الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله


القلب أمير الجسد وملك الأعضاء، فهو راعيها الوحيد وقائدها، وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر، ‏فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره، ولا يستعملها في غير ما يريد، فهي تحت سيطرته وقهره، ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ، وبين القلب والأعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا إلى الآخر، فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور، وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور، وإذا سعت القدم إلى الحرام فسعي القلب أسبق، لهذا قيل عن المصلي العابث في صلاته: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه»، وقال لمن يؤم من المصلين: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» ، فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب، والخلاصة: القلب هو خط الدفاع الأول والأخير، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!

وإلى هذا أشار حجة الإسلام أبو حامد الغزالي حين قال:


«اعلم أن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن ، و حركات الجوارح ثمرات الخواطر ، و الأعمال نتائج الأخلاق ، و الآداب رشح المعارف ، و سرائر القلوب هي مغارس الأفعال و منابعها ، و أنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها و تحليها . و من لم يخشع قلبه ، لم تخشع جوارحه ، و من لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلـٰهية ، لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية» .



وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَر، وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن، وإذا بكت العين فلأن القلب أمر، فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق، وعلى اليد إذا كتبت، وعلى الأقدام إذا مشت، وقد عرف النبي للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه: «مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله»، وتوجه أول ما توجَّه إليه ليربيه ويهتم به ويزكِّيه.



فكل الأفعال مردها إلى القلب وانبعاثها من القلب، وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود فقال: «لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب» .

من كتاب بأى قلب نلقاه د/خالد أبو شادى