قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في القول المفيد
قوله:صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا))
وهذه الجملة اختلف في معناها؛ فمنهم من قال: لا تجعلوها قبورًا؛ أي: لا تدفنوا فيها، وهذا لا شك أنه ظاهر اللفظ، ولكن أورد على ذلك دفن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته.
وأجيب عنه بأن من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دفن في بيته لسببين:
1- ما روي عن أبي بكر أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (ما من نبي يموت إلا دفن حيث قبض) [سبق (ص 292).]، وهذا ضعفه بعض العلماء.
2- 2- ما روته عائشة رضي الله عنهما: (أنه خشي أن يتخذ مسجدًا) [سبق (ص 392).].
وقال بعض العلماء: المراد بـ (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا)؛ أي: لا تجعلوها مثل القبور، أي: المقبرة لا تصلون فيها، وذلك لأنه من المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى فيها، وأيدوا هذا التفسير بأنه سبقها جملة في بعض الطرق: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبروًا)، وهذا يدل على أن المراد: لا تدعوا الصلاة فيها.
وكلا المعنيين صحيح؛ فلا يجوز أن يدفن الإنسان في بيته، بل يدفن مع المسلمين؛ لأن هذه هي العادة المتبعة منذ عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليوم، ولأنه إذا دفن في بيته؛ فإنه ربما يكون وسيلة إلى الشرك، فربما يعظم هذا المكان، ولأنه يحرم من دعوات المسلمين الذين يدعون بالمغفرة لأموات المسلمين عند زيارتهم للمقابر، ولأنه يضيق على الورثة من بعده فيسأمون منه، وربما يستوحشون منه، وإذا باعوه لا يساوي إلا قليلا، ولأنه قد يحدث عنده من الصخب واللعب واللغووالأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع؛ فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة) [سبق (ص428)].
وأما أن المعنى: لا تجعلوها قبورا؛ أي: مثل القبور في عدم الصلاة فيها؛
فهو دليل على أنه ينبغي إن لم نقل: يجب أن يجعل الإنسان من صلاته في بيته ولا يخليه من الصلاة.
وفيه أيضا: أنه من المتقرر عندهم أن المقبرة لا يصلي فيها.
إذا؛ فيكون هذا النهي عن ترك الصلاة في البيوت لئلا تشبه المقابر؛ فيكون دليل واضح على أن المقابر ليست محلا للصلاة، وهذا هوالشاهد من الحديث للباب؛ لأن اتخاذ المقابر مساجد سبب قريب جدا للشرك