تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من جهود الإمام سليمان بن عبد الله في الرد على القبوريين وعدم العذر بالجهل للمشركين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2013
    المشاركات
    140

    افتراضي من جهود الإمام سليمان بن عبد الله في الرد على القبوريين وعدم العذر بالجهل للمشركين

    صاحب المقال فضيلة الشيخ أبو عاصم الغامدي حفظه الله


    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد : فهذا بحث جمعت فيه كلام العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى[1] في كتابه تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد حول عباد القبور والحكم عليهم بالشرك الأكبر وعدم إعذارهم بالجهل كما يقوله بعض من خالف منهج السلف في هذه المسألة وفيه فوائد أخرى كثيرة يرحل إليها وسأترك الكلام له دون تعليق إلا ماندر لوضوح كلامه رحمه الله وبالله التوفيق .


    قال –رحمه الله - : "فمن أشرك بين الله تعالى وبين مخلوق ـ فيما يختص بالخالق تعالى من هذه العبادات أو غيرها ـ، فهو مشرك. وإنما ذكرنا هذه العبادات خاصة؛ لأن عباد القبور صرفوها للأموات من دون الله تعالى، أو أشركوا بين الله تعالى وبينهم فيها، وإلا فكل نوع من أنواع العبادة، مَنْ صرفه لغير الله، أو شرك ـ بين الله تعالى وبين غيره فيه ـ، فهو مشرك قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} ..".تيسير العزيز الحميد : 25

    وقال –أيضا- : " وكانوا[2] يجعلون {مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً} ، [الأنعام، من الآية: 136] ، لله وللآلهة مثل ذلك، فإذا صار شيء من الذي لله إلى الذي للآلهة تركوه لها، وقالوا: الله غني، وإذا صار شيء من الذي للآلهة إلى الذي لله تعالى ردّوه، وقالوا: الله غني، والآلهة فقيرة

    فأنزل الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .وهذا بعينه يفعله عباد القبور، بل يزيدون على كل ذلك فيجعلون للأموات نصيبًا من الأولاد " . المصدر السابق : 25-26

    وقال –أيضا- : " النوع الثاني: شرك من جعل معه إلهًا آخر ولَمْ يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.
    ومن هذا شرك كثير مِمَّن يشرك بالكواكب العلويات، ويجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم. قلت: ويلتحق به من وجه شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، ويفرجون الكربات، وينصرون من دعاهم، ويحفظون مَنْ التجأ إليهم، ولاذ بحماهم، فإنّ هذه من خصائص الربوبية، كما ذكره بعضهم في هذا النوع." المصدر السابق : 26-27

    وقال –أيضا- : "التجرد من الشرك لا بدّ منه في العبادة، وإلا فلا يكون العبد آتيا بعبادة الله بل
    مشرك، وهذا هو معنى قول المصنف: إن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه " . المصدر السابق : 46

    وقال –أيضا- : "يجب إفراد الله تعالى بها، كالدعاء والخوف والمحبة، والتوكل والإنابة، والتوبة، والذبح، والنذر، والسجود، وجميع أنواع العبادة فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له، فمن صرف شيئًا مما لا يصلح إلا لله من العبادات لغير الله، فهو
    مشرك ولو نطق بـ: لا إله إلا الله، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص." المصدر السابق : ص:53

    وقال –أيضا- : "... الإله هو المعبود، خلافًا لما يعتقده
    عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات، ويظنون أنهم إذا قالوها بهذا المعنى، فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله، كدعاء الأموات، والاستغاثة بهم في الكربات، وسؤالهم قضاء الحاجات، والنذر لهم في الملمات، وسؤالهم الشفاعة عند رب الأرض والسموات، إلى غير ذلك من أنواع العبادات، وما شعروا أن إخوانهم من كفار العرب يشاركونهم في هذا الإقرار، ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع، ويعبدونه بأنواع من العبادات، فليهن أبو جهل وأبو لهب ومن تبعهما بحكم عباد القبور، وليهن أيضًا إخوانُهم عباد ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، إذ جعل هؤلاء دينهم هو الإسلام المبرور.ولو كان معناها ما زعمه هؤلاء الجهال، لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم نزاع، بل كانوا يبادرون إلى إجابته، ويلبون دعوته، إذ يقول لهم: قولوا: لا إله إلا الله، بمعنى: أنه لا قادر على الاختراع إلا الله. فكانوا يقولون: سمعنا وأطعنا.قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}. {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ ... } الآية، إلى غير ذلك من الآيات. لكنَ القومَ أهلُ اللسان العربي، فعلموا أنها تهدم عليهم دعاء الأموات والأصنام من الأساس، وتكب بناء سؤال الشفاعة من غير الله، وصرف الإلهية لغيره لأم الرأس، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 4. {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} . {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}. فتبًا لمن كان أبو جهل ورأس الكفر من قريش وغيرهم أعلم منه بـ: " لا إله إلا الله ". قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}. فعرفوا أنها تقتضي ترك عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بالعبادة، وهكذا يقول عباد القبور إذا طلبت منهم إخلاص الدعوة والعبادة لله وحده: أنترك سادتنا وشُفعاءنا في قضاء حوائجنا؟! فيقال لهم: نعم وهذا الترك والإخلاص هو الحق، كما قال تعالى: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} " . المصدر السابق : 54-56

