تفسير سورة الواقعة

بقلم - فالح الحجية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الارْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الاوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الاخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (25) إِلا قِيلًا سلامًا سَلامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لامَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَ ّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَ ّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لاصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الاوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الاخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الاوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الاوَّلِينَ وَالاخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لا كِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاتَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَولا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّه ُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلا مٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 96)
الحمد لله \ الواقعة هي القيامة فاذا وقعت الواقعة وتحققت القيامة هذا الامر العظيم والواقعة العجيبة التي تخلب الالباب وتدهش العقول فلا يوجد من يكذب بها او احد يفكر ان يكذب بها . فقد وقعت اوحان وقوعها فهي في حد ذاتها ممكنة الوجود او الوقوع فاذا وقعت وتحقق الوقوع فامرها عظيم وفيها وما قدره الله تعالى لعباده من الثواب للعابدين المطيعين والعقاب للكافرين والضالين .
فهي اي القيامة بحد ذاتها ترفع ناسا وهم المؤمنون وتخذل ناسا اي تخفضهم وهم الكافرون
فالقيامة تقع على كل شيئ فاذا زلزلت الارض وارتجفت خوفا وارتجت رجا وهلعا بحيث تتزلزل الجبال الراسيات وفتتحرك بقدرة الله العظيم لتتحول بما فيها من صخور واهوال وعجائب الى اتربة مسحوقة تفتت اجزاءها حتى تصبح بسيسا وهو الغبار المقام من ارجل الغنم اثناء سيرها متطايرا خلفها في الهواء او يكون هباءا منبثا اي غبارا منتشرا في الجو او اشبه بالغبار الذي نراه من كوة في سقف المنزال عندما تضربه اشعة الشمس ناعما متحركا . وهكذا هي الواقعة .

فاذا وقعت الواقعة انقسم الناس ثلاثة اصناف باذن الله تعالى اثنان في الجنة وواحدة في النار :
الاول : المبعدون عن رحمة الله تعالى وهم الكافرون وهم اصحاب المشأمة وهم صنف لا اعتبار لهم عند ربهم وجعلهم اصحاب المشأمة لشؤمهم او لان صحائف اعمالهم تسلم لهم يوم القيامة في ايديهم الشمال او اليسرى .
الثاني : فهو المؤمنون وهم الذين تعطى صحائف اعمالهم في حياتهم الدنيا بايديهم اليمين او اليمنى وهي من البركة واليمن .
والثالث : هم السابقون السابقون بالايمان فهم الذين سبقوا الى الايمان والطاعة من غير تردد وحازوا الكمال في العلوم اليقينية ومراتب التقوي والصلاح الواقعة بعد الايمان وقيل هم الانبياء والرسل عليهم السلام حيث انهم مصدر الايمان من الله تعالى وموصليه لعباده جميعا . فهم حلقة الوصل بين العبد وربه فهم المسارعون الى عمل الخير الذين رفعت درجاتهم واعتلت منازلهم في جنات النعيم .

وقد ذكر الله تعالى ان عددهم من الامم السابقة كثير وعددهم من امة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم قليل حيث انهم الصفوة من بين كل الامم وبما ان الامم السابقة كثيرة فانهم كثير وان امة محمد صلى الله عليه وسلم امة واحدة فهم قليل بالمقارنة امة الى الامم السابقة وهؤلاء من لهم مرتبة السبق والقربى فلا ينال درجتهم الا القليل فقد رضي الله عنهم فاخلصو ا الايمان لله تعالى حيث خافوا الوقوف بين يديه في يوم القيامة فالتزموا الطاعة والتزموا الطريق السوي واجتنبوا النواهي والمكاره فاعد الله تعالى لهم كل انواع النعيم وحباهم بكل الخير والسعادة والرفاه وقد ذكر الله تعالى انهم جالسون في الجنة على اسرّة وارائك مصفوفة متجاورة موشاة بخيوط الذهب ومرصعة بالدر والياقوت جميل شكلها بهيج منظرها متكئين عليها في غبطة وسرور في انس تام مكتمل وبشر ظاهر في وجوههم متقابلين يتسامرون فيما بينهم ويطالع احدهم وجه اخيه فيرى فيه نضرة النعيم .

