أ.د بشار عواد معروف ?

اطلعنا على كتاب التفسير الكبير المنسوب الى ابي القاسم الطبراني 260« - 360هـ» تحقيق الشيخ هشام البدراني والمطبوع بدار الكتاب الثقافي في الاردن سنة م2008 في ستة مجلدات ، فتبين لنا بعد الدراسة المستقصية المتأنية ان هذا التفسير لا يمكن ان يكون لابي القاسم الطبراني ، وهو تفسير لاحد الحنفية المتأخرين ، وذلك للاسباب الآتية:

أولا: اقام المحقق بأن هذا التفسير للامام الطبراني استنادا الى ما جاء في النسخة الخطية الفريدة التي وقف عليها. ويلاحظ ان هذه الكتابة التي نسبت الكتاب الى الطبراني كتبت بخط حديث ربما لا يتجاوز المئة سنة الاخيرة ، وهو امر ظاهر لمن عرف الخطوط وطرائق رسم الحروف وعانى قراءة المخطوطات ، فهذا لا يقوم دليلا على صحة نسبة الكتاب ، فكثير من النسخ الخطية قد نُسبت غلطا الى مؤلفين معينين ثم تبين بعد البحث والتقصي خطأ تلك النسبة.

ثانيا: من المعروف ان ابا القاسم الطبراني من كبار المحدثين الملتزمين بذكر الاحاديث والاخبار بأسانيده ، وهو امر ظاهر في جميع كتبه التي وصلت إلينا ومنها معاجمه الثلاثة: الكبير والاوسط والصغير ، ومسند الشاميين والاحاديث الطوال والدعاء ونحوها ، ولم يُعرف عنه اي كتاب خالف فيه هذا المنهج ، فلماذا يخالف منهجه في هذا الكتاب فيذكر الاحاديث بغير اسناد؟ يضاف الى ذلك اننا لم نجد محدثا مرموقا قد ألف تفسيرا بغير اسناد ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبدالرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211هـ ، والطبريب المتوفى سنة 310هـ ، وابن ابي حاتم الرازي المتوفى سنة 327هـ ، وابن كثير المتوفى سنة 774هـ ، والسيوطي المتوفى سنة 911هـ وكتبهم مطبوعة منتشرة مشهورة ، فلماذا يشذ الطبراني عنهم فيورد الاحاديث من غير اسناد او تعليق وفيها عشرات الاحاديث التالفة والموضوعة؟،

ثالثا: من المعلوم ان الطبراني محدث مكثر ، وقد استوعب في كتبه الحديثية جل الاحاديث التي رواها بإسناده ، وفي هذا التفسير احاديث كثيرة جدا لا تُعرف من رواية الطبراني ، ولم يشر احد ممن جاء بعده ان الطبراني رواها ، ولا سيما تلك الاحاديث التي ساقها الثعلبي المتوفى سنة 427هـ في تفسيره ، فضلا عن بعض المخالفات الظاهرة في نسبة الحديث بين صحابي وآخر كما في «ج1 ص »306 حيث اورد الطبراني هذا الحديث في معجميه الكبير والاوسط عن واثلة بن الاسقع في حين ورد في هذا التفسير عن ابي ذر ، كما أشار المحقق نفسه.

رابعا: ان صاحب هذا التفسير حنفي المذهب وقد فَسر جميع آيات الاحكام الواردة فيه تفسيرا يتناغم مع الذهب الحنفي ، كما أيد ذلك العلامة الشيخ سعيد حجاوي حفظه الله تعالى ، وهو يسير في تفسيره على منهج اسلافه من علماء الحنفية ، والمعروف عن الطبراني انه حنبلي المذهب ، وقد ذكره المؤلفون لتراجم الحنابلة في كتبهم ومنهم ابن ابي يعلي في طبقات الحنابلة «ج2 49ص - »51 ، وقد ألف الطبراني كتابا في مناقب الامام احمد بن حنبل ، ذكره الذهبي في سير اعلام النبلاء «ج16 ص128» ، فضلا عن ان الذين ألفوا في تراجم الحنفية لم يذكروه في كتبهم ، ومنهم القرشي في الجواهر المضيئة ، والتميمي في الطبقات السنية ، واللكنوي في الفوائد البهية ، وطاش كبري زاده ، وعلي القاري وغيرهم من كونه من العلماء المعمرين المشهورين الذين يتفاخر بهم أصحاب كل مذهب فينسبونه إليهم ، فإذا كان الامر كذلك فكيف يقلب المحقق الحقائق ظهرا لبطن ويزعم ان الطبراني كان حنفيا ليتوافق قوله مع ما وجده في الكتاب من كون المؤلف حنيفا ، وهو صنيع لا يقول به من عنده ادنى علم بسير العلماء.

