله: جل وعلا { وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } فقوله في الآية: يُشْرَكَ هو أيضا: فعل داخل في سياق الشرط فيكون عاما ، لكن هل يدخل فيه الشرك الأصغر والخفي ؟؟
    الجواب:أنه لا يدخل بالإجماع؛لأنه تحريم الجنة،وإدخال النار والتخليد فيها ، إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر فدلنا ذلك على أن المراد بقوله:{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]. أهل الإشراك بالله الشرك الأكبر فلم يدخل فيه الأصغر ، ولم يدخل ما دونه من أنواع الأصغر. فيكون المفهوم إذًا من آيتي سورة النساء كالمفهوم من آية سورة المائدة ونحوها وهذا كقوله في سورة الحج:{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [31]. فهذا ونحوه وارد في الشرك الأكبر فيكون على هذا القول المراد بما نُفي هنا في قوله:{ لَا يَغْفِرُ أَنْ } الشرك الأكبر.

    ولما كان اختيار إمام الدعوة ، كما هو اختيار عدد من المحققين:كشيخ الإسلام:ابن تيمية،وابن القيم وغيرهما أن العموم هنا شامل لأنواع الشرك:الأكبر والأصغر والخفي كان الاستدلال بهذه الآية صحيحا؛لأن الشرك:أنواع وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف فإذا كان الشرك الأصغر:كالحلف بغير الله،وتعليق التميمة والحلقة والخيط ،ونحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر كقولك:ما شاء الله وشئت ونسبة النعم إلى غير الله إذا كان ذلك لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف كالشرك الأكبر".

    وقال الشيخ صالح_حفظه الله تعالى_:"وإذا وقع أو حصل الخوف والوجل من الشرك في القلب فإن العبد سيحرص على معرفة أنواعه حتى لا يقع فيه،ويطلب معرفة أصنافه وأفراده حتى لا يقع فيها وحتى يحذِّر أحبابه ومن حوله منها ؛ لذلك كان أحب الخلق أو أحب الناس ، وخير الناس للناس:من يحذرهم من هذا الأمر ولو لم يشعروا به ولو لم يعقلوه قال جل وعلا:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }[آل عمران:110]. لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم ، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه ، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛لأن هذا أعظمُ ما يُدعي إليه ؛ ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد وشك ورجوع عن مناصرة الدعوة وفَهْمِ ما جاء به الشيخ رحمه الله وكتبوا للشيخ وغلَّظوا له القول وقالوا:إن ما جئت به ليس بصحيح وإنك تريد كذا وكذا لمّا حصل منهم ذلك أجابهم بكتاب قال في آخره بعد أن شرح التوحيد وضدَّه ورغَّب ورهَّب: ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم ولكنكم قوم لا تعقلون . انتهى كلامه - رحمه الله - وهو كلام صحيح ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله - جل وعلا - فرحمة الله على هذا الإمام ، وأجزل له المثوبة ،وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء ، ورفع درجته في المهديين،والنبي ين،والصالحين.

    قوله تعالى:{وَاجْنُبْ نِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} وصاحب هذه الدعوة هو إبراهيم عليه السلام ومر بنا في الباب قبله:أن إبراهيم قد حقق التوحيد وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا وبأنه لم يك من المشركين فهل يطمئن من كان على هذه الحال إلى أنه لن يعبد غير الله ولن يعبد الأصنام أو يظل مقيما على خوفه ؟؟!! وهل حال الكمَّل الذين حققوا التوحيد أنهم يطمئنون أم يخافون؟؟! هذا إبراهيم - عليه السلام - كما في هذه الآية خاف الشرك وخاف عبادة الأصنام فدعا الله بقوله:{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ }[إبراهيم:36]. فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفا ، وهم عامة هذه الأمة ؟؟!! والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك ، فمن الذي يخافه إذًا؟ الذي يخافه هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.

    قال إبراهيم التيمي_رحمه الله_ وهو من سادات التابعين لما تلا هذه الآية قال:ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!إذا كان إبراهيم-عليه السلام- وهو الذي حقق التوحيد وهو الذي وُصِفَ بما وُصِفَ به وهو الذي كسَّر الأصنام بيده يخاف من الفتنة بها فمن يأمن البلاء بعده ؟!
    إذًا فما ثمَّ إلا غرور أهل الغرور والمقصود:أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك لأن إبراهيم - عليه السلام مع كونه سيد المحققين للتوحيد في زمانه بل وبعد زمانه إلى نبينا r ما أعطي الضمان والأمان من الوقوع في الشرك وألا يزيغ قلبه وكذلك الحال مع نبينا محمد:r. فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلصه منه: من العلم بالله، وبما بعث به رسوله من توحيده، والنهي عن الشرك به.

    قال الشيخ صالح الفوزان:" في قوله:{وَاجْنُبْن ِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} الخليل هو إبراهيم عليه السلام سمي بالخليل لأن الله سبحانه اتخذه خليلاً، كما قال تعالى:{وَاتَّخَذ َ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} من الخُلَّة وهي أعلى درجات المحبة أي: أن الله يحبه أعلى المحبة، وهذه مرتبة لم ينلها إلاَّ إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

    قوله:{وَاجْنُبْن ِي} أي:أبعدني واجعلني في جانب بعيد{أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} خاف من عبادتها. مع هذه المنزلة العظيمة التي نالها إبراهيم عليه السلام من ربه، ومع أنه قاوم الشرك وكسر الأصنام بيده، وتعرض لأشد الأذى في سبيل ذلك حتى ألقي في النار(
    [5]). مع ذلك خاف على نفسه من الوقوع في الشرك، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، ولهذا قال بعض السلف:"ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ فإبراهيم خاف على نفسه الوقوع في الشرك لما رأى كثرة وقوعه في الناس، وقال عن الأصنام:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}. وفي هذا أبلغ الرد على هؤلاء الذين يقولون: لا خوف على المسلمين من الوقوع في الشرك بعدما تعلموا وتثقفوا، لأن الشرك بعبادة الأصنام شرك ساذج يترفع عنه المثقف والفاهم، وإنما الخوف على الناس من الشرك في الحاكمية! ويركزون على هذا النوع خاصة، وأما الشرك في الألوهية والعبادة فلا يهتمون بإنكاره، وعلى هذا يكون الخليل عليه السلام وغيره من الرسل إنما ينكرون شركاً ساذجاً!! ويتركون الشرك الخطير وهو شرك الحاكمية كما يقول هؤلاء!!!([6]).

    وعن ابن مسعود y أن رسول الله r قال:"من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار". رواه البخاري. وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي:r قال:"الشرك أخفى من دبيب النمل. قال أبو بكر:يا رسول الله، وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعي مع الله؟ قال: ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " الحديث. وفيه: " أن تقول أعطاني الله وفلان، والند أن يقول الإنسان: لولا فلان قتلني فلان....
    ولمسلم عن جابر y أن رسول الله r قال:"من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار". قوله:"من مات وهو يدعو من دون الله ندا". أي يجعل لله ندا في العبادة، يدعوه ويسأله ويستغيث به دخل النار.
    قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -:
    والشرك فاحذره فشرك ظاهر ... ذا القسم ليس بقابل الغفران
    وهو اتخاذ الند للرحمن أيا ... كان من حجر ومن إنسان
    يدعوه، أو يرجوه ثم يخافه ... ويحبه كمحبة الديان.
    واعلم أن اتخاذ الند على قسمين:
    الأول: أن يجعله لله شريكا في أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم، وهو شرك أكبر.
    والثاني:ما كان من نوع الشرك الأصغر كقول الرجل: ما شاء الله وشئت ولولا الله وأنت. وكيسير الرياء، فقد ثبت أن النبي r لما قال له رجل:"ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده". رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه. وقد تقدم حكمه في باب فضل التوحيد(
    [7]).

    يتبع تتمة الباب.............

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  8. #8

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقسام الرياء :
    والرياء قسمان: رياء المسلم _ ورياء المنافق.
    رياء المنافق:رياء في أصل الدين يعني:أنه راءى بإظهار الإسلام وأبطن الكفر قال تعالى:{ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا }[النساء:142].
    ورياء المسلم الموحِّد:مثل أن يُحسِّن صلاته من أجل نظر الرجل أو أن يُحَسِّن تلاوته لأجل التسميع ليُمدَح ويُسمع لا لأجل التأثير. فالرياء: مشتق من الرؤية ومن صوره أن يحسن العبادة لأجل أن يرى من المتعبدين كأن يطيل في صلاته أو يطيل في ركوعه أو في سجوده أو يقرأ في صلاته أكثر من العادة لأجل أن يرى ذلك منه أو يقوم الليل لأجل أن يقول الناس عنه:إنه يقوم الليل فهذا كله شرك أصغر.


    حكم الرياء إذا طرأ على العبادة؟
    والشرك الأصغر الذي هو الرياء:قد يكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به وقد يكون محبطا للزيادة التي زادها فيه فيكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به:وإذا ابتدأ النية بالرياء كمن يصلي الراتبة لأجل أن يرى أنه يصليها وليست عنده رغبة في أن يصليها لكن لما رأى أنه يُرَى صلاها ولأجل أن يمدح لما يرى من نظر الناس إليه فصلاته هذه حابطة ليس له فيها ثواب .لكن إذا عرض الرياء له في أثناء العبادة فيكون ما زاده لأجل الرؤية باطلا كما قال: r" قال الله تعالى:أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
    الأول:أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه لحديث أبي هريرة في "الصحيح" مرفوعاً، قال الله تعال:"أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
    الثاني:أن يكون الرياء طارئاً على العبادة، أي أن أصل العبادة لله، لكن طرأ عليها الرياء، فهذا ينقسم إلى قسمين:
    الأول:أن يدافعه، فهذا لا يضره مثاله:رجل صلى ركعة،ثم جاء أناس في الركعة الثانية، فحصل في قلبه شيء بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دافعه، فإنه لا يضره لأنه قام بالجهاد.

    القسم الثاني:أن استرسل معه، فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل، كما لو أطال القيام أو الركوع، أو السجود، أو تباكى، فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟ نقول: لا يخلو هذا من حالين:

    الحال الأولى:أن يكون آخر العبادة مبيناً على أولها، بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها، فهذه كلها فاسدة.
    وذلك مثل الصلاة فالصلاة مثلاً لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه.
    الحال الثانية:أن يكون أول العبادة منفصلاً عن آخرها، بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء، فهو صحيح، وما كان بعده، فهو باطل. مثال ذلك: رجل عنده مئة ريال، فتصدق بخمسين بنية خالصة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة، لأن آخرها منفك عن أولها.
    فإن قيل:لو حدث الرياء في أثناء الوضوء، هل يلحق بالصلاة فيبطل كله، أو بالصدقة فيبطل ما حصل فيه الرياء فقط .
    فالجواب: يحتمل هذا وهذا، فيلحق بالصلاة لأن الوضوء عبادة واحدة ينبني بعضها على بعض، ليس تطهير كل عضو عبادة مستقلة، ويلحق بالصدقة لأنه ليس كالصلاة من كل وجه ولا الصدقة من كل وجه، لأننا إذا قلنا ببطلان ما حصل فيه الرياء، فأعاد تطهيره وحد لم يضر، لأن تكرر غسل الوضوء لا يبطل الوضوء ولو كان عمداً بخلاف الصلاة. فإنه إذا كرر جزءاً منها كركوع أو سجود لغير سبب شرعي، بطلت صلاته، فلو أنه بعد أن غسل يديه رجع وغسل وجهه، لم يبطل وضوؤه، ولو أنه بعد أن سجد رجع وركع، لبطلت صلاته، والترتيب موجود في هذا وهذا، لكن الزيادة في الصلاة تبطلها، والزيادة في الوضوء لا تبطله، والرجوع مثلاً إلى الأعضاء الأولى لا يبطله أيضاً، وإن كان الرجوع في الحقيقة لا يعتبر وضوءاً لأنه غير شرعي، وربما يكون في الأولى غسل وجهه على أنه واحدة، ثم غسل يديه، ثم قال: الأحسن أن أكمل الثلاث في الوجه أفضل، فغسل وجهه مرتين، وهو سيرتب أي سيغسل وجهه ثم يديه، فوضؤه صحيح.

    ولو ترك التسبيح ثلاث مرات في الركوع، وبعدما سجد قال: فوت على نفس فضيلة، سأرجع لأجل أن أسبح ثلاث مرات، فتبطل صلاته، فالمهم أن هناك فرقاً بين الوضوء والصلاة، ومن أجل هذا الفرق لا أبت فيها الآن حتى أراجع وأتأمل إن شاء الله تعالى([8]).

    فالشرك:أمره صعب جداً ليس بالهين، ولكن ييسر الله الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعله الله نصب عينيه، فيقصد بعمله وجه الله لا يقصد مدح الناس أو ذمهم أو ثناءهم عليه، فالناس لا ينفعونه أبداً، حتى لو خرجوا معه لتشييع جنازته لم ينفعه إلا عمله، قال: r" يخرج مع الميت أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان:أهله وماله، ويبقى عمله".

    وكذلك أيضاً من المهم أن الإنسان لا يفرحه أن يقبل الناس قوله لأنه قوله، لكن يفرحه أن يقبل الناس قوله إذا رأى أنه الحق لأنه الحق، لا أنه قوله، وكذا لا يحزنه أن يرفض الناس قوله لأنه قوله، لأنه حينئذ يكون قد دعا لنفسه، لكن يحزنه أن يرفضوه لأنه الحق، وبهذا يتحقق الإخلاص. فالإخلاص صعب جداً، إلا أن الإنسان إذا كان متجهاً إلى الله اتجاهاً صادقاً سليماً على صراط مستقيم، فإن الله يعينه عليه، ويسره له.

    وقوله:"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". هذا من شفقته r بأمته ورحمته ورأفته بهم، فلا خير إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شر إلا بينه لهم وأخبرهم به ونهاهم عنه:r كما فيما صح عنه:" ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم" الحديث. فإذا كان الشرك الأصغر مخوفا على أصحاب رسول الله :r مع كمال علمهم وقوة إيمانهم، فكيف لا يخافه وما فوقه من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب؟ خصوصا إذا عرف أن أكثر علماء الأمصار اليوم لا يعرفون من التوحيد إلا ما أقر به المشركون، وما عرفوا معنى الإلهية التي نفتها كلمة الإخلاص عن كل ما سوى الله.
    قال العلامة ابن القيم:"وأما الشرك فى الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك فى نيته وإرادته والإخلاص أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها وهى حقيقة الإسلام كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين) وهى ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء"([9]).

    فهذا يدل على أن الشرك أمره عظيم فلا يتهاونن أحد بهذا الأمر لأن من تهاون بالشرك وبالتوحيد، فإنه يكون فإنه يكون متهاونا بأصل دين الإسلام ، بل يكون متهاونا بالذي دعا إليه النبي: r في مكة سنين عددا بل يكون متهاونا بدعوة الأنبياء والمرسلين فإنهم اجتمعوا على شيء واحد وهو العقيدة وتوحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات وأما الشرائع فشتى.
    لهذا وجب عليك الحذر كل الحذر من الشرك بأنواعه وأن تتعلم ضده وأن تتعلم أيضا أفراد الشرك وأفراد التوحيد وبذلك يتم العلم ويستقيم العمل وأما تعلم ذلك على وجه الإجمال ، فهذا كما يقال:نحن على الفطرة لكن إذا أتت الأفراد فربما رأيت بعض الناس يخوضون في بعض الأقوال أو الأعمال التي هي من جنس الشرك وهم لا يشعرون وذلك لعدم خوفهم وهربهم من الشرك نسأل الله جل وعلا العفو والعافية فاحرص إذًا على تعلم هذا الكتاب ومدارسته وعلى كثرة مذاكرته ، وفهم ما فيه من الحجج والبينات لأنه أفضل ما تودعه صدرك بعد كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه:r فلعله أن يكون إن شاء الله سببا عظيما من أسباب النجاة والفلاح (
    [10]).

    قال الشيخ العلامة صالح الفوزان:" فهذا فيه الخوف من الشرك، وأن الإنسان قد يُختم له بالشرك فيكون من أهل النار ولو كان من أهل التّوحيد قبل ذلك وعارف به، ومستقيم لكن يخاف على نفسه من أنه يتنكس بعد ذلك ويشرك بالله ويموت على ذلك فيكون من أهل النار، فنسأل الله الثبات، فيكون عنده حذر دائماً وأبداً من الشرك". وقال:"وفي نصوص الباب أن الإنسان لا يغتر بنفسه مهما بلغ من العلم والإيمان والمعرفة، بل يعترف بعجزه وفقره إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه إن لم يعصمه الله فإنه على خطر"([11]).

    الشرك أعظم الذنوب وأقبحها على الإطلاق:
    قال العلامة ابن القيم:"أخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته ويعبد وحده لا يشرك به وأن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض كما قال تعالى:{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد:25 ]. فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله،وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل ومن أعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه وأن الشرك ظلم كما قال تعالى:{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان:13] .
    فالشرك:أظلم الظلم والتوحيد أعدل العدل فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر إلى أن قال فلما كان الشرك منافيا بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته وأبى الله سبحانه أن يقبل لمشرك عملا أو يقبل فيه شفاعة أو يجيب له في الآخرة دعوة أو يقبل له فيها رجاء فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله. حيث جعل له من خلقه ندّا وذلك غاية الجهل به كما أنه غاية الظلم منه وإن كان المشرك في الواقع لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه" ([12]).

    وقال:"فالشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين:(أَإِفْ كاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 86 ]. وإن كان المعنى ما ظنكم به أن يعاملكم ويجازيكم به وقد عبدتم معه غيره وجعلتم له ندا فأنت تجد تحت هذا التهديد :ما ظننتم بربكم من السوء حتى عبدتم معه غيره؟! فإن المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم من وزير أو ظهير أو عون وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته.
    وكل ما سواه فقير إليه بذاته وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة أولا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم أو لا يكفي عبده وحده أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده الواسطة كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيحتاج أن يقبل شفاعته لحاجته إلى الشافع وانتفاعه به وتكثره به من القلة وتعززه به من الذلة أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه كما هو حال ملوك الدنيا وهذا أصل شرك الخلق أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم لبعده عنهم حتى يرفع الوسائط ذلك أو يظن أن للمخلوق عليه حقا فهو يقسم عليه بحق ذلك المخلوق عليه ويتوسل إليه بذلك المخلوق كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ولا يمكنهم مخالفته وكل هذا تنقص للربوبية وهضم لحقها ولو لم يكن فيه إلا نقص محبة الله تعالى وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه من قلب المشرك بسبب قسمته ذلك بينه سبحانه وبين من أشرك به فينقص ويضعف أو يضمحل ذلك التعظيم والمحبة والخوف والرجاء بسبب صرف أكثره أو بعضه إلى من عبده من دونه"(
    [13]).

