إذا انصب النهي على ذات الفعل، أو شرط من شروطه اقتضى الفساد والبطلان؛ فلا تبرأ به الذمة ولا تترتب عليه آثار؛ سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات.
فمثاله في العبادات:
1-الوضوء بالماء النجس؛ وضوء فاسد، لا تبرأ به الذمة؛ لأن منهي عنه، والنهي منصب على ذات الفعل.
2-الصلاة على غير طهارة؛ فهي صلاة فاسدة، لا تبرأ بها الذمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بغير طهور، والطهور شرط من شروط الصلاة.
3-الصلاة في مكان نجس، صلاة فاسدة، لا تبرأ بها الذمة؛ لأن طهارة المكان شرط من شروط الصلاة.
4-الحج بغير إحرام؛ حج فاسد، لا لا تبرأ به الذمة؛ لأن الإحرام ركن من أركان الحج.
5- الصوم بغير نية؛ صوم فاسد لا تبرأ به الذمة؛ لأن النية ركن من أركان الصوم.
ومثاله في المعاملات:
1- قوله تعالىٰ: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)[آل عمران: 130] فهذا نهي يقتضي فساد العقد الربوي وعدم صحته.
2- قوله تعالىٰ: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف)[النساء: 22] يقتضي بطلان عقد من عقد علىٰ امرأة أبيه وعدم صحته.
3- نَهْيه صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ([1])، يقتضي فساد عقد بيع الكلب وعدم صحته.
ومما يدل علىٰ أن النهي عن الشيء يقتضي فساده أو بطلانه، قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))([2]).
قال الشوكاني رحمه الله:
والحق أن كلَّ نهي من غير فرق بين العبادات والمعاملات يقتضي تحريم المنهي عنه وفساده المرادف للبطلان اقتضاءً شرعيًا، ولا يخرج من ذلك إلا ما قام الدليل علىٰ عدم اقتضائه لذلك، فيكون هذا الدليل قرينة صارفة له.اهـ([3]).
(وإذا انصب علىٰ أمر مقارن لا يتقضي ذلك):
مثاله:
1- الوضوء بالماء المغصوب، لا يقتضي فساد الوضوء؛ لأن النهي هنا عن أمر مقارن للوضوء لا علىٰ ذات الوضوء، فيأثم الغاصب مع صحة وضوئه.
2- الصلاة في الأرض المغصوبة، لا يقتضي فساد الصلاة؛ لأن النهي ليس علىٰ ذات الصلاة، وإنما عن أمر مقارن، فيأثم المصلي في الأرض المغصوبة مع صحة صلاته.
3- صلاة الرجل في ثوب حرير، لا يقتضي فساد الصلاة؛ لأن النهي ليس عن ذات الصلاة، وإنما عن أمر مقارن لها، فيأثم لابس الحرير مع صحة صلاته.
4- سفر المرأة للحج بلا محرم، لا يقتضي بطلان الحج؛ لأن النهي ليس عن ذات الحج، وإنما عن أمر مقارن، فيصح حجها، وتأثم لسفرها بغير محرم.



([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567).

([2]) متفق عليه: أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، واللفظ له.


([3]) «إرشاد الفحول» (167).