    وقال –أيضا- : "" فلا إله إلا الله " اشتملت على نفي وإثبات، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى، فكل ما سواه من الملائكة والأنبياء فضلاً عن غيرهم، فليس بإله، ولا له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره، أي: لا يقصده بشيء من التأله وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة، كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك وبالجملة فلا يأله إلا الله، أي: لا يعبد إلا هو، فمن قال هذه الكلمة عارفًا لمعناها، عاملاً بمقتضاها، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به، فهذا هو المسلم حقًا، فإن عمل به ظاهرًا من غير اعتقاد، فهو المنافق، وإن عمل بخلافها من الشرك، فهو الكافر ولو قالها، ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرًا وهم {فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار} ، [النّساء، من الآية: 145] ، واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر، فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها، فإنها لا تنفعه، ولو قالها مائة ألف، فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله، كعباد القبور والأصنام، فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها، وما أشبهه من الأحاديث.

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: " وحده لا شريك له "، تنبيهًا على أن الإنسان قد يقولها وهو مشرك، كاليهود والمنافقين وعباد القبور، لما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قومه إلى قول: " لا إله إلا الله "، ظنوا أنه إنما دعاهم إلى النطق بها فقط، وهذا جهل عظيم، وهو عليه السلام إنما دعاهم إليها ليقولوها ويعملوا بمعناها، ويتركوا عبادة غير الله، ولهذا قالوا: {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}. وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}. فلهذا أبوا عن النطق بها وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين، ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد، ويتركوا عبادتها، ويعبدوا الله وحده لا شريك له، وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع.
    وأما عباد القبور فلم يعرفوا معنى هذه الكلمة، ولا عرفوا الإلهية المنفية عن غير الله الثابتة له وحده لا شريك له، بل لم يعرفوا من معناها إلا ما أقرّ به المؤمن والكافر، اجتمع عليه الخلق كلهم من أن معناها: لا قادر على الاختراع، أو أن معناها: الإله، هو الغني عما سواه، الفقير إليه كل ما عداه، ونحو ذلك، فهذا حق، وهو من لوازم الإلهية، ولكن ليس هو المراد بمعنى: " لا إله إلا الله "، فإن هذا القدر قد عرفه الكفار، وأقروا به، ولم يدعوا في آلهتهم شيئًا من ذلك، بل يقرون بفقرهم، وحاجتهم إلى الله، وإنما كانوا يعبدونهم على معنى أنهم وسائط وشفعاء عند الله في تحصيل المطالب ونجاح المآرب وإلا فقد سلموا الخلق والملك والرزق والإحياء والإماتة، والأمر كله لله وحده لا شريك له، وقد عرفوا معنى: " لا إله إلا الله "، وأبوا على النطق والعمل بها، فلم ينفعهم توحيد الربوبية مع الشرك في الإلهية، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.وعب اد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به، فصاروا كاليهود الذين يقولونها ولا يعرفون معناها، ولا يعملون به، فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بالحب والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب، ويقصده بأنواع العبادة الصادرة عن تأله قلبه لغير الله مما هو أعظم مما يفعله المشركون الأولون، ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله تعالى أعطاك ما شئت من الإيمان صادقًا أو كاذبًا، ولو قيل له: احلف بحياة الشيخ فلان، أو بتربته ونحو ذلك، لم يحلف إن كان كاذبًا، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أعظم في قلبه من رب الأرباب، وما كان الأولون هكذا، بل كانوا إذا أرادوا التشديد في اليمين حلفوا بالله تعالى، كما في قصة لقسامة التي وقعت في الجاهلية، وهي في "صحيح البخاري [3845] ".
    وكثير منهم وأكثرهم يرى أن الاستغاثة بإلهه الذي يعبده عند قبره أو غيره أنفع وأنجح من الاستغاثة بالله في المسجد، ويصرحون بذلك، والحكايات عنهم بذلك فيها طول، وهذا أمر ما بلغ إليه شرك الأولين، وكلهم إذا أصابتهم الشدائد أخلصوا للمدفونين في التراب، وهتفوا بأسمائهم، ودعوهم ليكشفوا ضر المصاب في البر والبحر والسفر والإياب، وهذا أمر ما فعله الأولون، بل هم في هذه الحال يخلصون ل {الكبير المتعال} ، فاقرأ قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ... } 1 الآية، وقوله: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} 2.وكثير منهم قد عطلوا المساجد وعمروا القبور والمشاهد، فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه، أخذ في دعاء صاحبه باكيًا خاشعًا ذليلاً خاضعًا، بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات وقيام الليل وإدبار الصلوات، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب والنجاة من النار، وأن يحطوا عنهم الأوزار، فكيف يظن عاقل ـ فضلاً عن عالم ـ أن التلفظ بـ: " لا إله إلا الله " مع هذه الأمور تنفعهم؟! وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم؟! ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين ونطق أيضًا بشهادة أن محمدا رسول الله ولم يعرف معنى الإله ولا معنى الرسول، وصلى وصام وحج، ولا يدري ما ذلك إلا أنه رأى الناس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئًا من الشرك، فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه قد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب " الدر الثمين في شرح المرشد المعين [ميارة] " من المالكية، ثم قال شارحه: وهذا الذي أفتوا به جلي في غاية الجلاء، لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى. ولا ريب أن عباد القبور أشد من هذا؟ لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين" المصدر السابق : ص: 56-58.

