تراثنا الإسلامي بين اللهو الفكري والعبث العلمي
لقد صار تراثنا الإسلامي مطحونا بين شقي الرحى, أحد الشقين غيبوبة اللاوعي, والشق الآخر غياب الفكر. وأسأل سؤالا موجها إلى وزير الثقافة السابق والحالي والقادم, بل إلى وزيري التعليم العالي, ووزير التربية والتعليم : أليس من مهمة تلك الوزارات العتية أن تنشر لنا كتبا تبني فكر ووجدان هذا الشعب, وتنمي ثرواتهم اللغوية والدينية والثقافية ؟!!!!!

لماذا لا نقوم بوضع لجنة متخصصة تضم متخصصين في جميع المجالات – لجنة مُفعَّلة وليست صورية- ؛ لتكون رقيبة على كل ما تنشره دور النشر من مؤلفات, وتجيز ما يستحق الإجازة, وتمنع ما يستحق المنع, أليست هذه مهمتكم؟
فقد دخل في الآونة الأخيرة في مجال النشر والتأليف من لا يعرف شيئا عنه, وطلع علينا أُناس بكتب قاموا بنشرها, وإذا نظرت إلى ما كتبوه تجد نفسك مغموما مهموما, سواء من كثرة الأخطاء اللغوية والمنهجية, أو من غياب الفكر أثناء تأليفهم وكتابتهم لسطور هذه الكتب, فلا تكاد تعرف ما يكتبونه.

ومن ضمن هذه الأمثلة التي أحدثكم عنها ما قام به أحد الأخوة من تحقيقه لكتاب أسماء المدلسين للإمام السيوطي حيث قام بتشويه الكتاب تمام, حتى يكاد القارئ يُجن من كثرة العبث به, ولم يقع في هذا الخطأ شخص واحد ولا بلد واحد, فقد تم نشر هذا الكتاب مرتين, مرة في لبنان, والأخرى هنا في بلدنا الحبيب مصر.

لقد بدأ تعاملي مع هذا الكتاب جليل الشأن منذ فترة وجيزة حيث اطلعت على الطبعة التي قام الأخ أبو عبيدة شعبان العودة بتحقيقها, وأدهشني ما قرأته منذ الصفحات الأولى من الكتاب, حيث وحدته يعلق على الطبعة الأولى للكتاب التي قام محمود نصار بتحقيقها وطبعتها له دار الجيل –بيروت- , فيقول : "سقطت هذه المقدمة من النسخة المطبوعة وذكر المحقق مقدمة غير هذه بالكلية , فلا أعلم من أين أتى بها , وما ذكرته هو المثبت في المخطوط " , ومثل هذه العبارة كثير عبر صفحات الكتاب, فقلت في نفسي : لعل هناك نسخة أخرى من هذا الكتاب لم يطلع عليها أخونا أبو عبيدة , كما أحزنني كثرة الأخطاء المنهجية واللغوية والمطبعية التي في الكتاب , وهي ليست بأخطاء بسيطة يمكن تجاهلها, بل كثيرة بالمئات , ولا أبالغ إن قلت بالآلاف, ما بين لغوية ومطبعية, وما بين كلمات سقطت منه أثناء النسخ وغير ذلك, وبالفعل بدأت في البحث عن نسخة أخرى لهذا الكتاب إلى أن وفقني الله في الوقوف على نسخة المكتبة الأزهرية , ووجدت فيها ما قال عنه أخونا أبو عبيدة أنه زائد في الطبعة الأولى , وأذهلني كثرة العبارات التي سقطت من النسخة التي اعتمد عليها محقق الطبعة الثانية – طبعة أولاد الشيخ -, ثم بدأت بالبحث عن النسخة التي اعتمد عليها إلى أن اطلعت عليها في دار الكتب المصرية , ووجدت أنه قد قام بإسقاط راويين اثنين ذكرهما السيوطي في آخر المخطوط , وأبدلهما بعبارة ليست موجودة , ولم يكتبها الإمام السيوطي – رحمه الله - .

