فريضة الزكاة المغيبة
بقلم. الهيثم زعفان
رئيس
مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية


في كل عام تطالعنا قائمة أثرى أثرياء العالم بأرقام بليونية كافية لحل مشكلات العالم من فقر ومرض وجهل.

وبتأمل تلك القائمة السنوية نجد أن لبعض أثرياء المسلمين فيها نصيب عظيم، مما يفرض علينا أن نتساءل عن حق الله في هذه الأموال، والمتمثل في زكاة فرضها الله على كل مال بلغ النصاب الشرعي.

بعد تأملي لقائمة فوربس، جلست أفكر في ثروات المسلمين، فوجدت أننا بصدد مئات المليارديرات الذين يملك كل واحد منهم أكثر من مليار دولار، وآلاف المليونيرات الذين تغازل ثروة الواحد منهم المليار دولار، ثم حاولت تخيل الزكاة المستحقة عليهم، وما يمكن أن تفعله بأحوال المسلمين.

بعدها راجعت الدراسات التي كتبتها قديماً عن الأموال العربية في الخارج، فوجدت أن الأرقام حينها كسرت حاجز الأربعة تريليونات دولار، أي أربعة آلاف مليار دولار مغتربة في أمريكا وأوروبا، ناهيك عن الأرباح السنوية الضخمة لهذه المليارات، والتي تضاف وتكنز على رأس المال المكنوز، وتساءلت عن أحوال فقراء المسلمين إذا حصلوا على الزكاة المستحقة عن هذه الأموال المغتربة، زكاة واجبة تزيد عن مائة مليار دولار سنوياً، تزداد بزيادة الأرباح السنوية لرأس المال.

ثم بعد ذلك تأملت خيرات المسلمين من بترول، غاز، ذهب، معادن وكل ما يكرمنا به الله من باطن الأرض، فوجدت الخير الوفير، الذي يقدر بآلاف المليارات، وزكاته كما هو معلوم شرعاً الخمس، فلنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يفعله هذا الخمس بالأمة الإسلامية.

ثروات وخيرات لو أحب أي اقتصادي أن يحصرها، ويجمعها، ويخرج منها برقم إجمالي، لعجز قلمه عن كتابة الرقم التقريبي، ولطار عقله من حجم الرقم المفروض شرعاً والمستحق وجوباً على هذه الثروات والخيرات.

ولعلاج هذه الكبيرة، فإن الأمر بحاجة إلى وقفة جدية على عدة مستويات:

المستوى الأول... الحكام
وهنا أذكرهم أولاً بتقوى الله سبحانه وتعالى، وتسيير أمور البلاد والعباد وفق مراد الله سبحانه وتعالى، فإننا لاحقاً سنلقى الله، وطوبى لمن يلقى الله وقد أدى عمله وفق ما شرع الله.
ثم أذكرهم بحروب الردة التي قام بها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ضد المرتدين مانعي الزكاة، وضرورة الضرب بيد من حديد على مانعي الزكاة في هذا العصر.
وأخيراً أذكرهم بأحوال فقراء المسلمين ومرضاهم وشبابهم العاطلين والعاجزين عن الزواج والعفاف، وعلى الطرف الآخر هذا الكم العظيم من المليارات ومن خيرات باطن الأرض غير المزكاة؛ وأقول ألم يحن الوقت لنوقف الضرائب الوضعية، ونعالج مشكلاتنا بالزكاة الربانية؟؛ فإن الله يحب الأوابين ويحب التوابين، سائلاً الله أن يختم لحكامنا بخير، وأن يوفقهم لتطبيق شرعه قبل ملاقاته سبحانه وتعالى بلا سلطان وزينة.

المستوى الثاني... الأثرياء
وهنا أقول لأثرياء المسلمين المانعين للزكاة في هذا الزمان، راجعوا قصة أوناسيس أسطورة المال في القرن العشرين، وما حدث لثروته المهولة وأبنائه، فأوناسيس هذا كان لديه ولد وبنت، مات ابنه الوحيد في حادث طائرة عندما كان أوناسيس الأب يقضي شهر العسل مع جاكلين كندي، وابنته ماتت منتحرة في الحمام- أعزكم الله- بعد عدد من الزيجات الفاشلة لتؤول الثروة الضخمة بأكملها إلى حفيدته، والتي تبرعت بمعظمها إلى الجمعيات الخيرية، لتؤول في النهاية إلى رعاية الفقراء والمساكين.

ترى ماذا كان أوناسيس فاعلاً إذا عرف مسبقاً مصير ثروته وعائلته؟.
فليتأمل كل ثري مانع للزكاة تلك القصة، وينظر في حاله، ثم أمواله، ثم ورثته من بعد موته، ويحضر من الآن الإجابة على الرحمن يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأنصحه بأن يضع أمامه قبل التأمل والتفكير وتحضير الإجابة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ }.

المستوى الثالث... العلماء

إن دور العلماء في أمر مانعي الزكاة ومغيبيها عظيم، فهم أكثر من يعلم غضب الرحمن من تعطيل زكاته بين العباد، وهو الكريم السخي الذي يحب السخاء، ويفرح بعطاء الأغنياء للفقراء، فما بالنا وأن لهؤلاء الفقراء حق على الأغنياء شرعه الله سبحانه وتعالى، لا سمعة فيه ولا من ولا رياء.

ودور العلماء المستمر هنا مزدوج؛ فشق مع الحكام، وآخر مع الأثرياء، عسى الله أن يجري الخير على أيدي العلماء، وتنشرح بكلماتهم صدور الحكام والأثرياء لدفع الزكاة، وصلاح أحوال العباد.

وفي الختام أسأل كل من قرأ هذا المقال أن يدعوا الله بأن يشرح صدور الحكام ليضربوا على يد مانعي الزكاة، وأن يهدي كل ممتنع عن الزكاة لأن يخشى الله ويؤدي حق الله عليه في ماله، ليتحول المال من نقمة إلى نعمة، وذلك قبل أن يلقى الله مجرداً من هذا المال.