السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في كتاب لمصطفى السباعي - رحمه الله - ذكر بأنّ المستشرق جولد تسيهر قال بأنّ أحد كتب المؤرخين نسبت إلى الزهري -رحمه الله - قوله : "إن هؤلاء الأمراء أكرمونا على كتابة أحاديث " . وروى السباعي كيف أنّ المسألة استغرقت منه جهدا ووقتا حتّى يكتشف أنّ جولد تسيهر قد حرّف كلام المؤرّخ! فقد روى المؤرّخ على لسان الزهري " على كتابة الأحاديث" في حين المستشرق نقل:كتابة أحاديث بدون ألّ التعريف ولايخفى على أحد مدى الاختلاف الجوهري الذي نشأ نتيجة هذا التحريف. * "السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي" ص39.








رحم الله مصطفى السباعي ؛ فقد اختصر على نفسه ، رغم أنّه قضى أكثر من شهر ، للردّ على ماأثاره تسيهر. لكن ينبغي لنا أن لانهمل الفائدة العظمى التي تركها لنا السباعي بأسلوب ردّه . فهو قد حقّق عدّة أهداف بإصابة هدف واحد وهو أهمّها : كون المستشرق عمد إلى التزوير عمدا وكيف أن ذلك الفعل قد يكون له دوافع وله آثار سَهُل اكتشافها فقط بفضل ماحقّقه السباعي . فسهل علينا أن نتبيّن -ولو أنّ الحقّ أبين إلا أنّ طريقة تبيينه قد تكون أقل بيانا- ضلالات من جاؤوا بعده ومن اتّبع نهجه و من المسلمين خاصة مثل محمود أبورية .

كم من الوقت كان سيحتاج السباعي للردّ على ماأثاره تسيهر وتبيين حقيقته لو اتّخذ الطريق الطويل في التدليل على أنّ ماجاءت به أحاديث الزهري سليمة بشهادات علماء الجرح والتعديل والفقهاء ونوعيّة الأحاديث وتطابقها بماجاءت به الشريعة واتّفاقها مع أحاديث أخرى رويت من أقطار بعيدة عن الزهري نفسه . وكم كان بإمكان أنصار تسيهر قادرين على اللفّ والدوران وإطالة الضلال بمسائل يقذفونها هنا وهناك لولا اختصار المسألة ونقد النهج لا المعلومة مما أدّى إلى تبيان التزوير والتحريف .

طالما أنّك مؤمن بأنّك على حقّ وعلى نهج أقوم بإمكانك أن تكشف ضلال مايقال من نهج قائله اختصارا . إن كنت على نهج سليم وعلى ثقة وإيمان بماتدافع عنه فمن المحال أن ينشأ الخطأ مما تؤمن به إلا بخطأ النهج نفسه .

ولهذا كم يؤسفني مايحدث الآن من أسلوب بالمناظرات لاأجد لها طائلا إلا الإطالة وإبعاد الحقّ بدرجات وبمحاورات لاتكمل من كثرة التداخلات التي تطرأ على المسائل مما يعطي الضلال أنفاسا أطول وفرصة أكبر للهروب بما يُحدَثُ من أمور . إذ أنّ هذا الضلال وبعد حين -ولله الحمد- يتبيّن بفضل تناقض مداخله ومخارجه وتشابك فواصله مما يجعله أقبح من أن يكون حقّا بيّنا. لكن هذا يحدث بعد ماذا؟. ولله الحمد سنّة الله في خلقه ورحمة منه بعباده لايجثم الضلال طويلا إلا ويزول بالحقّ وقد يكون سريعا عبر علماء المسلمين الذين اختصروا على الأمّة الكثير. من فتنة خلق القرآن وأحمد بن حنبل -رحمه الله- إلى فتنة ذلك العصر السياسيّ المضطرب عصر إبن تيميّة -رحمه الله- ولنا أن نتخيّل كم من الوقت كان العالم الإسلامي سيحتاجه لجلاء كل تلك الضلالات التي تصدّوا لها رحمهم الله.

المعتزلة ولأنّهم لم يكونوا على حقّ واحد بل كانوا شتّى بسبب أهواء عقولهم وبالكاد إستطاعوا ربط بعضهم البعض في عدّة أركان بالكاد فصّلت حتّى تتسع لهم . إذ أنّ الزمان بيّن البون الشاسع في الاختلاف والتناقض الذي بان اتّساعه بعد أن تطاول مابدأ بناؤه هؤلاء.