    وقال –أيضا- : "وقال النووي: أما دخول المشرك إلى النار، فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة من المرتدين والمعطلين، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك. وأما دخول من مات غير
    مشرك الجنة، فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولاً، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها، فهو تحت المشيئة، فإن عفا عنه دخل الجنة أولاً، وإلا عذب في النار ثم أخرج فيدخل الجنة." المصدر السابق: ص: 93
    قلت أبو عاصم: تأمل نقله –رحمه الله - عن النووي قوله : " ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره.." لتعلم خطأ وضلال من قال بالتكفير للمعاند فقط دون القول بالتكفير لغير المعاند[3] " .

    وقال –أيضا- : " أما قول الإنسان: " لا إله إلا الله " من غير
    معرفة لمعناها، ولا عمل به، أو دعواه أنه من أهل التوحيد، وهو لا يعرف التوحيد، بل ربما يخلص لغير الله من عبادته من الدعاء والخوف والذبح والنذر والتوبة والإنابة وغير ذلك من أنواع العبادات، فلا يكفي في التوحيد، بل لا يكون إلا مشركًا والحالة هذه، كما هو شأن عباد القبور. ثم ذكر المصنف آيات تدل على هذا فقال: وقول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الآية. قلت: يبين معنى هذه الآية التي قبلها، وهي قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ... } الآية.قال ابن كثير: يقول تعالى: قل للمشركين ادعوا الذين زعمتم من دونه من الأنداد، وارغبوا إليهم، فإنهم لا يملكون كشف الضر عنكم، أي: بالكلية، ولا تحويلاً، أي: أن يحولوه إلى غيركم، والمعنى: إن الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له" . ص: 110

    وقال –أيضا- : " ويكفي العاقل المنصف ما ذكره العلماء من كل مذهب في باب حكم المرتد، فإنهم ذكروا فيه أشياء كثيرة يكفر بها الإنسان، ولو أتى بجميع الدين. وهو صريح في كفر عباد القبور، ووجوب قتالهم إن لم ينتهوا حتى يكون الدين لله وحده، فإذا كان من التزام شرائع الدين كلها إلا تحريم الميسر أو الربا أو الزنا يكون كافرًا يجب قتاله، فكيف بمن أشرك بالله ودعي إلى إخلاص الدين لله والبراءة والكفر بمن عبد غير الله، فأبى عن ذلك، واستكبر وكان من الكافرين؟!" المصدر السابق : 119


    وقال –أيضا- : " قوله: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله". اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علق عصمة المال والدم بأمرين: الأول: قول: لا إله إلا الله. الثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لا بد من قولها والعمل بها

