الزهد في حطام الدنيا وعدم الاغترار بها والركون إليها مطلب شرعي، لأجل أن تتعلق نفس العبد بالحياة الحقيقية وهي الحياة في الدار الآخرة.
إلا أن هذا الخلق الإسلامي الرفيع، قد طالته يد التحريف، ففسر بتفسيرات خاطئة، وطبق تطبيق سيء، ودخل منه من ليس من أهله.
وأصبح الزهد الإسلامي النقي أشبه ما يكون بحال الرهبانية النصرانية، والتعبد بطقوسٍ ما أنزل الله بها من سلطان.
فلذلك وجب الرجوع إلى طريقة السلف في التعامل مع هذا الخلق؛ والوقوف على التطبيق الصحيح للزهد الشرعي من خلال أقوالهم وأفعالهم.
إن الزهد الحقيقي في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع الأموال، ولا بلبس المرقع من الثياب، ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات، فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله ، بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي، ولا تكون في القلوب، وإذا كانت الدنيا في يد العبد لا في قلبه، استوى في عينه إقبالها وإدبارها ، فلم يفرح بإقبالها، ولم يحزن على إدبارها.
قال شيخ الإسلام: إذا سلم القلب من الهلع، واليد من العُدوان كان صاحبه محمودًا؛ وإن كان معه مال عظيم، بل قد يكون مع هذا زاهدًا أزهد من فقير هلوع. (الآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 231)
وقال ابن القيم في وصف حقيقة الزهد: وليس المراد ـ من الزهد ـ رفضها ـ أي الدنيا ـ من الملك، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما.
وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة.
وكان علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال.
وكان الحسن بن علي رضي الله عنه من الزهاد مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحا لهن وأغناهم، وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان له رأس مال يقول : لولا هو لتمندل بنا هؤلاء.
ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك. (مدارج السالكين 2 / 13)
وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة. (الزهد لوكيع ص 4)
وقد سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد، قال: نعم، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه.
وجاء رجل إلى الحسن فقال: إن لي جارا لا يأكل الفالوذج، فقال الحسن: ولم؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره، فقال الحسن: إن جارك جاهل ، وهل يؤدي شكر الماء البارد؟
قال ابن القيم رحمه الله: الزهد أقسام:
1- زهد في الحرام وهو فرض عين.
2- وزهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبا.
3- وزهد في الفضول، وهو زهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.
4- وزهد في الناس.
5- وزهد في النفس، بحيث تهون عليه نفسه في الله.
6- وزهد جامع لذلك كله، وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما يشغلك عنه.
وأفضل الزهد إخفاء الزهد.. والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع. (الفوائد: 118).
http://www.al-islam.com/Content.aspx...&ContentID=706