عبادات لا تجتمع إلاَّ مع الصوم وفي شهره


الشيخ جعفر الطلحاوي


ومن ذلك :
1- اجتماع المسلمين على الصلاة كما تري عمار بيوت الله تعالى في الصلوات الخمس ولا سيما الفجر والعصر وكذا العشاء وارتيادهم لبيوت الله تعالى وتلك لعمري من قرائن الإيمان روى الترمذي في سننه من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ الله عنه - أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- قال (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) قال الله تعالى: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر". وفي رواية: (يتعاهد المسجد). قال: حديث حسن غريب) وقوله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- فاشهدوا له بالإيمان : أي اقطعوا له بالإيمان لأن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب على القطع روى الحافظ أبو بكر البزار من حديث أنس - رَضِيَ الله عنه - قال، قال رسول اللّه -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- "إنما عمار المساجد هم أهل اللّه"، وقد قال القرطبي المفسر رحمه الله تعالى عند تفسير الآية الكريمة " "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" " دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة لأن الله سبحانه وتعالى ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها. وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن.. وهذه العمارة لبيوت الله تعالى في رمضان وشهر الصوم مع تكاسل البعض عن المكتوبات في غير هذا الشهر.

.2- اجتماع المسلمين على الصوم والإفطار في وقت واحد في مشارق الأرض ومغاربها بداية ونهاية مع اختلاف يسير في مطالع الأهلة الذي لا يؤثر كثيرا في هذه الوحدة . للحديث عن ابن عمر - رَضِيَ الله عنهما - قال: قال رسول اللّه -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم-: "جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً" رواه الحاكم في المستدرك والصائمون في غير هذا الشهر قليل ما هم وليسوا بمجتمعين.

.3- السماح والجود بالصدقات مادية ومعنوية في المسند من حديث ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما - أن: -رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- كان من أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن فكان رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود من الريح المرسلة.‏وفي رواية أخري بيان لوجه آخر من أوجه الجود أيضا في المسند من حديث ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما - قال:-كان رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- يعرض القرآن في كل رمضان على جبريل فيصبح رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- من ليلته التي يعرض فيها ما يعرض وهو أجود من الريح المرسلة لا يسأل عن شيء إلا أعطاه حتى كان الشهر الذي هلك بعده عرض فيه عرضتين.‏ نقول في الصوم تسخو النفس وتجود بينما يقع التخلي أو الإخلال بالزكاة فيما سواه.

4- الإقبال على القرآن ليلاً ونهاراً في المسند من حديث عبد الله بن عمرو - رَضِيَ الله عنهما - أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- قال -الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان.‏ أقول مع الإقبال على القرآن الكريم تلاوة وتدبرا في شهر الصوم ليله ونهاره بينما يقع التغافل عنه في أكثر الأوقات فيما عداه.

5
- الميل إلى العلماء وحب الجلوس إليهم ومحاورتهم وسؤالهم في مسائل الشرع بينما الإعراض عنهم غالب الحال في غير وقت الصوم إلاَّ من رحم الله عـزَّ وجلَّ . ولقد كان رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- يتخول أصحابه رضي الله عنهم بالموعظة خلال أيام وليالي شهر الصوم . وذلك واضح في أكثر من حديث.

6- الاعتكاف وعمارة المساجد بذلك تجد أصل هذا في آية الاعتكاف قال تعالى :" أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"[1].

(26)


7- زكاة الفطر . في سنن الترمذي كتاب الزكاة عن رسُولِ الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم-. باب ما جاءَ في صَدَقَةِ الفِطر. من حديث عبدِ الله بنِ عُمَر - رَضِيَ الله عنهما - "أنّ رسولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- فَرضَ زكاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمضانَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أو صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ على كُلّ حُر أو عَبْدٍ ذَكَر أو أُنْثَى مِنَ المُسْلِمينَ". قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

8- كثرة الخطا إلى المساجد لعمارتها في رمضان وفضل ذلك في رفع الدرجات وحط الخطايا في المسند من حديث أبي هريرة - رَضِيَ الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال -ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويمحو به الخطايا : كثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة وإسباغ الوضوء على المكاره.‏

9- ترك بعض العصاة لمعاصيهم خلال الشهر بينما لا ينفكون عن المعاصي خلال العام . وهكذا ما أكثر ألوان العبادة وأنماط الطاعة وأبواب الخير والبر التي يفتحها الله لعباده خلال الشهر المبارك . ولذا كان في الحديث " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومَرَدة الجن وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كلّ ليلة.‏ أخرجه ابن حبان من حديث أبي هريرة - رَضِيَ الله عنه - هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله تعالى وقوته.