* الرواة الذين أسقطهم محقق الطبعة الأولى, إما لخلطه ودمجه راويين مع بعضهما, أو لأنه لم يقف على النسخة المخطوطة الثانية للكتاب, فقد سقط منه ثلاث وعشرون راويًا وهم :
(1) بشير بن المهاجر .(2) بقية بن الوليد .(3) الحسن بن مسعود بن الحسن أبو علي الوزير .(4) الحسن بن مسعود بن الحسن أبو علي الوزير الدمشقي .(5) حسين بن عطاء بن يسار .(6) حميد بن الربيع اللخمي .(7) خارجة بن مصعب الخراساني .(8) سعيد بن المرزبان .(9) سلمة بن تمام .(10) عبد الله بن عطاء الطائفي المكي .(11) عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني .(12) عبد الملك بن عمير .(13) عبد الوهاب بن عطاء الخفاف .(14) عثمان بن عبد الرحمن الطائفي .(15) علي بن غالي الفهري .(16) محمد بن إسماعيل البخاري .(17) محمد بن عبد الملك الواسطي الكبير .(18) محمد بن محمد الباغندي . (19) محرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري .(20) مصعب بن سعيد .(21) مكحول الدمشقي .(22) لاحق بن حميد أبو مجلز .(23) أبو حرة واصل بن عبد الرحمن .
* وقد سقط من الطبعة الثانية سبعة مدلسين - وهذا السقط إما لأنه لم يعتمد على الطبعة الأولى , أو لأنه لم يتمكن من قراءة المخطوط قراءة دقيقة متأنية – فنراه مثلا أضاف عبارة لم تكن موجودة في الأصل الذي بين يديه وأسقط راويين , فقال : " البصري , قال أحمد : كان يدلس عن الحسن " , وأسقط بدلا منها الراويين التاليين ليونس هذا .
* هذا وقد أشار محقق الطبعة الثانية أحيانا للزيادات التي في الطبعة الأولى, فيقول مثلا : " جاء في المطبوع اسم آخر بعد إسماعيل بن أبي خالد , وهو كما ذكره المحقق : " إسماعيل بم إسحاق بن الوليد " ولم أجده في المخطوط , ولهذا لم أثبته " .
* وفي أحيان أخرى كثيرة يهمل ولا يعبأ ببعض الزيادات التي في الطبعة الأولى وذلك لكثرتها – كما سترى – فعلى سبيل المثال لا الحصر في الكلام عن الحسين بن واقد المروزي لم يذكر المحقق الثاني الزيادة التي في النسخة الأولى وهي : " ذكره أبو يعلي فيمن دلس " .وفي الحديث عن حجاج بن أرطاة , لم يشر إلى أن هناك زيادة في المطبوع الأول , والزيادة هي : " مشهور بالتدليس " .
* ناهيك عن الأخطاء اللغوية والمطبعية الكثيرة التي أفقدت الكتاب أهميته وحلاوته , فكتاب مثل هذا لعلامة كبير كالإمام السيوطي كان حري به أن يعتني به الاعتناء الكامل ولا يخرج بهذه الصورة وبهذه الهنات والسقطات .
وإليك بعد الأخطاء اللغوية والمطبعية التي وقع فيها المحقق :
أولا : الأخطاء في إثبات اسم الكتب التي استقى منها مصدر كلامه عن الرواة :
يقول : " المجروجين " , وهو يقصد هنا كتاب المجروحين لابن حبان – انظر هامش ص 34 , وص37 , وغيرهما .الثقاب للعجلي , يقصد هنا كتاب الثقات للإمام العجلي – انظر هامش ص35 , وص37 , وغيرهما .
ثانيا الأخطاء في أسماء الأئمة مصنفي الكتب :
يقول يحيى القطات , وهو يقصد : يحيى القطان , انظر ص 40 .
يقول الحفاظ ابن حجر , وهو يقصد الحافظ ابن حجر , انظر ص 34 , و38 , وغيرهما .يقول الطيراني , وهو يقصد الإمام الطبراني , انظر ص 40 .
الأخطاء اللغوية – وهي لا حصر لها ولا عدد - :- يقول : " ولم أجد شيء " , والصواب : " لم أجد شيئًا " .
وإليك الرواة الذين سقطوا من الطبعة الثانية – طبعة أولاد الشيخ - :
إسماعيل بن إسحاق بن الوليد .عبد الله بن زياد بن سمعان .محمد بن عيسى بن سميع .
معمر بن راشد .هشام بن حسان .أبو إسرائيل الملائي .أبو حرة واصل بن عبد الرحمن .
وإليكم ثبت بما سقط من محقق الطبعة الثانية والتي نشرتها مكتبة أولاد الشيخ :
العبارات التي سقطت من الطبعة الثانية رقم الصفحة واسم المدلس
1 وصفه أحمد بالتدليس ص33 , في ذكره لإبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي
2 ذكره الحاكم وغيره من المدلسين وحكى خلف بن سالم عن عدة من مشايخه أن تدليسه من أغمض شيء وكانوا يتعجبون منه. انتهى . ص34 , في ذكره لإبراهيم النخعي
3 ذكره النسائي وغيره ص35 , في ذكره لإسماعيل بن أبي خالد
4 كان يدلس , قاله أحمد بن صالح عن جابر ص37 , في ذكره لتليد بن سليمان المحاربي
5 قال أبو نعيم : قال سفيان الثوري : كلما قال فيه جابر : سمعت وحدثنا , فاشدد يدك به , وما كان سوى ذلك فتوق ص37 , في ذكره لجابر الجعفي .
6 قال ابن حبان: كان مدلسا.
وروى أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أن رجلا حدثني عنك ما باليت أن أرويه عنك . ص 38 , في ذكره لحبيب بن أبي ثابت .
7 مشهور بالتدليس ص38 , في ذكره لحجاج بن أرطاة .
8 الحسن بن أبي الحسن البصري كذلك ورد في هذه الطبعة الحسن البصري فقط , ص39
9 ذكره محمد بن نصر المروزي ص39 , في ذكره للحسن بن ذكوان .
10 ذكره أبو يعلى فيمن دلس ض40 , في ذكره للحسين بن واقد الكروزي
11 ذكره أحمد في رواية الأشربة عنه . ص41 , في ذكره لحفص بن غياث الكوفي .
12 ذكره غير واحد فيمن دلس . ص42 , في ذكره للحكم بن عتيبة .
13 ذكره أبو شامة . قال المعيطي: كان كثير التدليس ثم تركه بعد ذلك , وذكر الأزدي عن سفيان الثوري أنه قال : إني لأتعجب كيف كان حديث أبي أسامة ؛ كان من أشرف الناس .
وقد رد بعضهم هذا الكلام على الأزدي ص42 , في ذكره لحماد بن أسامة الحافظ .
وسأكتفي بهذا القدر من العبارات التي أسقطها المحقق, وقد بلغت 62 عبارة ساقطة, مما يجب على كل ذي لب أن يقوم بإعدام هذا الكتاب . فأرجو تشديد الرقابة على ما تنشره دور النشر, ولا نترك لهم الحبل على الغارب, ونتركهم يعبثون بنا وبتراثنا .
http://www.masress.com/almesryoon/54184
Mr.solyman@yahoo.com
أحمد محمد سليماننشر في المصريون يوم 08 - 04 - 2011