    ثم قال:"وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول r مقاصده، جزم جزماً لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهى بصيغتيه: صيغة"لا تفعلوا" وصيغة ( إنى أنهاكم ) ([14]). ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عدم فى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله فإن هذا وأمثاله من النبي: r صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه.
    فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكاباً لنهيه وغرهم الشيطان فقال:بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين وكلما كنتم أشد لها تعظيما،وأشد فيهم غلوا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.
    ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة. فجمع المشركون بين الغلو فيهم، والطعن فى طريقتهم وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم منازلهم التى أنزلهم الله إياها:من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم. وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم. وأما المشركون فعصوا أمرهم، وتنقصوهم فى صورة التعظيم لهم"(
    [15]).
    وخلاصة هذا الباب العظيم : هو الخوف من الشرك الأكبر والأصغر وعدم الأمن من مكر الله جل جلاله.



    فيه مسائل :
    الأولى:الخوف من الشرك.
    الثانية:أن الرياء من الشرك.
    الثالثة:أنه من الشرك الأصغر.
    الرابعة:أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين.
    الخامسة:قُرْب الجنة والنار .
    السادسة:الجمع بين قربهما في حديث واحد.
    السابعة:أنه مَنْ لقيه لا يشرك به شيئا ؛ دخل الجنة. ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار، ولو كان من أعبد الناس.
    الثامنة:المسألة العظيمة:سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عباد الأصنام.
    التاسعة:اعتبار بحال الأكثر لقوله:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}.
    العاشرة:فيه تفسير ( لا إله إلا الله ) ، كما ذكره البخاري.
    الحادية عشرة:فضيلة من سَلِمَ من الشرك.




    ([1]) قال عبد الله ا بن مسعود y: من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد r كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" انظر شرح السنة للبغوي (ص 215 ) المكتب الإسلامي.
    ([2]) انظر إعانة المستفيد.
    ([3]) والحقيقة أن المشرك يظلم نفسه لا ربه سبحانه وتعالى.
    ([4]) انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
    ([5]) وماذا فعلنا نحن من أجل التوحيد وما لذي فعل بنا لأجله حتى نأمن من الشرك ؟؟؟!!!
    ([6]) انظر إعانة المستفيد.
    ([7]) انظر فتح المجيد.
    ([8]) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد.
    ([9])الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو (الداء والدواء) .
    ([10]) أنظر القول المفيد والتمهيد "باب الخوف من الشرك" .
    ([11]) إعانة المستفيد .
    ([12]) انظر الجواب الكافي:( ص 109) بواسطة كتاب التوحيد للفوزان.
    ([13]) أنظر إغاثة اللهفان:(ج1_ص129) .
    ([14]) (أي عن الصلاة للقبور او عليها) .
    ([15]) (إغاثة اللهفان ج1_ص356) .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للرفع
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  10. #10

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (4)
    باب
    الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

    وقول الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ }[يوسف: 108] الآية.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي: r لما بعث معاذاً إلى اليمن قال:"إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله". وفي رواية:"إلى أن يوحدوا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" أخرجاه.
    ولهما عن سهل بن سعد t أن رسول الله rقال يوم خيبر:" لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه, فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله: r كلهم يرجو أن يعطاها فقال:" أين علي بن أبي طالب؟ فقيل:هو يشتكي عينيه فأرسلوا إليه فأُتِيَ به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقال:" أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم". ( يدوكون : أي يخوضون) .

    الشرح:
    أي:باب الدعوة إلى التوحيد نبه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم. وهذا الترتيب الذي ذكره المؤلف من أحسن ما يكون لأنه لما ذكر توحيد الإنسان بنفسه ذكر دعوة غيره إلى ذلك، لأنه لا يتم الإيمان إلا إذا دعا إلى التوحيد قال تعالى:{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. فلا بد مع التوحيد من الدعوة إليه وإلا كان ناقصاً ولا ريب أن هذا الذي سلك سبيل التوحيد لم يسلكه إلا وهو يرى أنه أفضل سبيل وإذا كان صادقاً في اعتقاده فلابد أن يكون داعياً إليه، والدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله من تمام التوحيد، ولا يتم التوحيد إلا به!([1]).

    وقد ذكر في الباب قبله الخوف من الشرك وقبله ذَكَرَ:(فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب) و باب: (من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب). ولما ذكر بعده الخوف من الشرك:اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في نفس الموحد فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلب:بأن عرف فضله وعرف معناه وخاف من الشرك واستقام على التوحيد وهرب من ضده هل يبقى مقتصرا بذلك على نفسه ويضنّ به على غيره وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم ألا وهو إفراده بالعبادة وبما يستحقه - سبحانه وتعالى - من نعوت الجلال وأوصاف الجمال ؟؟!
    الجواب:طبعا لا,لذا بوب الشيخ- رحمه الله-بهذا الباب ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك ومن تمام التوحيد:أن يدعو المرءُ غيره إلى التوحيد فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله:أشهد أن لا إله إلا الله وشهادته معناها:اعتقاده ونطقه وإخباره غيره بما دلت عليه فلا بد إذًا تحقيقًا للشهادة وإتمامًا لها أن يكون المكلَّف الموحِّد داعيا إلى التوحيد.لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله ثم إن له مناسبة أخرى لطيفة:
    وهي:أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان لأفراده وتفسير للشرك وبيان لأفراده فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك وهذا من المهمات لأن كثيرين من المنتسبين للعلم من أهل الأمصار يسلمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالاً ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد أو جاء التفصيل في بيان أفراد الشرك فإنهم يخالفون في ذلك وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس بحقائق أفراد التوحيد وأفراد الشرك.

    فالذي تميزت به دعوة الإمام المصلح _رحمه الله_ أن الدعوة فيها إلى شهادة أن لا إله إلا الله دعوة تفصيلية ليست إجمالية أما الإجمال فيدعو إليه كثيرون ممن يقولون نهتم بالتوحيد ونبرأ من الشرك لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك والذي ذكره الإمام - رحمه الله - في بعض رسائله أنه لما عرض هذا الأمر يعني الدعوة إلى التوحيد على علماء الأمصار قال:وافقوني على ما قلت وخالفوني في مسألتين: في مسألة التكفير وفي مسألة القتال. أ,هـ.
    وقال أيضا:وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية ولهذا فصل الإمام - رحمه الله - في هذا الكتاب أنواع التوحيد وأفراد توحيد العبادة وفصَّل الشرك الأكبر والأصغر فبين أفرادا من ذا وذاك(
    [2]).

    فإذا كان طالب العلم ألَمَّ بهذه الأبواب وعرفها معرفة جيدة عرف التّوحيد وفضله وتحقيقه وعرف ما يضاده من الشرك الأكبر أو ينقصه من الشرك الأصغر والبدع وسائر المعاصي، فإنه حينئذٍ تأهّل للدعوة إلى الله عزّ وجلّ، لأنه لا يجوز للإنسان إذا علم شيئاً من هذا العلم أن يختزنه في صدره ويُغلق عليه ويختصه لنفسه هذا العلم مشتَرك بين الأمة فمن عرف شيئاً منه فإنه يجب عليه أن ينشره وأن يدعو الناس إليه فإن هذه الأمة أمة دعوة كما قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقال تعالى:{وَلْتَكُن ْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فلا يجوز للمسلم الذي عرف شيئاً من العلم أن يسكت عليه وهو يرى الناس في حاجة إليه،خصوصاً علم التّوحيد وعلم العقيدة لأنه إذا فعل ذلك فقد ترك واجباً عظيماً، ولا يقول الإنسان أنا ما علي إلاَّ من نفسي- كما يقوله بعض الجهلة أو الكسالى- أنا ما عليَّ من الناس!! بل عليك نفسك أولاً ثم عليك أن تدعو الناس إلى دين الله عزّ وجلّ، فإن اقتصرت على نفسك تركت واجباً عظيماً تحاسب عنه يوم القيامة، وتعرّض نفسك لغضب الله عزّ وجلّ حيث تركت ما أوجبه عليك من الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، هذا وجه المناسبة وهي ظاهرة ([3]).

    قوله تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } فيها فائدتان:
    1_أن الدعوة يجب أن تكون إلى الله عزوجل وإلى دينه.
    2_ التنبيه على الإخلاص في هذا الموطن العظيم.
    وقوله:{ إلى الله} لأن الدعاة إلى الله ينقسمون إلى قسمين:
    1_داع إلى الله.
    2 _ داع إلى غيره.
    فالداعي إلى الله تعالى هو المخلص الذي يريد أن يوصل الناس إلى الله تعالى. والداعي إلى غيره قد يكون داعياً إلى نفسه، يدعو إلى الحق لأجل أن يعظم بين الناس ويحترم، ولهذا تجده يغضب إذا لم يفعل الناس ما أمر به، ولا يغضب إذا ارتكبوا نهياً أعظم منه، لكن لم يدع إلى تركه.
    ومن دعا إلى الله ثم رأى الناس فارين منه فلا ييأس ويترك الدعوة فإن الرسول :r قال لعلي:t ( انفذ على رسلك، فو الله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). يعني:أن اهتداء رجل واحد من قبائل اليهود خير لك من حمر النعم، فإذا دعا إلى الله ولم يجب فليكن غضبه من أجل أن الحق لم يتبع لا لأنه لم يجب فإذا كان يغضب لهذا فمعناه أنه يدعو إلى الله فإذا استجاب واحد كفى وإذا لم يستجب أحد فقد أبرأ ذمته أيضاً وفي الحديث:"والنبي وليس معه أحد"(
    [4]).

    قوله:{على بصيرة} أي:علم فتضمنت هذه الدعوة الإخلاص والعلم لأن أكثر ما يفسد الدعوة عدم الإخلاص أو عدم العلم . وليس المقصود بالعلم في قوله:{ على بصيرة } العلم بالشرع فقط بل يشمل:
    1_ العلم بالشرع .
    2_ والعلم بحال المدعو.
    3_ والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود، وهو الحكمة.
    فيكون بصيراً بحكم الشرع وبصيراً بحال المدعو وبصيراً بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة ولهذا قال النبي r لمعاذt :" إنك تأتي قوماً أهل كتاب". فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محموداً وليست طريقته طريقة الرسول : r لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح(
    [5]).

    والبصيرة هي:أعلى مراتب العلم وهي للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق فكما أنك بالعين تبصر الأجرام والذوات فإنك ببصيرة القلب والعقل تدرك المعلومات والمعنى:أنه دعا على علم،وعلى يقين وعلى معرفة لم يدعُ إلى الله على جهالة.
    وقوله تعالى:(أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يعني:أدعو أنا إلى الله وكذلك من اتبعني ممن أجاب دعوتي فإنهم يدعون إلى الله أيضا على بصيرة وهذا أيضا من مناسبة إيراد الآية تحت هذا الباب لأن أتباع النبي r يدعون إلى الله. فالمتبعون للرسل عليهم الصلاة والسلام والموحدون لله:لا بد لهم من الدعوة إلى الله بل هذه صفته r وصفتهم التي أمر الله نبيه أن يخبر عنها،فقال قل يعني: يا محمد:{ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. فهذه إذًا خصلة أتباع الأنبياء الذين لم يخافوا من الشرك فحسب ولم يعلموا التوحيد ويعملوا به فحسب بل دعوا إلى ذلك وهذا أمر حتمي ولازم لأن من عرف عِظَم حق الله Y فإنه يغار على حق الرب Y وكيف لا يغار على مولاه وعلى حق من أحبه فوق كل محبوب من أن يكون توجه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات ؟! . فلا بد أن يدعو إلى أصل الدين وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلون ألا وهو توحيده - جل وعلا - في عبادته وفي ربوبيته ، وفي أسمائه وصفاته(
    [6]).

    قوله:{أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} البصيرة معناها: العلم، بل هي أعلى درجات العلم.
    وفي هذا دليل على أنه يُشترط في الداعية أن يكون على بصيرة، أي : على علم بما يدعو إليه، أما الجاهل فلا يصلح للدعوة بل لابد أن يتزوّد بالعلم قبل أن يَشْرَع في الدعوة لأنه في دعوته يتعرض إلى شبهات ومناظرات فمن أين يجيب إذا وقف في وجه معاند أو معارض أو مشبِّه كيف يستطيع الخلاص. إنه يفشل ويصير نَكْسَة على الدعوة، أو يجيب بجهل ويكون الأمر أخطر، إما أن يسكت عن الجواب وينتصر عليه الخصم، وإما أن يجيب بجهل فيكون الأمر أخطر هذا من ناحية.
    والناحية الثانية:أن الداعية يحتاج إلى معرفة الحلال والحرام، فقد يقول بجهله هذا الشيء حرام وهو حلال وقد يقول بجهله : هذا الشيء حلال وهو حرام، فالداعية يجب أن يكون على علم بما يدعو إليه بحيث أنه يعرف الحلال والحرام ويعرف الواجب والمستحب والمحرّم والمكروه والمباح ويعرف كيف يجيب على الاعتراضات والشبه والمجادلات كما قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} كيف يستطيع أن يجادل بالتي هي أحسن وهو ليس عنده علم؟! فيُشترط في الداعية : أن يتأهل بالعلم، فإن بعض الدعاة اليوم ليس عندهم علم وإنما يجيد الكلام والشَّقْشَقَة والخطابة لكن ليس عنده علم، بحيث لو عرضت له أدنى شُبهة، أو سئل عن أدنى مسألة في الحرام والحلال تخبّط فيها. {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} أي:وأتباعي يدعون إلى الله على بصيرة، فدلّ على أن من لم يدع إلى الله لم يحقق إتباع الرسول r وأن من دعا إلى الله على جهل لم يحقق إتباع الرسول r بل إنه أدخل نفسه فيما ليس من شأنه وصار خطراً على الدعوة، وعلى الدعاة.

    ثم قال:{وَسُبْحَنَ اللَّهِ} سبحان:اسم مصدر من سبّح بمعنى: نَزَّه الله عما لا يليق به من الشرك والقول عليه سبحانه وتعالى بلا علم فإن الله يُنَزَّه عن الشرك ويُنَزَّه عن القول عليه بلا علم فهذا فيه وجوب تنزيه الله سبحانه وتعالى عن النقائص وأعظمها الشرك.{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} هذه براءة من الرسول r من المشركين، كما تبرّأ منهم خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ففيه البراءة من المشركين يعني: قطع المحبة والمودّة والمناصرة بينك وبين المشركين، لأنهم أعداء الله وأعداء رسوله فلا يجوز لك أن تَوَدَّهم بقلبك أو تناصرهم أو تدافع عنهم:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ....} الآيات {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }.
    ففي هذا دليل على أنه يجب البراءة من المشركين، وأن من أصول الدعوة إلى الله : البراءة من المشركين أما الداعية الذي لا يتبرأ من المشركين فهذا ليس بداعية، وليس على طريقة الرسول r وإن زعم أنه يدعو إلى الله والكفر بالطاغوت مقدم على الإيمان بالله كما قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} فلابد من البراءة من المشركين أما الذين يقولون:"ما علينا من عقائد الناس من دخل في جماعتنا وصار معنا فهو أخونا وعقيدته له ! هذه ليست دعوة إلى الله عزّ وجلّ، وإنما هي دعوة إلى الحزبية والعصبية (
    [7]).

    أقسام الناس بالنسبة لكيفية دعوتهم:
    قال العلامة ابن القيم _رحمه الله تعالى_:في معنى قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} الآية. ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو:
    1_فإنه إما أن يكون طالبا للحق محبا له، مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال .
    2_ وإما أن يكون مشتغلا بضد الحق. لكن لو عرفه آثره واتبعه، فهذا يحتاج إلى الموعظة بالترغيب والترهيب.
    3_ وإما أن يكون معاندا معارضا، فهذا يجادل بالتي هي أحسن . فإن رجع وإلا انتقل معه إلى الجلاد إن أمكن. انتهى.
    الفرق بين حب الإمامة الممدوحة والدعوة إلى الله وبين حب الرئاسة والتصدر
    :
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ( فصل )
    والفرق بين حب الرياسة وحب الإمارة للدعوة إلى الله هو الفرق بين تعظيم أمر الله والنصح له وتعظيم النفس والسعي في حظها فإن الناصح لله المعظم له المحب له يحب أن يطاع ربه فلا يعصى وأن تكون كلمته هي العليا وأن يكون الدين كله لله وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه فقد ناصح الله في عبوديته وناصح خلقه في الدعوة إلى الله فهو يحب الإمامة في الدين بل يسأل ربه أن يجعله للمتقين أماماً يقتدي به المتقون كما اقتدى هو بالمتقين.
    فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى الله أن يكون في أعينهم جليلا وفي قلوبهم مهيبا وإليهم حبيبا وأن يكون فيهم مطاعا لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول:r على يده لم يضره ذلك بل يحمد عليه لأنه داع إلى الله يحب أن يطاع ويعبد ويوحد فهو يحب ما يكون عونا على ذلك موصلا إليه ولهذا ذكر سبحانه عباده الذين اختصهم لنفسه وأثنى عليهم في تنزيله وأحسن جزاءهم يوم لقائه فذكرهم بأحسن أعمالهم وأوصافهم ثم قال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ). فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه وأن يسر قلوبهم باتباع المتقين لهم على طاعته وعبوديته فإن الإمام والمؤتم متعاونان على الطاعة فإنما سألوه وما يعانون به المتقين على مرضاته وطاعته وهو دعوتهم إلى الله بالإمامة في الدين التي أساسها الصبر واليقين كما قال تعالى:(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين هو سؤال أن يهديهم ويوفقهم ويمن عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة ظاهرا وباطنا التي لا تتم الإمامة إلا بها وتأمل كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسمه الرحمن جلا جلاله ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضل رحمته ومحض جوده ومنته وتأمل كيف جعل جزاءهم في هذه السورة الغرف وهي المنازل العالية في الجنة لما كانت الإمامة في الدين من الرتب العالية بل من أعلى مرتبة يعطاها العبد في الدين كان جزاؤه عليها الغرفة العالية في الجنة.
    وهذا بخلاف طلب الرياسة فإن طلابها يسعون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلو في الأرض وتعبد القلوب لهم وميلها إليهم ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم فترتب على هذا المطلب من المفاسد مالا يعلمه إلا الله من البغي والحسد والطغيان والحقد والظلم والفتنة والحمية للنفس دون حق الله وتعظيم من حقره الله واحتقار من أكرمه الله ولا تتم الرياسة الدنيوية إلا بذلك ولا تنال إلا به وبأضعافه من المفاسد والرؤساء في عمى عن هذا فإذا كشف الغطاء تبين لهم فساد ما كانوا عليه ولا سيما إذا حشروا في صور الذر يطؤهم أهل الموقف بأرجلهم إهانة لهم وتحقيرا وتصغيرا كما صغروا أمر الله وحقروا عباده(
    [8]).أ.هـ

