إمام المحنة يقول : اللهم اغفر للمعتصم ..يا له من خلقٍ عظيمٍ!!
قال ابن حبان أبو حاتم البستي في "روضة العقلاء"(1/164) :
"سمعت إِسْحَاق بْن أَحْمَد القطان البغدادي بتستر يقول : كان لنا جار ببغداد ،كنا نسميه طبيب القراء ، وكان يتفقد الصالحين ويتعاهدهم ، فقال لي دخلت يوماً على أَحْمَد بْن حنبل ، فإذا هو مغموم مكروب ، فقلت : مَا لك يا أبا عَبْد اللَّه ؟! قَالَ خير .قلت :وما الخير ؟! قَالَ : امتحنت بتلك المحنة ، حتى ضربت ، ثم عالجوني وبرأت إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني ، هو أشد علي من ذلك الضرب، قَالَ : قلت اكشف لي عَن صلبك . قَالَ : فكشف لي ، فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقط ، فقلت : ليس لي بذي معرفة ، ولكن سأستخبر عَن هذا . قَالَ : فخرجت من عنده ، حتى أتيت صاحب الحبس ، وكان بيني وبينه فضل معرفة ، فقلت له : أدخل الحبس في حاجةٍ ، قَالَ : ادخل فدخلت وجمعت فتيانهم و، كان معي دريهمات فرقتها عليهم ، وجعلت أحدثهم حتى أنسوا بي ،ثم قلت : من منكم ضرب أكثر ؟. قَالَ : فأخذوا يتفاخرون حتى اتفقوا على واحد منهم ، أنه أكثرهم ضرباً وأشدهم صبراً . قَالَ : فقلت له : أسألك عَن شيءٍ . فقال : هات .فقلت : شيخ ضعيفٌ ، ليس صناعته كصناعتكم ، ضرب على الجوع ، إلا أنه لم يمت ، وعالجوه وبرأ إلا أن موضعاً في صلبه يوجعه ، وجعاً ليس له عَلَيْهِ صبر؟!. قال : فضحك فقلت : مالك ؟! قَالَ : الذي عالجه كان حائكاً . قلت : أيش الخبر ؟!. قَالَ : ترك في صلبه قطعة لحم ميتة لم يقلعها ، قلت : فما الحيلة؟ .قَالَ يبط صلبه ، وتؤخذ تلك القطعة ويرمى بها ، وإن تركت بلغت إلى فؤاده فقتلته . قَالَ : فخرجت من الحبس ، فدخلت على أحمد ابن حنبل ، فوجدته على حالته ، فقصصت عَلَيْهِ القصة ، قَالَ : ومن يبطه ؟ .قلت: أنا . قَالَ: أو تفعل ، قلت : نعم . قَالَ : فقام فدخل البيت ، ثم خرج وبيده مخدتان ، وعلى كتفه فوطة ، فوضع إحداهما لي والأخرى له ، ثم قعد عليها ، وقال : استخر اللَّه . فكشفت الفوطة عَن صلبه ، وقلت : أرني موضع الوجع ، فقال : ضع إصبعك عَلَيْهِ ، فإني أخبرك به ، فوضعت إصبعي ،وقلت : ها هنا موضع الوجع .قَالَ : ههنا أَحْمَد الله على العافيه .
فقلت : ها هنا ؟ ، قَالَ : هاهنا ، أَحْمَد اللَّه على العافية ، فقلت : هاهنا ، قَالَ : هاهنا أسأل اللَّه العافية ، قَالَ : فعلمت أنه موضع الوجع . قال : فوضعت المبضع عَلَيْهِ ، فلما أحس بحرارة المبضع ؛ وضع يده على رأسه ، وجعل يقول : [اللهم اغفر للمعتصم]!!
حتى بططته ، فأخذت القطعه الميتة ، ورميت بها ، وشددت العصابة عَلَيْهِ ، وهو لا يزيد على قوله :[ اللهم اغفر للمعتصم] ، قَالَ : ثم هدأ وسكن ، ثم قَالَ : كأني كنت معلقاً ، فأصدرت ، قلت : يا أبا عَبْد اللَّه! إن الناس إذا امتحنوا محنةً ،دعوا على من ظلمهم ، ورأيتك تدعو للمعتصم ؟! . قَالَ : إني أفكرت فيما تقول ، وهو ابن عم رَسُول اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ ، فكرهت أن آتي يوم القيامة ، وبيني وبين أحدٍ من قرابته خصومة ، هو مني في حلٍّ".