قبسات من كتاب " شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة "
تحظى الفيزياء بمكانة كبيرة لدى فلاسفة العلم المعاصرين ، حتى أضحت النظريات الفيزيائية ذات أثر كبير في صياغة الصورة الذهنية للعالم في فلسفة العلم خاصة ، ونظراً لهذه العلاقة الحميمية بين الفيزياء والفلسفة ، أحببت أن أشارككم في قبسات من كلام أحد الفيزيائيين السعوديين المرموقين .:من هو البروفيسور راشد المبارك ؟هو سعادة الدكتور راشد المبارك الأستاذ بجامعة الملك سعود سابقاً ، حاصل على ماجستير في الفيزياء الجزيئية ، وتخصصه الدقيق في الدكتوراه : كيمياء الكم ، وهو : ( فرع من الكيمياء النظرية يقوم بتطبيق ميكانيكا الكم ونظرية الحقل الكمومي لحل قضايا ومسائل في الكيمياء ، و أحد تطبيقات الكيمياء الكمومية هي دراسة سلوك الذرات والجزيئات فيما يخص قابليتها للتفاعل . وتقع كيمياء الكم على الحدود بين الكيمياء والفيزياء ويشارك بها مختصون من كلا الفرعين) .وهو أيضاً مثقف يُشار إليه بالبنان صاحب صالون ثقافي في مدينة الرياض عُرف بأحدية المبارك التي بدأت منذ ثلاثة عقود تقريباً ، كما أنه كاتب وأديب معروف أصدر العديد من الكتب ، وهو مهتم بالفلسفة متابع لها ، مدافع عن أهميتها في محاضراته ومقابلاته الصحفية ، كما أنه لا ينتمي إلى أي تيار فكري أو ديني ، بل من قرأ كتابه عن " فلسفة الكراهية " سيظهر له بوضوح أنه لا يتفق مع بعض الطرح الديني السائد محلياً ، إضافة إلى ذلك هو ينتمي إلى أسرة كريمة عريقة تُعرف بآل الشيخ مبارك وهي مشهورة بالعلم والفقه على المذهب المالكي في الخليج وليس في الإحساء فقط حيث مسقط رأسه ، وللدكتور جملة من الكتب ككتاب " كيمياء الكم " وكتاب " هذا الكون ماذا نعرف عنه ؟ " وكتاب " قراءة في دفاتر مهجورة " وكتاب "التطرف خبز عالمي" ، وغيرها .:تهافت آراء ستة من الفلاسفة .أصدر الدكتور راشد المبارك سنة 2011م كتاباً بعنوان : ( شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة ) تناول فيه بالنقد ستة فلاسفة كنماذج تطبيقية لوجهة نظره في تهافت طرح الفلاسفة ، وهم :- أفلاطون- أرسطو- ديكارت- سبينوزا- إمانويل كانت- شوبنهاوروقد استهل المؤلف كتابه بإيضاح ينفي فيه أن يكون عنوانه متناقضاً إذ لا يرى أن هناك تعارضاً بين مدح الفلسفة ونقد الفلاسفة ؛ لأن الفلسفة في نظره هي مدرك عقلي مجرد يعني محبة الحكمة أو طلب المعرفة الحقة ، ولذا فهي لا ترتبط بالمشتغلين بها أو المقبلين عليها ، وهي بهذا الاعتبار مطلب شريف في غايته ، لقوله سبحانه : ( ومن يؤتَ الحكمةَ فقد اُوتي خيراً كثيراً ) البقرة:269 . أما عمل الفلاسفة وإنتاجهم مهما قيل في إطرائه والثناء عليه فهو شيء من أعمال البشر يحتمل من الخطأ بقدر ما يتضمن من صواب ، وبذلك يكون المؤلف قدم وجهة نظره في دفع التعارض ونفيه بين جزئي عنون كتابه ، الجزء الأول يمدح ( شموخ الفلسفة ) والجزء الثاني يذم ( تهافت الفلاسفة ) .:ثقة الفلاسفة بأفكارهم في غير محلها .بدأ المؤلف وهو المعجب الفلسفة بعد ذلك يوجه سهام نقده إلى الفلاسفة ، وقد أثارته مشكلة ظاهرة للعيان تتناقض مع روح التفلسف وغايته ، فقد لاحظ التالي في قوله : ( تستوقف الباحث ظاهرة تصدمه وتستثير استشكاله وتساؤله ، وتزداد درجة هذا التساؤل والاستشكال إذا لم يعثر المستشكل على من استوقفته هذه الظاهرة فأعلن عنها واستشكلها ، وهي ظاهرة تكاد تكون ملازمة لكل الفلاسفة وفي كل العصور .وتلك هي الصفة التقريرية الوثوقية لكل ما يصلون إليه من آراء سموها كشوفاً أو نظريات يفسرون بها الكون في بدئه وصيروته ، والإنسان في مبدئه وغايته ، لم يشُذ عن ذلك " أفلاطون " في مُثُله فيما يتعلق بالمعرفة ولا أفلاكه فيما يتعلق بالكون ، ولا " أرسطو " في فيزيائه عن الكون أو الحركة في غائيتها ، وهكذا نرى تتابعاً متسلسلاً لهذا الوثوق فيما توصل إليه " ديكارت " ، وقرره " سبينوزا " ، وتبناه " جون لوك " ، وادعاه " ديفيد هيوم " ، أو ما عارضهم فيه " لبينز " ، و " بيركلي " ، وجاء " كانت " متمماً لهذه المدرسة التي يثق كل فرد فيها بأنه قد كُشفت له الأسرار .