حديث : لو أننى أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها .
القصة كاملة من مسند الإمام أحمد :
حدّثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن حفص ، عن عمه أنس بن مالك قال: «كان أهل بيت الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا، فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحية، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار: يا نبي الله، إنه قد صار مثل الكلب الكلب، وإنا نخاف عليك صولته، فقال: ليس عليّ منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك؟ فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها،
الخطأ الذى وقع فيه الفاهمون لهذا الحديث هو إقتطاعه من سياقه .... وإهمال المناسبة التى قيل فيها .. فهذا الحديث له قصة ..... وقصته ـــ على إختلاف الراويات ــــ مفادها أن الصحابة رضوان الله عليهم أرادوا السجود للرسول صلوات الله عليه وسلامه إعترافاً بحقه ..... ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض ذلك ... وأوضح أنه لو كان ينبغى لبشر أن يسجد لبشر إعترافاً بحقه ــ كما يظنون ــ لأمر المرأة بأن تسجد لزوجها فحقه عليها من أعظم الحقوق والإعتراف به من أوجب الموجبات .... ولكنه لم يفعل ذلك .. لأن الإعتراف بالحق لا يجوز أن يكن بهذه الطريقة ... ولو كان هذا الحق عظيماً.
هذا كل ما فى الأمر ....... وليس معنى الحديث : أن رسول الله صلوات الله عليه وسلامه ود لو أمر النساء بالسجود لأزواجهن لولا أن السجدة لا تجوز لغير الله تعالى ......
والدليل على ذلك :
أولاً : سياق الحديث نفسه ومناسبته ..... فالمتأمل له يرى أنه لم يكن مقاماً لذكر حقوق الزوج أو فضله ..... ولكل مقام مقال ...... وكان رسول الله صلوات الله عليه وسلامه أفصح الناس وأبلغهم .
ثانياً : لو كان هذا الفهم صحيحاً .... فلماذا لم يأمرهن بما هو أدنى من ذلك وما ليس فيه حرمانية ؟
كتقبيل القدم أو اليد أو حتى الرأس ؟؟!! ..... أليس هو نفسه من ود لو أمرهن بالسجود لأزواجهن؟
كذلك فقد صح عنه أنه أمر رجلاً بلزوم قدم أمه .... فقال : أأمك حية ؟ فقال : نعم .... قال : فإلزم قدميها فثم الجنة ...... وعندما سأل إمرأة : أذات زوج أنتِ ؟ قالت : نعم .. قال : فأين أنتى منه ؟ قالت : لا ألوه إلا ما عجزت عنه .. فقال : فانظرى أين أنتى منه فإنه جنتك ونارك ....... ولم يأمرها بلزوم قدميه أو شئ من هذا القبيل .
بل قد ورد فى الصحيح أنه أمر الصحابة بالوقوف لسعد بن معاذ رضى الله عنه قائلاً : قوموا لسيدكم.
ولم يأمر المرأة بأن تفعل ذلك مع زوجها .
سؤال :
ولماذا ذكر المرأة وزوجها بالذات؟ .... لماذا لم يقل مثلاً : لأمرت الإبن أن يسجد لأبيه ؟ أو لأمه ؟
والجواب :
لأن إحترام الإبن لأبيه و أمه وإعترافه بحقهما نابع من الحب الذى يشاطره الرهبة .... بينما إحترام الصحابة للرسول صلوات الله عليه وسلامه وإعترافهم بحقه ورغبتهم فى السجود له نابع من المحبة الخالصة والتراحم فيما بينهم .... وهكذا يكون إعتراف المرأة بحق زوجها وإحترامها له .
وكذلك فقد أكدت الشريعة على حسن صحبة الوالدين لا الإعتراف بحقهما ... فحقهما لا يقبل الإنكار أصلاً .... يكفى أنهما السبب فى وجودنا فى الحياة ... بينما كثيرات هن اللواتى ينقصن حق الزوج ويجحدنه لذلك كان أكثر أهل النار نساءاً فجاءت الشريعة مؤكدة على الإعتراف بحق الزوج وعدم إنكاره دون غيره من الحقوق .... فجعل أولى الناس بحسن الصحبة الأم ثم الأب وجعل أولى الناس بالإعتراف بالحق وعدم جحوده الزوج .
فائدة :
ولكن المخطئين فى فهم هذا الحديث الشريف لهم عذرهم :
أولاً : شهرة هذا الشطر من الحديث دون القصة التى قيل فيها .
ثانياً : إستدلال العلماء بهذا الحديث على عظم حق الزوج .... وهو إستدلال فى محله ... ففعلاً حق الزوج عظيم وإلا لما كان الإعتراف به من أوجب الموجبات .... بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الإعتراف بحقه هو وبين الإعتراف بحق الزوج ...... نعم كان هذا على سبيل التمثيل .. والإقتران لا يعنى التساوى ... و لكن هذه القرينة فى حد ذاتها تدل على عظم حق الزوج .... وإلا لكانت لحناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن .. والأهم أنه نص على ذلك فى ذيل الحديث فقال : لعظم حقه عليها أو لما جعله الله عليها من الحق .
وحتى لو كان معنى الحديث كما يفهمه الناس ...... وهو أنه صلى الله عليه وسلم كاد أن يأمر النساء بالسجود لأزواجهن ..... فالسجود الذى يقصده ..... غير السجود الذى نفهمه ... فهو ليس سجود العبودية والإذلال ...... بل هو سجود الإحترام والإعتراف بالحق ليس إلا... فهذا هو السجود الذى أراده الصحابة رضوان الله عليهم ورفضه الرسول صلى الله عليه وسلم وحرمه .... حيث أن السجود فى حد ذاته بغض النظر عن مغزاه ... صار حركة من حركات الصلاة بل ركناً من أركانها ..... فصار محرماً لغير الله لا يجوز بحال .