ومع كل ذلك فلو اردنا متابعة المحقق في ادعائه بحنفية الطبراني ، فهل يجوز ان يُبنى ذلك على كتاب واحد من كتبه هو هذا التفسير المزعوم ، وأين نذهب بكتبه الاخرى التي تظهر فيها حنبلية واضحة جلية لا سيما في العقائد؟

خامسا: ذكر الذهبي تفسير الطبراني في تاريخ الاسلام «ج8 ص144» ووصفه في سير اعلام النبلاء «ج16 ص128» بأنه كبير جدا ، وهذا الوصف لا ينطبق على المطبوع في ستة مجلدات متوسطة الحجم نصف الكلام فيها تعليقات وحواشي ، وقد رأى الذهبي امهات التفاسير الكبيرة ولم يصف الكثير منها بهذا الوصف ، مما يدل على ان تفسير الطبراني الكبير اكبر من هذا المطبوع بكثير.

سادسا: أقر المحقق بأنه أقام تحقيقه على نسخة فريدة كتبت في القرن العاشر الهجري وانه بذل الوسع ليقف على نسخة اخرى فلم يوفق ، ونحن نزيده علما بأن تفسير الطبراني «الكبير جدا» كما وصفه الذهبي لم يكن معروفا عند العلماء من المحدثين والمفسرين على حد سواء ، ودلالة ذلك ان احدا من العلماء الذين جاءوا بعده لم يصرح بالنقل منه ، مما يدل على انه فقد منذ مدة مبكرة جدا.

ومن المعلوم في علم تحقيق المخطوطات انه حينما تتوفر نسخة فريدة من اي مخطوط فلا بد عندئذ من البحث عن كل ما يعزز صحة نسبة النص الى مؤلفة ويثبت صحته ومن اكثر هذه الطرائق اهمية: البحث عن مناجم الكتاب ، وهي الموارد التي نقل منها المؤلف ، ثم الموارد التي نقلت عنه ممن جاء بعده ، فتقابل النقول مع النص فضلا عن طرائق اخرى لا مجال لبحثها في هذه العجالة.

والمهم في هذا ان احدا من المحدثين او المفسرين لم ينقل من هذا التفسير المزعوم للطبراني ، ولم يعزو إليه احد ممن جاء بعده على كثرتهم البتة ، فكيف يصح ذلك؟

سابعا: وعلى العكس من ذلك وجدنا صاحب هذا التفسير ينقل تصريحا من مصادر توفي اصحابها في المئتين الخامسة والسادسة ، مثل تفسير الثعلبي المتوفى سنة 427هـ ، وتفسير عبدالصمد بن محمود بن يونس الغزنوي ، وبدلا من ان يستدل المحقق بهذه النصوص الصريحة في النقل عن هذين المؤلفين فإنه حذف من النص جميع التصريحات بالنقل عنهما ليستقيم له الامر وبحجة واهية مفادها ان هذا ليس من النص وان الناسخ أدرجه فيه ، بل ذهب الى أبعد من ذلك فزعم ان الثعلبي هو الذي ينقل عن الطبراني ، وكلها دعاوى بلا دليل ، وعمل يرفضه البحث العلمي السليم والتحقيق الدقيق ، وإليك دلالات ذلك:

1 - ان الثعلبي - وكتابه مطبوع منتشر مشهور - لم يشر في موضع واحد من كتابه انه ينقل من الطبراني ، وكثير من النصوص الموجودة في هذا التفسير لم تأتً الا عنده ، فكيف يُعدل الى عكس الموضوع فيقال: انه نقل من الطبراني او ان الناسخ ادرج كلامه من غير تصريح ولا دليل.