    قوله: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله).
    هذا موطن الشاهد وهو أن النبي r أمر معاذاً t أن يكون أول ما يدعو إليه هو: شهادة أن لا إله إلا الله وفسَّرتها الرواية الأخرى للبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه وهي بلفظ:( إلى أن يوحدوا الله). فموطن الشاهد من هذا الحديث ومناسبة إيراده في الباب: هو ذكر أن التوحيد هو أول ما يدعى إليه وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
    قوله:( من أهل الكتاب) أخبره النبي r بذلك لأمرين :
    الأول:أن يكون بصيراً بأحوال من يدعو.
    الثاني:أن يكون مستعداً لهم، لأنهم أهل كتاب، وعندهم علم.
    وقوله:( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله). قلت: لا بد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط لا تنفع قائلها إلا باجتماعها :

    أحدها:العلم المنافي للجهل لأن كثيراً من الناس لا يعلم معناها فلهذا يأتي بناقض لها كأن يدعو غير الله, فمن لا يعرف المعنى فهو جاهل بمدلولها ومعناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله وإخلاص العبادة له لله وحده, قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }]محمد:19[ . وقال صلى الله عليه وآله وسلم:"من مات وهو يعلم أن لا اله إلا الله دخل الجنة ". رواه مسلم .
    الثاني:الإخلاص المنافي للشرك. وقوادح هذا القيد كثيرة منها أن يدعو لنفسه لا لله عز وجل أو أن يريد بعمله مدح الناس ورضاهم إلى غير ذلك من القوادح في هذا القيد العظيم.
    لان الإخلاص:وهو تصفية العمل من جميع شوائب الشرك بأن لا يقصد بقولها طمعا من مطامع الدنيا, ولا رياء ولا سمعة. قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.....}] البينة:5[. وقال صلى الله عليه وآله وسلم:"أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله خالصا من قلبه". رواه البخاري.
    الثالث:القبول المنافي للرد:ومن القبول لهذه الكلمة هو الفرح بها ونشرها بين الناس والدعوة إليها وعدم الانزعاج من ذكرها وذكر أهلها والثناء عليهم. أي القبول لما اقتضته هذه الكلمة من عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه فمن قالها ولم يقبل ذلك ولم يلتزم به كان من الذين قال الله فيهم:{ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } (الصافات: 35). وقال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ) النور:51 ).
    الرابع:الانقياد المنافي للترك: وضده الإعراض عنها فلا يتعلمها ولا يدعو إليها مفصلاً ولا يدندن حولها في دعوته فلا يتعلم التوحيد ولا يعلمه فهذا كله منافي للانقياد لها. أي الاستسلام لها ولما جاءت به . قال تعالى:{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ } ( لقمان : 54 ) .
    الخامس:اليقين المنافي للشك: وكذلك كثير من المسلمين يقولها مع اعتقاد أن فلان يضر وينفع فهذا منافي لليقين بهذه الكلمة وبما دلت عليه. وذلك بأن يكون قائلها مستيقنا بما تدل عليه. فان كان شاكا بما تدل عليه لم تنفعه قال تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }] الحجرات:15[ . وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله، لَا يلقى الله بهَا عبدٌ غير شاكٍّ فيحجب عَن الْجنَّة ". رواه البخاري ومسلم وانظر الجمع بين الصحيحين للحميدي (2625) .
    السادس:الصدق المنافي للكذب: لأن المنافقين قالوها لكن لم تنفعهم لأنهم ما صدقوا بنطقها فلا بد من مواطئة القلب للسان ثم أظهار ذلك على الجوارح حتى ينتفع قائلها. وهو أن يقول هذه الكلمة مصدقا بها قلبه فان قالها بلسانه ولم يصدق بها قلبه كان منافقا كاذبا . قال تعالى:{الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } العنكبوت . وقال صلى الله عليه وآله وسلم" : ما من أحد يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار " متفق عليه .
    السابع:المحبة المنافية لضدها:لها ولأهلها الذين يدعون إليها بل كل محبة يجب أن تكون لها وفيها ومن أجلها وهذا هو حقيقة الحب في الله والبغض فيه(
    [9]). قال تعالى:{ وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} ( البقرة :165 ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" رواه الإمام أحمد (12002 ( وانظر صحيح الجامع : (3040) .
    وذكر بعض أهل العلم شرطا ثامناً وهو:الكفر بالطاغوت: أخذه من قول النبي r :" من قال:لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حَرُم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل" (
    [10]). أي الكفر بما يعبد من دون الله وأن يتبرأ قائلها من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة كما قال سبحانه:{ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }( البقرة :256).
    وقد جمعت هذه الشروط في بيتين :
    علم يقين و إخلاص وصدقك مع .... محبة وانقياد والقبول لها
    وزيد ثامنها الكفران منك بما .... سوى الإله من الأشياء قد ألها.

    يتبع تتمة الباب..........

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  11. #11

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    وشهادة أن محمداً رسول الله لا بد فيها من أربعة شروط أيضاً:
    الأول:طاعته فيما أمر _ الثاني: تصديقه فيما أخبر.
    الثالث:اجتناب مانهى عنه وزجر _ الرابع:أن يعبد الله إلا بما شرع, وهذا مقتضى الشهادتين من إخلاص العبادة لله وحده، وإخلاص الطاعة لرسوله:r. ومما يستفاد من الحديث؟ دل هذا الحديث على مسائل كثيرة :

    أوّلاً: فيه إرسال الدعاة إلى الله عزّ وجلّ.
    ثانياً:فيه فضيلة لمعاذ بن جبلy .
    ثالثاً:فيه قبول خبر الواحد في العقائد وغيرها.
    رابعاً:فيه بيان منهج الدعوة، وهذا أصل عظيم، وهو أنه يتدرج فيها، ويبدأ بالأهم فالأهم.
    خامساً:في الحديث دليل على عظم رسالته r وأنه مبعوث إلى جميع العالم اليهود والنصارى وغيرهم، وإذا كان مبعوثاً إلى اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، فغيرهم من باب أولى.
    سادساً:فيه المسألة التي أشار إليها الشيخ، وهي أن من العلماء من يجهل معنى لا إله إلاَّ الله، لأن أهل الكتاب يدعون إليها وهم أهل كتاب وأهل علم.
    سابعاً:في الحديث دليل على أنه لا يجوز أخذ الكرايم في الزكاة، وإنما يُؤخذ المتوسط.
    ثامناً:فيه دليل على التحذير من دعوة المظلوم، وأنه ليس بينها وبين الله حجاب(
    [11]).

    قوله:(لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله). هذا فيه رد على الخوارج والنواصب وعلى الروافض:قال شيخ الإسلام:ليس هذا الوصف مختصا بعلي t ولا بالأئمة فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي يحب الله ورسوله لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين لا يتولونه، أو يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج. لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم، فإن الخوارج تقول في علي t مثل ذلك، ولكن هذا باطل؛ فإن الله تعالى ورسوله لا يطلق مثل هذا المدح على من يعلم الله أنه يموت كافرا([12]).

    ومما يلاحظ هنا أن آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابةy كانوا دعاة إلى الله Y وإلى التوحيد وحديث معاذ يبين أن معاذاً كان من الدعاة إلى الله،وقد فصل فيه نوع تلك الدعوة إلى الله Y وكذلك حديث سهل بن سعد الذي فيه قصة علي فيه أيضا الدعوة إلى الإسلام ، فيكون هذان الحديثان كالتفصيل لقوله في الآية:{ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. فالدعوة على بصيرة هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وهي الدعوة إلى توحيده وإلى الإسلام ، وما يجب على العباد من حق الله فيه([13]).

    فيه مسائل:
    الأولى:أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    الثانية:التنبيه على الإخلاص ، لأن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه.
    الثالثة:أن البصيرة من الفرائض .
    الرابعة:من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيها لله تعالى عن المسبَّة .
    الخامسة:أن من قُبح الشرك كونه مسبَّة لله .
    السادسة: - وهي من أهمها - إبعاد المسلم عن المشركين ؛ لئلا يصير منهم ، ولو لم يشرك.
    السابعة:كون التوحيد أول واجب .
    الثامنة:أن يُبدأ به قبل كل شيء ، حتى الصلاة .
    التاسعة:أن معنى ( أن يوحدوا الله ) : معنى شهادة أن لا إله إلا الله .
    العاشرة:أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها ، أو يعرفها ولا يعمل بها .
    الحادية عشرة:التنبيه على التعليم بالتدريج .
    الثانية عشرة:البُداءة بالأهم فالأهم .
    الثالثة عشرة:مصرف الزكاة .
    الرابعة عشرة:كشف العالم الشبهةَ عن المتعلم.
    الخامسة عشرة:النهي عن كرائم الأموال .
    السادسة عشرة:اتقاء دعوة المظلوم .
    السابعة عشرة:الإخبار بأنها لا تُحجب.
    الثامنة عشرة:من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء.
    التاسعة عشرة قوله:( لأعطين الراية . . . ) علَمٌ من أعلام النبوة .
    العشرون:تَفْلُه في عينيه عَلَمٌ من أعلامها أيضا .
    الحادية والعشرون:فضيلة علي رضي الله عنه.
    الثانية والعشرون:فضل الصحابة في دَوْكِهِم تلك الليلة وشُغلهم عن بشارة الفتح.
    الثالثة والعشرون:الإيما بالقدر ،لحصولها لمن لم يسع لها ومنعها عمن سعى.
    الرابعة والعشرون:الأدب في قوله « على رسْلك ».
    الخامسة والعشرون:الدعوة إلى الإسلام قبل القتال.
    السادسة والعشرون:أنه مشروع لمن دُعوا قبل ذلك وقوتلوا.
    السابعة والعشرون:الدعوة بالحكمة لقوله: « أخبرهم بما يجب عليهم ».
    الثامنة والعشرون:المعرف بحق الله في الإسلام.
    التاسعة والعشرون:ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد.
    الثلاثون:الحلف على الفتيا.




    ([1]) القول المفيد.
    ([2]) ينظر التمهيد للشيخ صالح آل الشيخ.
    ([3]) انظر إعانة المستفيد .
    ([4]) القول المفيد .
    ([5]) القول المفيد .
    ([6]) التمهيد للشيخ صالح آل الشيخ.
    ([7]) ينظر إعانة المستفيد.
    ([8]) الروح لابن القيم .
    ([9]) انظر فتح المجيد.
    ([10]) رواه مسلم:(23).
    ([11]) إعانة المستفيد.
    ([12]) منهاج السنة النبوية:( ج7_ص366).
    ([13]) انظر التمهيد .




    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    = ارجو من الأخوة المشرفين تثبيت الموضوع لتعم الفائدة =
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  13. #13

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (5)

    باب

    تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
    وقول الله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:57]. وقوله:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ },{ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [ الزخرف:26 - 27]. وقوله:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [التوبة : 31] ([1]).
    وقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }[البقرة: 165].
    وفي الصحيح عن النبي r أنه قال:" من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبَد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل" (
    [2]).

    الشرح :
    أراد المصنف_رحمه الله تعالى_ بهذه الترجمة وما جاء بعدها من الآيات و الحديث:أن يزيد هذا المقام بياناً وإيضاحاً وإلا فقد تقدم في الآيات والأحاديث ما يفسر لا إله إلا الله وما دلت عليه من التوحيد ونفي الشرك والتنديد([3]). وهذا الباب في تفسير هذه الكلمة وبيان معناها لأن الذي يدعو إلى شيء ويطلب من الناس أن يفعلوه فلابد أن يبيّنه لهم ويوضّحه لهم توضيحاً تامًّا ولا يكتفي بمجرد أن يقول للناس قولوا:لا إله إلاَّ الله([4]). أو يقول للناس ادخلوا في الإسلام. بل لابد أن يبين لهم معنى لا إله إلاَّ الله وأن يبين لهم معنى الإسلام الذي يدعوهم إليه ولابد مع ذلك أن يبَيّن لهم ما يناقض الإسلام، وما يناقض لا إله إلاَّ الله، من أنواع الرِّدّة، وأنواع الشرك حتى تكون دعوته مُثمرة وحتى يستفيد الناس من دعوته أما أن يدعوَهم إلى شيء مجمل، فهذا لا يكفي.
    وكثير من الذين يتسمَّون بالدعوة في هذه الأيام من الجماعات أو الأفراد، أكثرهم لا يعرفون معنى لا إله إلاَّ الله على الحقيقة ولا يعرفون معنى الإسلام على الحقيقة ولا يعرفون نواقض الإسلام ونواقض الشهادتين وإنما يَدْعُون إلى شيء مجمل، وربما أن بعضهم يفهم هذا، ولكن لا يحب أن يبين للناس هذه الأشياء لأنهم بزعمه يَنْفُرون منه وهو يريد أن يجمِّع الناس يُجمعهم على ماذا؟ على جهالة؟ يجمعهم على ضلالة؟
    لابد أن تبين ما تدعو إليه وتوضح ما تدعو إليه كما قال تعالى في حق نبيه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(
    [5]). من هنا عقد الشيخ _رحمه الله_ هذا الباب بعد: (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله). ليتبين من ذلك أن من دعا إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله فلابد أن يفسِّرها ويفسِّر التّوحيد، حتى تكون دعوته على بصيرة أما إن كان لا يعرف هذا فلا يدخل فيما ليس من شأنه حتى يتعلم هو بنفسه أولاً أو إن كان يعرف هذا ولكن لا يريد أن يبينه للناس لغَرَض في نفسه أو لإرضاء جماعته أو حزبه فليبتعد عن هذا ولا يكون محسوباً على الدعوة، وهو لا يقوم بواجبها، لأن هذا يصبح سُبَّةً على الدعوة، ونَكْسَة على الدعوة([6]).

    والتفسير معناه:الكشف والإيضاح مأخوذ من قولهم:فسرت الثمرة قشرها،ومن قول الإنسان:فسرت ثوبي فاتضح ما وراءه ومنه تفسير القرآن الكريم.
    والتوحيد:هو اعتقاد أن الله واحد في ألوهيته. وهذا الباب مهم لأنه لما سبق الكلام على التوحيد وفضله والدعوة إليه، كأن النفس الآن اشرأبت إلى بيان ما هو هذا التوحيد الذي بوب له هذه الأبواب وجوبه وفضله والدعوة إليه. فيجاب بهذا الباب وهو تفسير التوحيد(
    [7]).
    وقوله هنا:(باب تفسير التوحيد) يعني: الكشف والإيضاح عن معنى التوحيد وقد تقدم أن التوحيد هو:اعتقاد أن اللهI واحد في ربوبيته لا شريك له واحد في إلهيته لا ند له واحد في أسمائه وصفاته لا مِثْل له قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11] وذلك يشمل أنواع التوحيد جميعا فالتوحيد إذًا:هو اعتقاد أن الله واحد في هذه الثلاثة أشياء.

    وقول الشيخ:( تفسير التّوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله ) هذا من عطف الدال على المدلول المدلول هو التّوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله هو الدال لأن شهادة أن لا إله إلاَّ الله تدل على التّوحيد فهو من عطف الدال على المدلول والشيخ_رحمه الله_ جمع بينهما في الترجمة ليبين أن معناهما واحد، فمعنى التّوحيد هو لا إله إلاَّ الله، ومعنى لا إله إلاَّ الله هو التّوحيد من أجل أن لا يخفى هذا على أحد فيظن أن التّوحيد غير لا إله إلاَّ الله، بل هما شيء واحد، فهذا معنى جمع الشيخ _رحمه الله_، بين اللفظتين في الترجمة([8]).

    فقوله: ( وشهادة أن لا إله إلا الله) يعني:تفسير شهادة أن لا إله إلا الله فهذه الشهادة هي أعظم كلمة قالها مكلَّف ولا شيء أعظم منها وذلك لأن معناها هو الذي قامت عليه الأرض والسماوات وما تعبَّد المتعبدون إلا لتحقيقها ولامتثالها([9]).
    فالشهادة:هي التعبير عما تيقنه الإنسان بقلبه فقول:أشهد أن لا إله إلا الله. أي أنطق بلساني معبراً عما يكنه قلبي من اليقين وهو أنه لا إله إلا الله.
    معنى الشهادة في اللغة وكلام السلف:
    والشهادة:في اللغة والشرع وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ:( شهد) كقوله :{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران:18]. وكقوله:{ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }تتضمن أشياء:

    الأول:الاعتقاد بما سينطق به والاعتقاد بما شهده فكونه يشهد أن لا إله إلا الله يستلزم أنه اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة من علم ويقين لأن الشهادة فيها الاعتقاد والاعتقاد لا يسمى اعتقادا إلا إذا كان ثمَّ علم ويقين.
    الثاني:التكلم بها فالشهادة كما أنها تقتضي اعتقادا؛ فإنها تقتضي أيضا إعلاما ونطقا.
    والثالث:الإخبار بذلك والإعلام به فينطق بلسانه وهذا من جهة الواجب وأيضا لا يسمى شاهدا حتى يُخبر غيره بما شهد وهذا من جهة" الشهادة.
    فيكون معنى:أشهد أن لا إله إلا الله أعتقد وأتكلم وأعلم وأخبر بأن لا إله إلا الله فافترقتْ بذلك عن حال الاعتقاد وافترقتْ كذلك عن حال القول كما افترقت أيضا عن حال الإخبار المجرد عن الاعتقاد فلا بد لتحققها من حصول الثلاثة مجتمعة ولهذا نقول في الإيمان إنه :اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.