هذه الظاهرة استوقفت الكاتب منذ بدأت صلته بقراءة الفلسفة ، وتنامت دهشته كلما استمرت رحلته ، ورأى ملازمة هذه الظاهرة لكل الفلاسفة ، وفي كل العصور باستثناء أبي الفلسفة " سقراط " ، وبقدر ما يرى الكاتب شموخ الفلسفة كانت حيرته من تهافت الفلاسفة أي وقوعهم في هذا المنحدر من التقريرية والوثوقية ) .:التأمل المجرد ليس كافياً للثقة بأفكارهم .ثم انتقد الدكتور المبارك الفلاسفة نقداً مهماً محورياً وهو نقص أدواتهم المعرفية حيث اعتمدوا على التأمل الذاتي فقط مع قصوره الشديد ومحدوديته بل وتشوهه بالمألوفات الحياتية والعادات الاجتماعية والخبرات الذاتية الخاصة وفق الزمان والمكان والأحوال ، فقال : ( والفلسفة لم تفارق مسلكها القديم وهو اعتمادها في الوصول إلى المعرفة على وسيلة واحدة من وسائل الكشف عنها ، وهو التأمل المحض القائم على المسلمات الأولى للعقل ، والمعطيات الحسية ليست سوى مادة يختار منها العقل اللبنات الملائمة لبنائه .إن أحدهم – يقصد الفلاسفة – يتراءى له تصور أو رأي أو وهم فيتحول بين يديه إلى اكتشاف كوني يعطيه كل الحقيقة بكل التأكيد والوثوق ) .:هل الفلسفة تمتلك الحقيقة المطلقة ؟أشار الدكتور المبارك أنه لم ير أحداً نبه على مشكلة ( الوثوقية ) في آراء الفلاسفة ، والحقيقة أن الدكتور زكريا إبراهيم في كتابه ( مشكلة الفلسفة ) ( ص 10 – 11 ) سبقه إلى ذلك ، حيث قال : ( إن الفيلسوف ليزعم لنفسه أنه ينطق بلسان الإنسانية قاطبة ، وهو لهذا كثيراً ما يعتقد أنه استطاع أنه يعبر عن الحقيقة المطلقة ... إن الفيلسوف يميل بطبعه إلى إغفال الجانب الفردي التاريخي من تفكيره ، لكي يخلع على آرائه قيمة نهائية مطلقة ، وكأنما هي الحكم الأخير الذي لا يقبل نقضاً ولا إبراماً ، وليس بدعاً أن تتصف قضايا الفيلسوف – في نظره هو – بطابع الصدق اليقيني ... ولكن الفلاسفة لا يقفون عند هذا الحد ، بل هم يميلون إلى الظن بأن حقائقهم حقائق موضوعية مطلقة ، وكأنما هم قد استطاعوا أن يخرجوا من التاريخ ويتحرروا من أسر الزمن . والظاهر أن هذا الاعتقاد الذي تردد في نفوس كبار الفلاسفة من أمثال ديكارت وسبينوزا وكانت وهيجل وغيرهم ، هو الذي عمل على اختلاط الروح الفلسفية بالنزعة الإيقانية القطعية ، حتى استحالت الفلسفة في نظر الكثيرين إلى مجرد " عقيدة " ) .وهذا الكلام يؤكد النقد نفسه الذي وجهه الدكتور المبارك إلى الفلاسفة ، ولكن هذه المرة بلسان أستاذ متخصص في الفلسفة ، يقر ويعترف بهذه المشكلة الخطيرة في طرح الفلاسفة أعني تلك الوثوقية والقطعية واليقينية التي تصاحب أفكارهم مع كونهم لا يستندون إلا على مجرد ظنون وآراء ذاتية شخصية .:من السالكين أو من الواصلين ؟وفي موضع آخر وجدت تشابهاً كبيراً بين طرح الدكتور المبارك والدكتور زكريا إبراهيم الذي سبقه بعقود ، يقول المبارك ( ص 17) من شموخ الفلسفة : ( لقد اختار الفلاسفة – أي معظمهم – منازل " الواصلين " وكان الأليق بهم ألا يستبدلوا بمنزلة " السالكين " منزلة أخرى )وقد وجدت زكريا إبراهيم في مشكلة الفلسفة ( ص 19 ) يقول : ( إن الفيلسوف إنسان " سالك " هيهات أن يصبح يوماً " واصلاً " ).والذي أظنه أن الدكتور المبارك نسي أنه قرأ كلام زكريا إبراهيم أستاذ الفلسفة في الجامعات المصرية المتوفى سنة 1976 في الكويت ، والذي أصدر عددا من الكتب الفلسفية من الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات من القرن العشرين ، كان بعضها تحت عنوان " مشكلات فلسفية " هي بمثابة المدخل إلى أهم قضايا الفلسفة .