2 - لو ان النقل عن هذين الكتابين في حاشية النسخة لهان الامر ، اما ان ينقل منهما في المتن ثم يحذف التصريح بحجة الادراج فهذا امر لم نعهده في التحقيق الدقيق وهو غلط محض «ينظر مثلا ج1 145ص هـ1 ، ج2 20ص هـ3 ، وص59 هـ1 ، وص346 هـ3 ، 380و هـ3 ، وج3 465ص وج5 197ص و504».

3 - في نص التفسير الذي زُعم انه للطبراني احاديث نسبها العلماء الى الثعلبي ولم ينسبها احد البتة الى الطبراني ، فمن ذلك ما نقله مؤلف هذا التفسير من تفسير الثعلبي في فضل سورة يوسف ، حديث ابي بن كعب رضي الله عنه انه قال: «علموا ارقاءكم سورة يوسف «ج3 ص464» ، قال ابن كثير في تفسيره بعد ان اورده: «رواه الثعلبي وغيره» «تفسير ابن كثير 2 ـ »488 ، فلو كان هذا من رواية الطبراني لصرح به ابن كثير ، وهو العليم بالطبراني وكتبه ولما نسبه الى الثعلبي المتأخر ، وهو امر يدل دلالة اكيدة على ان مؤلف هذا التفسير نقله من تفسير الثعلبي.

4 - ومثله ما جاء في هذا التفسير في فضائل سورة الرعد «ج4 ص5» ، قال الزيلعي في تخريج الكشاف: «اخرجه الثعلبي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ابي بن كعب وابن مردويه والواحدي بإسناد واه» - كما نقل محققه الفاضل - فلو كان في تفسير الطبراني «الحنفي فيما زعم المحقق» فلماذا لم يعزه الزيلعي الحنيف الى الطبراني وعزاه الى غيره؟ ومثله حديث ابي في فضل سورة ابراهيم «ج4 ص39» وهو حديث معروف للثعلبي «5 ـ »304 ، ومنه في فضل سورة الكهف «ج4 ص197» وهو عند الثعلبي «6 ـ »144 ولم يعزه احد الى الطبراني،

5 - ومنه ما جاء في «ج3 ص161»: «وعن عبدالرحمن بن السائب «كذا» قال: بين الركن والمقام وزمزم تسعة وتسعين «كذا» نبيا ، وان قبر هود وشعيب وصالح واسماعيل في تلك البقعة».

فهذا النص المحرف مذكور في تفسير الثعلبي «4 ـ »250 وهو معروف ، ولم يعزه احد الى الطبراني ، ولكن تحرف عند المحقق في موضعين: الاول في نسبة القول الى عبدالرحمن بن السائب ، وقد حرفه المحقق مع انه جاء في المخطوط «السائط» وهو اقرب الى الصحة لان صوابه «السابط» فهو عبد الرحمن بن السابط المتوفى سنة 118هـ وهو من رجال التهذيب 17 ـ 123 - 128 ، وقد روى له مسلم والاربعة وهو مترجم في تاريخ الاسلام 3 ـ 272 وغيره ، وقد حرفه المحقق فقال في تعليقه: «في المخطوط عبدالرحمن بن السائط ، وهو تحريف ، والصحيح عبدالرحمن بن السائب اخو عبدالله بن السائب ، قتل يوم الجمل ، ترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب الرقم 1425»، فلا ندري على اي شيء استند في هذا الترجيح مع ان النص جاء على الصواب في المصدر الذي أحال عليه وهو تفسير الثعلبي،

ثم لا ندري كيف أعرب «تسعة وتسعين» فالمفروض ان تكون بموجب هذا النص: «تسعة وتسعون» ولكن سقطت من النص لفظة «قبر» وهي ثابتة في تفسير الثعلبي الذي ينقل منه المؤلف وأحال عليه ، فيكون الصواب: «فبر تسعة وتسعين» ، كما في تفسير الثعلبي الذي ينقل صاحب هذا التفسير ، ولا وجه في كل حال الى نصب «تسعة» كما فعل المحقق ، ومثل هذه الامور على عدم دقة المحقق ومجازفته في كثير من اقواله.

وخلاصة القول: ان هذا التفسير لحنفي متأخر ، ولا يمكن ان يكون لابي القاسم الطبراني بأي حال من الاحوال.

? الاستاذ في كلية اصول الدين
رابط الموضوع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...372#post787372