    قال المصنف: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه، فيا لها من مسألة ما أجلها! ويا له من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع! قلت: وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بدّ في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 1 والفتنة هنا: الشرك، فدل على أنه إذا وجد الشرك، فالقتال باق بحاله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً} 2 وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأمر بقتالهم على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خلي سبيلهم، ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيء منها، فالقتال باق بحاله إجماعًا. ولو قالوا: لا إله إلا الله.وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم علق العصمة بما علقها الله به في كتابه كما في هذا الحديث. وفي " صحيح مسلم ". عن أبي هريرة مرفوعًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".
    وفي "الصحيحين " عنه قال: "لما توفي رسول الله وكفر من كفر من العرب، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"5 لفظ مسلم. فانظر كيف فهم صديق الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد مجرد اللفظ بها من غير إلزام لمعناها وأحكامها، فكان ذلك هو الصواب، واتفق عليه الصحابة، ولم يختلف فيه منهم اثنان إلا ما كان من عمر حتى رجع إلى الحق.وكان فهم الصديق هو الموافق لنصوص القرآن والسنة.وفي " الصحيحين " أيضا عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". فهذا الحديث كآية براءة بيّن فيه ما يقاتل عليه الناس ابتداء، فإذا فعلوه، وجب الكف عنهم إلا بحقه، فإن فعلوا بعد ذلك ما يناقض هذا الإقرار والدخول في الإسلام، وجب القتال حتى يكون الدين كله لله، بل لو أقروا بالأركان الخمسة وفعلوها، وأبوا عن فعل الوضوء للصلاة ونحوه، ـ أو عن تحريم بعض محرمات الإسلام كالربا أو الزنا أو نحو ذلك ـ وجب قتالهم إجماعًا، ولم تعصمهم لا إله إلا الله ولا ما فعلوه من الأركان.
    وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، وأنه ليس المراد منها مجرد النطق، فإذا كانت لا تعصم من استباح محرمًا، أو أبى عن فعل الوضوء مثلاً بل يقاتل على ذلك حتى يفعله، فكيف تعصم من دان بالشرك وفعله وأحبه ومدحه، وأثنى على أهله، ووالى عليه، وعادى عليه، وأبغض التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله، وتبرأ منه، وحارب أهله، وكفرهم، وصد عن سبيل الله كما هو شأن عباد القبور، وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلا الله، وهو مشرك أنه يقاتل حتى يأتي بالتوحيد.ذكر التنبيه على كلام العلماء في ذلك فإن الحاجة داعية إليه لدفع شبه عباد القبور في تعلقهم بهذه الأحاديث وما في معناها مع أنها حجة عليهم بحمد الله لا لهم " . المصدر السابق: ص: 115- 117

    وقال –أيضا- : " قوله: "فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا،"، أي:- لأنه
    مشرك والحالة هذه، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.
    قال المصنف: فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة، والإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
    قلت: وفيه أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح أبدًا، ففيه رد على المغرورين الذين يفتخرون بكونهم من ذرية الصالحين، أو من أصحابهم، ويظنون أنهم يشفعون لهم عند الله، وإن فعلوا المعاصي وفيه أن رتب الإنكار متفاوتة فإذا كفى الكلام في إزالة المنكر لم يحتج إلى ضرب ونحوه. وفيه أن المسلم إذا فعل ذنبًا وأنكر عليه فتاب منه فإن ذلك لا ينقصه، وأنه ليس من شرط أولياء الله عدم الذنوب " .المصدر السابق : 125

    وقال –أيضا- : " وأما العزى فقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها، كما قال أبو سفيان يوم أحد: "لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: "الله مولانا ولا مولى لكم". وروى النسائي وابن مردويه عن أبي الطفيل قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئًا، فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى يا عزى فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها، تحفن التراب على رأسها فعمّمها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: تلك العزى" قال هشام [بن الكلبي] : وكانوا يسمعون منها الصوت. وقال أبو صالح [با ذام مولى أم هانئ] : "العزى نخلة كانوا يعلقون عليها السيور والعهن". رواه عبد بن حميد وابن جرير.

    فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين ما يفعله عباد القبور من دعائها، والذبح عندها، وتعليق الخيوط وإلقاء الخرق في ضرائح الأموات ونحو ذلك، فالله المستعان . " المصدر السابق : 142

    وقال –أيضا- : " قال ابن إسحاق في "السيرة": وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب، وتهدي لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده.
    قلت: هذا الذي ذكره ابن إسحاق من شرك العرب هو بعينه الذي يفعله عباد القبور، بل زادوا على الأولين. " . المصدر السابق : 143

    وقال –أيضا- : " إذا علمت ذلك فهذه النذور الواقعة من عباد القبور وأشباههم لمن يعتقدون فيه نفعًا أو ضرًا فيتقرب إليه بالنذر، ليقضي حاجته أو ليشفع له. كل ذلك شرك في العبادة، وهو شبيه بما ذكر الله عن المشركين في قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} روى ابن أبي حاتم في الآية. يعني: جعلوا لله جزءًا من الحرث ولشركائهم ولأوثانهم جزءًا، فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وقالوا: الله عن هذا غني، وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه.

