قال تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثَةً سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ وَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" (سنن النسائي 686)،و(سنن ابن ماجه 1398). فظاهر الآية أن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى البيت الحرام، وظاهر الحديث أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى. وفي الصحيحين عن أبي ذر الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ).
قال ابن حجر: ((قال ابن الجوزي : فيه إشكال ، لأن إبراهيم بنى الكعبة وسليمان بنى بيت المقدس وبينهما أكثر من ألف سنة))، ثم قال ابن حجر: ((وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس ، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض ، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن ، وكذا قال القرطبي : إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما ، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما)). ثم قال ابن حجر رحمه الله: ((وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال : إن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين ، فذكر ابن هشام في " كتاب التيجان " أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه ، وبناء آدم للبيت مشهور ، وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو أن البيت رفع زمن الطوفان حتى بوأه الله لإبراهيم . وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال : وضع الله البيت مع آدم لما هبط ، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم ، فقال الله له : يا آدم إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي فانطلق إليه ، فخرج آدم إلى مكة ؛ وكان قد هبط بالهند ومد له في خطوه فأتى البيت فطاف به " وقيل إنه لما صلى إلى الكعبة أمر بالتوجه إلى بيت المقدس فاتخذ فيه مسجدا وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته . وأما ظن الخطابي أن إيلياء اسم رجل ففيه نظر ، بل هو اسم البلد فأضيف إليه المسجد كما يقال مسجد المدينة ومسجد مكة . وقال أبو عبيد البكري في " معجم البلدان " : إيلياء مدينة بيت المقدس فيه ثلاث لغات : مد آخره وقصره وحذف الياء الأولى ، قال الفرزدق : لوى ابن أبي الرقراق عينيه بعدما دنا من أعالي إيلياء وغورا وعلى ما قاله الخطابي يمكن الجمع بأن يقال : إنها سميت باسم بانيها كغيرها . والله أعلم)).