واخر الزاد الصبر .. الصبر فى الطريق .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " السفر قطعة من العذاب " [متفق عليه] .. فاذا كان سفر الدنيا يسبب المشقه والتعب فكيف بسفر الاخرة الذى فيه اللاواء والنصب ! ! قال الله تعالى " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ " ( البلد :4 ) .


قال الفخر الرازى : فى الكبد وجوه :


اما الاول : اى خلقناه اطوارا كلها شدة ومشقة , تارة فى بطن الام , ثم زمان الارضاع , ثم اذا بلغ ففى الكد فى تحصيل المعاش , ثم بعد ذلك الموت .


واما الثانى : وهو الكبد فى الدين , فقال الحسن : يكابد الشكر على السراء , والصبر على الضراء , ويكابد المحن فى اداء العبادات .


واما الثالث: وهو الاخرة فالموت هو مساله الملك وظلمة القبر ثم البعث والعرض على الله الى ان يستقر به القرار اما فى الجنة واما فى النار .


واما الرابع : وهو ان يكون اللفظ محمولا على الكل فهو الحق , وعندى فيه وجه اخر , وهو انه ليس فى هذه الدنيا لذة البتة , بل ذاك نظن انه لذة فهو خلاص عن الالم , فان ما يتخيل من اللذة عند الاكل فهو خلاص عند ألم الجوع , وما يتخيل من اللذات عند الملبس فهو خلاص عن ألم الحر والبرد , فليس للانسان الا ألم أو خلاص عن ألم وانتقال الى اخر , فهذا معنى قوله تعالى :" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ " ( البلد : 4 ) .


فاعلم – ايها الحبيب – ان الله يختبر عبيده بالصبر , حتى تظهر جواهرهم , كما حصل للانبياء .


" وهذا نوح عليه السلام يضرب حتى يغشى عليه ثم بعد قليل ينجو فى السفينه ويهلك اعداؤه وهذا الخليل يلقى فى النار ثم بعد قليل يخرج الى السلامة وهذا الذبيح يضجع مستسلما ثم يسلم ويبقى المدح وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق ثم يعود بالوصول وهذا الكليم عليه السلام يشتغل بالرعى ثم يرقى الى التكليم " .


والصبر دواء وقد قال العلماء فى تعريفه : حبس للقلب عن التسخط , وحبس اللسان عن الشكوى فالطريق طويلة والمآسى على الطريق كثيرة والعلاج الصبر , فان المنبت لا ارضا قطع و ظهرا ابقى .. وما تباينت منازل اصحاب الهمم الا بتباينهم بطول الصبر حتى نهاية الطريق , فتزود ايها السائر .


فتزودوا – ايها السائرون – كل ساعه , فان " الدنيا ليست بدار قرار , دار كتب الله عليها الفناء , وكتب على اهلها منها الظعن , فكم عامر موثق عما قليل يخرب , وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن فاحسنوا – رحمكم الله – منها الرحلة , فاحسن ما يحضر بكم من النقله , وتزودوا فان خير الزاد التقوى , انما الدنيا كفيء ظلال قلص فذهب , بينما ابن ادم فى الدنيا منافس .. ان الدنيا لا تسر بقدر ما تضر , انها تسر قليلا , وتجر حزنا طويلا " .. اخوتاه , هنيئا لمن تزود من الدنيا الى الاخرة ومن المحطة العاجلة الى المحطة الاجلة , من ضيق المعاش الى سعه المعاد ومن دار الرحيل الى دار البقاء .