في بيت ٍمن الطين يعلو سقفه الصلصال ، وفي نواحيه عسيب النخل، في مدينة حمص في سوريه، كان هناك شيخ مُسجَّى يشرق النور من وجهه ، ويلوح الوهن والمرض على بدنه، وأهله وأصحابه يلتفون حوله. أراد هذا الشيخ أن يلقن الأمة درساً في العزة والظفر ونبذ المهانــة والوضاعة فقال: "لقد شهدتُ مئة زحفٍ أو زهاءها ،وما في جسدي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ، ثم ها أنا ذا أموتُ على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء" . وفي رواية : "كما تموتُ العنز" وفي روايةٍ : "كما يموت العير" .
قال أبو عبيدة البكري (ت : 404ه ) :" وهو الصحيح لأن البعير والعنز من السائمة المأكولة ، وأكثر ميتتها بالنحر والذبح لا حتف أنفها " !. وهو القائل : " ما ليلة تُهدى إليَّ فيها عَروس أنا لها محب أو أُبشَّر فيها بغلام بأحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبِّح فيها العدو" . وهو القائل : " لقد دُّق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفيحة يمانية" .

لقد أراد خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يربِّي الأمة بالأفعال قبل الأقوال ، فكان فارساً شجاعاً وسيفاً من سيوف الله ، فتحت له الأمصار والبلدان في الجزيرة ونواحيها ، فلم ينشغل بمتع الجاه والأموال والنساء ، بل صرف همته إلى نشر الإسلام وتأديب المخالفين والمرتدين من أعراب نجد ومجوس إيران ونصارى الشام وكفار العراق ، وغرس الهمة في قلوب المسلين لينشأوا على العزة والشهامة والثقة بالله تعالى .

إن مقالة خالد رسالة للذين يُخذِّلون الأمة عن الذود عن ديار المسلمين ، ورسالة لمن يختبئون عن نصرة إخوانهم في ساحات الوغى وميادين الكرامة ، ورسالة لمن طال أمله في هذه الحياة الدنيا الفانية . إن ضعف المسلمين اليوم واستكانتهم ووقوفهم خلف الأمم سببه طلب العزة عند غير الله تعالى ، وعدم الإخلاص في عبوديته ، والشح ببذل الدماء والمهج في سبيله ، وكل ذلك مدونُ في كتاب الله منذ أن نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى : " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً" . ( النساء : 139) ، وقال سبحانه : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعا " ( فاطر : 10) أي : فليطلبها في طاعة الله وحده. وقال سبحانه : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " ( الحج : 40 ) . وفي الحديث المرفوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وفخراً ،فهو عاشرهم في النار" أخرجه الإمام أحمد وإسناده حسن.

ليس المطلوب من شباب الأمة اليوم أن يحملوا بنادقهم نحو أعدائها ،فإن هذا له ضوابطه المعروفة عند الخاصة والعامة ، إنما المأمول تربية النفس وتهذيبها وتربيتها على ملاقاة أعداء الله ، وعدم الركون إلى الملذات والشهوات الحسية والمعنوية ، والتواصي بالعزة والشهامة والبسالة ، وعدم الإعراض عن الحق قولاً وفعلاً ، فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه قال " المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الأنف، الذي إن قيد إنقاد وإن سيق إنساق ، وإن أنخته على صخرة إستناخ " . أخرجه البيهقي بإسناد صحيح . وفي الحديث : " مثل الذي يعين قومه على غير الحق ، كمثل بعير تردى في بئرٍ ، فهو ينزع منها بذنبه " . أخرجه أبو داود وصححه الألباني .

إن أجندة الغرب الفاجر تخطط لنسف همم الشباب وتحطيم عقيدتهم و أخلاقهم وعزة نفوسهم ، وإشغالهم بكل هزل ماجنٍ , مكراً وكيداً ونصرةً لعقائدهم الباطلة. والواجب على شباب الأمة التفطن لمكرهم ودحر أفكارهم وتقويض بنيانهم ، بالتوحد مع جماعة المسلمين ، كما قال الله سبحانه : " ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " ( المائدة : 56 ) .

لقد أضحى كثير من الناس اليوم لا هم لهم إلا بطونهم وفروجهم !! ، فلا يدعون لإخوانهم المستضعفين ، ولا يبذلون العون لهم ، ولا تتحرك أفئدتهم لجراحهم ومصائبهم، ولا يكف بعضهم ألسنتهم عن قدحهم والنيل منهم ، وصدق الشاعر السعدي ( ت : 12ه ) حين قال :
يُبكى علينا ولا نبكي على أحدٍ
لنحن أغلظ أكباداً من الإبل

يا أهل الإسلام : لقد بلغ السيل الزُّبى ، وجاوز الظالمون المدى ، وليسوا بغير الفداء يجيبون صوتاً لنا أو صدى ، فابذلوا العون لإخوانكم بالدعاء وبالندى : " عسى الله أن يكفَّ بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلا " . ( النساء : 84) .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة

(منقول)