تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    المسألة الأولى:
    الضبط لغة: لزوم شيءٍ لا يفارقه([1]).
    والضابط عند المحدثين؛ هو: الذي يَقِلُّ خطؤه في الرواية([2]).
    كيفية معرفة ضبط الراوي:
    قال ابن الصلاح – رحمه الله -:
    ((يُعْرَفُ كَوْنُ الرَّاوِي ضَابِطًا بِأَنْ نَعْتَبِرَ رِوَايَاتِهِ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاةِ الْمَعْرُوفِينَ بِالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ، فَإِنْ وَجَدْنَا رِوَايَاتِهِ مُوَافِقَةً - وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى - لِرِوَايَاتِهِم ْ، أَوْ مُوَافِقَةً لَهَا فِي الْأَغْلَبِ وَالْمُخَالَفَة ُ نَادِرَةُ، عَرَفْنَا حِينَئِذٍ كَوْنَهُ ضَابِطًا ثَبْتًا، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ كَثِيرَ الْمُخَالَفَةِ لَهُمْ، عَرَفْنَا اخْتِلَالَ ضَبْطِهِ، وَلَمْ نَحْتَجَّ بِحَدِيثِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))([3]).


    [1])) ((العين)) (7/23).

    [2])) ((توجيه النظر إلى أصول الأثر)) لطاهر الجزائري (1/105).

    [3])) ((المقدمة)) (138).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    المسألة الثانية:
    الضبط ضبطان:

    1- ضبط صدر. 2- ضبط كتاب.
    قال يحيى بن معين – رحمه الله -: ((هما ثبتان ثبت حفظ وثبت كتاب، وأبو صالح كاتب الليث ثبت كتاب))([1]).
    وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ((والضَّبْطُ ضبطان:
    ضَبْطُ صَدْرٍ: وهُو أَنْ يُثْبِتَ ما سَمِعَهُ بحيثُ يتمكَّنُ مِن استحضارِهِ مَتى شاء.
    وضَبْطُ كِتابٍ: وهُو صيانَتُهُ لديهِ مُنذُ سمِعَ فيهِ وصحَّحَهُ إِلى أَنْ يُؤدِّيَ منهُ))([2]).
    والمقصود: أنَّ مِنَ الرواة مَنْ رُزِقوا قوة الحفظ؛ بحيث إنهم يُتقنون ما سمعوه، ويستطيعون استحضارَه متى شاءوا ؛ فهؤلاء يُعْتَمَدُ على ما يروونه من حفظهم، ومِنَ الرواة مَنْ لم يُرزق هذه القوة في الحفظ؛ وإنما كتبوا ما سمعوه في كُتُبٍ مُصَحَّحَةٍ، محفوظةٍ، مُصَانةٍ من التلاعُبِ فيها، فهؤلاء يُقْبَلُ منهم ما يروونه من كتبهم.
    قال الإمام ابن رجب – رحمه الله -:
    ((واختلف العلماء أيضا في التحديث من الكتاب إذا كان المحدث لا يحفظ ما فيه، وهو ثقة:
    فقال مالك: لا يؤخذ العلم عمن هذه الصفة صفته، لأني أخاف أن يُزاد في كتبه بالليل.
    وحُكِيَ أيضا عن أبي حنيفة - رحمه الله.
    ورخص طائفة في التحديث من الكتاب لمن لا يحفظ، منهم: مروان بن محمد، وابن عيينة، وابن مهدي، ويحيى بن معين، وغيرهم.
    وهذا إذا كان الخطُّ معروفًا موثوقًا به، والكتاب محفوظا عنده.
    فإن غاب عنه كتابُه ثم رجع إليه، فكان كثير منهم يَتوقَّى الروايةَ منه خشية أن يكون غُيِّرَ فيه شيء، منهم: ابن مهدي وابن المبارك والأنصاري.
    ورخص فيه بعضهم، منهم: يحيى بن سعيد.
    وقال أحمد في رجل يكون له السماع مع الرجل: أَلَهُ أن يأخذ بعد سنين؟
    قال: لا بأس به إذا عَرَفَ الخَطَّ.
    قال أبو بكر الخطيب: إنما يجوز هذا إذا لم يَرَ فيه أثرَ تغيير حادث من زيادة أو نقصان، أو تبديل وسكنت نفسه إلى سلامته.
    قال: وعلى ذلك يحمل كلام يحيى بن سعيد.
    قال ابن رجب: قلت: وكذا إن كان له فهم ومعرفة بالحديث، وإن لم يحفظه.
    وقد قال أبو زرعة - لما رُدَّ عليه كتابُه، ورأى فيه تغييرًا -: أنا أحفظ هذا، ولو لم أحفظه لم يكن يخفى عليَّ.
    وقد قال أحمد في الكتاب قد طال على الإنسان عهده، لا يَعْرِفُ بَعْضَ حروفه فيخبره بعض أصحابه، ما ترى في ذاك؟ قال: إذا كان يعلم أنه كما في الكتاب فليس به بأس، نقله عنه ابن هانئ))([3]).
    وروى ابن أبي حاتم عن الحُمَيْدِيِّ قال: ((الحميدي قال من اقتصر على ما في كتابه فحدث به ولم يزد فيه ولا ينقص منه ما يُغَيِّرُ معناه ورجع عما يُخَالَف فيه بوقوف منه عن ذلك الحديث، أو عن الاسم الذي خُولِفَ فيه من الإسناد، ولم يُغَيِّرْهُ، فلا يُطْرَحُ حديثُه ولا يكون ضارًا ذلك له في حديثه؛ إذا لم يُرْزَقْ من الحفظ والمعرفة بالحديث ما رُزِقَ غَيْرُه إذا اقتصر على كتابه ولم يقبل التلقين))([4]).
    ثم مِنَ الرواة مَنْ جمع بين الضبطين –ضبط الصدر، وضبط الكتاب- فمن كان كذلك فله أن يروي مِنْ حفظه أو مِنْ كتابه، وإن كان الأولى له الرواية مِنْ كتابه.
    قال عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: «لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا مِنْ كِتَابٍ وَلَنَا فِيهِ أُسْوَةٌ»([5]).
    قال ابن الصلاح - رحمه الله -:
    ((الحِفْظُ خَوَّانٌ، ولذلكَ امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أعلامِ الحفَّاظِ مِنْ روايةِ ما يَحْفَظونَهُ إلاَّ مِنْ كُتُبِهِمْ، مِنْهُم: أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ - رضي الله عنهم – أجمعينَ))([6]).