    إعراب لا إله إلا الله :
    فـ :( لا إله إلا الله ) هي: كلمة التوحيد وهي مشتملة - من حيث الألفاظ - على أربعة ألفاظ:
    1 - ( لا )
    2 - ( إله )
    3 - ( إلا )
    4 - لفظ الجلالة ( الله )
    أما ( لا ) هنا فهي:النافية للجنس تنفي الألوهية الحقة عن أحد إلا الله Iيعني في هذا السياق وإذا أتى بعد النفي ( إلا ) وهي أداة الاستثناء أفادت معنًى زائدا وهو:الحصر والقصر فيكون المعنى:الإلهية الحقة أو الإله الحق هو الله بالحصر والقصر ليس ثمَّ إله حق إلا هو دون ما سواه.
    وكلمة:إله على وزن فعال وتأتي أحيانا بمعنى فاعل وتأتي أحيانا بمعنى:مفعول وهي لغة مشتقة:من ألَه بمعنى:عَبَدَ وقال بعض اللغويين:إنها من ألَه يأْلَه إذا تحير فـ أَلَه فلان يأْلَه أو تَأَلَّه إذا تحير وسمي الإله عندهم إلها لأن الألباب تحيَّرت في كُنه وصفه وكُنه حقيقته.
    وهذا القول ليس بجيد بل الصواب أن كلمة:( إله) فعال بمعنى مفعول وهو المعبود ويدل على ذلك ما جاء في قراءة ابن عباس أنه قرأ في سورة الأعراف:(أَتَذَر ُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ ) [الأعراف: 127] . كان ابن عباس يقرأها :( وَيَذَرَكَ وَإلَاهَتَكَ) قال: لأن فرعون كان يُعبَد ولم يكن يَعْبُد فصوب القراءة بـ (وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ) يعني:وعبادتك وقراءتنا وهي قراءة السبعة:{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } يعني:المتقدمين فهذا معناه : أن ابن عباس فهم من الإلَهَة معنى العبادة وقد قال الراجز:
    لله در الغانيات المدَّهِ ... سبَّحن واسترجعن من تألهِ .
    يعني:من عبادتي فيكون إِذًا الإله هو: المعبود بمعنى لا إله:لا معبود إلا الله.
    فـ لا في قوله:لا معبود هي النافية للجنس وهي كما تعلمون تحتاج إلى اسم وخبر لأنها تعمل عمل إن كما قال ابن مالك في الألفية:
    عمل إن اجعل لـ لا في نكرة ... . . . . . . . . . . . .
    فإن قيل:فأين خبر لا النافية للجنس؟ فالجواب أنَّ كثيرا من المنتسبين للعلم قدروا الخبر: بـ ( لا إله موجود إلا الله) ووَجْه هذا التقدير وسببه يحتاج إلى مقدمة قبله وهي: أن المتكلمين والأشاعرة والمعتزلة ومن ورثوا علوم اليونان قالوا إن كلمة إله هي بمعنى: فاعل لأن فعال تأتي بمعنى مفعول أو فاعل فقالوا: هي بمعنى آلِه والآلِه هو القادر ففسروا الإله بأنه : القادر على الاختراع وهذا تجده مسطورا في عقائد الأشاعرة كما في شرح العقيدة السنوسية التي تسمى عندهم بـ أم البراهين. إذ قال فيها ما نصُّه الإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كُلُّ ما عداه قال:فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه ولا مفتقرا إليه كلُّ ما عداه إلا الله.
    ففسروا الألوهية بالربوبية وفسروا الإله بالقادر على الاختراع أو بالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه ولذلك يقدِّرون الخبر:موجود فـ ( لا إله ) خَبَرُهَا موجود يعني:لا قادر على الاختراعِ والخلقِ موجودٌ إلا الله ولا مستغنيا عما سواه ولا مفتقرا إليه كل ما عداه موجودٌ إلا الله لأن الخلق جميعا محتاجون إلى غيرهم وهذا الذي قالوه هو الذي فتح باب على المسلمين الشرك لأنهم ظنوا أن التوحيد هو : إفراد الله بالربوبية فإذا اعتقد المرء أن القادر على الاختراع هو الله وحده صار موحدا وإذا اعتقد أن المستغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه هو الله وحده صار عندهم موحدا وهذا من أبطل الباطل لأن مشركي قريش كانوا على الإقرار بالربوبية كما دَلَّ القرآن على ذلك كقوله تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [العنكبوت:61] وفي آية أخرى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [الزخرف : 9]. ونحو ذلك من الآيات وهي كثيرة كقوله:{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ },{ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } [يونس: 31/32] الآيات من سورة يونس.
    فَعُلم بذلك أن مشركي قريش لم يكونوا ينازعون في الربوبية فصارت هذه الكلمة إذًا دالة على غير ما أراد أولئك المتكلمون وهو ما ذكرناه آنفا من أن معنى:لا إله هو لا معبود وأن تقدير الخبر موجود فيكون المعنى:لا معبود موجود إلا الله وهذا باطل لأننا نرى أن المعبودات كثيرة وقد قالI مخبرا عن قول الكفار:{ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا }[ص: 5]. فدل ذلك:أن المعبودات كثيرة والمعبودات موجودة فتقدير الخبر بـ موجود غلط ومن المعلوم أن المتقرر في علم العربية أن خبر لا النافية للجنس يكثر حذفه في لغة العرب وفي نصوص الكتاب والسنة ذلك أن خبر لا النافية للجنس يحذف إذا كان المقام يدل عليه وإذا كان السامع يعلم ما المقصود من ذلك وقد قال ابن مالك في آخر باب لا النافية للجنس لما ساق هذه المسألة.
    وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر *** إذا المراد مع سقوطه ظهر ([10]).
    فإذا ظهر المراد مع حذف الخبر فإنك تحذف الخبر لأن الأنسب أن يكون الكلام مختصرا كما في قوله: r( لا عدوى ولا طيَرةَ ولا هامةَ ولا صفرَ ولا نوءَ ولا غولَ ) ([11]).
    فأين الخبر فيما تقدم ؟ الجواب:أنه في كل ذلك محذوف لكونه معلوما لدى السامع إذًا فخبر لا إله معلوم ولا يصح تقديره بـ ( موجود ) لأن الآلهة التي عبدت مع الله موجودة فالصحيح تقدير الخبر بقولك (بِحَقٍّ) أو (حَقٌّ) يعني:لا إله بحق أو لا معبود بحق أو لا معبود حق إلا الله وإن قدرت الظرف فلا بأس أو قدرت كلمة مفردة فلا بأس فلا معبود حق إلا الله هذا معنى كلمة التوحيد فيكون كل معبود غير الله جل وعلا قد عبد ولكن هل عبد بالحق أو عبد بالباطل والظلم والطغيان والتعدي ؟؟!
    الجواب:أنه قد عبد بالباطل والظلم الطغيان والتعدي وهذا يفهمه العربي بمجرد سماعه لكلمة لا إله إلا الله ولهذا قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله_:بئس قوم أبو جهل أعلم منهم بـ ( لا إله إلا الله ) (
    [12]).
    قال العلامة ابن القيم _رحمه الله تعالى_:"وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات وفطر الله عليها جميع المخلوقات وعليها أسست الملة ونصبت القبلة وجردت سيوف الجهاد وهي محض حق الله على جميع العباد وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار وهي المنشور الذي لا تدخل الجنة إلاّ به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار الطريق وبها تنقسم الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان وهي العمود الحامل للفرض والسنة"ومن كان آخر كلامه لا إله إلاّ الله دخل الجنة "(
    [13]).
    وروح هذه الكلمة وسرها:إفراد الرب جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة فلا يحب سواه وكل ما يحب غيره فإنما هو تبعا لمحبته وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ولا يخاف سواه ولا يرجى سواه ولا يتوكل إلاّ عليه ولا يرغب إلاّ إليه ولا يرهب إلاّ منه ولا يحلف إلاّ باسمه ولا ينذر إلاّ له ولا يتاب إلاّ إليه ولا يطاع إلاّ أمره ولا يحتسب إلاّ به ولا يستغاث في الشدائد إلاّ به ولا يلتجئ إلاّ إليه ولا يسجد إلاّ له ولا يذبح إلاّ له وباسمه يجتمع ذلك في حرف واحد وهو:إن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة هذا هو تحقيق شهادة إن لا إله إلاّ الله ولهذا حرم الله على النار من شهد إن لا إله إلاّ الله حقيقة الشهادة ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها كما قال تعالى:{وَالَّذِي نَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم ْ قَائِمُونَ} فيكون قائما بشهادته في ظاهره وباطنه في قلبه وقالبه فإن من الناس من تكون شهادته ميتة ومنهم من تكون نائمة إذا نبهت انتبهت ومنهم من تكون مضطجعة ومنهم من تكون إلى القيام أقرب وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن.
    فروح ميتة وروح مريضة إلى الموت أقرب وروح إلى الحياة أقرب وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن وفي الحديث الصحيح(
    [14]) عنهr :"إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلاّ وجدت روحه لها روحا". فحياة هذه الروح بحياة هذه الكلمة فيها كما أن حياة البدن بوجود الروح فيه وكما أن من مات علي هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها فمن عاش علي تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشها أطيب عيش قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فالجنة مأواه يوم اللقاء وجنة المعرفة والمحبة والأنس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به والرضا عنه وبه مأوى روحه في هذه الدار فمن كانت هذه الجنة مأواه هاهنا كانت جنة الخلد مأواه يوم المعاد ومن حرم هذه الجنة فهو لتلك الجنة أشد حرمانا والأبرار في نعيم وإن اشتد بهم العيش وضاقت بهم الدنيا والفجار في جحيم وإن اتسعت عليهم الدنيا قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وطيب الحياة جنة الدنيا قال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ إن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَنْ يُرِدْ إن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}. فأي نعيم أطيب من شرح الصدر؟ وأي عذاب أضيق من ضيق الصدر؟
    وقال تعالى:{أَلا إن أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة" (
    [15]).


    وقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }. هذه الآية تفسير للتوحيد وذلك أننا عرفننا التوحيد بأنه إفراد الله بالعبادة وهو توحيد الإلهية وهذه الآية اشتملت على الثناء على خاصة عباد الله ، بأنهم وحدوا الله في الإلهية.
    وهذه مناسبة الآية للباب فقد وصفهم الله I بقوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } ومعنى : يَدْعُونَ يعبدون لأن الدعاء هو العبادة والدعاء نوعان كما سيأتي تفصيله : دعاء مسألة ودعاء عبادة فقوله هنا:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } يعني:يعبدون والوسيلة في قوله:{ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ }. هي:القصد والحاجة والتقرب بالأعمال الصالحة يعني:أن حاجاتهم يبتغونها إلى ربهم ذي الربوبية الذي يملك الإجابة (
    [16]). أي:هؤلاء الذين يدعوهم هؤلاء هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب فكيف تدعونهم وهم محتاجون مفتقرون؟! فهذا سفه في الحقيقة وهذا ينطبق على كل من دعي وهو داع كعيسى بن مريم والملائكة، والأولياء والصالحين . وأما الشجر والحجر فلا يدخل في الآية ([17]).
    فظهر من قوله:{ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } أن فيها تفسير التوحيد وهو أن كل حاجة من الحاجات إنما تنزلها بالله I وكذلك قوله: (يَدْعُونَ) فيه تفسير التوحيد أيضا لأن معنى يَدْعُونَ يعبدون فهم إنما يطلبون حاجتهم من الله جل وعلا فلا يعبدون غير الله بنوع من العبادات ولا يتوجهون بها لغير الله فإذا نحروا فإنما ينحرون يبتغون إلى ربهم الحاجة وإذا صلوا فإنما يصلون يبتغون إلى ربهم القربة وإذا استغاثوا فإنما يستغيثون بالله يبتغون إليه رفيع الدرجات دونما سواه إلى آخر مفردات توحيد العبادة . فهذه الآية دالة بظهور على أن قوله :{ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } أنه هو التوحيد.
    وقد استشكل بعض أهل العلم إيراد هذه الآية في الباب وقال:ما مناسبة هذه الآية لهذا الباب؟ وبما ذكرت لك تتضح المناسبة جليا.

    قوله :(يَدْعُونَ) ودعاء المخلوق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول:جائز وهو أن تدعو مخلوقاً بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة، فهذا ليس من دعاء العبادة بل هو من الأمور الجائزة، قال r : " وإذا دعاك فأجبه "(
    [18]) .
    الثاني:أن تدعو مخلوقاً مطلقاً، سواء كان حياً أو ميتاً فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا شرك أكبر لأنك جعلته ندا لله فيما لا يقدر عليه إلا الله . مثل : يا فلان! اجعل ما في بطن امرأتي ذكراً .
    الثالث:أن تدعو مخلوقاً ميتاً لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة فهذا شرك أكبر أيضاً لأنه لا يدعو من كان هذه حالة حتى يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون"(
    [19]) .
    وقوله جل وعلا:{ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [الإسراء : 57]. فيه بيان لحال خاصة عباد الله الذين جمعوا بين العبادة والخوف والرجاء فيرجون رحمته ويخافون عذابه فهم إنما توجهوا إليه وحده دون ما سواه فأنزلوا الخوف والمحبة والدعاء والرغبة والرجاء في الله جل وعلا وحده دون ما سواه وهذا هو تفسير التوحيد(
    [20]). ولا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء فكل داع دعاء مسألة أو استغاثة لا بد له من ذلك: فإما أن يكون خائفاً وإما أن يكون راجياً وإما أن يجتمع فيه الوصفان ([21]).
    قال الإمام البخاري بَاب قَوْلِهِ:{أُولَئ ِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ} الْآيَةَ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ t فِي هَذِهِ الْآيَةِ:{الَّذِ ينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ} قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْجِنِّ يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا. وفي رواية قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنْ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ. زَادَ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ:{ قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } ([22]).
    وقوله:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} {إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف:26 - 27] الآية. فاستثنى من المعبودين ربه وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله فقال:{وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} [الزخرف: 28 ]. فقوله ومنها قول الخليل عليه السلام للكفار:{إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني} فاستثنى من المعبودين ربه فدل هذا على أن التوحيد لا بد فيه من نفي وإثبات : البراءة مما سوى الله، وإخلاص العبادة لله وحده (
    [23]).
    {إِنَّنِي بَرَاءٌ} معناه:النفي لا إله{إلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} معناه:الإثبات إلاَّ الله. فهذه الآية فيها معنى لا إله إلاَّ الله إذاً فهي تفسر لا إله إلاَّ الله بأن معناها ترك عبادة الأصنام والبراءة منها وإخلاص العبادة لله وفي قول إبراهيم:r {إلا الذي فطرني} ولم يقل إلا الله فائدتان:
    الأولى:الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة، لأنه كما أنه منفرد بالخلق فيجب أن يفرد بالعبادة.
    الثانية:الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام، لأنها لم تفطركم حتى تعبدوها، ففيها تعليل للتوحيد الجامع بين النفي والإثبات، وهذه من البلاغة التامة في تعبير إبراهيم عليه السلام,يستفاد من الآية أن التوحيد لا يحصل بعبادة الله مع غيره، بل لا بد من إخلاصه لله والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام:
    قسم يعبد الله وحده.
    وقسم يعبد غيره فقط .
    وقسم يعبد الله وغيره . والأول فقط هو الموحد(
    [24]).


    وقوله:{اتَّخَذُو ا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31] . وفي الحديث:أن النبي r تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي فقال:"يا رسول الله لسنا نعبدهم؟ قال:أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال:بلى قال النبيr:فتلك عبادتهم"([25]). وهذا شرك الطاعة، وهو بتوحيد الربوبية ألصق من توحيد الألوهية، لأن الحكم شرعياً كان أو كونياً إلى الله تعال فهو من تمام ربوبيته قال تعالى:{ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى:10] وقال تعالى:{ له الحكم وإليه ترجعون } [القصص: 70].
    والشيخ _رحمه الله_ جعل شرك الطاعة من الأكبر وهذا فيه تفصيل، وسيأتي إن شاء الله في باب من أطاع الأمراء والعلماء في تحليل ما حرم الله أو بالعكس(
    [26]). فمعنى:{اتَّخَذُو ا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أنهم أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال فدلّ هذا على أن من أطاع مخلوقاً في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله، فقد اتخذه ربًّا يعبده من دون الله وهذا ما يسميه العلماء بشرك الطاعة.
    والشاهد من الآية للباب:أنها دلّت على أن من معنى لا إله إلاَّ الله أن لا يُطاع إلاَّ الله سبحانه وتعالى وأن من أطاع أحداً في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فقد اتخذه ربًّا من دون الله .
    تفصيل في مسألة شرك الطاعة:

    لكن إذا كان يعتقد أن تحليل الحرام وتحريم الحلال أمر جائز فهذا شرك أكبر يخرجه من الملّة أما إذا لم يعتقد جواز هذا بل يعتقد أن التحليل والتحريم حقٌّ لله سبحانه وتعالى ولكنه فعله من باب الهوى أو من باب تحصيل بعض المصالح، فهذه معصية عظيمة لكنها لا تصل إلى حد الشرك الأكبر فطاعة المخلوقين في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا تجوز أبداً لكن فيها تفصيل من حيث الكفر والشرك وعدم ذلك([27]).
    وقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة :165]. قال المؤلف:فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟! وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله ؟! فالأقسام الأربعة:
    الأول:أن يحب الله حباً أشد من غيره، فهذا هو التوحيد.
    الثاني:أن يحب غير الله كمحبة الله، وهذا شرك.
    الثالث:أن يحب غير الله أشد حباً من الله، وهذا أعظم مما قبله.
    الرابع:أن يحب غير الله وليس في قلبه محبة لله تعالى، وهذا أعظم وأطم(
    [28]).
    قوله:{يُحِبُّونَ هُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} الحب عمل قلبي ضد البُغض فالمشركون اتخذوا من الأحجار والأشجار والأصنام شركاء لله سوّوهم بالله في المحبة يحبونهم كما يحبون الله عزّ وجلّ فالمراد هنا محبة العبادة فالمشركون يحبون أصنامهم كما يحبون الله عزّ وجلّ محبة عبادة وتذلل{وَالَّذِي َ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} من المشركين لله فالمشركون يحبون الله والمؤمنون يحبون الله ولكن المشركين يحبون الله ويحبون معه غيره أما المؤمنون فيحبون الله وحده ولا يشركون معه غيره في المحبة فلذلك صار المؤمنون أشد حبًّا لله لأن محبتهم خالصة ومحبة المشركين مشتركة، فدلّت الآية على أن المشركين يحبون الله ولكنهم لمّا أحبوا معه غيره صاروا مشركين، وأن التّوحيد لا يصح إلاَّ بإخلاص المحبة لله عزّ وجلّ. فدلّت الآية الكريمة على: أن من تفسير لا إله إلاَّ الله وتفسير التّوحيد إفراد الله بالمحبّة وأن لا يُحَبَّ معه غيره محبة عبادة بل يُفرد الله جل وعلا بالمحبّة، ولا يُحَبَّ معه غيره، محبة العبادة(
    [29]).

    يتبع تتمة الباب.............

