بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله عز وجل :" وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما، قال: (تأخذ على يديه) .
زعم د.كيالي أن آية الاستئذان الثانية من سورة النور : (أن الآية 59 تفرض على الإنسان ثلاث فترات استراحة في اليوم )
وأن قوله تعالى : { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء } هي في النوم المبكر في الظلمة فيزداد إفراز هرمون الميلاتونين الذي يساعد في منع الإصابة بالسرطان .
وبالتالي كما زعم في المقطع الذي انتشر على لسانه أن سورة النور تمنع الإصابة بالسرطان .
إذا كانت المقدمات خاطئة كانت النتائج باطلة
وبالتالي سنحرم الوصول إلى الحق
والحق هنا هو الفهم الصحيح للآية وبالتالي العمل بها ، العمل الصالح الذي به نجاة الدارين
فيكون أخي قد ضل وأضل ، أسأل الله السلامة والعافية لي وله ولكل مسلم .
سيبين هذا المقال بحول الله وقوته أن هذه الآية من سورة النور هي في :
( الجهاد لا الرقاد )
بسم الله
قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُ مُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "
جاءت هذه الآية عقيب آية الاستخلاف والتمكين وهي قوله تعالى :
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "
والتناسب بين الآي والسور ، يكشف عن الحِكم والمقاصد والعلل .
فما العلاقة بين الاستخلاف في الأرض والاستئذان داخل البيوت ؟
ما هي الحكمة من الاستئذان داخل البيوت ؟
أما البالغين فعليهم الإستئذان في كل وقت وقد سبق ذكر حكمهم في السورة ، وأما الطفل الذي لم يبلغوا الحلم وملك اليمين فهم الذين خصتهم الآية بالعناية ونوهت بشأنهم - ولمشقة التحرز عن دخولهم في كل الأوقات -جعلت لهم الآية الكريمة لهم ثلاثة أوقات مخصوصة لا يدخلون فيه إلابإذن ، وهذه الأوقات هي مظنة كشف العورات وهي :
- { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ }:
وهو وقت استيقاظ الأسرة المسلمة وبدء دخول بعضها على بعض .
- { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ }:
إما ثياب المهنة وإما للقيلولة
- { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء }
وذلك لأنه وقت التجرد عن الثياب، والخلوة بالأهل .
فالحكمة أنها ثلاث عورات للمستأذن عليهم ، فليس المقصود منها النوم وإن كان يقع
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنما جعل الاستئذان من أجل النظر".
هذه السورة تسمى سورة النور
ووردت بها آية النور
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما عجيبا عن فوائد غض البصر في نور القلب وزكاته
ودلل على ان الزكاة هي التقوى
فإذا كان قد سبق الأمر للبالغين في السورة بغض النظر وبالعفاف وحفظ الألسن عن الأعراض وصيانتها وغيره.
جاء الأمر هنا بصيانتها والمحافظة عليها منذ الصغر
ينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه
فهذا يثمر في قلبه النور والهدى والعلم وبالتالي الإيمان
وأهل الإيمان هم الموعودون بالنصر والتمكين :
" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ "
فيرشدنا ربنا جل جلاله إلى تربية هذا النشء على الطهر فلا تقع عينه على ما يُخجل منه من مناظر وعورات تنطبع في نفسه الزكية والنظر داعية إلى فساد القلب ، والطفل لصغر سنه قد لا يؤبه له .
كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إذا أراد أن يأتي أهله يأمر بالرضيع فيُخرج ، وأعظم ما يحفظ الذرية تقوى الآباء .
إضافة إلى أنه يجب أن ينشأ الأطفال على ستر العورة حتى يكون ذلك كالسجية فيهم إذا كبروا.
فينشؤوا أطهارا في بيوت طهر وعفاف .
قوله جل شأنه : " لِيَسْتَأْذِنكُ مُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "
أكثر من يلابس أهل البيت من يقوم على خدمتهم وهؤلاء إلى الفساد أسرع من غيرهم لذلك جاء الأمر في السورة نفسها بإعفافهم :" وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
بل وبمساعدتهم على الحرية لأن الحر يأنف مما لا يأنف منه العبد :" وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ"
فخصوا بالذكر في الآية ...
بل قدم الله ذكرهم على الطفل
الطريق إلى الاستخلاف والتمكين يبدأ منذ الصغر ، راية الجهاد لن يحملها الزناة والزواني ولا المريضة قلوبهم ،لن يحملها إلا القلوب الزكية النقية التي تربت في بيوت الطهر والعفاف .
حكم الله عز وجل على بني اسرائيل بالتيه أربعين سنة حتى يتبدل الجيل الذي تربى على الذل والهوان ولم يستطع أن يستجيب لأمر الله بالدخول إلى الأرض المقدسة ، حتى ينشأ جيل جديد حر من تلك القيود .
وسورة النور تبين أن القلوب التي قهرت سلطان شهواتها بتقوى الله عز وجل لها موعود العزة والنصرة والتمكين .
والبيوتات المؤمنة المستجيبة لأوامر الله عز وجل هي التي ستخرج لنا هذا الجيل .
قال ابن تيمية رحمه الله :
وإذا كان الذي قد يهجر السيئات يغض بصره ويحفظ فرجه وغير ذلك مما نهى الله عنه يجعل الله له من النور والعلم والقوة والعزة ومحبة الله ورسوله فما ظنك بالذي لم يحم حول السيئات ولم يعرها طرفه قط ولم تحدثه نفسه بها -بل هو يجاهد في سبيل الله أهلها ليتركوا السيئات ؟ فهل هذا وذاك سواء ؛ بل هذا له من النور والإيمان والعزة والقوة والمحبة والسلطان والنجاة في الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ذاك وحاله أعظم وأعلى ونوره أتم وأقوى.اه
و هذا هو الطريق الذي كان يرسم من أول السورة .
والله تعالى أعلم