    [1])) ((تهذيب التهذيب)) ( 5/260)

    [2])) ((نزهة النظر)) (58، 59).

    [3])) ((شرح العلل)) (511، 512).

    [4])) ((تقدمة الجرح والتعديل)) (1/ 2/ 27).

    [5])) أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) رقم (1030).

    [6])) ((المقدمة)) (342).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    المسألة الثالثة:
    أسباب الطعن في الضبط
    خمسةٌ:
    وهي الأسباب التي متى وُجِدت، جميعُها أو أحدُها في راوٍ طُعِنَ في ضبط هذا الراوي، ولم تُقْبَلْ منه مرويَّاتُه.
    1- فُحْشُ الغلط: أي: كَثْرَتِه([1]).
    والمقصود: أن يكثُر خطأُ الراوي حتى يَغْلِبَ جانبَ إصابته؛ وهذا يُبيِّن أنها مسألة نسبية؛ فقد يكون راوٍ (ما) مكثرًا في الرواية؛ بحيث إنه روى الآلاف من الأحاديث؛ فمثل هذا لو أخطأ في عشرة أحاديث، أو عشرين حديثا، أو أكثر من ذلك، فهي نسبة قليلة إذا ما قُورنت بما أصاب فيه.
    وأما إنْ كان الراوي مُقِلًّا في الرواية؛ بحيث إنك لا تكاد تجد له من الروايات إلَّا القليل؛ فالعشرة بالنسبة لما رواه تكون كثيرة.
    قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
    ((وَأما الْغَلَط فَتَارَة يكثر من الرَّاوِي وَتارَة يقل؛ فَحَيْثُ يُوصف بِكَوْنِهِ كثير الْغَلَط ينظر فِيمَا أخرج لَهُ؛ إِن وجد مرويا عِنْده أَو عِنْد غَيره من رِوَايَة غير هَذَا الْمَوْصُوف بالغلط علم أَن الْمُعْتَمد أصل الحَدِيث لَا خُصُوص هَذَا الطَّرِيق، وَإِن لم يُوجد إِلَّا من طَرِيقه فَهَذَا قَادِح يُوجب التَّوَقُّف عَن الحكم بِصِحَّة مَا هَذَا سَبيله، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح من هَذَا شَيْء))([2]).
    ومما يدخل – أيضًا – تحت الفحش في الغلط: أن يكون الراوي قليل الخطأ؛ ولكنه إذا أخطأ أخطأ خطئًا فاحشًا يدل على قلة ضبطه.
    من ذلك؛ راوٍ اسمه (أيمن بن نابل).
    جاء في ((سؤالات الحاكم للدارقطني))([3]):
    ((قلت: (فأيمن بن نابل)، قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ خَالف النَّاس، وَلَو لم يكن إِلَّا حَدِيث التَّشَهُّد([4])! خَالفه اللَّيْثُ وَعَمْرو بن الْحَارِث وزَكَرِيا بن خَالِد عَن أبي الزبير)).
    تنبيه:
    ليس الخطأ في أسماء الرجال كالخطأ في المتون؛ بل هي أهون وأخفُّ ضررًا؛ ولذلك فإن أئمة النقد لا يطعنون في الراوي ولا يتهمونه بسوء الحفظ لمجرد خطأه في أسماء الرجال؛ ما دام أنه يحفظ المتون ويتقنها.
    قال الدارقطني في ((العلل)): ((كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال كثيرًا لتشاغله بحفظ المتون))([5]).
    قلت: فمن ذلك؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ((سَمِعت أبي يَقُول: أَخطَأ شُعْبَة فِي حَدِيث عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان، فَقَالَ: يُوسُف بن مَاهَك، وَهُوَ خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ ابن مِهْرَان))([6]).
    وقال - أيضا -: ((حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا يزِيد بْن هَارُون قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَة عَن أَبِي بكير عَن زِيَاد بْن حدير قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أَكثر يستاك وَهُوَ صَائِم من عُمَر قَالَ أَبِي: وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو نهيك فَأَخْطَأَ شُعْبَة فِيهِ فَقَالَ: أَبُو بُكير))([7]).
    وقال – أيضًا -: ((قَالَ أبي: أَخطَأ شُعْبَة فِي اسْم خَالِد بن عَلْقَمَة، فَقَالَ: مَالك بن عرفطة، وَأَخْطَأ - أَيْضا - فِي سَلْم بن عبد الرَّحْمَن فَقَالَ: عبد الله بن يزِيد، قلب اسْمه، وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي اسْم أبي الثورين فَقَالَ: أَبُو السِّوار؛ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو الثورين))([8]).
    قلت: ومع هذا لم يتكلم أحد من الأئمة في هذا الإمام العَلَم، ولم يتهمه أحد بسوء الحفظ؛ وإنما هذا لأسباب:
    منها؛ أنَّ الخطأ في الأسماء أمرُه هيِّنٌ ،كما تقدم.
    ومنها؛ أنه مكثر في الرواية جدًا؛ بحيث أنه روى – رحمه الله – آلاف الأحاديث، فهذه الأخطاء تُعَدُّ قليلة بالنسبة لِمَا روى.
    ومنها؛ أنه كان متقنًا للمتون.


    [1])) ((نزهة النظر)) (107).
    [2])) السابق
    [3])) (187).
    ([4]) ذكره الترمذي في ((العلل الكبير)) رقم (105): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ , حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ: سَمِعْتُ أَيْمَنَ بْنَ نَابِلٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. . . وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ. فَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. هَكَذَا يَقُولُ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ خَطَأٌ.
    [5])) نقله عنه ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (4/ 346).
    [6])) ((العلل ومعرفة الرجال))، رواية عبد الله (2/ 157).
    [7])) السابق (2/ 171).
    [8])) السابق (1/ 516).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    2- غفلة الراوي: عَرَّف الإمامُ الحميديُّ - رحمه الله – الغفلةَ، فقال: ((فإن قال: فما الغفلة التي ترد بها حديث الرجل الرضا الذي لا يُعْرَفُ بكذب؟
    قلت: هو أن يكون في كتابه غلط، فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه ويُحَدِّثُ بما قالوا، أو يُغَيِّرُهُ في كتابه؟ لقولهم، لا يَعْقِلُ فَرْقَ ما بين ذلك، أو يصحف تصحيفًا فاحشًا فَيَقْلِبُ المعنى، لا يعقل ذلك فَيُكَفُّ عنه، وكذلك من لُقِّنَ فَتَلَقَّن))([1]).
    قلت: فمن أمثلة التصحيف:
    روى الخطيب عن أَبي الْعَيْنَاءِ، قَالَ: ((حَضَرْتُ مَجْلِسَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُغَفَّلِينَ ، فَأَسْنَدَ حَدِيثًا، فَقَالَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ جِبْرِيلَ، عَنِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَيْخَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَإِذَا هُوَ قَدْ صَحَّفَهُ، وَإِذَا هُوَ: عَزَّ وَجَلَّ))([2]).
    تنبيه:
    لا يُتهم الراوي بالغفلة لمجرد وقوع التصحيف منه في النادر؛ وإنما إذا أكثر من ذلك؛ وإلا فقد وقع التصحيفُ من بعض الثقات، ولم يتهمْهم الأئمة بالغفلة لمجرد وقوع ذلك منهم.
    قال السخاوي - رحمه الله -: ((وَلِأَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيِّ الَّذِي اتَّفَقَ السِّتَّةُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَيُلَقَّبُ الزَّمِنَ([3]) ; حَيْثُ جَعَلَ (أَوْ شَاةٌ تَنْعَرُ) بِالنُّونِ بَدَلَ الْيَاءِ. وَلِأَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِ يِّ، حَيْثُ جَعَلَ (قَرَّ الدَّجَاجَةِ)([4]) بِالزَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ الْمَضْمُومَةِ بَدَلَ الدَّال الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ.
    وَلِغُنْدَرٍ حَيْثُ جَعَلَ أُبَيًّا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: (رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ): (أَبِي)؛ بِالْإِضَافَةِ، وَأَبُو جَابِرٍ كَانَ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أُحُدٍ. وَلِشُعْبَةَ حَيْثُ جَعَلَ (ذَرَّةً) بِالْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ (ذُرَةً) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ))([5]).
    قلت: ومع ذلك لم يتكلم أحدٌ في هؤلاء الأئمة.
    ومِنْ أمثلة مَنْ يقبل التلقين؛ سواء في الكتب أو مشافهة:
    (عبد الحميد بن ابراهيم الحضرمي الحمصى أبو تقى).
    قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ((سمعت أبى قال: ذُكِرَ لى أبو تقىٍّ عبد الحميد بن ابراهيم، فقال: كان في بعض قرى حِمْصَ فلم أخرج إليه، وكان ذُكِرَ أنه سمع كُتُبَ عبد الله بن سالم عن الزبيدى إلا أنها ذهبت كتبه، فقال: لا أحفظها، فأرادوا أن يعرضوا عليه، فقال: لا أحفظ، فلم يزالوا به حتى لان، ثم قَدِمْتُ حِمْصَ بعد ذلك باكثر من ثلاثين سنة فإذا قوم يروون عنه هذا الكتاب، وقالوا: عُرِضَ عليه كتاب ابن زِبْرِيق ولقَّنوه فحدثهم بهذا، وليس هذا عندي بشئ رجل لا يحفظ وليس عنده كتب))([6]).
    (مجالد بن سعيد الهمْذاني).
    قال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: ((وأما مُجَالِد بن سعيد الهمْذانيُّ الكوفيُّ، فليس هو بالحافظ أيضًا، قد ضعفه غير واحد.
    قال يحيى بن سعيد: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، فعل، يشير إلى أنه كان يقبل التلقين))([7]).
    والراوي المغفل مطعون فيه، لا يُقْبَلُ حَدِيثُه، قال الإمام الترمذي – رحمه الله -: ((فَكل من رُوِيَ عَنهُ حَدِيثٌ مِمَّن يُتَّهَم أَو يُضَعَّف لِغَفْلَتِه وَكَثْرَة خطئه وَلَا يعرف ذَلِك الحَدِيث إِلَّا من حَدِيثه فَلَا يحْتَج بِهِ))([8]).
    فائدة:
    قال الإمام ابن رجب – رحمه الله -:
    ((وحاصل الأمر أن الناس ثلاثة أقسام:
    حافظ متقن يحدث من حفظه، فهذا لا كلام فيه.
    وحافظ نسي، فَلُقِّنَ حتى ذُكِّرَ أو تَذَكَّرَ حَدِيثَه من كتاب، فرجع إليه حِفْظُهُ الذي كان نَسِيَه وهذا أيضًا حكمه حكم الحافظ.
    وكان شعبة أحيانا يتذكر حديثه من كتاب.
    ومن لا يحفظ شيئا، وإنما يعتمد على مجرد التلقين، فهذا هو الذي منع أحمد ويحيى من الأخذ عنه))([9]).
    وكان الأئمة – رحمهم الله – يمتحنون الرواة؛ لينظروا؛ هل يقبلون التلقين، فيتركونهم، أم هم متقنون متثبتون، فيأخذون عنهم؟
    من ذلك:
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ: ((خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَادِماً لَهُمَا قَالَ: فَلَمَّا عُدْنَا إِلَى الكُوْفَةِ قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: أُرِيْدُ أَنْ أَختَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ. فَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ تُرِدْ فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ، قَالَ يَحْيَى: لاَ بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً فَكَتَبَ فِيْهَا ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشرَةٍ مِنْهَا حَدِيْثاً لَيْسَ مِنْ حَدِيْثِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاؤُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى دُكَّانِ طِيْنٍ، وَأَخَذَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيَحْيَى عَنْ يَسَارِهِ وَجلَسْتُ أَسْفَلَ الدُّكَّانِ.
    ثُمَّ أَخْرَجَ يَحْيَى الطَّبَقَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ فَلَمَّا قَرَأَ الحَادِيَ عَشَرَ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي اضرِبْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّانِيَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ حَدِيْثِي فَاضرِبْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الثَّالِثَ، ثُمَّ قَرَأَ الحَدِيْثَ الثَّالِثَ، فَتَغيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ وَانقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: أَمَّا هَذَا - وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِه ِ- فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا –يُرِيْدُنِي - فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَاكَ، وَلَكِنْ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا فَاعِلُ، وَأَخْرَجَ رِجْلَهُ فَرَفَسَ يَحْيَى فَرَمَى بِهِ من الدُّكَّانِ، وَقَامَ فَدَخَلَ دَارَهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ليَحْيَى: أَلَمْ أَمْنَعْكَ، وَأَقُلْ لَكَ: إِنَّهُ ثَبْتٌ، قَالَ: وَاللهِ لَرَفْسَتُهُ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفْرَتِي))([10]).


    ([1]) رواه عنه ابن أبي حاتم في ((تقدمة الجرح والتعديل)) (1/ 33، 34).
    [2])) ((الجامع لأخلاق الراوي)) رقم (625).
    ([3]) قيل: لُقِّب بالزمِن؛ لمرض مزمن كان عنده.
    ([4]) عن عَائِشَة رضي الله عنها: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ». أخرجه البخاري (6213)، ومسلم (2228).
    و(قَرَّ الدَّجَاجَةِ)؛ قال النووي: أي: صَوْتُهَا إِذَا قَطَّعَتْهُ، يُقَالُ: قَرَّتْ تَقُرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا فَإِنْ رَدَّدَتْهُ قُلْت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنِّيَّ يَقْذِفُ الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ الْكَاهِنِ فَتَسْمَعُهَا الشَّيَاطِينُ كَمَا تُؤْذِنُ الدَّجَاجَةُ بِصَوْتِهَا صَوَاحِبَهَا فَتَتَجَاوَبُ)). ((شرح مسلم)) (14/ 226).
    [5])) (فتح المغيث) (4/ 59).
    [6])) ((الجرح والتعديل)) (6/ 8)، ((تهذيب الكمال)) (16/ 408).
    [7])) ((شرح علل الترمذي)) (419).
    [8])) ((العلل الذي في آخر الجامع)) (739).
    [9])) ((شرح العلل)) (511).
    [10])) ((سير أعلام النبلاء)) (8/308) ((تهذيب التهذيب)) (8/274).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    3- وَهَمُ الراوي: الوهم: الغلط والسهو؛ يقال: وَهِمَ؛ أي: غَلِط وسَهَا([1]).
    فإن كان الراوي يخطئ كثيرًا استوجب هذا الطعن فيه وتركه، وإن كان الخطأ منه قليلًا فهذا لا يستوجب الطعن فيه؛ وإنما يطعن الأئمة في هذا القليل الذي أخطأ فيه.


