قال تعالى: {الم *اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ *مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * } [آل عمران: 1 ـ 4] .
قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة ال عمران
وقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} :
ليس المراد بالفرقان هنا القرآن، بل المراد: أنزل ما يبيِّن به الفرق بين الحق والباطل. وإنما قلنا ذلك لأننا لو خصصناه بالقرآن لكان في ذلك تكرار مع قوله: { {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} }، مع أن التوراة والإنجيل فيهما أيضاً فرقان، أي: فيهما تفريق بين الحق والباطل. إذن أنزل الفرقان الذي تضمنته هذه الكتب الثلاث وهي القرآن والتوراة والإنجيل.
وكلمة «الفرقان» كلمة واسعة تشمل كل ما به الفرق من جميع الوجوه بين أهل الحق وأهل الباطل، وبين النافع والضار، وبين الأنفع والنافع، وبين الأضر والضار وغير ذلك.ثم ذكر من فوائد هذه الاية
21 ـ أنه كلما اهتدى الإنسان للفروق كان أعظم اهتداء بالكتب المنزلة من الله؛ لأن الكتب كلها فرقان. فمثلاً: إذا كان الإنسان يفرق بين الشرك الأصغر والأكبر، وبين النفاق الاعتقادي والعملي، وبين الكفر الأكبر والأصغر، وبين الحلال والحرام، كان أشد اهتداء بالكتب ممن لا يفرق.

وربما يؤخذ من هذا أيضاً الإشارة إلى أنه ينبغي الاعتناء بمعرفة الفروق بين الأشياء المتشابهة، وهذا فن أخذ به بعض أهل العلم ولا سيما في كتب الفقه، فيذكرون مثلاً: الفروق بين البيع والإجارة، بين الإجارة والجعالة، بين الرهن والضمان، بين الضمان والكفالة، بين الفرض والتطوع، وهذه من فنون العلم الشريفة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، كذلك في العقائد والتوحيد يفرق بين الشرك الأكبر والأصغر، فرجل حلف بغير الله نقول: هو مشرك. ورجل عبد صنماً نقول ـ أيضاً ـ: هو مشرك، لكن بينهما فرق عظيم. العابد للصنم شركه أكبر، والحالف بغير الله شركه أصغر إلا أن يضاف إلى حلفه بغير الله جَعْله المحلوف به كالله تعالى في التعظيم، فحينئذ يكون شركاً أكبر لا من حيث القسم، ولكن من حيث إنه جعل رتبة المحلوف به كرتبة الخالق.
تفسير[آل عمران: 1 ـ 4]العلامة المفسر ابن عثيمين رحمه الله