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  14. #14

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    وقال ابن القيم _رحمه الله تعالى_:" فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه وتوحيد الحب أن لا يبقى في قلبه بقية حب حتى يبذلها له فهذا الحب وإن سمي عشقا فهو غاية صلاح العبد ونعيمه وقرة عينه وليس لقلبه صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله فلا يحب إلا الله كما في الحديث الصحيح :" ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" ([30]) فأخبر أن العبد لا يجد حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه ومحبة رسوله هي من محبته ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبة الله وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها وتصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لأبغض الأشياء إلى محبوبه وهو الكفر بمنزلة كراهته لإلقائه في النار أو أشد.
    ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئا فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر كان الله أحب إليه من نفسه وهذه المحبة هي فوق ما يجده سائر العشاق والمحبين من محبة محبوبهم بل لا نظير لهذه المحبة كما لا مثل لمن تعلقت به وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد وتقتضي كمال اللذة والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهرا وباطنا وهذا لا نظير له في محبة مخلوق ولو كان المخلوق من كان .
    ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركا شركا لا يغفره الله كما قال الله تعالى:( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) والصحيح أن معنى الآية والذين آمنوا أشد حبا لله من أهل الأنداد لأندادهم كما تقدم بيانه أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلا كما لا يماثل محبوبهم غيره وكل آذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين في محبته.
    ومن ضرب لمحبته الأمثال التي هي في محبة المخلوق للمخلوق كالوصل والهجر والتجني بلا سبب من المحب وأمثال ذلك مما يتعالى الله عنه علوا كبيرا فهو مخطئ أقبح الخطأ و أفحشه وهو حقيق بالإبعاد والمقت والآفة إنما هي من نفسه وقلة أدبه مع محبوبه والله تعالى نهى أن يضرب عباده له الأمثال فهو لا يقاس بخلقه وما ابتدع من ابتدع إلا من ضرب الأمثال له سبحانه فأصحاب الكلام المحدث المبتدع ضربوا له الأمثال الباطلة في الخبر عنه وما يوصف به وأصحاب الإرادة المنحرفة ضربوا له الأمثال في الإرادة والطلب وكلاهما على بدعة وخطأ, والعشق إذا تعلق بما يحبه الله ورسوله كان عشقا ممدوحا مثابا عليه وذلك أنواع:
    أحدها:محبة القرآن بحيث يغني بسماعه عن سماع غيره ويهيم قلبه في معانيه ومراد المتكلم سبحانه منه وعلى قدر محبة الله تكون محبة كلامه فمن أحب محبوبا أحب حديثه والحديث عنه كما قيل:

    إن كنت تزعم حبي ... فلم هجرت كتابي
    أما تأملت ما فيه ... من لذيذ خطابي(
    [31]).

    وقال رحمه الله:فيكف بالمحبة التي هي حياة القلوب وغذاء الأرواح وليس للقلب لذة ولا نعيم ولا فلاح ولا حياة إلا بها وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها والأذن إذا فقدت سمعها والأنف إذا فقد شمه واللسان إذا فقد نطقه .
    بل فساد القلب إذا خلى من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحق أعظم من فساد البدن إذا خلي منه الروح وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة.
    ................ وما لجرح بميت إيلام(
    [32])
    والمقصود:أن أعظم لذات الدنيا هي السبب الموصل إلى أعظم لذة في الآخرة ولذات الدنيا أنواع فأعظمها وأكملها ما أوصل إلى لذة الآخرة ويثاب الإنسان على هذه اللذة أتم ثواب ولهذا كان المؤمن يثاب على ما يقصد به وجه الله من أكله وشربه ولبسه ونكاحه وشفاء غيظ لقهر عدو الله وعدوه فكيف بلذة إيمانه ومعرفته بالله ومحبته له وشوقه إلى لقائه وطمعه في رؤية وجهه الكريم في جنات النعيم......(
    [33]).
    وقال _رحمه الله تعالى_:"وهاهنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينهما وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينهما:
    أحدهما:محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه فان المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
    الثاني:محبة ما يحب الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
    الثالث:الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
    الرابع:المحبة مع الله وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين وبقى قسم : خامس : ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله وشغلت عن محبته كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) وقال تعالى : (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) (
    [34]).
    وقال العلامة ابن عثيمين والمحبة أنواع:
    الأول:المحبة لله وهذه لا تنافي التوحيد بل هي من كماله، فأوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله والمحبة لله هي أن تحب هذا الشيء لأن الله يحبه سواء كان شخصاً أو عملاً وهذا من تمام التوحيد قال مجنون ليلي:

    أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار
    وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
    الثاني:المحبة الطبيعية التي لا يؤثرها المرء على محبة الله، فهذه لا تنافي محبة الله كمحبة الزوجة والولد، والمال ولهذا لما سئل النبي r من أحب الناس إليك؟ قال:عائشة. قيل: فمن الرجال؟ قال:أبوها ([35]) ومن ذلك محبة الطعام والشراب واللباس.
    الثالث:المحبة مع الله التي تنافي محبة الله وهي أن تكون محبة غير الله كمحبة الله أو أكثر من محبة الله بحيث إذا تعارضت محبة الله ومحبة غيره قدم محبة غير الله، وذلك إذا جعل هذه المحبة نداً لمحبة الله يقدمها على محبة الله أو يساويها بها.
    الشاهد من هذه الآية:أن الله جعل هؤلاء الذين ساووا محبة الله بمحبة غيره مشركين جاعلين لله أنداداً(
    [36]).
    وفي الصحيح عن النبي r أنه قال:" من قال:لا إله إلا الله وكفر بما يُعبَد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل" علّق حُرمة المال والدم على شيئين:
    الشيء الأول: أن ينطق بكلمة لا اله إلاَّ الله.
    الشيء الثاني:أن يكفر بما يُعبد من دون الله فإذا تحقق هذان الشيئاًن حرُم ماله ودمه لأنه صار مسلماً والمسلم يحرُم دمه وماله. ( وحسابه على الله ) فإن كان صادقاً في قول هذه الكلمة فإنه يكون مسلماً حقًّا، باطناً وظاهراً ويدخل الجنة، وإن كان قالها ظاهراً فقط فهذا هو النفاق وذلك يحقن دمه ويحرم ماله، ولكنه في الآخرة يكون في النار {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}. فمن قال لا إله إلاَّ الله كَفَفْنا عنه وحقنا دمه وحرّمنا ماله، أما دخوله الجنة وكونه مؤمناً حقًّا فهذا عند الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم ما في القلوب، ويجازي عليها، وحسابه على الله عزّ وجلّ وإن ظهر منه ما يناقض هذه الكلمة حكم عليه بالردة.

    الحاصل:أن هذا الحديث بيّن معنى التّوحيد، ومعنى لا إله إلاَّ الله، وأنه النطق بالشهادة مع الكفر بما يُعبد من دون الله عزّ وجلّ والبراءة منه، أما لو قال لا إله إلاَّ الله وهو لا يكفر بما يُعبد من دون الله بأن كان يعبد القبور ويدعو الأولياء والأضرحة، فهذا لم يكفر بما يُعبد من دون الله ولا يحرُم دمه ولا يحرُم ماله لأنه لم يأت بالأمرين وإنما أتى بأمر واحد وهو قول: لا إله إلاَّ الله، ولكنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله لأنه يقول إن عبادة القبور ليست بشرك فهو لم يكفر بما يُعبد من دون الله، فمعناه أنه لا يحقن دمه ولا يَحْرُم ماله لأنه ما دام أنه لم يكفر بما يُعبد من دون الله، فإنه لم يحصل المقصود. فهذا الحديث عظيم جدًّا وهو حجة للموحّدين على أصحاب الشبه والمشركين الذين يقولون:من قال لا إله إلاَّ الله فهو المسلم ظاهراً وباطناً ولو فعل ما فعل، يعبد القبور ويذبح للأولياء والصالحين، ويعمل السحر والشعوذة، ويعمل كل شيء هو مسلم حقاً ما دام يقول:لا إله إلاَّ الله.
    ولهذا يقول الشيخ _رحمه الله_:"لم يجعل النطق بلا إله إلاَّ الله بل ولا كونه لا يدعو إلاَّ الله بل ولا معرفة معنى هذه الكلمة لم يجعل كل هذه الأمور عاصمة للدم والمال حتى يضيف إليها الكفر بما عبد من دون الله فالذي يقول أنا ما أكفِّر هؤلاء أنا ما أكفر من يعبدون الحسن والحسين والبدوي لا أكفّرهم لأنهم يقولون:لا إله إلاَّ الله هم إخواننا لكن أخطئوا نقول له:أنت مشرك مثلهم، لأنك لم تكفر بما يُعبد من دون الله، والله تعالى قدّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} فلابد من الكفر بالطاغوت ولابد من الكفر بما يعبد من دون الله عزّ وجلّ واعتقاد بطلانه والبراءة منه ومن أهله، وإلا فلا يصير الإنسان مسلماً، لأن هذا تلفيق بين الإسلام والكفر، ولا يجتمع الكفر والإسلام أبداً.
    فهذا الحديث على اختصاره منهج عظيم يبيّن معنى شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنها ليست مجرد لفظ يقال باللسان ويردّد في الأذكار والأوراد، وإنما هي حقيقة تقتضي منك أن تكفر بما يُعبد من دون الله، وأن تتبرّأ من المشركين، ولو كان أقرب الناس إليك، كما تبرأ الخليل- عليه الصلاة والسلام- من أبيه وأقرب الناس إليه(
    [37]).
    بعد ذلك قال الشيخ _رحمه الله_ :( وشرح هذه الترجمة ما بعدها من أبواب ).
    فالكتاب كله هو تفسير للتوحيد وتفسير لكلمة لا إله إلا الله وبيان ما يضاد ذلك وبيان ما ينافي أصل التوحيد وما ينافي كماله وبيان الشرك الأكبر والشرك الأصغر والشرك الخفي وشرك الألفاظ وبيان بعض مستلزمات التوحيد توحيد العبادة من الإقرار لله بالأسماء والصفات وبيان ما يتضمنه توحيد العبادة من الإقرار لله جل وعلا بالربوبية(
    [38]). أي:أن هذا الباب تفسير مجمل للتوحيد وفيما سيأتي من أبوب تفصيل للتوحيد وهذه هي طريقة الشيخ _رحمه الله تعالى_ في الدعوة والتعليم والتأصيل .

    فيه مسائل:
    فيه أكبر المسائل وأهمها :وهي تفسير الشهادة ، وبيَّنها بأمور واضحة.
    منها:آية الإسراء بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر.
    ومنها:آية براءة ، بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا ،مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه:طاعة العلماء والعباد في المعصية ، لا دعاؤهم إياهم.
    ومنها قول الخليل عليه السلام للكفار:{ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ },{ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } (الزخرف:26 - 27). فاستثنى من المعبودين ربه وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة : هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله فقال:{وَجَعَلَهَ ا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (الزخرف : 28) .
    ومنها:آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم:{ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } (البقرة : 167) ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ؛ ولم يُدخلهم في الإسلام . فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟ ولم يحب الله ؟
    ومنها:قوله صلى الله عليه وسلم:« من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه،وحسابه على الله » وهذا من أعظم ما يُبَيِّن معنى (لا إله إلا الله ) فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال،بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له،بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضِيفَ إلى ذلك الكفر بما يُعْبَد من دون الله, فإن شك ؛ أو توقف ؛ لم يحرم ماله ودمه.
    فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها ! ويا له من بيان ما أوضحه ! وحجة ما أقطعها للمنازع!




    ([1]) الأحبار: جمع حبر وهم علماء اليهود.
    والرهبان : جمع راهب وهم عباد النصارى.

    ([2]) رواه مسلم .
    ([3]) فتح المجيد: ( ص123).
    ([4]) وأما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للمشركين:"قولوا لا إله إلاَّ الله" وقال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله". فلأن المشركين يعرفون معنى هذه الكلمة لأنه لما قال لهم ذلك قالوا: "أجعل الآلهة إلهاً واحداً". وكثير من الناس لا يعرفون معناها بدليل أنهم يقولونها ويدعون غير الله من الموتى وغيرهم.
    ([5]) إعانة المستفيد:( ج1_ص122) .
    ([6]) إعانة المستفيد: (ج1_ص123) .
    ([7]) القول المفيد على كتاب التوحيد: (ج1_ص147) .
    ([8]) إعانة المستفيد: ( ج1_ص123) .
    ([9]) التمهيد: ( ص87) .
    ([10]) ألفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل (2/24) .
    ([11]) أخرجه البخاري (3707 ) ومسلم: (222 ) وسيأتي تفسيرها في بابها.
    ([12]) التمهيد (ص83).
    ([13]) أخرجه أحمد (5/233), وأبو داود (3116) ,والطبراني في الكبير (20/112), والحاكم (1/351) عن معاذ بإسناد يحتمل التحسين وله شاهد عن أبي هريرة: أخرجه ابن حبان (2993) بسند جيد. / قاله : الشيخ علي الحلبي في تحقيقه للجواب الكافي (ص279) ./ و صححه العلامة الألباني في أبي داود الجنائز باب التلقين وهو في صحيح سنن أبي داود برقم (2673) .
    ([14]) رواه أحمد (1/63), والحاكم (1/72), وابن حبان (204), وأبو نعيم في الحلية (2/296) وابن خزيمة التوحيد (ص328) وابن البناء في "فضل التهليل"رقم: (1) عن عمر بن الخطاب وعثمانt , وسنده قوي. قاله الشيخ علي الحلبي أيضا (ص280) .
    ([15]) الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: (ص281) .
    ([16]) ينظر التمهيد شرح كتاب التوحيد: ( ص84) .
    ([17]) القول المفيد شرح كتاب التوحيد: (ج1_ص148) .
    ([18]) البخاري : كتاب الجنائز_ باب الأمر باتباع الجنائز، ومسلم: كتاب السلام/ باب من حق المسلم للمسلم رد السلام.
    ([19]) القول المفيد على كتاب التوحيد: (ج1_ص159) .
    ([20]) التمهيد شرح كتاب التوحيد:( ص85) .
    ([21]) فتح المجيد: (ص124) .
    ([22]) انظر رقم: (4715) و رقم (4714) من صحيح البخاري.
    ([23]) القول المفيد: ( ج1_ص161) .
    ([24]) القول المفيد على كتاب التوحيد: ( ج1_ص151) .
    ([25]) رواه الترمذي وقال حديث غريب وقد حسنه الألباني في غاية المرام: (6) وسنن الترمذي رقم (3095) وانظر تفصيل الكلام عليه في السلسلة الصحيحة: (3293).
    ([26]) القول المفيد: (ج1_ص160) .
    ([27]) انظر إعانة المستفيد (ج1_ص131).
    ([28]) القول المفيد (ج1_ص162) .
    ([29]) إعانة المستفيد ( ج1_ص132) .
    ([30]) رواه البخاري برقم ( 16/21/6041/6941 ) ومسلم (43 ) من حديث انس t.
    ([31]) روضة المحبين ونزهة المشتاقين _الباب السادس عشر في الحكم بين الفريقين وفصل النزاع بين الطائفتين.
    ([32]) عجز بت للمتنبي صدره: من يهن يسهل الهوان عليه................
    ([33]) الجواب الكا في لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء: ( ص332 ) ط دار ابن الجوزي.
    ([34]) الداء والدواء: ( ص271) .
    ([35]) البخاري: كتاب فضائل الصحابة/ باب قول النبي r"لو كنت متخذاً خليلاً" ومسلم : كتاب الفضائل/باب فضائل أبي بكر.
    ([36]) القول المفيد شرح كتاب التوحيد: ( ج1_156) .
    ([37]) إعانة المستفيد: ( ج1_ص134) .
    ([38]) التمهيد شرح كتاب التوحيد: ( ص91) .

    .............................. ..

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    ​واصلوا بارك الله في جهودكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  16. #16

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    ​واصلوا بارك الله في جهودكم
    جزاك الله خيرا أختي الكريمة.
    إن شاء الله تعالى.

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  17. #17

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (6)

    بابٌ

    من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

    وقول الله تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ..}[الزمر : 38] .
    عن عمران بن الحصين t أن النبي: r "رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال:" ما هذه ؟ قال:من الواهنة(
    [1]) فقال:انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا". رواه أحمد بسند لا بأس به([2]). وله عن عقبة بن عامرt مرفوعا:" من تعلق تميمة ([3]) فلا أتَمَّ الله له ومن تعلق ودعة فلا وَدَعَ الله له"([4]).
    وفي رواية:" من تعلق تميمة فقد أشرك " (
    [5]). ولابن أبي حاتم عن حذيفة t:"أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } ([6]).
    الشرح:
    رفعه:إزالته بعد نزوله.
    دفعه:منعه قبل نزوله.
    هذا بابٌ شرع به الشيخ _رحمه الله_ في تفصيل ما سبق وهو بيان التوحيد ببيان ضده. ومن المعلوم أن الشيء يعرف ويتميز بشيئين:بحقيقته وبمعرفة ضده. والتوحيد يتميز بمعرفته في نفسه أي:بمعرفة معناه وأفراده وبمعرفة ضده أيضا وقد قال الشاعر:
    ...... وبضدها تتميز الأشياء(
    [7]).
    وهذا صحيح:فإن التوحيد يُعرف حسْنُه بمعرفة قبح الشرك . وقد بدأ الإمام رحمه الله في ذكر ما هو مضاد للتوحيد.
    ابتدأ الشيخ _رحمه الله_ في هذا الباب:بتفصيل وبيان صور من الشرك الأصغر التي يكثر وقوعها وقدّم الأصغر على الأكبر: انتقالا من الأدنى إلى الأعلى لأن الشبهة في الأدنى ضعيفة بخلاف الشبهة في الأعلى فإنها أقوى لأن شبهة المتعلّق بالخيط وبالتمائم أضعف من شبهة المتعلّق بالأولياء والصالحين.

    فإذا علم المتعلّق بالخيط والتمائم ونحوها خطأه وبطلان تعلّقه سَهُلَ بعد ذلك إقناعه ببطلان التعلق بغير الله من الأولياء والصالحين وبأنه أقبح من الأول كما هو الحال في الشرك الأكبر أما إذا جاء إلى من هو متلبس بالشرك الأكبر كالذي يتعلّق بالأولياء ويدعوهم ويسألهم ويذبح لهم فلا يَحْسُنُ فيمن هذه حاله أن يُنْتَقل في إقناعه ببطلان ما هو عليه من الأعلى إلى الأدنى لقوة الشبهة عنده تجاه من أشرك بهم وهي - بزعمه - أن أولئك لهم مقامات عند الله جل وعلا فهذه حقيقة حال الذين يتوجهون إلى أولئك المدعوين ويشركون بهم الشرك الأكبر المخرج من الملة - والعياذ بالله - فإنهم يقولون:إنما أردنا الوسيلة وهؤلاء الذين ندعوهم لهم مقامات عند الله وإنما أردنا الوسيلة.
    فحال هؤلاء كحال المشركين الذين كانوا في زمن النبي r الذين قال الله جل وعلا فيهم:{وَالَّذِين َ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3 ]. والمقصود :أن الشيخ _رحمه الله_ بدأ أولا بتفصيل الشرك الأصغر انتقالا من الأدنى إلى الأعلى حتى يكون ذلك أقوى في الحجة وأمكن في النفوس من جهة: ضرورة التعلّق بالله وإبطال التعلق بغيره(
    [8]) .

