خامساً: ثلاثة شواهد للحديث:
الأول من حديث جابر : من طريق جعفر عن أبيه مرسلا عن جابر-رضي الله عنه- كما عند الحاكم [3/58/4329-الكتب العلمية]، ومن طريقه البيهقي في [الدلائل/7/268-الكتب العلمية]قال الحاكم : أَخْبَرَنَا أَبُو جعفر البغدادي، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرْتَعِدِ الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جابر ابن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، يَسْمَعُونَ الْحِسَّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي الله عزاء من كل مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فأرجو، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، (وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ).ا هـ
والسند إليه ضعيف؛ فيه عبد الله بن عبد الرحمن الصنعاني مجهول الحال ، وقال عنه الحاكم على عادته : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!!
وقد رواه أنس بن عياض من قبل في رواية محمد الباقر المرسلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: حدثونا عن جعفر بن محمد...فذكره .
قال البيهقي في الدلائل بعده وقد كان ذَكَر قبله رواية زين العابدين المرسلة المرفوعة المتقدم ذكرها قريباً:هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ، فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ .اهـ
فقد يتوهم البعض أنَّ البيهقي يعضد الحديث ويجعله من الحسن لغيره!! ولكنَّ قوله (وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ) يدفع هذا التوهم ، ويبين مراد البيهقي ، وهو أنَّه يريد إثباتَ أنَّ للحديث أصلٌ من طريق جعفر، وأن طريق جعفر ثابت محفوظ حتى وإن كان يرويه عنه القاسم العمري المتروك المتقدم في رواية زين العابدين المرسلة المرفوعة ، فقد توبع القاسم في روايته عن جعفر مما يبين أن رواية جعفر محفوظة معروفة لها أصل بغض النظر عن قبولها أو عدم قبولها .
فمقصد البيهقي هو : أنَّ رواية أنس بن عياض المسندة عن جعفر ... عن جابر وإن خالفت رواية القاسم المرسلة عن جعفر ... عن زين العابدين لكنها أثبتت بأنَّ القاسم مع كونه متروك لم يتفرد به عن جعفر وإن خولف في إرساله له .
فالمتابع المخالف يحتاج إليه لرفع التفرد وإن كان فيه مخالفة ، وانظر بالتفصيل بحث هذه المسألة [مقارنة المرويات/1/274-الرشد] لفضيلة الشيخ إبراهيم اللاحم .
فحديث جابرٍ المسند علةٌ وجابرٌ لحديث زين العابدين المرسل :
فحديث جابرٍ علة لحديث زين العابدين من حيث أنَّه بيَّن أنَّ المحفوظ في الحديث الإسناد لا الإرسال وهو كذلك ولكنه من حديث علي بن ابي طالب لا من حديث جابٍر، وجابرٌ له من حيث بيَّن أنَّ الحديث معروف من طريق جعفر .
وهذا الذي يظهر من كلام الإمام البيهقي صحيح لا شك فيه ، فالحديث محفوظ من رواية جعفر ثم اختُلِف فيه على جعفر ، وأصح الروايات عنه هي الرواية المرفوعة المسندة عن علي بن أبي طالب يرسلها علي زين العابدين كما تقدم .
والشاهد الثاني من حديث أنس رضي الله عنه : أخرجه الحاكم [3/56/4330-الكتب العلمية]، وعنه البيهقي في [الدلائل/7/269-الكتب العلمية] بإسناد هالك جداً؛ يرويه عن أنس عباد بن عبد الصمد التميمي ، وهو متروك متهم بالوضع ، والسند إليه فيه انقطاع وضعف .
قال البيهقي : عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ، وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ .اهـ
فقول البيهقي «وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ» على الحديث ، ويعني بهذا : أنَّه لا يصلح كشاهد ، ولا يصلح للإعتضاد.
قال القاري في [مرقاة المصابيح/9/3858-الفكر]: رَوَاهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. قَالَ مِيرَكُ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ .اهـ
والشاهد الثالث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : كما عند ابن الجوزي في [المنتظم/4/36/421-الكتب العلمية]بسند واه ؛ فيه رشدين بن سعد وهو ضعيف الحديث ، يرويه عن يحيى بن أبي سليمان المديني ضعفه بعضهم وجهله بعضهم ، يرويه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .
والخلاصة : أنَّ المحفوظ في هذا الحديث الرواية المرسلة بين علي زين العابدين وجده علي بن أبي طالب ، والسند مداره على محمد بن جعفر . وقد تقدم الحديث عنه تفصيلاً .
وقد حسّن الحديث بمجموع طرقه الإمام على القاري في [مرقاة المفاتيح /9/3858-الفكر] !! والقارئ لهذا البحث يعلم بأنه ليس هناك طرق تصلح لما يقوله الإمام رحمه الله .
وقد حكم الشيخ الألباني عليه بالوضع في [الضعيفة/11/545/5384] بعد ذكره من حديث زين العابدين مرسلاً ، ومن حديث جابر وأنس مسنداً . وهذا هو القول الجلي بتضعيف حديث تعزية الخضر بعد وفاة النبي عليهما الصلاة والسلام .
انتهيت من تقيده قبل غروب شمس السبت 18 جماد أول 1434ه 30/3/2013م
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وهو على كل شيئ قدير .