هو أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ويعرف بـ (موسى الكاظم)
ولد بالأبواء قرب المدينة، نحو سنة 128هـ، لأم ولد بربرية، ونشأ في بيت علم وصلاح وفضل لدى أبيه (جعفر الصادق)، ولعل أبرز الأحداث التي شهدها شبابه، وكان لها دور كبير في تحديد مواقفه السياسية من خلافة العباسيين: حركة محمد بن عبدالله النفس الزكية ت145هـ، وسعيه لإسقاط الخلافة العباسية في عهد أبي جعفر المنصور، فقد كان موسى الكاظم وأخوه عبدالله ممن ناصره حين أعلن ثورته تلك في سنة 145هـ قبل جهر والدهما (جعفر الصادق) باعتراضه على هذه الثورة، وذهابه إلى (النفس الزكية) ولومه له بقوله: (أتريد أن يصطلم أهل بيتك!؟) مما أدى إلى أن يأذن لهما بالانصراف، فكان ذلك السبب في نجاتهم - والفرع الحسيني من ذرية علي بن أبي طالب عموما- مما ناله آل الحسن بن الحسن من قتل وملاحقة وتشرد على يد العباسيين، في الفترة التي تلت هذه الثورة، وقد ساعد هذا الأمر على بقاء مدرسة (جعفر الصادق) والتفاف أتباعه حوله إلى أن توفي سنة 148هـ، وحينها حدث الانقسام الأكبر بين أتباعه الذين كانوا يعتقدون إمامته، ففي حين أنكر بعضهم (الناووسية) وفاته أصلا، وقالوا بأنه اختفى، وادعوا بأنه القائم المهدي الذي سيعود ويظهر آخر الزمان؛ فإن آخرون (الإسماعيلية) كانوا يعتقدون بإمامة ابنه الأكبر إسماعيل بن جعفر والذي توفي أثناء حياته، ويزعمون أن الإمامة يجب أن تكون في ذريته بعد أبيه، فإن آخرون (الفطحية) جزموا بأن الإمامة انتقلت إلى الابن الأكبر في حنه وهو عبدالله بن جعفر...، وعاش الشيعة الإمامية حينها في حيرة وضلال، حتى جلس بعض كبار متكلميهم في الطرق والأزقة يبكون لا يدرون هل يتبعون المرجئة أو القدرية أو الزيدية أو المعتزلة أو الخوارج... ثم التف كثير منهم حول (موسى الكاظم) فقالوا بإمامته، وقد ساعد على ذلك لحوق أخيه ومنافسه ( عبد الله ) بأبيهما ووفاته بعده بشهور قليلة، وعدم رضا عامة الشيعة بما كان لدى (الإسماعيلية) من غلو وانحراف بسبب مداخلتهم للخطابية والمغيرية ونحوهم.
وبقي (موسى الكاظم) بعدها بالمدينة طيلة ما بقي من خلافة أبي جعفر المنصور ( 137 - 158هـ )، ثم خلافة المهدي العباسي (158 - 169 هـ ) ثم خلافة الهادي (169 - 170 هـ) - عدا فترة قليلة يقال بأن المهدي أو الهادي خاف منه المنازعة فأقدمه فيها إلى بغداد، ثم رده بعد أن حلف له: والله ما هذا من شأني، ولا حدثت فيه نفسي - وقد عرف (موسى الكاظم) بجانب ما اشتهر به من الصلاح والعبادة وكثير من الفضائل، أنه كان منقطعا عن منازعة السلطان أو منابذته، ولم يرد له أي دور أو ذكر في أحداث ثورة الحسين بن علي الفخي ت169هـ، ولم يناله بسببها - ولا غيره من الحسينيين - أي بأس أو أذى، إلى أن تولى هارون الرشيد أمر الخلافة (170 - 193 هـ ) وقام في إحدى سنين حجه - 178هـ فيما يظهر- فأمر بحبس (موسى الكاظم) على أثر وشاية محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق به لديه - وسببها فيما يظهر هو ما بين الشخصين وأتباعهما من صراع يتعلق بالإمامة والزعامة - حيث اتهمه ابن أخيه بأنه يجمع الانصار وتجبى له الاموال من شتى أنحاء المعمورة، مما جعل الرشيد يستشعر ذلك تهديدا له في عصر تكررت فيه الثورات، فلم يرغب أن يمتد يشارك الحسينيون بني عمومتهم من آل الحسن بن الحسن في شق عصا الطاعة ضد الخلافة؛ فأمر بأخذ (موسى الكاظم) معه إلى العراق، وبقي محبوسا في بعض بيوت كبار رجالات دولته إلى أن توفي سنة 183هـ، وقبر ببغداد، وله فيها مشهد عظيم مشهور دفن معه فيه حفيده محمد الجواد، وقد خلف الكثير من الأولاد ذكورا وإناثا، وكلهم من أمهات ولد.
وقد تكرر أثر وفاة (موسى الكاظم) انقسام الشيعة الإمامية مرة أخرى بشكل مشابه لما حدث عند وفاة أبيه، ففي حين قال كثير من أتباعه بإمامة ابنه/ علي بن موسى الرضا ت203هـ، وقد ساعد هؤلاء ما حظي به من مكانة لدى المأمون، وجعله وليا لعهده من بعده.. إلا أنه في المقابل فقد أنكرت وفاة (موسى الكاظم) طائفة كبيرة من أتباعه، وقاله بأنه اختفى ولم يمت، وأنه المهدي الذي سيعود آخر الزمان، وأن الإمامة وقفت عنده، ولا إمام بعده حتى يعود... وسمي هؤلاء بـ (الواقفة)، وقد كان لهم وجود قوي إلى سنين كثيرة، وظهر علماء منهم ألفوا في نصرة مذهبهم، والذي يدل على أن فكرة المهدي المنتظر عند الإمامية لم تكن ملامحها وتفاصيلها قد تبلورت في ذلك الزمان بشكلها الذي انتهت إليه بعد منتصف القرن الثالث الهجري متمثلة في مهدوية إمام يحمل الترتيب الثاني عشر، ويسمى (محمد بن الحسن العسكري).. كما يثير هذا الانقسام بين الشيعة الإمامية شكوكا كبيرة في المرويات الواردة بالتنصيص على أسماء أئمتهم، والتي نراها في مصنفات المتأخرين منهم، والله أعلم.