وقد هيأ الله تعالى من يخدمهم ويمشي بين ايديهم غلمان مخلدون في عمرالصبا وريعان الشباب ولايكبرون فيصيبهم الهرم في نضارتهم ثابتون وببهجتهم ونشاطهم ساهرون على خدمتهم فيقدمون اليهم كل ما يحتاجونه من شراب في كؤوس رائعة الصنعة واباريق يحملونها بايديهم وفي هذه الاباريق والكؤوس يسقونهم الماء من عيون وانهار ماؤها عذب زلال سائغ شرابه ولبن طازج لم يتغير طعمه ابدا وعسل مصفى خالص وخمرة فيها لذة للشاربين لا يصيبهم جراء شربها وتعاطيها اوجاع في الراس ولا فقدان في العقل – كما يحدث للشارب اذا شرب خمرة الحياة الدنيا – وتبعث فيهم الراحة والنشاط واالبهجة والمسرة ويقدمون لهم كل ما يختارون من انواع الثمار والفاكهة ما تشتهيه انفسيهم وتلذ به اعينهم ويسارعون في تغذيتهم بما يريدون من لحم طير وهو افضل واجود انواع اللحوم واحسنها لجسم الانسان فيطعمونها كيفما شاؤوا ومتى ما ارادوا .

ويأنسون بنساء من الحورالعين تفرغن لهم يحبنّهم محبة الوفاء و الشوق و الوداد والاخلاص خلقن لهم خاصة فهن جميلات كاملات الحسن و الجمال والخلق الرصين بيض الوجوه كالاقمار واسعة عيونهن في اطرافهن حلاوة طويلات الاهداب في سواد متميز جمعن كل الملاحة والصباحة والنفاسة ناصعات البياض باسمات الوجوه حمر الخدود في عيونهن حور مهيب حور مقصورات في الخيام خلقن لهم خاصة لم يمسسهن قبلهم اي فرد من جن اوانس كانهن لؤلؤ مكنون باكرات غير ثيبات .

اما اقوالهم واحاديثهم فيما بينهم فلا فيه فحش ولا سقط كلام ولا عنف ولا سخرية فهم لا يقولون ولا يتحدثون الا بلهجة سلسة وكلام جميل سلام في سلام وتحياتهم مباركة . تطمئن القلب وتسرالفؤاد كل يبتدئ اخاه في تحية الاسلام السلام عليكم .

اما الصنف الاخر من اصحاب الجنة فقد وصفهم الله تعالى بانهم اصحاب اليمين فهم في افضل حال واحسن مآل شأنهم عظيم وقولهم كريم قد تاب الله تعالى عليهم وغفر لهم ماتقدم من ذنوبهم وتجاوز عن سيئاتهم وصفح عنهم ورضى عنهم وهم الذين ثقلت موازين حسناتهم وخفت موازين سيئاتهم فاثابهم الله فوزا عظيما .

فهم من اصحاب الجنة في مساكن طيبة في جنات عدن يعيشون في ظل ظليل واشجار مورقة من سدر ( نبق ) اوراقها واسعة تفيئ عليهم بظلها وكثرتها ترف رفيفا لينا وتحدث نسيما طيبا اثمرت واينعت فثمارها مختلفة الالوان والاحجام في كل غصن وعود كانها في اشجارها الورود او يواقيت حمر او درر بيض لم تمس او نجوم ساطعة في سماء صافية تمايلت اغصانها وتعانقت فروعها وخضد شوكها فلا اشواك فيها فهي لا تؤذي الايدي و لا الاجسام . وبين هذه الاشجار الكريمة الكبيرة الظلال اشجار من نخيل طلحها منضود وطعمها موجود وعذوقها ناضجة متدلاة بين ايديهم . وقد وجدت في بعض التفاسير انها اشجار من ثمر الموز نضدت اثمارها وتراصت اغصانها في اعذاقها بعضها فوق بعض . ومن بين هذه الاشجار تجري انهار وعيون ماؤها غدق عذب فيه لذة للشاربين فهم يعيشون بين هذه الاشجار متنعمين بكل انواع الثمار فهم في سدر مخضود وطلح منضود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة لهم ولا ممنوعة .عليهم دانية في جميع الاوقات والمواسم .