مات تسيهر ورحل أبورية وخرج الآن من بعث تلك الضلالات من قبورها! وباتوا يقدّسونها وكأنّها أصلا من الدين وللمؤمنين قبل أن يطرأ عليها الضلال ! ، أي ماعليه أمّة محمد -صلى الله عليه وسلّم- .
الحوار مع مثل هؤلاء والردّ عليهم بالدفاع عن سنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كونها الأكثر تعرّضا للتشكيك ، قد يعلي من شأن هؤلاء ويبرز ضلالاتهم ويظهر المدافع عن الحقّ كصاحب الضلالة صاحب قضيّة مختلف عليها أصلا. كونهم ليسوا أهل علم أصيل حتّي يردّوا به وليسوا قريبين من الدين حتّى ينهون عن ضلالاتهم به. نقد النهج كافي لدحض حجج هولاء. بدلا من ظهورهم ببرامج تلفزيونيّة تقدّمهم كنقّاد متعلّمين وباحثين! ويكون المذيع أشبه بالجمهور الموجود خلف ستار الاستديو لانسمع إلا تصفيقه وتشجيعه (موافقته). كثيرا مايتمّ انتقاء المحاورين بعناية فمرّة أتوا بضيف كريم ليحاور عدنان ابراهيم وكان مأذون أنكحة وبدى وكأنّه لايعرف لماذا جيء به بالبرنامج نفسه . أجد الأفضل أن يكون الردّ عليهم بما ينفي بالحقيقة تلك الصفات التي ارتدوها في سبيل تعريتهم (نقّاد ، باحثين ، متعلّمين) حتّى لايجد أرباب البرامج التلفزيونيّة ألقابا يلبسونهم إياها.

في التويتر كان هنالك شخص يردّ على حسن فرحان المالكي وكان رغم أنّه ليس عالما كبيرا صاحب أكبر أثر عليه وعلى ضلالاته . وبـ 148 حرفا وجد الأحرف كافية لتبيان بطلان كلّ ماجاء به عن طريق تبيان أخطائه في التقديم لافي الفهم وهذا ماجعله يعطيه حضرا رغم أنّه كان يقول: اللهم أهد حسن فرحان!. وصاحب الحقّ لا يكون قبيحا بردّة فعله.
حسن فرحان ماأخفّ العقل الذي يستند عليه هذا الإنسان . فمن متابعة قليلة وعن طريق صاحب هذا الحساب وغيره من الذين ردّوا عليه جزاهم الله خيرا وجدت الآتي:
1. يقول بأنّ إبن حجر في الإصابة قال عن مسلم بن عقبة "صحابي ظالم". وهو تأليف على ماجاء بالإصابة (كذب).
2.في برنامج قال: البخاري يأتي بحادثة رجم القردة وقال: الشرائع ليس ملزم بها الحيوان. لم ينوّه بأنّ البخاري لم يذكر ذلك عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان ذلك البتر ليوهم الناس بأنّ الشرائع في نظر البخاري -وربّما من رواية لرسول الله - يؤخذ بها الحيوان . ذلك ليؤلّف الناس على ماجاء بالصحيح(ليخلق كذبة).
3.ذكر كما قال الشيخ : دمشقيّة بأنّ الناس عظمت خلفاء بنو أميّة أكثر من الأنبياء. وهو تعبير مبتذل ومبالغة شوفينيّة بيّنة واتّهام عام للمسلمين(كذب) .
4. قال بأنّ النووي نهى عن الصلاة على آل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم - . إنّما نهى عن إفراد الصلاة عليهم ، كيف انتزع حقيقة "إفراد" وهو بذلك لايختلف عن انتزاع الشيعة لأمّهات المؤمنين في آية التطهير(كذب) .
5. صورة في التويتر :أورد رواية البخاري عن سعيد بن المسيّب أنّ الفتنة الأولى لم تبق على بدريّ وقال: يعني في صفّين . في حين أنّ رواية البخاري في الفتنة الأولى كانت عن فقتنة مقتل عثمان . تأليف على ماجاء به البخاري وعناه (كذب ليخلق كذبة).
6. يقول بأنّ العلماء يخفون قول أحمد بن حنبل بالتبرّك ومسح قبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- . ولو أنّ ماعليه الإمام مشهور ليبيّن أن ماجاء به حسن باطل فماورد أنّ الإمام لم يرد عنه شيء في "مسح" أو "تبرّك" للقبر إنّما غير ذلك وهو لايفيد التبرّك ولاعلاقة له بالمسح. تأليف حول روي عن الإمام أحمد(كذب).

وغيره الكثير وليت محاوره يبني على طريقة هذا الرجل في الأخذ من المصادر وينتقدها ويبيّن الأساس الخاطئ بها. فأغلب تعابيره شوفينيّة . ويغالي في استخدام المجاز أكثر وإن لم يكن إلا تأليفا على العبارات لا مجازا. ولم يمر علي أحد يقول عن نفسه : قرأت وقرأت وقرأت مثله. لانهج ثابت له اللهم دوافع ثابتة تدلّنا عليه شوفينيّتة التي يطلقها بفوّهة أحقاده على الصحابة ، ونجده يصافح هذا وذاك من المذهب الفلاني والعلاني ويستخدم أدواتهم في الطعن بأصحاب السنّة وهو الذي يقول عن نفسه : سنّي حنبلي ! . فهو يعاني من أزمة مسمّيات وخلل في العبارات .وقد أجاد الدكتور السعيدي في ردّه عليه وبهدوء -في قناة المستقلّة- وبواسطة تبيين خلل مفاهيمه وبيّن افتراءاته حتّى في أبسط الأمور عندما ذكر بأنّ كتب الأشاعرة ممنوعة في السعوديّة والصوفيّة معتّمة ومحاربة وبكلّ بساطة : كتب الصوفيّة والأشاعرة موجودة وبكثرة في السعوديّة وذكر السعيدي أنّه اقتنى احداها!. ناهيك عن حديثه حول المذاهب واضطهادها ووصفه مافي البحرين بجهنّم في حين أنّه لم يقل شيئا عن سوريا بل كان يشيد بصاحبها! ، وكلامه عن السعوديّة ليس بعيدا عن كلامه عن البحرين وتصوّروا: هو في السعوديّة ! ، فالواقع يكذّب أقواله.

تلك الدوافع تجعل يطّلع على الأحداث التاريخيّة ويستنبط المعارف منها تأليفا وليس تحليلا - كتاب نقد العقل المحض لكنط الذي تحدّث عن هذه التحليل والتأليف بالمعرفة - بالإمكان الحصول على معرفة قبليّة (مستقبليّة ـ غيبيّة) بواسطة التحليل أو التأليف والتحليل يكون ذو نتيجة حتميّة مطلقة أمّا التأليف فخاضع للإحتمال وقد لانستطيع أن نطلق على المعرفة القبليّة عن طريق التأليف معرفة .ولست أجيد ماجاء به كثيرا هذا الكتاب ولانصفه.ولكن يتبيّن لنا أن الأمور التي يطلقها مبنيّة على التأليف لاأكثر؛ فبالتحليل هنالك جمع جميع المعطيات وإخراج خلاصتها كليّا دون زيادة أو نقصان . أمّا التأليف ففيه إضافات مبنيّة على افتراض ولايخفى على أحدكم ماهي كميّة تلك الإفتراضات التي يبني عليها حسن كلامه كافتراضه أن البخاري فيما يبدو يجد الحيوان ملزما بالشرائع وأنّ النووي ينهى عن الصلاة على آل البيت بشكل مطلق في حين أنّه إمّا يزيد أو ينقص في المعطيات. بالنهاية منبع كلّ تلك الإفتراضات واحد. ولانجده يختلف كثيرا عن غيره مثل عدنان إبراهيم سواء في قلّة الذوق بالألفاظ والأدب مع الأعلام . يكفي بأنّه عندما روى حديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم - في معاوية "لاأشبع الله بطنه" كان يقول عند روايته هذا الحديث عندما أتى صحابي لينادي معاوية بأنّه كان يردّ " أنا باكل!" وهذا تأليف صريح (كذب) فلاتوجد رواية أشارت إلى أيّ كلام من معاوية -رضي الله عنه-.


مع تحيّاتي
عذرا على الإطالة.