    وعباد القبور يجعلون لله جزءًا من أموالهم بالنذر والصدقة، وللأموات والطواغيت جزءًا كذلك، وقد نص غير واحد من العلماء، على أن النذر لغير الله شرك." . المصدر السابق : 166

    وقال –أيضا- : " قوله: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها. إلخ". أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر الذي طلبوه منه، وهو اتخاذ شجرة للعكوف عندها، وتعليق الأسلحة بها تبركاً كالأمر الذي طلبه بنو إسرائيل من موسى عليه السلام حيث قالوا: (اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة) ، فإذا كان اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة، والعكوف عندها، اتخاذ إله مع الله مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها، فما الظن بما حدث من
    عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح، والنذر لهم، والطواف بقبورهم، وتقبيلها، وتقبيل أعتابها وجدرانها، والتمسح بها، والعكوف عندها، وجعل السدنة والحجاب لها؟! وأي نسبة بين هذا، وبين تعليق الأسلحة على شجرة تبركًا؟!
    قال الإمام أبو بكر الطرطوشي من أئمة المالكية: فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها.
    وقال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة في كتاب "البدع والحوادث": ومن هذا القسم أيضًا ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة، تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر، وفي مدينة دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحما خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق، سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث! ثم ذكر الحديث المتقدم، وكلام الطرطوشي الذي ذكرنا، ثم قال: ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبنياني رحمه الله تعالى أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد ابن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية، كان العامة قد افتتنوا بها يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد قالت: امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة، قال أبو عبد الله: فأنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها وأذن الصبح عليها ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسًا، قال: فما رفع لها رأس إلى الآن.
    قلت: أبو إسحاق الذي هدمها إمام مشهور من أئمة المالكية زاهد اسمه إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم، وكان الإمام أبو محمد ابن أبي زيد يعظم شأنه، ويقول: طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت، وكان القابسي يقول: الجبنياني إمام يقتدى به. مات سنة تسع وستين وثلاثمائة.
    وذكر ابن القيم نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله، ولو كانت ما كانت، ويقولون: إن هذا الحجر، وهذه الشجرة، وهذه العين تقبل النذر، أي: تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له." المصدر السابق : 147 ومابعدها .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2013
    المشاركات
    140

    افتراضي رد: من جهود الإمام سليمان بن عبد الله في الرد على القبوريين وعدم العذر بالجهل للمشرك

    وقال –أيضا- : " واعلم أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة كما حققه غير واحد منهم: شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما، ويراد به في القرآن هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما، وهما متلازمان.
    فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، فالمعبود لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرًّا ولا نفعًا كقوله: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}. وذلك كثير في القرآن يبين أن المعبود لا بد وأن يكون مالكًا للنفع والضر، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعى خوفًا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان. فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة. وبهذا التحقيق يندفع عنك ما يقوله عباد القبور إذ احتج عليهم بما ذكر الله في القرآن من الأمر بإخلاص الدعاء له.
    قالوا: المراد به العبادة، فيقولون في مثل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}. أي: لا تعبدوا مع الله أحدًا، فيقال لهم: وإن أريد به دعاء العبادة، فلا ينفي أن يدخل دعاء المسألة في العبادة، لأن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة، هذا لو لم يرد في دعاء المسألة بخصوصه من القرآن إلا الآيات التي ذكر فيها دعاء العبادة. فكيف وقد ذكر الله في القرآن في غير موضع. قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. وقال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ} 1. وقال تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}. وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}.
    وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ}. وقال تعالى: عن إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}. وقال عنه أيضًا: {وَأَعْتَزِلُكُ ْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... }. وقال تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} . وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً}. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الأِنْسَانُ كَفُوراً}. وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. وقال تعالى عن زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً}. وقال تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ}. وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}. فكفى بهذه الآيات نجاة وحجة وبرهانًا في الفرق بين التوحيد والشرك عمومًا وفي هذه المسألة خصوصًا.
    وقال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}. وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}2. وغير ذلك من الآيات.
    وفي الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى، منها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم". رواه مسلم "وقوله صلى الله عليه وسلم ينْزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ثم يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ". رواه البخاري ومسلم.

    [1] المتوفى عام 1233هـ
    [2] المشركون .
    [3] التكفير عند أهل السنة له ضوابطه الشرعية لاغلو ولاإفراط في الباب .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    17,333

    افتراضي رد: من جهود الإمام سليمان بن عبد الله في الرد على القبوريين وعدم العذر بالجهل للمشرك

    رحمه الله تعالى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •