تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: بطلان حديث " الموءودة في النار "، وبيان علله .

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    454

    Post بطلان حديث " الموءودة في النار "، وبيان علله .

    بسم الله وبعد :
    لقد تكاثرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في أن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا ويقيم عليه حجة ، ولذلك تواردت الآيات القرآنية وفسرتها الأحاديث النبوية في أن أموات مواليد المشركين يكونون يوم القيامة في الجنة خدما لأهلها .
    إلا أنه قد وقع حديث باطل يخالف هذه الأصول والأدلة الكثيرة ومع ذلك فقد اغتر به البعض فصححه، وهذا ما جعلني أجمع طرقه وأبين بطلانه بعون من الله تعالى فأقول :
    خرج ابن بطة في الإبانة (4/80) من طريق محمد بن أحمد بن سيار الأزدي قال: حدثنا أحمد بن سنان القطان ومحمد بن الوليد البسري قالا : حدثنا أبو أحمد الزبيدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الوائدة والموءودة في النار»، وهو حديث منكر لوجوه :
    أولاها مخالفته للآيات القرآنية والأحاديث الكثيرة النبوية كما سبق وأن أشرت .
    والثاني: أنه حديث مضطرب سندا ومتنا ، وقع فيه اختلاف كثير في كل من سنده ومتنه .
    والثالث : أنه حديث مختصر من حديث فيه قصة حدث فيها إدماج وإدخال بين حديثين متغايريْن .
    فقد رواه محمد الأزدي بإسناده إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص كما سبق، بينما رواه البزار (1605) فزاد فيه علقمة، فقال: حدثنا أحمدُ بنُ سنان القطان ثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا مثله»، وأبو إسحاق مدلس ومختلط، وقد حدث عنه زكريا بعد الاختلاط، كما أن الزبيدي قد اختُلف عنه في الإسناد، وليس هذا من حديثِ أبي الأحوص عن عبد الله أصلا، وإنما وقع فيه إدخال بين حديث أصحاب عبد الله من غير ذكر الموؤودة، وبين حديث علقمة والشعبي مرسلا بذكر الموؤوة كما سيتبين :
    فقد رواه زكريا بن أبي زائدة فزاد فيه عامرا الشعبي، وجعله عن علقمة عن عبد الله :
    خرج ذلك أبو داود في سننه مرسلا، فمُدلّسا، (4717)، فالمرسل من طريق إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا ابن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الوائدة والموؤودة في النار"، ثم قال: قال يحيى بن زكريا قال أبي: فحدثني أبو إسحاق أن عامراً حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    والرواية الأولى المرسلة أصحّ، لأن الثانية فيها عنعنة أبي إسحاق وهو مدلس ثم هو مختلط، وقد خالفَه أصحاب عبد الله فرووا الحديثَ من غير زيادة " الوائدة والموؤودة في النار "، وإنما الزيادة وقعت في مرسل علقمة وحده ، حدّث بها عنه عامر الشعبي الذي اختلف عليه في وصلها وإرسالها، وكل من وصلها عنه فقد وهم ، وزكريا بن أبي زائدة ممن سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط، وقد خولف في الإسناد أيضا:
    فرواه ابن بشران (1470) عن عبد الله بن عمر حدثنا عبيدة بن الأسود عن مجالد عن عامر عن سلمة بن مليكة به، بدل علقمة عن ابن مسعود متصلا أو عن علقمة مرسلا.
    وخالفهم داود بن أبي هند فرواه عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس قال: حدثني ابنا مليكة معا به، خرج ذلك البيهقي في القدر (620) قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز نا أحمد بن عبد الجبار نا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس قال: حدثني ابنا مليكة الجعفيان قالا: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أخبرنا عن أم لنا ماتت في الجاهلية ، كانت تصل الرحم ، وتصدق وتفعل ، وتفعل ، هل ينفعها ذلك شيئا ؟ قال: « لا» قالا : فإنها وأدت أختا لنا في الجاهلية، فهل ينفع ذلك أختنا ؟ قال: « لا الوائدة والموءودة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم » فلما رأى ما دخل عليهما قال: « وأمي مع أمكما »، واختلف فيه على داود أيضا :
    فرواه حفص عن داود عن الشعبي عن علقمة قال : حدثني ابنا مليكة فجعله متصلا عنهما معا، وخالفه ابن أبي عدي وعبيدة بن حميد عن داود عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي وحده، وقال فيه أيضا :" فإنها وأدت أختاً لها في الجاهلية فهل ذلك ينفع أختها "، وهذه الرواية مخالفة لما سبق في تعيين المودوءة ، أهي أختهم أم خالتهم ؟
