ما أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عصا التّرحال في طيبة حتى ألتف حوله أصحابه وتحلق به أحبابه وبايعوه على السمع والطاعة ونزعوا أيديهم من كل القيادات القديمة فاضمحلت وتلاشت وأفلت شمسها إلا قيادته صلى الله عليه وسلم فقد تمكنت من القلوب وتعمقت في الأفئدة وانجفل الناس إليه صلى الله عليه وسلم تفدّيه بالآباء وترخص دونه الأرواح فشعرت بعض القيادات أن بساط الملك ينسحب من تحت أرجلهم شيئا فشيئاً ولم يكن بمقدورهم صد جيش الحق وإيقاف زحفه وأن لهم الوقوف في وجه المدينة بأسرها فما كان منها إلا أن أظهرت الإيمان قولاً وأبطنت الكفر وعملت جاهدة في خلخلة الصف الواحد وتمزيق اللحمة وكان عبدالله بن أبي ابن سلول كبيرهم الذي حمل على عاتقه مجابهة الدعوة الإسلامية ومواجهتها فما فتئ ينخر في سفينة الإسلام وتمزيق شراعها ويستغل كل فرصة مواتية من نزاع أو اختلاف بين الصحابة تفرضه طبيعة البشر إلا دسّ سمه فيه وضخّم أمره وطار به كل مطار وقد تفطّن أسيد بن حضير ووصف مكمن الداء عند ابن سلول فقال: يا رسول الله ، ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا ‏.‏يتكرر ابن سلول كلما قويت شوكة الحق وعلى صيته ورأى أن ملكه الزائف قد تهرّى ولا يمتلك الشجاعة الكافية للصدع بقوله ينثني للمكر والخديعة وتأليب الرعاع وبث الفرقة بغية الإطاحة بالحق والعدل دون التخلي عن زيء الصلاح فهل لازال في الأمة ابن سلول ؟