    وقوله _رحمه الله تعالى_:( بابٌ من الشرك..) أي:من أنواع الشرك: ( لبس الحلْقة والخيط ونحوهما). مما يعلّق على البدن أو على الدابة أو على السيارة أو على الأبواب من الأشياء التي يعتقدون فيها أنها تدفع عين الحاسد وأنّها تحرس البدن أو تحرس الدابة أو تحرس السيارة أو تحرس البيت أو المتجر من الشرور والمحاذير.
    وهذه عادة جاهلية لا تزال في بعض الناس إلى اليوم بل تتزايد بسبب الجهل، فإنهم يعلّقون هذه الأشياء على أجسامهم وعلى أجسام الأطفال وعلى السيارات والدكاكين والبيوت قصدهم من ذلك أن هذه الأشياء تدفع عنهم الشرور والمحاذير، وهذا من الشرك لأنه تعلق على غير الله سبحانه وتعالى لأن الله جل وعلا وهو الذي يدفع الشر وهو الذي إذا أراد بعبده شيئاً فلابد أن يقع إما في نفسه أو في ماله أو في أهله فلا أحد يدفعه وإذا منع شيئاً فلا أحد ينزله:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. الأمر كله بيد الله جلّ وعلا فيجب أن تتعلق القلوب بالله عزّ وجلّ وأن تُخلص العبادة لله عزّ وجلّ وأن لا يخاف إلاَّ من الله عزّ وجلّ فمن تعلّق قلبه بالله ووحّد الله فإنه لا يضره شيء إلاَّ بإذن الله سبحانه وتعالى أما من تعلّق على غير الله فإن الله يَكِلُه إلى ما تعلق عليه ويبتليه كما يأتي(
    [9]).

    قوله:ونحوهما ما يكون نحو الحلقة والخيط مثل:الخرز والتمائم والحديد ونحو ذلك مما قد يُلبس ومثله أيضا ما يعلّق في البيوت أو في السيارات أو يعلّق على الصغار ونحو ذلك مما فيه لبس أو تعليق ، فكل ذلك يدخل في هذا الباب وأنه من الشرك.
    والحلقة:إما أن تكون من صُفر يعني:من نحاس وإما أن تكون من حديد أو تكون من أي معدن.
    والخيط:معروف والمراد عَقْدُهُ في اليد على وجه الاعتقاد وليس المراد خيطا بعينه(
    [10]).

    قوله:( من الشرك ) من هنا للتعبيض أي:أن هذا بعض الشرك وليس كل الشرك والشرك :اسم جنس يشمل الأصغر والأكبر ولبس هذه الأشياء قد يكون أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها وكون لبس هذه الأشياء من الشرك لأن كل من أثبت سبباً لم يجعله الله سبباً شرعياً ولا قدرياً، فقد جعل نفسه شريكاً مع الله.
    فمثلاً :قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء. وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن وهو قدري لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:
    الأول:من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية والأشعرية.
    الثاني:من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سبباً وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم .
    الثالثة:من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله سواء كان سبباً شرعياً أو كونياً. ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيماناً حقيقياً، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة.
    ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره . وإن اعتقد أنها سبب ولكنه ليس مؤثراً بنفسه فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً(
    [11]).

    وقول الله تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ.....}. قال ابن كثير:أي لا تستطيع شيئا من الأمر {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي الله كافي من توكل عليه{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ} كما قال هود عليه السلام حين قال قومه:{إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ..... } ([12]). ومعنى قولهم هذا هو تهديد لهود عليه السلام بأن ألهتم ستصيبه بسوء! = (التشوير)!!!
    قال ابن كثير _رحمه الله تعالى_:" يقولون:ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبَل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها:{ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا } أي: أنتم أيضا{ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ }. يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام:{ فَكِيدُونِي جَمِيعًا } أي:أنتم وآلهتكم إن كانت حقا فذروها تكيدني{ ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ }أي:طرفة عين واحدة(
    [13]).{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ}أي:هو كافيني لأن الحَسْب معناه:الكافي فهذا فيه تفويض الأمور إلى الله سبحانه وتعالى وتعليق القلوب بالله سبحانه وتعالى دون ما سواه لما أبطل الشرك في أول الآية قرّر التّوحيد بقوله:{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي : هو كافيني ولن يستطيع أحد أن يضرني من دون الله أو ينفعني من دون الله، ولهذا يقول هود - عليه الصلاة والسلام– لقومه:{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} ثم قال{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.{عَ َيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ} ولا يتوكلون على الحلْقة والخيط والصنم والقبر والولي أو غير ذلك، بل الذي يُتوكّل عليه هو الله سبحانه وتعالى، لأنه بيده مقادير الأشياء([14]).

    قلت:فهذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر وأن ذلك شرك بالله([15]).

    وقوله:{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } فيه إبطال أن يكون لتلك الآلهة بأنواعها إضرار أو نفع ومعنى قوله:{ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } أي:لا يستطيعون ذلك كما أنه إن أرادني الله جل وعلا برحمة فهل تستطيع هذه الآلهة أن تدفع رحمة الله ؟!
    الجواب:أنها لا تستطيع أيضا فَبَطَلَ إذًا أن يكون ثَمَّ تعلّق بتلك الآلهة العظيمة التي يظن أن لها مقامات عند الله جل وعلا موجبة لشفاعتها.
    إذا تبين ذلك فقد قال بعض أهل العلم:إن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر فَلِمَ جعلها الشيخ _رحمه الله_ في سرد بيان أصناف من الشرك الأصغر؟؟
    والجواب عن ذلك من وجهين:
    الوجه الأول:أن الآيات الواردة في الشرك الأكبر دلت من جهة المعنى على وجوب التعلق بالله وبطلان التعلق بغيره وهذا المعنى متحقق في الشرك الأصغر أيضا ولذا فإن من السلف من نزّل الآيات الواردة في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر بجامع أن في كلا الشركين تعلّقا بغير الله جل وعلا فإذا بطل التعلق في الأعظم بطل التعلق فيما هو دونه من باب أولى .
    الوجه الثاني:أن هذه الآية واردة في الشرك الأكبر ولكن المعنى الذي دارت عليه هو تقرير أن كل من يدعى من دون الله لا يستطيع من الأمر شيئا فلا يقدر أن يرفع ضرا ولا بلاء ولا أن يمنع رحمة وفضلا عمن أراده الله بذلك وهذا المعنى الذي هو التعلق بما يعتقد أنه يضر أو ينفع هو المعنى الذي من أجله تعلّق المشرك الشرك الأصغر بالحلقة وبالخيط لأنه ما علق الخيط ولا علق الحلقة وغيرهما إلا لأنه يعتقد أن لهما تأثيرا من جهة رفع البلاء أو دفع الضر وأنهما يجلبان النفع أو يدفعان الضر مع أن هذه الأشياء مهينة وأمور وضيعة فإذا نُفِيَ عن الأشياء العظيمة : كالأنبياء والمرسلين والملائكة والصالحين أو الأوثان التي لها روحانيات كما يقولون فإن انتفاء النفع والضر عما سواها مما هو أدنى لا شك أنه أظهر في البرهان وأبين(
    [16]).

    والشاهد من هذه الآية:أن هذه الأصنام لا تنفع أصحابها لا بجلب نفع ولا بدفع ضر فليست أسبابا لذلك فيقاس عليها كل ما ليس بسبب شرعي أو قدري فيعتبر اتخاذه سببا إشراكا بالله.
    وهذا يدل على حذق المؤلف رحمه الله وقوة استنباطه وإلا فالآية بلا شك في الشرك الأكبر الذي تعبد فيه الأصنام ولكن القياس واضح جدا لأن هذه الأصنام ليست أسبابا تنفع فيقاس عليها كل ما ليس بسبب فيعتبر إشراكا بالله .
    وهناك شاهد آخر في قوله:{حسبي الله}. فإن فيه تفويض الكفاية إلى الله دون الأسباب الوهمية وأما الأسباب الحقيقية فلا ينافي تعاطيها توكل العبد على الله تعالى وتفويض الأمر إليه لأنها من عنده(
    [17]).

    وعن عمران بن الحصين t أن النبي: r "رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال:" ما هذه ؟ قال:من الواهنة فقال:انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا.
    قوله:( فإنها لا تزيدك إلا وهنا) يعني:أن ضررها أقرب من نفعها وهذا شامل لجميع أنواع الشرك فإن ما أشرك به ضرره أعظم من نفعه لو فُرض أن فيه نفعا وقد قال العلماء في قوله هنا:(انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا) يعني: لو كان فيها أثر فإن أثرها الإضرار بدنيا وروحيا ونفسيا لأنها تضعف الروح والنفس عن مقابلة الوهن والمرض فيكون تعلّقه بذلك الحلقة أو الخيط سببا في حصول الضعف.
    فقوله: (فإنها لا تزيدك إلا وهنا) وهذا حال كل من أشرك فإن شركه يجره من ضرر إلى ضرر أكثر منه وإن ظن أنه في انتفاع(
    [18]).

    ولابن أبي حاتم عن حذيفة t:"أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }. قال الحافظ ابن كثير _رحمه الله تعالى_:"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:مِنْ إِيمَانِهِمْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ:مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ؟ وَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ وَمَنْ خَلَقَ الْجِبَالِ؟ قَالُوا:اللَّهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ بِهِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
    وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ:" َنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ: َبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ". وَفِي الصَّحِيحِ:"أَنَ ّهُمْ كَانُوا إِذَا قَالُوا: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قَدْ قَدْ " أَيْ:حَسْبُ حَسْبُ لَا تَزِيدُوا عَلَى هَذَا" (
    [19]).

    ثم قال:وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} قَالَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَعْمَلُ إِذَا عَمِلَ رِيَاءَ النَّاسِ، وَهُوَ مُشْرِكٌ بِعَمَلِهِ ذَاكَ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النِّسَاءِ: 142].
    وثمَّ شِرْكٌ آخَرُ خَفِيٌّ لَا يَشْعُرُ بِهِ غَالِبًا فَاعِلُهُ، كَمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود،عَنْ عُرْوَة قَالَ:"دَخَلَ حُذَيْفَةُ عَلَى مَرِيضٍ، فَرَأَى فِي عَضُدِهِ سَيْرًا فَقَطَعَهُ - أَوِ: انْتَزَعَهُ - ثُمَّ قَالَ:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}. وَفِي الْحَدِيثِ:" مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنَّهَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ(
    [20]). وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ الرُّقَى والتَّمائِم والتِّوَلة شرْك" ([21]). وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا :( الطيَرة شِرْكٌ) ([22]) وَمَا منَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" ([23]) ,([24]).

    تتمة:
    قال العلامة الألباني _رحمه الله تعالى_:"عن عقبة بن عامر الجهني t:"أن رسول الله r أقبل إليه رهط فبايع تسعة و أمسك عن واحد فقالوا:يا رسول الله بايعت تسعة و تركت هذا ? قال:إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال.. " فذكره .
    قلت:و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير دخين و هو ابن عامر الحجري أبو ليلى المصري وثقه يعقوب بن سفيان و ابن حبان و صحح له الحاكم ( 4 / 384 ) و قد أخرجه ( 4 / 219 ) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور . وللحديث طريق أخرى يرويه مشرح بن هاعان عنه قال:سمعت رسول الله r يقول:"من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له". ولكن إسناده إلى مشرح ضعيف فيه جهالة (
    [25]) و لذلك أوردته في الكتاب الآخر:( 1266 ) .

    فائدة:
    التميمة:خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام كما في:النهاية لابن الأثير.
    قلت:ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو و الفلاحين و بعض المدنيين ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة ! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها ! و غيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان ! كل ذلك لدفع العين زعموا وغير ذلك مما عم و طم بسبب الجهل بالتوحيد ما ينافيه من الشركيات و الوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها و القضاء عليها فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم وبعدهم عن الدين.
    ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله تعالى ! فهذا الشيخ الجزولي صاحب: (دلائل الخيرات) يقول في الحزب السابع في يوم الأحد( ص 111) طبع بولاق:"اللهم صل على محمد و على آل محمد ما سجعت الحمائم وحمت الحوائم و سرحت البهائم و نفعت التمائم" !
    وتأويل الشارح لـ ( الدلائل ) بأن:التمائم جمع تميمة و هي الورقة التي يكتب فيها شيء من الأسماء أو الآيات و تعلق على الرأس مثلا للتبرك . فمما لا يصح لأن التمائم عند الإطلاق إنما هي الخرزات كما سبق عن ابن الأثير على أنه لو سلم بهذا التأويل فلا دليل في الشرع على أن التميمة بهذا المعنى تنفع ولذلك جاء عن بعض السلف كراهة ذلك كما بينته في تعليقي على الكلم الطيب: ( ص 44 - 45 ) طبع المكتب الإسلامي(
    [26]).


    فيه مسائل:
    الأولى:التغليظ في لُبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك .
    الثانية:أن الصحابي لو مات وهي عليه ؛ ما أفلح . فيه شاهد لكلام الصحابة : أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
    الثالثة:أنه لم يعذر بالجهالة .
    الرابعة:أنها لا تنفع في العاجلة ؛ بل وتضر لقوله « لا تزيدك إلا وهنا » .
    الخامسة الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك .
    السادسة:التصريح بأن من تعلق شيئا وُكِل إليه .
    السابعة:التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك .
    الثامنة:أن تعليق الخيط من الحُمَّى من ذلك .
    التاسعة:تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر ، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة .
    العاشرة:أن تعليق الوَدَع عن العين من ذلك .
    الحادية عشرة:الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يُتِمُّ له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ؛ أي:ترك الله له.






    ([1]) الواهنة : عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها.
    وقيل:هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء وإنما نهى عنها؛ لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد .انظر " فتح المجيد " ( ص139).
    ([2]) أخرجه أحمد: ( 4 / 445) وابن حبان( 7 / 628 ) والحاكم ( 4 / 216) قال البوصيرى : ورواه ابن ماجة بإسناد حسن . والحديث ضعفه الألباني في سنن ابن ماجة برقم (3531) بـ (مبارك ابن فضالة) وانظر تفصيل الكلام حوله في الضعيفة (ج3_ص101_ح1029) وضعفه أيضا في " غاية المرام " ( ص 146 ) رقم : (296) وضعيف الترغيب للمنذري رقم : (2015) .
    ([3]) التمائم:جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام". قاله أبو السعادات.
    ودعة: بفتح الواو وسكون المهملة. قال في مسند الفردوس:"شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين". انظر النهاية في غريب الحديث والأثر(1/197) "وفتح المجيد " ( ص 141) .
    ([4]) أخرجه أحمد 4 / 154 وأبو يعلى ( 1759 ) والحاكم ( 4 / 417 ), قال في مجمع الزوائد:رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم ثقات . قال محمد صبحي حلاق:" بسن ضعيف لجهالة _خالد بن عبيد المعافري . وقد تابعه ابن لهيعة عند عبد الحكم في " فتوح مصر" (ص289) وإن كان ابن لهيعة سيء الحفظ يصلح في المتابعات والشواهد . و الخلاصة أن الحديث حسن, والله أعلم . انظر " نيل الأوطار "( ج15_ص 283 ) كتاب الطب " باب ما جاء في الرقى والتمائم".
    ([5]) أخرجه أحمد ( 4 / 156 ) والحاكم (4 / 417 ) صححه الألباني في " الصحيحة ": ( 492) .
    ([6]) ذكره ابن كثير في التفسير: ( 4 / 342 ) . وقال في:" النهج السديد " ( ص 75 ) ضعيف رواه ابن أبي حاتم من طريق عروة بن الزبير عن حذيفة ولا يعرف لعروة سماع من حذيفة وذكر نحوه صاحب:" الدّر النضيد " (ص 40 ) إلا إنه ذكر تصحيح السند وأن الصواب فيه " عزرة " وهو ابن عبد الرحمن الخزاعي وروايته مرسلة عن حذيفة أيضًا وهو كذلك في " تفسير ابن أبي حاتم " . المطبوع وهو منقطع في كلا الحالتين.
    قلت: والذي يظهر أنه صحيح فقد روي هذا الحديث من وجهٍ آخر بنحوه : قال الخلال في: " السنة " (5/13) رقم : (1482) " ثنا أبو بكر المرّوذي - وهو أحمد بن محمد بن الحجاج صاحب الإمام أحمد المشهور - ثنا أبو عبد الله - وهو الإمام أحمد - ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي ظبيان قال : دخل حذيفة على رجلٍ من عبس يعوده فمس عضده فإذا فيه خيط ، قال : ما هذا ؟ قال : شيئًا رقي لي فيه فقطعه وقال : " لو مت وهو عليك ما صليتُ عليك " أ.هـ . ورواه أيضًا من وجه آخر( أي الخلال ) عن الأعمش فقال : " ثنا أبو بكر المرّوذي ثنا أبو عبد الله قال : ثنا عبد الرحمن - وهو ابن مهدي - عن سفيان - وهو الثوري - عن الأعمش عن أبي ظبيان : " أن حذيفة دخل على رجل يعوده ، فرآه قد جعل في عضده خيطًا قد رقي فيه ، قال : فقال : ما هذا ؟ قال : من الحمى ، فقام وهو غضبان : وقال : لو متَّ ما صليتُ عليك أ. هـ . ورواه ابن بطة أيضًا في :" الإبانة الكبرى" ( ق1 ، 2/743 ) رقم :(1030و1031) قال : حدثنا أبو شيبة قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش به . وقال أيضًا : حدثنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا سفيان عن الأعمش به . وإسناده صحيح إن شاء الله فرجاله رجال الشيخين وأبو ظبيان هو حصين بن جندب الكوفي ورواية الأعمش عنه كثيرة ومخرجة في الصحيحين فلا يعلل بتدليسه ويبقى سماع أبي ظبيان من حذيفة فقد قال الذهبي عنه في : " سير أعلام النبلاء " (4/363) يروي عن عمر وعلي وحذيفة والظاهر أن ذلك ليس بمتصل أ. هـ . وذكر المزي : " تهذيب الكمال " (6/514) روايته عن حذيفة بصيغة الجزم وذكر الدارقطني : " العلل " (3/74) أنه لقي عمر وعلي . فإن ثبت أنه لقي عمر كما يقول الدارقطني فمن المؤكد أنه لقي حذيفة فقد بقي حذيفة بعد عمر أكثر من عشر سنين وسكن الكوفة وهي بلد أبي ظبيان وجملة القول إنه إن ثبت سماع أبي ظبيان من حذيفة - وهو قريب - فالإسناد صحيح وعلى شرط الشيخين وإن لم يثبت سماعه منه فالحديث يصح من الوجهين إن شاء الله تعالى .
    ([7]) وصدر البيت هو: الضد يظهر حسنه الضد ...... أنظر التمهيد (ص94).
    ([8]) التمهيد (ص95_96)
    ([9]) إعانة المستفيد(ج1_ص135) .
    ([10]) انظر التمهيد: (ص97).
    ([11]) القول المفيد على كتاب التوحيد :(ج1_ص164).
    ([12]) انظر فتح المجيد ( ص137) .
    ([13]) انظر تفسير ابن كثير .
    ([14]) إعانة المستفيد (ج1_ص137) .
    ([15]) فتح المجيد ( ص138) .
    ([16]) انظر التمهيد: (ص100_101).
    ([17]) القول المفيد: (ج1_ص168) .
    ([18]) ينظر التمهيد (ص103) .
    ([19]) صحيح مسلم برقم (1185/22) .
    ([20]) سنن الترمذي برقم (1535) .
    ([21]) المسند (1/381) وسنن أبي داود برقم (3883) ورواه ابن ماجه في السنن برقم (3530) .
    ([22]) زيادة من ت، أ، والمسند وسنن أبي داود .
    ([23]) المسند (1/389) وسنن أبي داود برقم (3910) .
    ([24]) انظر " تفسير ابن كثير " ( ج4 _ ص 418_ ص419) ط دار طيبة .
    ([25]) وقد وجد الشيخ حلاق متابعة لهذه الرواية كما تقدم.
    ([26]) السلسلة الصحيحة (ج1_ ح 492 ).

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  18. #18

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    (7)
    باب
    ما جاء في الرقى والتمائم

    وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري t:"أنه كان مع النبي r في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قُطِعَتْ"([1]). وعن ابن مسعود t قال سمعت رسول اللهr يقول:" إن الرقى والتمائم والتولة شرك". رواه أحمد وأبو داود ([2]).
    التمائم:شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين لكن إذا كان المعلّق من القرآن فقد رخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه ، وجعله من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
    والرقى:هي التي تسمى العزائم وخص منها الدليل ما خلا من الشرك فقد رخص فيه رسول الله r من العين والحُمَة.
    و التولة:شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.
    وعن عبد الله بن عكيم t مرفوعا:"إن من تعلق شيئا وكل إليه". رواه أحمد والترمذي(
    [3]). وروى أحمد عن رويفع t قال:قال لي رسول اللهr:" يا رويفع لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا،أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه " ([4]).
    وعن سعيد بن جبير قال:" من قطع تميمة من إنسان كان كَعِدْل رقبة " (
    [5]). رواه وكيع وله عن إبراهيم قال:" كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن " ([6]).

    الشرح:

    لم يذكر المؤلف أن هذا الباب من الشرك لأن الحكم فيه يختلف عن حكم لبس الحلقة والخيط، ولهذا جزم المؤلف في الباب الأول أنها من الشرك بدون استثناء، أما هذا الباب، فلم يذكر أنها شرك، لأن من الرقى ما ليس بشرك، ولهذا قال: (باب ما جاء في الرقى والتمائم )([7]).

    ولم يقل:باب من الشرك الرقى والتمائم وذلك لأن الرقى منها ما هو جائز مشروع ومنها ما هو شرك ممنوع والتمائم منها ما هو متفق عليه أنه شرك ومنها ما قد اختلف الصحابة فيه هل هو من الشرك أو لا ؟ لهذا عبر - رحمه الله - بقوله: ( باب ما جاء في الرقى والتمائم ) وهذا من أدب التصنيف العالي(
    [8]).

    هذا الباب مكمِّلٌ للباب الذي قبله لأنه ذكر أنواعاً أخرى مكمِّلة لما ذُكر في الباب الذي قبله، ولكن الباب الذي قبله صرّح الشيخ في ترجمته بأن لبس الحلْقة والخيط من الشرك، وأما هنا فلم يصرّح بل قال: (ما جاء في الرُّقى والتمائم)، وهذا من دقّة فقهه ومعرفته _رحمه الله_، فإنه إذا كان الحُكم واضحاً منصوصاً عليه في الحديث ذكره في الترجمة، وإذا كان الحكم فيه تفصيل أو فيه احتمال؛ فإنه لا يجزم في الترجمة، وإنما يورد الأدلة في الباب ويُؤخذ منها الحكم مفصّلاً.
    فهذا من دقّة فقهه _رحمه الله_ وشدّة تورّعه عن إطلاق الأحكام، مما يُرَبِّي في طلبة العلم هذه الخَصْلَة الطيّبة وهي أنهم يتورّعون في إطلاق الأحكام ويتثبتون فيها، لأن الأمر خطير جدًّا (
    [9]).

    قوله: ( الرقى ) جمع رقية، وهي القراءة، فيقال:رقى عليه - بالألف - من القراءة، ورقي عليه - بالياء - من الصعود.
    وهي معروفة وقد كانت العرب تستعملها وحقيقتها:أنها أدعية وألفاظ تقال أو تتلى ثم ينفث فيها ومنها ما له أثر عضوي في البدن ومنها ما له أثر في الأرواح ،ومنها ما هو جائز مشروع ومنها ما هو شرك ممنوع .وثبت أنه عليه الصلاة والسلام رقى نفسه(
    [10]). ورقى غيره بل ثبت أنه رُقِيَ أيضا رقاه جبريل([11]). ورقته عائشة([12]). فهذا الباب ( باب ما جاء في الرقى والتمائم ) معقود لبيان حكم الرقى وقد رخّص الشارع في الرقى ما لم تكن شركا وهي الرقى التي خلت من الشرك. وقد سأل بعض الصحابة النبي عليه الصلاة والسلام عن حكم الرقى فقال:" اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" ([13]).

    شروط جواز الرقية:
    الأول:أن تكون بالقرآن أو بأسماء الله أو بصفاته.
    الثاني:أن تكون بالكلام العربي أي:بلسان عربي، معلوم المعنى تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة، فإنها لا تجوز وأن لا تكون مما يخالف الشرع، كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله أو استغاثة بالجن وما أشبه ذلك، فإنها محرمة بل شرك.
    الثالث:أن لا يعتقد أنها تنفع بنفسها بل بتقدير الله - عز وجل - أي لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله، فهو محرم، بل شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله(
    [14]).

    قال بعض العلماء: يدخل في الشرط الأول أيضا أن تكون بما ثبت في السنة وعلى هذا: فيكون الشرط الأول:أن تكون من القرآن أو السنة أو بأسماء الله وبصفاته فلا تكون الرقى جائزة إلا باجتماع هذه الشروط الثلاثة.
    فإذا تخلف الشرط الأول أو الثاني:ففي جواز الرقية خلاف بين أهل العلم والشرط الثالث:متفق عليه بينهم وأما اشتراط كونها بأسماء الله وصفاته أو بالكتاب والسنة أو أن تكون بلسان عربي مفهوم فإن هذا مختلف فيه كما تقدم. وقال بعضهم:يسوغ أن تكون الرقية بما يعلم معناه ويصح المعنى بلغة أخرى ولا يشترط أن تكون بالعربية ولا يشترط أن تكون من القرآن أو السنة, وهذه مسائل فيها خلاف وبحث,وأما من جهة تأثير غير القرآن على المرقي وما سبق من الخلاف:ففيه مسائل نرجئ تفصيل الكلام فيها إلى موضع آخر إن شاء الله. فالمقصود:أن الرقى الجائزة بالإجماع هي ما اجتمعت فيها الشروط الثلاثة وأما الرقى الشركية المحرمة فهي:التي فيها استعاذة أو استغاثة بغير الله أو كان فيها شيء من أسماء الشياطين أو اعتقد المرقي فيها أنها تؤثر بنفسها وهي التي قال عليه الصلاة والسلام فيها:" إن الرقى والتمائم والتولة شرك" (
    [15]). كما سيأتي بيانه.

    قوله: ( التمائم ) جمع تميمة وسميت تميمة لأنهم يرون أنه يتم بها دفع العين وقد ذكر تفسيرها مختصرا من قبل وهي تجمع أنواعا كثيرة فالتمائم تجمع كل ما يعلّق أو يتخذ مما يراد منه تتميم أمر الخير للعبد أو دفع الضرر عنه ويعتقد فيه أنه سبب ولم يجعل الله - جل وعلا - ذلك الشيء سببا لا شرعا ، ولا قدرا.
    فالتميمة:شيء يتخذ من جلد أو ورق ويكون فيه أذكار وأدعية وتعوذات تعلّق على الصدر أو في العضد وقد تتخذ التميمة من خرزات وحبال ونحو ذلك يعلق على الصدر وقد تكون التميمة باتخاذ شيء يجعل على باب البيت أو في السيارة، أو أي مكان ما.

    فالحاصل:أن التمائم يجمعها أنها:شيء يراد منه تتميم أمر الخير وتتيم أمر دفع الضر وذلك الشيء لم يؤذن به لا شرعا ولا قدرا. فالتميمة - إذًا - ليست خاصة بصورة معينة بل تشمل أمورا كثيرة وتعم أصنافا عديدة مثل ما نراه على كثير من أهل زماننا من تعليقهم أشياء على صدورهم:مثل جلود صغيرة يجعلونها على رقابهم أو تكون على العضد أو يربطونها على بطونهم لرفع الأمراض الباطنية:كالإسه ل والقيء ونحوهما.
    ومنهم من يجعل في سيارته رأس دب أو أرنب أو غيرها من الأشكال كحدوة الفرس أو يعلق خرزات ومسابح خشبية ونحو ذلك على المرايا الأمامية للسيارة.
    ومنهم:من يلبس سلسلة فيها شكل عين صغيرة وبعضهم قد يعلّق على مدخل الباب رأس ذئب أو غزال أو يضع على مطرق الباب حدوة فرس اعتقادا من أصحابها أنها تدفع العين أو تجلب لهم النفع. فكل هذه أنواع وأصناف,وصور للتمائم أحدثها الناس على اختلاف الأزمان, لكن من الناس من يقول إنما أعلق هذه الأشياء للزينة ولا أستحضر هذه المعاني المحظورة فهذا يقوله طائفة قليلة من الناس.
    فنقول:إن علق التمائم لدفع الضر واعتقد أنها سبب لذلك: فيكون قد أشرك الشرك الأصغر(
    [16]). وإن علقها للزينة فهو محرم لأجل مشابهته من يشرك الشرك الأصغر فدار الأمر إذًا على النهي عن التمائم كلها سواء اعتقد فيها أو لم يعتقد لأن حاله إن اعتقد أنها سبب : فهو شرك أصغر وإن لم يعتقد فيكون قد شابه أولئك المشركين وقد قال عليه الصلاة والسلام :"من تشبه بقوم فهو منهم " ([17]) ’ ([18]).

    قوله:(التواله) شيء:يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته وهو نوع من السحر ويسمى عند العامة الصرف والعطف فهو نوع من السحر يصنع فيجلب شيئا ويدفع شيئا بحسب اعتقادهم وهي في الحقيقة نوع من أنواع التمائم لأنها تصنع ويكون الساحر هو الذي يرقي فيها الرقية الشركية، فيجعل المرأة تحب زوجها ،أو يجعل الرجل يحب زوجته ، وهذا نوع من أنواع السحر والسحر شرك بالله - جل وعلا - وكفر عام في كل أنواع التولة فهي شرك كلها([19]).

    قوله: (وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري t:" أنه كان مع النبي r في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قُطِعَتْ).
    قوله: (أسفاره ) السفر :مفارقة محل الإقامة وسمي سفراً لأمرين :
    الأول:حسي وهو أنه يسفر ويظهر عن بلده لخروجه من البنيان .
    الثاني:معنوي وهي أن يسفر عن أخلاق الرجال، أي: يكشف عنها وكثير من الناس لا تعرف أخلاقهم وعاداتهم وطبائعهم إلا بالأسفار.
    قوله:( قلادة من وتر أو قلادة ) شك من الراوي والأولى أرجح، لأن القلائد كانت تتخذ من الأوتار، ويعتقدون أن ذلك يدفع العين عن البعير، وهذا اعتقاد فاسد لأنه تعلق بما ليس بسبب، وقد سبق أن التعلق بما ليس بسبب شرعي أو حسي شرك لأنه بتعلقه أثبت للأشياء سبباً لم يثبته الله لا بشرعه ولا بقدره، ولهذا أمر النبي r أن نقطع هذه القلائد. أما إذا كانت هذه القلادة من غير وتر، وإنما تستعمل للقيادة كالزمام، فهذا لا بأس به لعدم الاعتقاد الفاسد، وكان الناس يعملون ذلك كثيراً من الصوف أو غيره .
    قوله: "في رقبة بعير" ذكر البعير لأن هذا هو الذي كان منتشراً حينذاك، فهذا القيد بناء على الواقع عندهم، فيكون كالتمثيل، وليس بمخصص .
    يستفاد من الحديث:
    1_ أنه ينبغي لكبير القوم أن يكون مراعياً لأحوالهم، فيتفقدهم وينظر في أحوالهم.
    2_ أنه يجب عليه رعايتهم بما تقتضيه الشريعة، فإذا فعلوا محرماً منعهم منه، وإن تهاونوا في واجب حثهم عليه .
    3_ أنه لا يجوز أن تعلق في أعناق الإبل أشياء تجعل سبباً في جلب منفعة أو دفع مضرة، وهي ليس كذلك لا شرعاً ولا قدراً، لأنه شرك، ولا يلزم أن تكون القلادة في الرقبة، بل لو جعلت في اليد أو الرجل، فلها حكم الرقبة، لأن العلة هي هذه القلادة، وليس مكان وضعها، فالمكان لا يؤثر.
    4_ أنه يجب على من يستطيع تغيير المنكر باليد أن يغيره بيده(
    [20]) .

    و الـ"وَتَر" -بفتح الواو- المراد به: وَتَر القوس والقوس آلة كانوا يرمون بها السهام وكانوا في الجاهلية إذا اخْلَقَّ الوَتَر أخذوه وعلّقوه على رقاب الدواب، وأبدلوه بوَتَر جديد يعتقدون أن هذا الوَتَر القديم الذي استعمل ورُمي به أنه يدفع العين عن الإبل.
    وقوله: ( أو قلادة ) هذا شك من الراوي، هل الرسول r قال: قلادة من وَتَر، أو قال: قلادة مطلقة سواء كانت من وَتَر أو من غيره؟ وهذا من دقتهم y في الرواية .
    وعلى كل حال فيه دليل على منع هذا الشيء من أي نوع كان، سواء كان من وَتَر أو من غيره ما دام أن المقصود منه عقيدة فاسدة، حتى ولو كان من السُّيور، أو من الخيوط أو من الخرز، أو من غير ذلك، كل قلادة يُقصد بها هذا المقصد الشركي فهي ممنوعة.
    أما القلائد التي لا يُقصد منها مقصد شركي، مثل قلاد الهَدْي الذي يُهدى للبيت العتيق فلا حرج فيها.
    قوله: ( إلاّ قُطِعت ) هذا فيه إزالة المنكر ولاسيّما إذا كان هذا المنكر في العقيدة، فإن إزالته متأكِّدة . وفيه : أن الحاكم أو الإمام يرسل نوّاباً عنه في إزالة المنكر، وليس من شرط ذلك أن يباشره بنفسه.

    الشاهد من الحديث:تحريم عقد القلائد على الدواب أو على الآدميين بقصد أن ذلك يدفع العين لأنه لا يدفع الضرر ولا يدفعه إلاَّ الله سبحانه وتعالى وليست القلائد هي التي تدفع الضرر أو تجلب النفع وليست سبباً في ذلك وإنما هذا بيد الله سبحانه وتعالى:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. وقال:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. قال جل علا :{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ} ([21]).

    قوله: ( من تعلق شيئا وكل إليه ) شيئا - هنا - نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الأشياء فكل من علّق شيئا وُكِلَ إليه فمن أخرج صورة من صور التعليق عن هذا العموم كانت الحجة عليه لأن هذا الدليل عام ويفيد أن من تعلق أي شيء من الأشياء فإنه يُوكل إليه والعبد إنما يكون عزه ويكون فلاحه ونجاحه وحسن قصده وحسن عمله في تعلقه بالله وحده فيتعلق بالله وحده في أعماله وفي أقواله وفي مستقبله وفي دفع المضار عنه فيكون أنس قلبه بالله وسروره بالله وتعلقه بالله وتفويض أمره إلى الله وتوكله على الله جل وعلا فمن كان كذلك وتوكل على الله وطرد الخلق من قلبه: فإنه لو كادته السماوات والأرض لجعل الله - جل وعلا - له من بينها مخرجا لأنه توكل وفوض أمره على العظيم - جل جلاله وتقدست أسماؤه - فقال هنا:" من تعلّق شيئا وُكِلَ إليه". فإذا تعلق العبد تميمة وكل إليها فما ظنك بمن وكل إلى خرقه أو إلى خرز أو إلى حدوة حصان أو إلى شكل حيوان ونحو ذلك لا شك أن خسارته أعظم الخسارة.

    ووجه الاستدلال هنا في قوله: ( من تعلق شيئا ). أنه ذكر نتيجة التعلق وهو أنه يوكل إلى ذلك الشيء الذي تعلقه فمن تعلق شيئا وكل إليه وإذا وكل إليه فمعنى ذلك أنه خسر في ذلك الخسران المبين, والشيخ - رحمه الله - لم يصدِّر الباب بحكم ، فيكون الاستدلال على حكمها مستفاد من هذه الأحاديث.
    قوله: ( التمائم شيء يعلّق على الأولاد يتقون به العين ) شيء: هنا شاملة لأي شيء يعلّق دون صفة معينة وخص بعض العلماء التمائم بما كان متخذا من الخرز وبعضهم خصة بما كان مصنوعا من الجلد ونحوه ،وهذا ليس بجيد بل التمائم اسم يعم كل ما يعلق لدفع العين واتقاء الضرر أو لجلب خير نفسي(
    [22]). لقوله:شيئاً نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الأشياء فمن تعلق بالله - سبحانه وتعالى - وجعل رغبته ورجاءه فيه وخوفه منه، فإن الله تعالى يقول:{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه}[الطلاق:3]. أي:كافيه،ولهذا كان من دعاء الرسل وأتباعهم عند المصائب والشدائد:"حسبنا الله ونعم الوكيل". قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد r وأصحابه y حين قيل لهم:{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران:173].

    وقوله: ( وكل إليه ) أي:أسند إليه وفوض ([23]). فقوله:"من تعلّق شيئاً وُكِل إليه" قاعدة عامة تعمّ كل شيء يعلّق الإنسان قلبه به من دون الله عزّ وجلّ؟ من بشر أو حجر أو شجر أو قبر أو حلْقة أو خيط أو تمِيمَة، أو غير ذلك، أو جن، أو إنس. ففي هذا وجوب التوكّل على الله، والنهي عن الاعتماد على غير الله في جلب خير أو دفع ضُر، والقرآن يقرّر هذا في آيات كثيرة([24]).

    خلاف السلف في التمائم التي تكون من القرآن أوليس فيها شرك:

    قال المؤلف_رحمه الله تعالى_:(لكن إذا كان المعلّق من القرآن فرخص فيه بعض السلف).
    اعلم:أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته فقالت طائفة:يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو ظاهر ما روي عن عائشة. وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك.
    وقالت طائفة:لا يجوز ذلك. وبه قال ابن مسعود وابن عباس . وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين منهم : أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختاره كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه. قلت: هذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل:
    الأول:عموم النهي ولا مخصص للعموم .
    والثاني:سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك .
    الثالث:أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك (
    [25]). إذا كان المعلّق من القرآن بمعنى أنه جعل في منزله مصحفا ليدفع العين أو علّق على صدره شيئا كسورة الإخلاص أو آية الكرسي ليدفع العين أو ليدفع الضرر عنه فهذا من حيث التعليق يسمى تميمة فهل هذه التميمة جائزة أو غير جائزة ؟
    قال الشيخ - رحمه الله -:إن التمائم إذا كانت من القرآن فقد اختلف فيها السلف فجوزها ورخّص فيها بعض السلف ويعني ببعض السلف:بعض كبار الصحابة ومال إلى هذا القول بعض أهل العلم الكبار وبعضهم لم يرخّص فيها كابن مسعود رضي الله عنه وكأصحاب ابن مسعود الكبار منهم:إبراهيم النخعي وعلقمة وعبيدة والربيع بن خثيم والأسود وأصحاب ابن مسعود جميعا.

    فالحاصل:أن السلف اختلفوا في ذلك ومن المعلوم أن القاعدة:أن السلف إذا اختلفوا في مسألة وجب الرجوع فيها إلى الدليل والدليل قد دل على أن كل أنواع التمائم منهي عنها كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام:"من تعلّق شيئا وُكِلَ إليه".
    وقوله: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك ). فمن تعلّق القرآن أو شيئا منه كان داخلا في النهي لكن إذا كان المعلَّق من القرآن فلا يكون مشركا لأنه علق شيئا من صفات الله - جل وعلا - وهو كلام الله -جل وعلا- فلا يكون قد أشرك مخلوقا لأن الشرك معناه:أن تشرك مخلوقا مع الله- جل وعلا -والقرآن ليس بمخلوق بل هو كلام الله الباري - جل وعلا - منه بدأ وإليه يعود فإذا أخرجت التميمة المتخذة من القرآن عن كونها شركا من عموم قوله:" إن التمائم شرك " فلأجل كون القرآن كلام الله ليس بمخلوق.
    لكن هل هي منهي عنها أو غير منهي عنها ؟؟
    الجواب:أن قوله عليه الصلاة والسلام:"من تعلق شيئا وكل إليه". ونهيه عن التمائم بأنواعها دليل على أن تخصيص القرآن بالإذن من بين التمائم ومن بين ما يعلق:يحتاج إلى دليل خاص لأن إبقاء العموم على عمومه هو إبقاء لدلالة ما أراد الشارع الدلالة عليه بالألفاظ اللغوية والتخصيص نوع من أنواع التشريع فلا بد فيه من دليل واضح لهذا صارت الحجة مع من يجعل التمائم التي من القرآن مما لا يُرخّص فيه كابن مسعود وكغيره من الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك هو قول عامة أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها المحققون من أصحابه وعليها المذهب عند المتأخرين.
    بقي أن نقول إن تجويز اتخاذ التمائم من القرآن يترتب عليه مفاسد منها:
    1- أنه يفضي إلى الاشتباه فقد نرى من عليه التميمة فيشتبه علينا الأمر هل هذه تميمة شركية أو من القرآن ؟ وإذا ورد هذا الاحتمال فإن المنكر على الشركيات يضعف عن الإنكار لأنه سيقول:يحتمل أن تكون من القرآن فإجازة تعليق التمائم من القرآن فيه إبقاء للتمائم الشركية لأن التمائم تكون مخفية غالبا وإما في جلد أو في نوع من القماش ونحو ذلك فإذا رأينا من علق تميمة:وقلنا يحتمل أن تكون من القرآن أو غيره فإذا استفصلت منه وقلت له:هل هذه تميمة شركية أو من القرآن؟ فمعلوم أن صاحب المنكر سيجيب بأنها من القرآن حتى ينجو من الإنكار لأنه يريد أن يسلم له تعليقها فمن المفاسد العظيمة أن في: إقرار التمائم من القرآن إبقاء للتمائم الشركية وفي النهي عنها سد لذريعة الإشراك بالتمائم الشركية ولو لم يكن إلا هذا لكان كافيا.
    2 - أن الجهلة من الناس إذا علقوا التمائم من القرآن تعلقت قلوبهم بها فلا تكون عندهم مجرد أسباب بل يعتقدون أن فيها خاصية بنفسها بجلب النفع أو دفع الضر ولا شك أن هذا فتحا لباب الاعتقادات الفاسدة على الناس يجب وصده ومن المعلوم أن الشريعة جاءت بسد الذرائع.
    3 - ومن المفاسد المتحققة أيضا أنه إذا علق شيئا من القرآن ، فإنه يعرضه للامتهان فقد ينام عليه أو يدخل به مواضع قذرة أو يكون معه في حالات لا يليق أن يكون معه فيها شيء من القرآن فهذا مما ينبغي اجتنابه وتركه.
    فتحصل - بالدليل وبالتعليل -:أن تعليق التمائم بكل أنواعها : لا يجوز فما كان منها من القرآن فنقول يحرم على الصحيح ولا يجوز ويجب إنكاره وما كان منها من غير القرآن فهذا نقول فيه:إنه من الشرك بالله ؛ لقول النبيr:"إن الرقى والتمائم والتولة شرك". والتخصيص نوع من العلم فيجب أن يكون فيه دليل خاص(
    [26]).

    أقسام التعلق بغير الله:

    الأول:ما ينافي التوحيد من أصله، وهو أن يتعلق بشيء لا يمكن أن يمكن أن يكون له تأثير ويعتمد عليه اعتماداً معرضاً عن الله، مثل تعلق عباد القبور بمن فيها عند حلول المصائب، ولهذا إذا مستهم الضراء الشديدة يقولون: يا فلان! أنقذنا، فهذا لا شك أنه شرك أكبر مخرج من الملة.
    الثاني:ما ينافي كمال التوحيد وهو أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع الغفلة عن المسبب وهو الله - عز وجل - ، وعدم صرف قلبه إليه، فهذا نوع من الشرك، ولا نقول شرك أكبر لأن هذا السبب جعله الله سبباً.
    الثالث:أن يتعلق بالسبب تعلقاً مجرداً لكونه سبباً فقط مع اعتماده الأصلي على الله، فيعتقد أن هذا السبب من الله، وأن الله لو شاء لأبطل أثره، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر للسبب إلا بمشيئة الله - عز وجل ـ فهذا لا ينافي التوحيد لا كمالاً ولا أصلاً، وعلى هذا لا إثم فيه.ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب، بل يعلقها بالله, فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقاً كاملاً، مع الغفلة عن المسبب، وهو قد وقع في نوع من الشرك، أما إذا اعتقد ان المرتب سبب، والمسبب هو الله - سبحانه وتعالى - وجعل الاعتماد على الله، وهو يشعر أن المرتب سبب، فهذا لا ينافي التوكل(
    [27]).

    يتبع...تتمة الباب..........

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  19. #19

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    قوله: ( من عقد لحيته ) اللحية عند العرب كانت لا تقص ولا تحلق، كما أن ذلك هو السنة، لكنهم كانوا يعقدون لحاهم لأسباب:
    أولا:الافتخار والعظمة، فتجد أحدهم يعقد أطرافها أو يعقدها من الوسط عقدة واحدة ليعلم أنه رجل عظيم، وأنه سيد في قومه.
    الثاني:الخوف من العين، لأنها إذا كانت حسنة وجميلة ثم عقدت أصبحت قبيحة، فمن عقدها لذلك، فإن الرسول rبريء منه.
    الثالث:أن المراد بعقد اللحية ما يفعله أهل الترف من تجعيد لحاهم وتحسينها وكدّها، حتى تتجعّد يقصدون بها الجمال، فهذا يكون من الترف نعم لا بأس أن اللحية تصلح وأنها تُنظّف وأنها تُكرم لكن لا يصل هذا إلى حد الإسراف.
    الرابع:عقد اللحية عادة عند الفُرس، أنهم كانوا عند الحروب يعقدون لحاهم تكبّراً وتجبّراً ونحن قد نهينا عن التشبّه بالكفّار.
    الخامس:المراد به عقد اللحية في الصلاة، لأن هذا من العبث في الصلاة، والحركة في الصلاة، وهذا مكروه في الصلاة، لأنه يدل على عدم الخشوع(
    [28]).

    قوله: ( عن سعيد بن جبير قال:من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة ) أي: كان كمن أعتق رقبة من الرِّق، والمناسبة أن اعتاق العبد فيه اعتاق من الرِّق، وقطع التَمِيمَة فيه إعتاق من الشرك، لأن الشرك رِقّ للشيطان بدل الرِّق للرحمن، ورحم الله الإمام ابن القيم حيث يقول:
    هربوا من الرِّق الذي خلقوا له ... فبُلُوا برق النفس والشيطان.
    يعني:هم أرقاء لله، عبيد لله، لكن لما أشركوا به صاروا عبيداً للشيطان وعبيداً للنفس والهوى، فالإنسان خلق لعبادة الله، فإذا تركها صار عبداً للشيطان فهو عبد ولابد.
    فالذي يزيل هذه الظاهرة الشركية عن مسلم يكون كمن أعتقه من الرِّق في الأجر والثواب.
    وسعيد بن جبير _رحمه الله_ اعتبر الشرك رقًّا من أزاله فكأنما أعتق هذا العبد من هذا الرِّق الذّليل المهين، وجعله حُرًّا من عبادة المخلوق، عبداً لله سبحانه وتعالى لا يعبد غيره، فعبادة الله جل وعلا هي الحرية الصحيحة، ليست الحرية أن الإنسان يشرك ويكفر ويعتقد ما شاء، كما يقولون: الناس أحرار في اعتقادهم لا بل الناس خلقوا لعبادة الله وعبادة الله ليست من باب الذل والمهانة، وإنما هو من الإكرام ومن الرِّفعة، وهذا شرف، والله جل وعلا أكرم نبيه بالعبودية له، فقال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فعبودية الله شرف، أما عبودية غيره فهي ذلّ ومهانة(
    [29]).
    وقوله: ( يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ). أي:كان كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود لا يفصِّلون في التّمائم، بل كانوا يكرهونها عموماً، كما سبق أن الراجح هو:تحريم تعليق التّمائم، ولو كانت من القرآن؛ من أجل الأمور الثلاثة التي ذكرناها هناك. فقوله:يكرهون أي يحرمون، لأن الكراهة عند السلف يريدون بها التحريم.
    فكلام إبراهيم هذا يؤيّد ترجيح المنع مطلقاً ولأن هذا قول عبد الله بن مسعود وتلاميذه من أئمة التابعين، أن التّمائم لا تفصيل فيها، حتى ولو كانت من القرآن لا تُعلّق على الرِّقاب على شكل حُروز، أو على شكل رقاع، أو على شكل أكياس تعبّأ بالأوراق المكتوب فيها ويسمونها خطوطاً،أو عزائم، هذا لا يجوز وإن كان من القرآن، ولا تعلّق على السيارات أو الجدران لأن هذا وسيلة إلى الشرك، ولأنه لم يرد دليل على جوازه ولأنه تعريض للقرآن للامتهان والابتذال- كما سبق.
    وفي هذا دليل على بعد السلف عما يخدش العقيدة (
    [30]).

    مسألة: (1)
    وإذا كان الإنسان يلبس أبناءه ملابس رثة وبالية خوفاً من العين، فهل هذا جائز؟
    الظاهر أنه لا بأس به، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما ترك شيئاً، وهو التحسين والتجميل وقد ذكر ابن القيم في" زاد المعاد" أن عثمان رأى صبياً مليحاً، فقال دسموا نونته، والنونة: هي التي تخرج في الوجه عندما يضحك الصبي كالنقوة، ومعنى دسموا أي: سودوا.

    مسألة :(2)
    وأما الخط:وهي أوراق من القرآن تجمع وتوضع في جلد ويخاط عليها، ويلبسها الطفل على يده أو رقبته، ففيها خلاف بين العلماء. وظاهر الحديث: أنها ممنوعة، ولا تجوز.
    ومن ذلك أن بعضهم يكتب القرآن كله بحروف صغيرة في أوراق صغيرة، ويضعها في صندوق صغير، ويعلقها على الصبي، وهذا مع أنه محدث، فهو إهانة للقرآن الكريم، لأن هذا الصبي سوف يسيل عليه لعابه، وربما يتلوث بالنجاسة، ويدخل به الحمام والأماكن القذرة، وهذا كله إهانة للقرآن.

    مسألة: (3)
    والدبلة:خاتم يشترى عند الزواج يوضع في يد الزوج، وإذا ألقاه الزوج، قالت المرأة: إنه لا يحبها، فهم يعتقدون فيه النفع والضرر، ويقولون:إنه ما دام في يد الزوج، فإنه يعني أن العلاقة بينهما ثابتة، والعكس بالعكس، فإذا وجدت هذه النية، فإنه من الشرك الأصغر، وإن لم توجد هذه النية-وهي بعيدة ألا تصحبها ففيه تشبه بالنصارى، فإنها مأخوذة منهم.
    وإن كانت من الذهب، فهي بالنسبة للرجل فيها محذور ثالث، وهو لبس الذهب، فهي إما من الشرك، أو مضاهاة النصارى، أو تحريم النوع إن كانت للرجال، فإن خلت من ذلك، فهي جائزة لأنها خاتم من الخواتم(
    [31]) .
    مسألة: (4)
    تنبيه:ظهر في الأسواق في الآونة الأخيرة حلقة من النحاس يقولون: إنها تنفع من الروماتيزم، يزعمون الإنسان إذا وضعها على عضده وفيه روماتيزم نفعته من هذا الروماتيزم، ولا ندري هل هذا صحيح أم لا؟ لكن الأصل أنه ليس بصحيح، لأنه ليس عندنا دليل شرعي ولا حسي يدل على ذلك، وهي لا تؤثر على الجسم، فليس فيها مادة دهنية حتى نقول : إن الجسم يشرب هذه المادة وينتفع بها، فالأصل أنها ممنوعة حتى يثبت لنا بدليل صحيح صريح واضح أن لها اتصالاً مباشراً بهذا الروماتيزم حتى ينتفع بها ([32]).

    فيه مسائل:
    الأولي: تفسير الرقى والتمائم.
    الثانية: تفسير التولة.
    الثالثة: أن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء.
    الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمة ليس من ذلك.
    الخامسة: أن التميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء: هل هي من ذلك أوْ لا؟
    السادسة: أن تعليق الأوتار على الدواب عن العين من ذلك.
    السابعة: الوعيد الشديد على من تعلق وترا.
    الثامنة: فضل ثواب من قطع تميمة من إنسان.
    التاسعة: أن كلام إبراهيم لا يخالف ما تقدم من الاختلاف، لأن مراده أصحاب عبد الله بن مسعود.





    ([1]) أخرجه البخاري (3005 ) كتاب الجهاد/ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل/ . ومسلم (2115) : كتاب اللباس/ باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير .
    ([2]) أخرجه أحمد (1 / 381) وأبو داود (3883) وابن ماجه (3576) وابن حبان( 7 / 630 ) والحاكم ( 4 / 217 ، 418 ) وصححه الألباني في الصحيحة (رقم 331_ج1_ص648_) القسم الثاني . وفيه قصة هذا تمامها :" كان عبد الله إذا جاء من حاجة وانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منا على شيء يكرهه وأنه جاء ذات يوم تنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير فدخل فجلس إلى جنبي فرأى في عنقي خيطا قال ما هذا الخيط ؟ قلت خيط أرقي لي فيه قالت فأخذه فقطعه ثم قال : إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك سمعت رسول الله r يقول :" إن الرقى والتمائم والتولة شرك " قالت فقلت له : لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها وكان إذا رقاها سكنت ؟ قال إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله r :" أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) برقم (5801) .
    ([3]) أخرجه أحمد (4 / 310 و 311 ) والترمذي (2073) والحاكم ( 4/ 216 ) . ولفظ الترمذي : عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال : دخلت على عبد الله ابن عكيم أبى معبد الجهنى أعوده وبه حمرة فقلت ألا تعلق شيئا ؟ قال : الموت أقرب من ذلك ، قال النبي r:" من تعلق شيئا وكل إليه ". قال الترمذي:وحديث عبد الله بن عكيم إنما نعرفه من حديث ابن أبى ليلى. والحديث حسنه الألباني.
    ([4]) أخرجه أحمد (4 / 108 و109 ) .
    ([5]) أخرجه ابن أبي شيبة في « المصنف » (3524).
    ([6]) أخرجه ابن أبي شيبة في « المصنف » (3518).
    ([7]) القول المفيد (ج1_ص 178).
    ([8]) انظر التمهيد (ص110).
    ([9]) إعانة المستفيد (ج1_ص 145).
    ([10]) رواه البخاري (4439) ومسلم (2192/51) من حديث عائشة رضي الله عنها :" أن النبي r كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث".
    ([11]) كما عند مسلم (2186) .
    ([12]) كما عند البخاري (5735) ومسلم ( 2192) .
    ([13]) أخرجه مسلم (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي t .
    ([14]) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد: (ج1 _ ص187) والتمهيد ( ص 111) .
    ([15]) صحيح وتقدم تخريجه.
    ([16]) وإن اعتقد أنها تدفع بنفسها فقد أشرك شركا أكبر.
    ([17]) أخرجه أحمد في مسنده: (5114) وابن أبي شيبة في مصنفه: (19437) وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (6_ 98).
    ([18]) انظر التمهيد: (ص112_114).
    ([19]) انظر التمهيد: (ص115).
    ([20]) القول المفيد (ج1_ص179) .
    ([21]) ينظر إعانة المستفيد: (ج1_ص 146_147).
    ([22]) التمهيد (ص116_118).
    ([23]) القول المفيد (ج1_ص 182 _183).
    ([24]) إعانة المستفيد (ج1_ص 148).
    ([25]) فتح المجيد (ص 148) .
    ([26]) التمهيد (ص 119_120) .
    ([27]) القول المفيد (ج1_ص183 _184) .
    ([28]) انظر القول المفيد (ج1_ ص188), وإعانة المستفيد (ج1_ 152) .
    ([29]) إعانة المستفيد (ج1_ ص153) .
    ([30]) إعانة المستفيد (ج1_ص154) .
    ([31]) القول المفيد (ج1_ ص180_182 ) .
    ([32]) القول المفيد (ج1_ص 192) .

    للباطل صولة عند غفلة أهل الحق

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: فتح الكريم الحميد بشرح كتاب التوحيد

    للتذكير :

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو العبدين البصري مشاهدة المشاركة
    التاسعة: أن كلام إبراهيم لا يخالف ما تقدم من الاختلاف، لأن مراده أصحاب عبد الله بن مسعود.
    وهو قول إبراهيم النخعي قال:" كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن "
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •