(( إن من البيان لسحرًا )) ، مع تعدد الأقوال في شرح هذا الحديث ؛ إلا أنه ظاهر المعنى !!
فالكلام البليغ قادر على قلب الحقائق ، وعلى تغيير القناعات ، وعلى ما لا يستطيعه الترغيب والترهيب في تبديل الأفكار !!
ومن أمثلة ذلك : كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي ، والذي صنفه في هجاء الوزيرين : الصاحب ابن عباد ، وابن العميد .
فعلى كثرة ما يُثنى به على الوزير الصاحب ابن عباد في ترجمته ، وعلى كثرة مدحه بالعلم وسعة الاطلاع وحب العلم وتقريب العلماء ، وعلى ما له من مؤلفات ، إلا أني من حين أن قرأت ( أخلاق الوزيرين ) لأبي حيان أبغضت هذا الرجل بغضا لا يزحرحه ثناء ولا يهزه مدح ، ولا عدت أقدر أن أصدق الثناء الذي قيل فيه !
نعم .. والله !! وهذا قسمي فيما أملك ! فلا أملك أن أصدق ثناء فيمن كانت مذامه وطباعه الخسيسة ماثلة في قلبي كأني حضرت مجلسها وشاهدتها بأم عيني ، من بلاغة الكلام وقوة بيانه وظهور ملامح الصدق فيه ظهورا يكاد يجعل الخبر قريبا من العيان !
حتى عندما طُبع الكتاب الكبير للصاحب ابن عباد ( المحيط ) ، وهو معجم لغوي ، ووقفت عليه في المكتبات ، أخذت مجلده الأول ، ونظرت فيه بقرف ، وتركته ، ولم أقتنه ، وعندي انطباع أنه كتاب لا يتميز بشيء !!
كل ذلك بسبب ذلك الكتاب البليغ ( أخلاق الوزيرين) ، الساحر في بلاغته ، وفي قدرته على الإقناع .
قد يقول قائل : وما أدراك ؟ لعل أبا حيان كاذب ؟! خاصة وهو متهم بكذا وكذا !!
فأقول : وهنا يكمن السحر !!
فمن قرأ الكتاب ، يضعف عنده هذا الاحتمال ، حتى لا يكاد يَرِد عليه . فكما قد تسمع الكذاب مرة ، فتجد في ملامح وجهه ، وتعابيره ، ومضمون كلامه من المعاني والاتساق والوضوح ما يشهد عندك بصدقه = فهذا وأبلغ منه مثال ما يجده من قرأ ذلك الكتاب .
فإن كان أبو حيان مع ذلك كله كاذبا ، فهذا لعمر الله هو السحر بعينه !! وما على المسحور من إثم ولا مؤاخذة .
فمن أراد أن يفك السحر عني ، ويغير قناعتي في الصاحب ابن عباد ، فليكتب كتابا أبلغ من كتاب أبي حيان ، أو في بلاغته ، يحامي فيه عن ذينك الوزيرين = يكن له أجر فك السحر ، وعندها سيكون فعله هذا من النُّشرة الحلال ، بلا خلاف !