    بينما أرسله إسماعيل بن إبراهيم فقال: نا داود بن أبي هند قال: قدمت دمشق فسألوني عن أولاد المشركين فحدثتهم عن الحسن عن أبي هريرة أنه قال:" كل مولود يولد على الفطرة"، وحدثتهم عن الشعبي عن علقمة : أن ابني مليكة قالا: يا رسول الله إن أمنا وأدت موؤودة في الجاهلية.."، خرج ذلك ابن عساكر (17/117)، وهذا المرسل أصح .
    ورواه شيبان عن جابر عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد وحده أيضا مرفوعا ومختصرا كما في معجم الطبراني (6320)، وزاد فيه عبيدة وحده:" وأدت أختا لنا لم تبلغ الحنث"، وهي زيادة منكرة أيضا، حيث قال ابن حزم في الفصل (4/62) :" وهذه اللفظة يعني "لم تبلغ الحنث" ليست بلا شك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها من كلام سلمة بن يزيد الجعفي وأخيه فلما أخبر عليه السلام بأن تلك الموءودة في النار كان ذلك إنكاراً وإبطالاً لقولهما أنها لم تبلغ الحنث وتصحيحها لأنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظنهما، ثم قال:" وقد صحت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن أطفال المشركين في الجنة قال الله تعالى: { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} فنص تعالى على أنه لا ذنب للموءودة فكان هذا مُبيَّنا، لأن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن تلك الموءودة في النار أخبار عن أنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظن أخويها "، ثم ذكر بأن الرواة لم يذكروا هذه اللفظة .
    بيْنما روى الحديثَ معتمر عن داود عن الشعبي عن علقمة مرسلا، مثل رواية اسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة، وكذلك هي رواية ابن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي مرسلا، وتابعهم على إرساله منصور فرواه عن إبراهيم عن علقمة مرسلا ، حدث به عنه محمد بن كثير وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال : جاء ابنا مليكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : إن أمنا ماتت حين رعد الإسلام وبرق ، فهل ينفعها أن نصلي لها مع كل صلاة صلاة ، ومع كل صوم صوما ، ومع كل صدقة صدقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الوائدة والموءودة في النار » قال : فلما وليا قال : « ساءكما أو شق عليكما، أمي مع أمكما في النار»، وهذه الطرق المرسلة هي الأصح لجلالة رواتها، وعدم اختلافهم فيها، وعليه فالحديث مرسل ومضطرب، ومما يؤكد ضعفه أن الوأد كان من فعل الرجال، لا من فعل النساء, وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة في أن الموؤودة وأبناء المشركين في الجنة وأنهم من خدمة أهلها كما سيأتي .
    وقد روى هذا الحديثَ سائر أصحاب عبد الله لم يذكر أحد منهم زيادة:" الموءودة في النار "،
    فرواه علي بن الحكم عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن ابن مسعود قال:" جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله إن أمنا كانت تحفظ على البعل وتكرم الضيف وقد ماتت في الجاهلية فأين أمنا؟ قال: أمكما في النار فقاما وقد شق ذلك عليهما فدعاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجعا فقال أمي مع أمكما..."، وكذلك رواه عن عثمان بن عمير عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله به بغير الزيادة أيضا.
    وللحديث شاهد آخر بالزيادة لكنه ساقط جدا: خرجه الطبراني (10236) عن علي بن عبد العزيز نا يحيى بن عبد الحميد الحماتي نا محمد بن أبان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: [جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : إن أمنا كانت تقري الضيف، وإنها وأدت موءودة في الجاهلية] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الوائدة والموءودة في النار »، وفيه محمد بن أبان متفق على ضعفه ووصفه ابن حبان بقلب الأخبار.
    وللحديث شاهد لكنه يرجع إلى ما سبق ، رواه شيبان عن جابر عن يزيد بن مرة، واختلف عنه فيه أيضا :
    فرواه الطبراني (6320) عن معاوية بن هشام عن شيبان عن جابر عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي به فرجع الحديث إلى طريق الشعبي عن علقمة كما مضى .
    ورواه أبو داود الطيالسي (1402) نا سليمان بن معاذ عن عمران بن مسلم عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : إن أمي ماتت وكانت تقري الضيف، وتطعم الجار واليتيم ، وكانت وأدت وأدا في الجاهلية، ولي سعة من مال أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينفع الإسلام إلا من أدركه ، إنها وما وأدت في النار » قال : ورأى ذلك قد شق علي فقال : « وأم محمد معهما فما فيهما خير »، قال الدارقطني كما في أطراف الغرائب لابن القيسراني (3/114):" غَرِيب من حَدِيث عمرَان بن مُسلم الْجعْفِيّ عَن يزِيد عَنهُ "، وجابر ضعيف وعمران لا أدري من هو، ويزيد بن مرة ضعيف ومع ذلك لم يسمع من سلمة كما قال البخاري في التاريخ:" يزيد بن مرة الحنفي عن شريح العراقي عن سلمة بن يزيد ولا يصح حديثه روى عنه جابر"، وقال الحسيني: فيه نظر".
    وفي الحديث علة أخرى وهي أن ابنا أبي مليكة لم تثبت صحبتهما والله أعلم ، لعدم وجود الدليل على ذلك، ويقال أنهما قد ارتدا، كما خرج ابن سعد في الطبقات (1/324) أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن أبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفي يحرمون القلب في الجاهلية، فوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منهم، قيس بن سلمة ..، وسلمة بن يزيد ..، وهما أخوان لأم، وأمهما مليكة .. فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلغني أنكم لا تأكلون القلب؟ قالا: نعم، .. وفيه:" ثم قالا: يا رسول الله إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك العاني وتطعم البائس وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرةً فما حالها؟ قال: الوائدة والموؤودة في النار، فقاما مغضبين، فقال: إلي فارجعا! فقال: وأمي مع أمكما، فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلاً أطعمنا القلب، وزعم أن أمنا في النار، لأهل أن لا يتبع! وذهبا، فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلاً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه وطردا الإبل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: لعن الله رعلاً وذكوان وعصية ولحيان وابني مليكة بن حريم ومران".
    وكذلك أعله ابن الوزير في العواصم والقواصم (7/249) ثم ذكر عن السبكي تصحيح الحديث ثم قال:" لكنه غيرُ عامٍّ، وإنما هو نصٌّ في موؤودة بعينها"، ثم ذكر له توجيهات أخرى فقال:" وقد قيل: لعله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على أن سِنَّ تلك الموؤودة بلغت التكليف، ولم يلتفت إلى قول السائل: لم تبلُغِ الحنثَ، لجهله بوقت البلوغ الشرعي، أو يكون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز، والسائل يجهله، وليس كون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز في ذلك الوقت من الأمور المحتاج إلى معرفتها حتَّى يبيِّنَه للسائل".
    ثم قال:" وقد بالغتُ بالبحث عن صحة هذا الحديث حتى وجدت ما يمنع القطع بصحته، فسقط الاحتجاج به ولله الحمد، وذلك ما ذكره ابن الجوزي في مسند سلمة بن يزيد من جامع المسانيد، فإنه قال بعد رواية الحديث هذا:.. ثم ذكر قصة ارتدادهما، وقوْل ابن الجوزي:" فظاهرُ هذا كفرهما، وظاهر ما روينا أنهما عادا إلى الدين، ورويا الحديث، والحديث ما رواه إلاَّ سلمة، وما علمت لأخيه روايةً أصلاً، وقوله: إنَّ الطاهر رجوعهما عن الرِّدَّة، واستدلاله على ذلك بمجرد رواية الحديث عن سلمة من غير نقلٍ صحيحٍ، بل ولا ضعيفٍ، لا يفيد شيئاً، ومثل هذا لا يثبت معه حديثٌ"،
    وقال البيهقي في القدر:" وهذه أخبار لا تبلغ أسانيدها في الصحة مبلغ حديث أبي هريرة وابن عباس ويحتمل إن كانت صحيحة أن تكون خارجة مخرج الأغلب ، وحديث أولاد خديجة ومليكة قضية في عين ، ونحن لا نعلم من ذلك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بالوحي ، فالأولى أن يكون أمرهم موكولا إلى الله تعالى ",
    والخلاصة أن هذا الحديث مرسل، مضطرب الإسناد منكر المتن مضطربه أيضا، يكفي في ردّه قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15]، وتواتر الأحاديث بأن المواليد في الجنة وأنهم على الفطرة والحمد لله رب العالمين، على فضله الكريم .
    كتبه أبو عيسى الزياني

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: بطلان حديث " الموءودة في النار "، وبيان علله .


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •