تطبيقات الأندرويد .. وتطبيقاتنا ! .
الروبوت أو الرجل الآلي الذي يظهر في الهواتف الذكية ، ترميز لنظام الأندرويد الذي إبتكرته الشركة الأمريكية جوجل ، وقد بات يستخدم في خمسمئة مليون جهاز في العالم ، وبلغ مجموع ما تم تحميله عليه خمسة وعشرين ملياراً من المرات ! .

من الناس من يشتم الغرب ودول العالم الأول لفسادهم وفسقهم واستعمارهم للمسلمين ردحاً من الزمن . ومنهم من يمدحهم ويثني عليهم لاختراعاتهم وابتكاراتهم العظيمة التي أصلحوا بها كثيراً من أحوال الناس بفضل الله وتسخيره .

يحار العقل في جَلَد الغرب وتفانيهم لاستثمار الغالي والنفيس لإعمار الأرض وتشيِّيدها بلا كلل أو ملل .

ومن الطرائف أن الأوروبيين عندما استعمروا الأمريكيين في القرن الخامس عشر الميلادي واستولوا على أراضيهم ، أدخلوا إليهم فيروسات الحصبة والجدري والطاعون فأبادت الآلاف منهم ! .
لكن الأمريكيين لم يخلدوا إلى الحسرة والندامة والاحباط ، بل درسوا وسهروا وعملوا وسابقوا حتى سبقوا العالم في الحضارة والتقدم الصناعي والتقني .

وأول برآءة اختراع تُسجَّل في التاريخ كانت للعالم الأمريكي جون ربنشو كارسون ، سنة 1333ه ، قبل الحرب العالمية الأولى .

والأمريكيون لم يكتشفوا النفط صدفة ، بل بعد التعب والنصب وحرث الأرض ، فقد كانوا يبحثون عن الملح في باطن الأرض سنة 1261ه ، فدلَّهم ذلك على النفط ، فكان سواد النفط مع بياض الملح يدعو للتجربة والفحص ، فحينئذ عرفوا قيمته وتم تكريره والافادة منه .

ويقاس عليه كثير من الاختراعات والاكتشافات العالمية ، كالكهرباء والادوية والانترنت وغيرها ، كلها ظهرت بعد الدراسة والتمحيص والتجارب .

فالواجب على المسلم أن يتفكر في هذه الطاقات البشرية وكيف تولدت وأنتجت هذا المجد الشامخ ، ولا يضرنا كفرهم وإلحادهم ، فهو على أنفسهم ولا يعنينا في شي . والعدل والانصاف يُحتِّمان علينا الاعتراف بجدِّهم وجَلَدهم وتفوقهم واستثمارهم لأوقاتهم ومحبتهم للعلم والعمل .
والحيره والتردُّد في إنصافهم أمارة على الهوى وظلم النفس ، وقد قال الشاعر :

إذا حــار أمـرك فى معنييـــن ... و لم تـدر حيث الخطـأ و الصــواب
فخــالف هــواك فـإن الهــــوى ... يقـــود النفــوس إلى مـا يعــــاب

أتذكر حين كُنَّا في المدارس الابتدائية في حصة القراءة ، نتمنى من المعلِّم أن يشرح لنا حياة أديسون ونيوتن وجراهام بل ، وغيرهم من مشاهير العلماء في الاختراعات التقنية ، ليس إعجابا بذواتهم، وإنما تقديرا لشغفهم بالعلم والتحدِّي والصبر على مرارة وقسوة الحياة في ذلك الوقت .
من روائع أديسون قوله : ""والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف، وشخص لا يمكنني خذلانه " . وكان يقول :" أنا لم أفعل أيَّ شيء صُدفة ولم أخترع أيَّا من اختراعاتى بالصدفة ، بل بالعمل الشاق " .

وقال أيضا : " اكتشفت مليون طريقة لا تُؤدِّي لاختراع البطارية ، وحاولت تسعة وتسعين مرة لصناعة المصباح الكهربائي" ! .

وقد أنصف عمرو بن العاص (ت: 43هـ ) رضي الله عنه الأوروبيين وشهد بفضائلهم العقلية والحسية ، مع البغض القلبي لانحرافهم عن الحق ، فقد ثبت عنه قوله عنهم:" إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكينٍ ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك" . أخرجه مسلم .

حدثني أحد الأخوة ممن عاش في أوروبا أنهم عنصريون وفيهم أنفة ، لاختلاق أعراق بعضهم عن بعض ، لكنهم في أعمالهم يكدحون بروح الفريق الواحد، ويعين بعضهم بعضاً بلا كلل أو ملل .
إن تطبيقات المسلمين اليوم في الحياة العامة بأنواعها المختلفة ضعيفة وهزيلة ،مع استفاضة النصوص المحكمة في الحث على العمل والصبر على آلآمه . والقاعدة الفقهية نصَّت على أن كسر العظم يوجب الحكومة ، وقد اتسع الكسر ، فإلى الله المشتكى .

وقد قيل في التاريخ : إن الضعف السياسي والعسكري سببه التخلُّف الصناعي . والدول الكبرى التي تستقوي على العالم اليوم ، تريد المجتمعات المسلمة لا تعرف إلا الزراعه فحسب ! .
والزراعة بالنسبة للمسلمين أهم من الصناعة وأوفر حظاً ، لكن الغرب احتكر كل ما يتعلق بها من مواد وتصدير، ليضمن الهيمنة على العالم الاسلامي ، وقد قيل قديما : ويل لأمة لا تزرع ما تأكل ! . وأخشى ما نخشاه أن يُضيِّع العالم الاسلامي الزراعة والصناعة ، فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ! .
إن التربية على التفكير والتصحيح والبحث الدؤوب ، مما عزَّ وجوده في مناهجنا ومدارسنا، وأضحى التقليد صفة لازمة لتعليمنا ومهاراتنا . وهذه فجوة في التعليم يجب ردمها وتسويتها ، فالصناعات شحيحة والابداع نادر ! .

مما أعجبني في النضال السوري للعصابة النصيرية _ شتَّت الله شملهم - ظهور بعض الاختراعات والطرق الدقيقة لتوليد الطاقة وتعويض النقص فيها ، وعدم الاستسلام للوهن والجزع ، فقد ألهب هذا النضال الطاقات الذهنية للشباب والشيوخ فأفادوا مجتمعهم وأهلهم بما يحتاجونه في حياتهم اليومية مما تعمَّد النصيريون حرمانهم منه .

كثير من الشيوخ وكبار السِّن اليوم ينصحون بإتقان حرفة أو مهنة يدوية ، حتى ولو كانت حقيرة ،لأن المسلم يعلم أن دولاب الحياة لا يستقر على حال ، فكثير من الناس اليوم لا يحسنون إلا الأكل والشرب ، وبعضهم يودُّ لو أن غيره كفاه مؤونة ذلك ! .

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما أرسل معاذاً ابن جبل إلى اليمن قال له :" إياك والتنُّعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعِّمين" . أخرجه الامام أحمد وصححه الألباني.
ونقل عن بعض السلف قوله :" اخشوشنوا فإن النِّعم لا تدوم " .

وختاماً فإن الأصول المطِّردة تُحتِّم علينا النظر والاعتبار بمن حولنا ، وأن نجدَّ في العمل ، فمن العيب أن يقال عن المسلمين إنهم يسيرون خلف القافلة ! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة

(منقول)