تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حكم فحص المرأة التي وجبت عليها العقوبة الحدية إذا ادعت الحمل

  1. Post حكم فحص المرأة التي وجبت عليها العقوبة الحدية إذا ادعت الحمل

    لا خلاف بين الفقهاء رحمهم الله تعالى إذا وجبت العقوبة الحدية على المرأة، وهي تدعى أنها حامل فتعرض على الطبيب أو الخبير ليكشف عنها لإثبات ما ادعته[1]، فإذا ثبت أنها حامل فينظر في العقوبة، هل هي عقوبة القتل أو عقوبة ما دون القتل؟ فهل يؤخر استيفاء العقوبة منها أم لا؟ على تفصيل ما يأتي:
    إذا وجبت عقوبة القتل على المرأة وكانت حاملاً فيجب تأخير استيفائها منها حتى تضع حملها، سواء كانت العقوبة وجبت عليها لحق الله تعالى أو لحق العبد، وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى على هذا[2].

    فقد دلت أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على وجوب تأخير العقوبة عنها:
    1- قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا }[3].
    وجه الاستدلال:
    أن قتل الحامل يؤدي إلى موت الولد، وفي هذا جناية على من لا ذنب له فيكون إسرافاً في القتل[4].
    2- ما جاء في قصة المرأة الغامدية التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، فقالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك ترددني كما رددت ماعزاً فو الله إني لحبلى، قال: "إما فاذهبي حتى تلدي"[5]، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: "اذهبي فارضعيه حتى تفطميه" فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها"[6].
    وجه الاستدلال:أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرجمها حتى ولدت.
    3- وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله أصبت حداً فأقمه علي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: "أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها" ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشُكّت[7] عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت"[8].
    ما رُوي أن امرأة زنت في أيام عمر رضي الله عنه فهم عمر رضي الله عنه برجمها وهي حامل فقال له معاذ: إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على حملها، فقال: عجز النساء أن يلدن مثل معاذ"[9].
    4- وقد أجمع أهل العلم على تأخير عقوبة القتل عن الحامل حتى تضع[10].
    5- أن استيفاء عقوبة القتل منها في حال حملها يؤدي إلى موت ما في بطنها، وما في بطنها نفس محترمة ولم توجد منه جناية فلا يجوز قتله بقتل أمه، فيجب تأخير استيفاء العقوبة منها حتى تضع حملها[11].
    تأخير عقوبة ما دون القتل بسبب الحمل:
    إذا وجبت عقوبة ما دون القتل على المرأة الحامل وكانت من العقوبات البدنية التي يتضرر الحمل باستيفائها كالقصاص في الأطراف والجلد ونحوهما، فتجب تأخيرها عنها حتى تضع حملها، وهذا بالإجماع[12].
    وقد دلت على وجوب التأخير أدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وقد مضى ذكر بعض هذه الأدلة سابقاً، وهي عامة تدل على وجوب تأخير العقوبة عنها إذا كان يخشى من تنفيذها هلاك ما في بطنها

    [13]، وبالإضافة إلى ذلك هناك أدلة أخرى خاصة تدل على وجوب تأخير عقوبة ما دون القتل عن الحامل، ومنها:

    1- ما روي أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنها جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أمة زنت، فقال له: "دعها حتى تلد أو حتى تضع ثم اجلدها"[14].
    وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه أن يقيم عليها حد الجلد بعد أن تضع الولد[15].
    2-وقد نقل الإجماع على وجوب تأخير عقوبة ما دون القتل عن الحامل غير واحد من العلماء، ومنهم الإمامان ابن قدامة والنووي رحمهما الله تعالى[16].
    3- أن في إقامة العقوبة عليها في حال حملها لا يؤمن إتلاف ما في بطنها، وهو لا ذنب له فيجب التأخير حتى تضع[17].
    4- أن القصاص في الطرف يؤخر ويسقط خشية السراية إلى عضو آخر في الجاني، فيؤخر خشية السراية إلى نفس أخرى من باب أولى[18].
    5- قياس عقوبة ما دون القتل في وجوب التأخير عن الحامل، على وجوب تأخير عقوبة القتل عنها بجامع خوف الهلاك في كلتيهما[19].
    وأما إذا ادعت الحمل ولا يظهر الحمل واضحاً فهناك يرجع الأمر إلى الطبيب أو الخبير لكي يفحصها طبيباً، فإذا ظهر الحمل فيجب تأخير العقوبة كما مرّ، وأما لم يظهر الحمل وهي ادعت الحمل فهل تؤخر العقوبة أم لا؟

    لأهل العلم في المسألة قولان:القول الأول: لا تؤخر العقوبة عن المرأة بمجرد دعواها، بل عليها إقامة البينة على ذلك وإلا تُعرض على أهل الخبرة من النساء لينظرن في ذلك، فإذا قلن بوجود الحمل فتؤخر وإلا فلا، وإلى هذا ذهبت الحنفية والمالكية[20].
    القول الثاني: تؤخر العقوبة عنها إذا ادعت الحمل وكانت ممن يتوقع حملها حتى يتبين أمرها، ولا تطالب بإقامة البينة على حملها، وإلى هذا ذهبت الشافعية والحنابلة وهو المذهب عندهم[21].
    الأدلة:
    استدل القائلون بقبول قولها بمجرد دعواها بأدلة من الكتاب والسنة والمعقول:
    1- قول الله تعالى{وَالْمُطَ َّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَ ّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[22].
    وجه الاستدلال:أن الوعيد في الآية جاء على ما يجب من قبول قولها فيه، وهذا يقتضي أن يقبل قولها فيه[23].
    ويناقش: بأن الآية الكريمة تدل على تحريم كتمان ما في أرحامهن من الحمل، وليس فيها ما يدل على وجوب قبول قولها إذا ادعت الحمل.
    2- أن الغامدية لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترفت بالزنا، وطلبت منه صلى الله عليه وسلم إقامة الحد عليها، وقالت: "فو الله إني لحبلى" فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم قولها وأخر رجمها حتى وضعت.
    وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطالبها بالبينة، ولا عرضها على أهل الخبرة، فدل أن قولها يقبل في ذلك[24].
    ويناقش هذا الاستدلال: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل مجرد دعواها في ذلك؛ لأن التهمة كانت منتفية عنها حيث إنها اعترفت بطوعها بالجريمة، فأقصى ما يدل الحديث يدل على أن يقبل قولها إذا كانت العقوبة حقاً لله تعالى، ووجبت بناء على اعترافها.
    3- أن الحمل وما يدل عليه من العلامات يتعذر إقامة البينة عليه فيقبل قولها فيه[25].
    ويناقش هذا الاستدلال: بعدم تعذر إقامة البينة على الحمل وما يدل عليه من العلامات، بل يمكن معرفة ذلك بالمراجعة إلى أهل الخبرة والاختصاص، ولاسيما مع تقدم وسائل العلم الحديث في الطب من وسائل الفحوص المخبرية والأشعة وغيرها.
    4- أن الحمل أمارات خفية تعلم من نفسها ولا يعلمها غيرها، فوجب أن يحتاط له حتى يتبين انتفاء ما ادعته[26].
    ويناقش استدلالهم هذا: بأن الحمل وإن كانت أمارات خفية إلا أنه يمكن معرفته بالمراجعة إلى أهل الخبرة فتعرض عليهم.
    واستدل القائلون بعدم قبول مجرد دعواها وعرضها على أهل الخبرة بأدلة من الكتاب والمعقول.
    فاستدلوا لقولهم بعدم قبول بمجرد دعواها بأن مجرد قولها لا يُعتبر حجة فيما يسقط عنها العقوبة، فكذلك لا يكون حجة فيما يؤخر عنها العقوبة؛ وذلك لأن الحق قد وجب عليها حالاً[27].
    ويناقش: بأن مجرد قولها يمكن أن يعتبر حجة في تأخير الحد عنها إذا انتفت عنها تهمة التهرب من إقامة الحد عليها كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم قول الغامدية.
    واستدلوا لقولهم بالرجوع إلى أهل الخبرة بأن هذا أمر تطلع عليها النساء ويشكل على القاضي، والأصل في مثل هذه الأمور أن يرجع فيها إلى أهل الخبرة[28] لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[29].
    ويمكن مناقشة هذا الاستدلال: بأنه إذا كانت تهمة التهرب من إقامة العقوبة قائمة حولها بأن كانت عقوبتها قد ثبتت بالبينة فالاستدلال صحيح، وأما إذا كانت التهمة منتفية عنها بأن كانت عقوبتها قد ثبتت بإقرارها كما في حالة الغامدية فلا حاجة إلى عرضها إلى أهل الخبرة.

    الترجيح:ولعل الراجح – والله أعلم – أن يقال بالتفريق بين أن تكون العقوبة قد وجبت حقاً لله تعالى وثبتت بإقرارها كما في حالة الغامدية، وبين أن تكون قد وجبت حقاً لله تعالى وثبتت بالبينة، أو تكون قد وجبت حقاً للعبد سواء ثبتت بإقرارها أو بالبينة.
    فإذا كانت العقوبة حقاً لله تعالى وثبتت بإقرارها فيقبل قولها بكونها حاملاً، وذلك لانتفاء شبه التهرب عن إقامة الحد عنها، ولإمكان رجوعها عن إقرارها في أي وقت شاءت إذا أرادت بادعائها الحمل والتهرب من إقامة الحد عليها، ولبناء حق الله سبحانه وتعالى على المسامحة، ولما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم من قبوله قول الغامدية في ادعائها الحمل وعدم مطالبتها لها بالبينة أو عرضها على أهل الخبرة.
    وأما إذا كانت العقوبة حقاً لله تعالى و ثبتت بالبينة، أو كانت حقاً للعباد، فلا يقبل مجرد ادعائها الحمل، وذلك لوجود تهمة التهرب عن إقامة العقوبة عليها، ولبناء حقوق العباد على المشاحة، فتُعرض على أهل الخبرة من النساء لينظرن في ذلك، فإذا قلن بوجود الحمل فتؤخر وإلا فلا ، ولما ذكر أصحاب القول الأول من الأدلة لقولهم.

    يتبعُ.

    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. افتراضي رد: حكم فحص المرأة التي وجبت عليها العقوبة الحدية إذا ادعت الحمل

    المراجع

    [1] ينظر: المبسوط 9/73، وبدائع الصنائع 7/59، والمدونة 6/250، والكافي في فقه أهل المدينة المالكي 2/1073، والخرشي على خليل 8/25، والأم 6/23، والمهذب 2/185، والمغني 11/567، والفروع 5/661، والمحلى 11/175.

    [2] ينظر: المراجع السابقة.

    [3] سورة الإسراء: الآية 33.

    [4] ينظر: المبسوط 9/73، والحاوي 12/115، والمغني 11/567.

    [5] "إما" بكسر الهمزة وتشديد الميم بالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمي بعد ذلك. ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 6/220.

    [6] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، ورقمه [ 1695]، وأبو داود في سننه في كتاب الحدود، باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، ورقمه [4442].

    [7] فشُكَّت: أي فشدت، ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 6/221.

    [8] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنا، ورقمه [1696].

    [9] أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الحدود، باب من قال: إذا فجرت وهي حامل انتظر. ، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، ورقمه [8861].

    [10] ينظر: الإجماع لابن المنذر صـ142، وبداية المجتهد 2/495، والمغني 11/567، وصحيح مسلم بشرح النووي 6/219.

    [11] ينظر: المبسوط 9/73، والمغني 12/328.

    [12] ينظر: المبسوط 9/73، والبناية 5/388، والمدونة 6/250، والكافي لابن عبد البر 2/1073، والأم 6/147، ونهاية المحتاج 7/304، والمغني 11/567، والمبدع 2/28، والمحلى 11/175.

    [13] ينظر: ص 667 -669.

    [14] أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/89، وهو ضعيف بهذا الإسناد، لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ينظر: تقريب التهذيب صـ331، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، وله شاهد أخرجه مسلم، ورقمه [1705] .

    [15] ينظر: المحلى 11/175.

    [16] ينظر: المغني 11/567، وصحيح مسلم بشرح النووي 6/219.

    [17] ينظر: المغني 11/567.

    [18] ينظر: المرجع السابق.

    [19] ينظر: الخرشي على مختصر خليل 2/25، والمغني 11/567، والمبدع 8/286.

    [20] ينظر: المبسوط 9/74، وفتح القدير 4/24، والمدونة 6/250، وعقد الجواهر الثمينة 3/249، والخرشي 6/66.

    [21] ينظر: الأم 6/47، والحاوي 12/115، والمهذب 2/185، والمغني 11/568، والمبدع 8/287، والإنصاف 9/456.

    [22] سورة البقرة: الآية 228.

    [23] ينظر: الحاوي 12م115.

    [24] ينظر: المغني 11/568.

    [25] ينظر: المرجع السابق.

    [26] ينظر: المغني 11/568، والمبدع 8/287.

    [27] ينظر: المبسوط 9/74، والمهذب 2/1859، والمغني 11/568.

    [28] ينظر: المبسوط 9/74.

    [29] سورة الأنبياء: الآية 7.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •