في كتابه "الاستشراق والإسلام في المراجع العربية" يقدم الباحث السعودي علي بن إبراهيم النملة عملا توثيقيا ببليوغرافيا مهما، ويتناول الأسباب التي دفعت إلى "الاستشراق الإسلامي" ومختلف فئات المستشرقين، كما يؤكد خطأ التعميم في الحكم على المستشرقين سلبا أو إيجابا.ولعل العمل التوثيقي الجدي الذي جاء في الكتاب، هو الذي امتد من الصفحة 53 إلى نهاية الكتاب، أي الصفحة 223، وجاء في شكل أسماه المؤلف "القائمة الورقية الببليوغرافية، وهو بالفعل عمل مهم شمل مصادر ومراجع كثيرة
تناولت موضوع الكتاب.
ويقول علي بن إبراهيم النملة "ما بين يدي القارئ هو رصد لما أسهم الكتاب العرب والمسلمون والكتاب غير المسلمين فيما له علاقة بالإسلام دراسة وترجمة وذلك لتعذر الحصر على الجهود الفردية، ولأن هذا الموضوع مفتوح النهاية".ويضيف "من المهم عند البحث في الاستشراق والإسلام الابتعاد عن التعميم في الأحكام، إذ إن ما يقال عن موقف بعض المستشرقين من الإسلام يدخل في جانب منه في حيز الأقوال الإيجابية، التي تستل أحيانا من سياقها وتوظف لمصلحة هذا المستشرق أو ذاك، والأقوال السلبية المأخوذة عن بعض المستشرقين هي كذلك قد تنتزع من النص بعيدا عن السياق الذي جاء فيه".
"
الاستشراق يعد أحد الروافد التي عرف الغرب من خلالها الإسلام، إلا أنها معرفة لم تكن في مجملها دقيقة
"
ويؤكد النملة "من هنا لزم أن تكون الإدانة محصورة على هذه الفئة من المستشرقين الذين يثبت من السياق أنهم أساؤوا لهذا الدين، وقد أساء إليه مستشرقون كثيرون بناء على نية مبيتة عند فئة منهم وبناء على عدم انتمائهم لهذا الدين عند فئة ثانية وبناء على جهلهم بلغة هذا الدين عند فئة ثالثة".
كسل فكري
ويبين أستاذ المكتبات والمعلومات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن هناك فئة من المستشرقين اتكلت على أعمال المستشرقين السابقين، الذين كانوا أشد حدة من المتأخرين، فبنوا على هذا الاتكاء نظرياتهم التي سعوا إلى تسويقها بين الغربيين والشرقيين.
ويشير الكاتب إلى أن "الاستشراق يعد أحد الروافد التي عرف الغرب من خلالها الإسلام، إلا أنها معرفة لم تكن في مجملها دقيقة، وسيتبين من هذه الوقفات أن الاستشراق في مهمته هذه قد أتكأ على معلومات شعبية غربية قديمة ذات بعد مسيحي، مما كان له الأثر الكبير في تلقي الغرب للإسلام. بل الأثر الكبير لهذه الفجوة بين الغربي والإسلام قبل أن تنطلق حروب الفرنجة من الغرب إلى الشرق".وفي الكتاب الذي صدر عن دار بيسان للنشر في بيروت وجاء في 224 صفحة تحدث الباحث عن الحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمن، مشيرا إلى أن العلاقة بين الغرب والإسلام تشكلت من منطلق حربي ولا يزال هذان القرنان يحددان هذه العلاقة وفق ما يقول كل من أحمد الجهيني ومحمد مصطفى.ويشير المؤلف إلى أن الحروب الصليبية قد لعبت دورا لا يمكن تجاهله في تشويه صورة الإسلام، وقد استمر تيار الدعاية يتدفق ضد المسلمين بالأكاذيب إلى جميع أنحاء أوروبا، التي أمدت الحروب الصليبية بالمال والعتاد.وتحدث الكاتب عن التأثير الإيجابي الإسلامي على أوروبا، وذكر أن ذلك التأثير جرى تجاهله وقال "تجاهل هذا التأثير الإسلامي على أوروبا، يمكن أن يعد مظهرا من مظاهر الاستشراق، وهو كذلك مظهر من مظاهر التأريخ للنهضة
الأوروبية، ولكنه تجاهل لا يثبت أمام حقيقة أن للإسلام أثرا واضحا في هذه النهضة سعى جاك جودي وآخرون منصفون مثله إلى تأكيده"
.
"
هناك علماء من المستشرقين خدموا التراث الإسلامي بالتحقيق والدراسة والترجمة والحفظ والفهرسة
"
تجاهل التأثير الإسلامي
وأضاف أن تجاهل التأثير الإسلامي على أوروبا تبعه تجاهل الإسلام نفسه وقلة المكتوب عن الإسلام بموضوعية، حيث عمد الراغبون في التعرف على الإسلام إلى إسهامات بعض المستشرقين.

ويؤكد النملة أن الوقفات عن الاستشراق تركزت على اعتبار أن المستشرقين لم يكونوا جميعا مجرد علماء أكاديميين فحسب، بل كان منهم المستشارون لهيئات سياسية ودينية في الغرب وشغل رهط منهم مناصب رسمية في وزارات الحربية والخارجية والاستعمار إبان وجود الاستعمار ووجود وزارات له.وأضاف "لم يكن كل المستشرقين كذلك، بل كان منهم علماء خدموا التراث الإسلامي بالتحقيق والدراسة والترجمة والحفظ والفهرسة، لكن من الملاحظ أنه من غير الشائع في المنشور العربي عن الاستشراق في موقفه من الإسلام أن تقف على تركيز للبعد الحسن الإيجابي لهذه الخدمات، وهذا يعني مأخذا على هذه الفئة من الذين كتبوا نقدا للاستشراق ربما بافتراض أن الاستشراق كان كله ضررا على الإسلام وأنه خوّف الغرب من الإسلام". ورأى أن هناك سعيا إلى تصنيف دراسة المستشرقين للإسلام من منظور سلبي استنادا إلى العوامل التالية: وهي "الافتراضات المسبقة والادعاء المتعمد والخطأ في الاستنتاج، وتوارث الآراء والتجزئة، وعدم الدقة في استعمال المصطلحات واستخدام صيغ الشك والتعميم".

http://www.aljazeera.net/news/pages/...4-17caaace3c56