    [1])) ((لسان العرب)) (12/ 644).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    4- مخالفة الراوي: فإن كان دأبُ الراوي مخالفة الثقات الأثبات دل هذا على سوء حفظه، وَطَعَنَ الأئمةُ في ضبطه، وأما إن كانت المخالفة منه قليلة ونادرة، فهذا لا يؤدي إلى الطعن فيه هو، أو في ضبطه؛ وإنما فقط يطعن الأئمةُ في هذه الأحاديث التي خالف فيها الثقات.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مسائل متعلقة بالضبط عند المحدِّثين

    5- سوء حفظ الراوي: عَرَّفَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ – رحمه الله - سَيِّئَ الحفظ بقوله: والمُرادُ بهِ: مَنْ لم يَرْجَحْ جانبُ إِصابتِه على جانِبِ خَطَئهِ([1]).
    وَسُوءُ الحِفْظِ عَلَى قِسْمَين:
    الأول: أَنْ يَكُونَ لَازِماً للرَّاوي في جَميعِ حالاتِه؛ أي: أَنْ يكون الراوي سيِّئَ الحفظِ من بدايته؛ لم يكن حافظًا يومًا ما.
    الثاني: أن يكون سوءُ الحفظِ طارِئًا على الرَّاوي؛ إِمَّا لِكِبَره، أَو لذَهابِ بصرِه، أَوْ لاحتِراقِ كُتُبِه أَو عدَمِها، بأَنْ كانَ يعْتَمِدُها فَرَجَعَ إِلى حفظِهِ فساءَ فهذا هو المُخْتَلِطُ.
    والحُكْمُ فيهِ: أَنَّ ما حَدَّث بهِ قَبْل الاختلاطِ إِذا تَمَيَّز قُبِل، وإِذا لم يَتَمَيَّزْ تُوُقِّفَ فيهِ، وكذا مِن اشتَبَهَ الأمرُ فيهِ، وإنما يُعرف ذلك باعتبارِ الآخذين عنه([2]).
    قال الإمام ابن حبان - رحمه الله -:
    ((وأما المختلطون في أواخر أعمارهم؛ - مثل: الجُرَيريِّ وسَعِيدِ بن أبي عَرُوبة وأشباهِهِمَا - فإنَّا نروي عنهم في كتابنا هذا، ونحتج بما رووا إلَّا أنَّا لا نعتمد مِنْ حديثِهم إلَّا ما رَوَى عنهم الثقاتُ مِنَ القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، وما وافقوا الثقات في الروايات التي لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى؛ لأنَّ حكمهم - وإنِ اختلطوا في أواخر أعمارهم، وحُمِلَ عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالتهم - حُكْمُ الثقة إذا أخطأ؛ أنَّ الواجب تركُ خطئه إذا عُلِمَ، والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطىء فيه، وكذلك حُكْمُ هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقاتِ، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سمعاهم منهم قبل الاختلاط سواء))([3]).


    [1])) ((نزهة النظر)) (138).

    [2])) السابق.

    [3])) ((مقدمة صحيحه)) (1/ 161).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •