قال الله تعالى في كتابه العزيز:"وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ " و( الكرسي ) كما ثبت عن ابن عباس أنه قال : الكرسي موضع القدمين لله جل وعلا ، وكرسي الله جل وعلا هو موضع قدميه ، وهو ليس العرش ومن فسره بالعرش من السلف كالحسن وغيره فإن هذا غلط ، فالكرسي شيء والعرش شيء آخر ، هكذا دلت السنة .
وأصل مادة ( الكرسي ) أصلها من ( الجمع والائتلاف ) الجمع والائتلاف ، هذا أصل مادة الكرسي ، وإذا تبين ذلك فإن الكرسي مشتق من ( التكرّس ) وهو الجمع أو من ( الكرْس ) وهو الجمع ، وهو غير مادة العلم تماما .
ومادة ( العرش ) هي مادة العلو والارتفاع ، قال " ومما يعرشون " " نكروا لها عرشها " هذا العرش يدل على الارتفاع .
أما مادة ( الكرسي ) في اللغة فهذه دالة على الجمع المؤتلف ، ولهذا تسمى ( الكُرّاسة ) كُراسة لأن فيها جمع الأوراق على وجه الائتلاف وعدم التنافر بينها ، وسمي ( الكرسي ) كرسيا لأن العيدان تجمع على نحو مؤتلف بحيث يمكن استخدامه للجلوس عليه ، وقد قال بعض الناس : إن الكرسي هنا في قوله " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ " إن (الكرسي) هو العلم ، وينسب ذلك لابن عباس ، وقد ساق ذلك ابن جرير ولكن إسناده ضعيف لا يحتج به ولا يمكن أن يَقْوَى لمضادة الرواية الأخرى عن ابن عباس التي هي " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ " بمعنى أن الكرسي موضع القدمين لله جل وعلا مع ما دل من السنة على ذلك .
مادة ( العلم ) غير مادة ( الكرسي ) ومن الأخطاء البينة الظاهرة التي حشيت بها بعض كتب العقيدة ما جاء في حاشية كتاب ( شرح العقيدة الطحاوية ) في الطبعة الأخيرة التي علق عليها الأرناؤوط حيث جعل في موضع منها جعل تعليقا واسعا حينما تكلم عن الكرسي رجح فيه أن الكرسيَّ : العلم ، واستدل على ذلك بهذه الرواية التي ذكرت ـ رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس بأن الكرسي هو العلم ـ وغمز بعض الأئمة الذين ضعفوا الرواة كـ ( ابن مندة ) وغيره بعبارات لا تليق بل عبارات منكرة ، ورجح أنها العلم ، هذا مما يجب أن يُتقى في تلك التعليقات التي لا تَمُتُّ إلى العقيدة السلفية بِصِلَة .
مادة ( الكرسي ) غير مادة ( العلم ) يقولون : إن ابن جرير ذكر بيتا أو شطر بيت يدل على أن ( الكرسي ) هو ( العلم ) ذلك هو قوله قول الشاعر في وصف رجل قانص قال :
** حتى إذا ما احتازه تكرّسا **
( حتى إذا ما احتازه ) يعني احتاز ما قنص ما قنصه ( تكرسا ) قالوا : معنى (تكرسا) أي ( علم ) يعني علم أنه صاده ، وهذا مع أن ابن جرير حام إليه مستدلا لمن قال إن ( الكرسي ) هو ( العلم ) لكن هذا باطل من جهة أن قوله ( حتى إذا ما احتازه تكرسا ) هذا على المادة من أن الكرْس والتَكَرُّس هو ( الجمع ) وذلك أن الذي يقتنص شيئا إذا احتازه وصار في يديه جمعه له ( حتى إذا ما احتازه تكرسا ) يعني جمع نفسه له وضمه إليه وهذا وصف أنه ـ يعني من الشاعر ـ وصف أن هذا حريص على هذا القنْص ، على هذا الذي صاده وأنه من حرصه عليه بعد حيازته ضمه إلى نفسه متمسكا به خاشيا من فراره .
قالوا : ويقال للعلماء ( الكراسي ) وذلك لأنهم أهل العلم ، وهذا يدل ـ على قولهم ـ يدل على أن معنى الكرسي هو العلم ، ولكن هذا أيضا باطل فإن مادة ( الكرسي)غير مادة ( العلم ) تماما ، هذا من التأويلات الباطلة فإن ( الكرسي ) الذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة بدون خلاف بينهم أن الكرسي هو موضع قدمي رب العزة جل وعلا وتعالى وتعظّم وتعاظم وتقدس .
قوله هنا " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ " إذن الكرسي هو موضع القدمين وأما القولان الآخران فباطلان وهما :
-قول من قال إن ( الكرسي ) هو ( العرش ) .
-والثاني : قول من قال إن ( الكرسي ) هو ( العلم ) .
والصواب أن ( الكرسي ) غير ( العرش ) وغير ( العلم ).منقول من كلام صالح ال الشيخ من باب الفائدة