وقد انعم عليهم بالحور العين وجعلهن فراشا لهم اي ازواجا يقمن بخدمتهم ويسهرن على محبتهم وراحتهم قد غرس محبتهم في قلوبهن وافئدتهن يقمن بامتاعهم بالمؤانسة انشاهن الله تعالى خاصات لهم باكرات غير ثيبات لم يمسهن انس قبلهم لا جان كلهن في عمر الصبا والشباب لا يشبع المرء من كلامهن و حسنهن وجمالهم و الاجتماع بهن يملكن قلوبهم بحسن الطباع و معسول القول وجمال العشرة وبشاشة الوجه وسحرالعيون ورقة الطباع . فهم في نعيم دائم وظل قائم وفرح وسرور وزرق وحبور . لهم ما يشاؤون ولدى الله تعالى لهم من مزيد الخير والسعادة والهناء .

وهم في عددهم كثير. كثير من الامم السابقة لكثر ة هذه الامم وكثير من امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نتيجة اعمالهم الصالحة
وشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لهم وشفاعة الشافعين من هذه الامة المرحومة من شهداء واولياء وصالحين وصديقين ومن منّ الله تعالى عليهم بحق الشفاعة منهم فيكون عددهم كثير كثير .

اما الصنف الاخر من الخلق فهم اصحاب المشأمة والمشأمة من الشؤم وقيل اصحاب الشمال وهي اليد اليسرى اي الذين يتسلمون صحائف اعمالهم بايديهم اليسرى وهم مخالفون لاصحاب اليمين . فهم يسيرون على كل امر مخالف لما امرالله تعالى به فهؤلاء وصفهم الله تعالى بانهم يقرأؤن في صحائفهم التي ستعطى لهم يوم القيامة قبيح اعمالهم وسور مصيرهم فهم في عذاب شديد طويل لا ينتهي ابدا وحالهم سوء في سوء وعيشهم نكد وشقاء فهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون يقيمون في ريح شديدة الحر تنفذ من مسامات جلودهم الى داخل اجسادهم وبين اوصالهم فتوخزهم اشبه بأبر موخزة شديد الوخز وان شربوا ما ءا لعطشهم القاتل يشربونه ماءا حميما حارا يغلي في البطون لكنه لايطفئ ضمأهم بل يقطع منهم الامعاء فيحرقها واما اذا قاموا في ظلال فهي من دخان حار قا تم يملأ الجو اختناقا والعيون حرقة وظلاما والصدور حرجا ونارا يسؤم الجسم و يعنت النفس كريه الرائحة قبيح الشكل وفيه عذا ب اليم هو جزء من العذاب المعد لهم و لسوء اعمالهم في الحياة الدنيا حيث كانوا ينعمون بالمال الحرام والمتاع الحرام والربا الحرام والسحت الحرام والسلب والنهب وسفك الدماء والبغي والاثم بغير الحق والعدوان . كما كانوا يخاصمون الله تعالى ولا يؤمنون به تعالى ولا باليوم الاخر ولم يستجيبوا للانبياء والرسل الدعين لطاعة الله تعالى وعبادته واصروا على الكفر والشرك والفسوق والعصيان وتيقنت انفسهم ان لا حياة من بعد الموت فلا قيامة ولا بعث ولا جزاء ويتعجبون اذ يقولون ااذا متنا وفارقت ارواحنا اجسادها وصارت جثثا هامدة تدفن في الارض فتطويها القبور وتأكلها الاتربة وتصبح جزءا من تراب ثم تنعدم القبور و تذهب فكيف تعود الينا الحياة وننهض احياءا من جد يد ثم نقدم للمعاد و للحساب ان هي الا حياتنا الدنيا نحيا ونموت ويهلكنا الدهر .

وتحقيقا للحق الذي لا مراء فيه انهم واباءهم والاولين والاخرين سيبعثون في يوم القيامة جميعا بهذا اليوم العظيم سيحاسبون حسابا شديدا وسيكون نصيبهم نارجهنم التي كانوا بها يكذبون . وسيعذبون عذابا شديدا فيكون طعامهم الزقوم وهي شجرة تنبت في اصل الجحيم اي باطنها شكلها قبيح المنظر ملعون كانه رؤوس الشياطين كريهة رائحته شديدة مرارته فيأكلون منه لجوعهم حتى تمتلئ منه البطون فيشعرون بضمأ شديد فيبحثون عن ماء فيجدون سائلا من صديد – وهم الدم الفاسد الذي يتكون من قيح الدمامل والجروح المتعفنة - شديد الحرارة يغلي غليان الحميم فيشربونه - كما تشرب الابل العطشى الهالكة من العطش حين تجد الماء - حيث يشربونه بنهم شديد لكنه لا يروي لهم ضمأ فهم في ضمأ خالدون وهذا هو نزلهم يوم الدين اي يوم القيامة .

ثم يبين الله تعالى للناس في صيغة الخطاب انه تعالى خلقهم من نطفة امشاج وطوّر هذه النطفة الى علقة ثم تكون مضغة ثم ينشؤها نشأ اخر فيضع الروح فيها في الشهرالرابع من الحمل وا وجب عليهم التصديق بذلك ( فلولا تصدقون ) .

والله سبحانه وتعالى اوجب عليهم الموت بعد الحياة من النطفة وقدر اعمارهم فكل بما قدر فقدر ان يموت الانسان وهو في بطن امه وهو طفل وهوشاب في ريعان الصبا وعز الشباب وهو كهل وهو في مرحلة الشيخوخة كل يموت في اجله المكتوب له (كل من عليها فان) فكل ما تحت التراب تراب . والله تعالى غالب على امره وقادر عليه ثم يعيدهم الى الحياة من بعد الموت وهذا ما ضربه الله تعالى مثلا للناس وانه تعالى قادر على ان يعيدهم مرة اخرى وخاصة ان الخلق اصعب من المعاد والصناعة الاولى اشد من الاعادة فهذا مصنوع وذاك معاد والمعاد يعاد من نفس المواد التي صنع منها اول مرة اذن فمواد الاعادة موجودة وسهلة في الاعادة .

ثم الله تعالى يبين في مثل اخر في كيفية انبات الزرع فوق الارض هل البشر ينبته ام الله تعالى فيبين لهم ان البشر لا يملك قدرة الانبات ولا النمو انما قدرته تتعلق في حرث الارض ونثر البذر والباقي فالله تعالى ينبت البذرة ويبعث الحيا ة فيها ثم يهيج الزرع فيكون زرعا اخضرا يسر الناظرين ثم يكون حطاما وهشيما تذروه الرياح فلا يحصلون على ما يتمنون من زرع وحبوب وثمار فان شاء اغدق عليهم الخير والعطاء بنعمته فيكسبون الحب والثمار وان شاء الله تعالى جعله ذابلا ثم جافا ثم هشيما تتناثره الرياح فتذهب اتعابهم جفاء فلا يحصلون غير التعب والنصب فلا حظ لهم فيه ولا نصيب فعند ذلك يقولون نحن محرومون .

وبين الله تعالى لهم افلا يعلمون ان هذا الماء الذي يشربونه قد انزله الله تعالى من المزن وهو المطر الشديد المصحوب بالبرق والرعد وجعله ماءا زلالا عذبا لم يتغير طعمه سائغا للشاربين ولو شاء الله تعالى لجعله ماءا مالحا او فيه مرارة في طعمه اجاجا فيحرق الفم والحلقوم . فهل هم شاكرون هذه النعمة العظيمة .

وبين الله تعالى انه جعل لهم هذه النار التي يستعملونها في امورهم وطعامهم وشرابهم قد انشأ لهم شجرتها وجعلها لهم تذكرة و متاعا وفائدة وقيل ان هناك شجرا في الجزيرة العربية اسمه ( المرخ ) واخر اسمه (العفار) فلو قد ح او احتك احدهما بالاخر لأشتعلت النار وقدحت وقد استعملها اهل الجزيرة العربية في حلهم وترحالهم كما جعلها تذكرة تذكرهم في نار جهنم واحتراق اجساد الكافرين بها وقيل ان هذه النار قوتها وحدتها هي جزء من مائة جزء من حدة نار جهنم .

وفي الحقيقة ان هذه النار قد اصبحت قدرة يسيّر بها الانسان القاطرات والطائرات والباخرات في البر والجو والبحر و يستخدمها في المأكل والطبخ والشي والقلي وفي تنضيج الطعام وغيرها من الاستخدامات الكثيرة الواسعة فهي من نعم الله تعالى على الانسان فليسبح هذا الانسان بحمد ربه ويذكر آلاء الله تعالى ونعمه الكثيرة عليه وليقل (سبحان ربي العظيم وبحمده ).

ثم يتبع كل هذا بقسم منه سبحانه وتعالى بمواقع النجوم عند طلوعها وغروبها وجريانها في افلاكها ومداراتها وما اعظمه من قسم : ان القرآن كتاب كريم فما هو بسحر ولا كهانة ولا يمكن ان يفتريه احد من خلقه بل هو قرآن كريم لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حميد مجيد جعله الله تعالى معجزة لحبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجا ينتهجه المؤمنون والمسلمون . تشريع جامع لكل البشر جامع للبيان والحكمة محفوظ في اللوح المحفوظ لا ينقص منه حرف ولا يزيد كتاب كريم كرّمه الله تعالى بان لا تمسه الشياطين ومحرم عليهم ولا تمسه الملائكة
الا المطهرون منهم و لا تمسه الناس الا المؤمنون والمسلمون وعلى طهارة فقط . فهو تنزيل من رب العالمين .

ا بهذا القرآن العظيم يكذبون ويقولون عليه افكا ويدهنون فيه اي يكذبون وينافقون بعد ان رزقهم الله تعالى هذا الكتاب الكريم وجعله غذاء الروح والفكر والقلب .

ثم يبين الله تعالى لعباده جميعا احوا لهم عند الموت والموت هو القيامة الصغرى فاذا دنى اجل احد منهم وقربت لحظة موته او ساعته واخذته سكرات الموت وكانما بلغت روحه حلقومه او كادت تخرج منه والناس حوله جلوس من الاهل والاقارب ينظرون اليه ولا يقدرون على فعل اي شيء له من مسك روحه واعادتها في جسده اومنعها من الخروج منه او لا يسلموه الى الموت رغم حبهم بقاؤه على قيد الحياة وحرصهم الشيد على بقائه حيا بينهم يتلمسونه بايديهم لكن نحن اقرب اليه منكم واعلم باحواله وقدرة الله تعالى عظيمة في امره فستخرج روحه وانتم لا تشعرون بها حيث تنتزع منه من قبل الملك الموكل بقبض الارواح فلا تبصرونه ولا تدركونه فتخرج روحه ويبقى جسدا هامدا وانتم تنظرون اليه وتفقدونه لحظة خروج الروح من جسده وهكذا تقبض كل روح من ارواحكم ولستم بقادرين على اعادة الروح الى الجسد او فعل اي شيئ يبقيها فيه فانتم عاجزون عن ذلك غير قادرين فالله تعالى هو القادر والمتصرف بعباده وهو على كل شيء قدير.

فاذا خرجت الروح من الجسد وقامت القيامة الصغرى لهذا الانسان بالموت وضح السبيل من ان البشر مملوك لله تعالى تحت سلطانه وقهره وقدرته فاذا كان من المقربين فله الراحة والضوان والفرح الابتهاج والرزق الكريم والعيشة الراضية في حياته البرزخية والمنزل الطيب في دار السعادة و الرضوان في الجنة يوم القيامة الكبرى حين يبعث الله تعالى الخلق لنيل الثواب وجزاء العقاب واما ان كان من اصحاب اليمين فله السلام والسلامة من اي مكروه فيها والخطاب لسيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم اي لك السلام والامان وانهم اي اصحاب اليمين سالمون مما يضيرهم ولا تراهم الا كما تحب وترجوه من الله تعالى لهم واما ان كان من المكذبين الضالين فموقعهم مقاساة الجحيم وطعامهم الحميم وقد شرحناه سابقا .

وهذا الذي انزله الله تعالى في هذه السورة من القرآن الكريم لهو الحق الثابت والخبر اليقين والعلم المعلوم الذ ي لا شك فيه ولا ريب فهو حق اليقين . وحق اليقين هو العلم المجرد من من كل التباس وشبهة والمطابق للواقع .

وقيل ان علم اليقين هو ما اثبت من غيراستعمال الحواس كالسمع والبصر والذوق والشم واللمس .

وقيل عين اليقين : هو اليقين الحاصل من استعمال هذه الحواس
وحق اليقين : هو علم يقيني مفروض الوجود لا ينفك عن صاحبه كالعلم بوجود النفس في الانسانفهو كما اسلفت العلم المجرد من كل التباس وشبهة ومطابق للواقع .

ومن المفيد ان اذكر انه جاء في الحديث الشريف قيل ( لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال اجعلوها في ركوعكم . ولما نزلت ( سبح اسم ربك الاعلى ) قال: ( اجعلوها في سجودكم . ) ) وهكذا وجدتا في الصلاة وثبتتا فيها .

والحمد لله رب العالمين .

فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز




****************************** ****