تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الرد على د.كيالي فيما زعم لآية النور من معاني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    14

    افتراضي الرد على د.كيالي فيما زعم لآية النور من معاني

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يقول الله عز وجل :" وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

    وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما، قال: (تأخذ على يديه) .

    زعم د.كيالي أن آية الاستئذان الثانية من سورة النور : (أن الآية 59 تفرض على الإنسان ثلاث فترات استراحة في اليوم )

    وأن قوله تعالى : { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء } هي في النوم المبكر في الظلمة فيزداد إفراز هرمون الميلاتونين الذي يساعد في منع الإصابة بالسرطان .

    وبالتالي كما زعم في المقطع الذي انتشر على لسانه أن سورة النور تمنع الإصابة بالسرطان .


    إذا كانت المقدمات خاطئة كانت النتائج باطلة

    وبالتالي سنحرم الوصول إلى الحق

    والحق هنا هو الفهم الصحيح للآية وبالتالي العمل بها ، العمل الصالح الذي به نجاة الدارين
    فيكون أخي قد ضل وأضل ، أسأل الله السلامة والعافية لي وله ولكل مسلم .

    سيبين هذا المقال بحول الله وقوته أن هذه الآية من سورة النور هي في :

    ( الجهاد لا الرقاد )

    بسم الله

    قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُ مُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "

    جاءت هذه الآية عقيب آية الاستخلاف والتمكين وهي قوله تعالى :
    " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "

    والتناسب بين الآي والسور ، يكشف عن الحِكم والمقاصد والعلل .

    فما العلاقة بين الاستخلاف في الأرض والاستئذان داخل البيوت ؟

    ما هي الحكمة من الاستئذان داخل البيوت ؟

    أما البالغين فعليهم الإستئذان في كل وقت وقد سبق ذكر حكمهم في السورة ، وأما الطفل الذي لم يبلغوا الحلم وملك اليمين فهم الذين خصتهم الآية بالعناية ونوهت بشأنهم - ولمشقة التحرز عن دخولهم في كل الأوقات -جعلت لهم الآية الكريمة لهم ثلاثة أوقات مخصوصة لا يدخلون فيه إلابإذن ، وهذه الأوقات هي مظنة كشف العورات وهي :

    - { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ }:
    وهو وقت استيقاظ الأسرة المسلمة وبدء دخول بعضها على بعض .

    - { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ }:
    إما ثياب المهنة وإما للقيلولة
    - { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء }

    وذلك لأنه وقت التجرد عن الثياب، والخلوة بالأهل .

    فالحكمة أنها ثلاث عورات للمستأذن عليهم ، فليس المقصود منها النوم وإن كان يقع

    وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنما جعل الاستئذان من أجل النظر‏"‏‏‏.

    هذه السورة تسمى سورة النور

    ووردت بها آية النور

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما عجيبا عن فوائد غض البصر في نور القلب وزكاته

    ودلل على ان الزكاة هي التقوى

    فإذا كان قد سبق الأمر للبالغين في السورة بغض النظر وبالعفاف وحفظ الألسن عن الأعراض وصيانتها وغيره.

    جاء الأمر هنا بصيانتها والمحافظة عليها منذ الصغر
    ينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه

    فهذا يثمر في قلبه النور والهدى والعلم وبالتالي الإيمان

    وأهل الإيمان هم الموعودون بالنصر والتمكين :
    " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ "

    فيرشدنا ربنا جل جلاله إلى تربية هذا النشء على الطهر فلا تقع عينه على ما يُخجل منه من مناظر وعورات تنطبع في نفسه الزكية والنظر داعية إلى فساد القلب ، والطفل لصغر سنه قد لا يؤبه له .

    كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إذا أراد أن يأتي أهله يأمر بالرضيع فيُخرج ، وأعظم ما يحفظ الذرية تقوى الآباء .

    إضافة إلى أنه يجب أن ينشأ الأطفال على ستر العورة حتى يكون ذلك كالسجية فيهم إذا كبروا.

    فينشؤوا أطهارا في بيوت طهر وعفاف .


    قوله جل شأنه : " لِيَسْتَأْذِنكُ مُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "

    أكثر من يلابس أهل البيت من يقوم على خدمتهم وهؤلاء إلى الفساد أسرع من غيرهم لذلك جاء الأمر في السورة نفسها بإعفافهم :" وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "

    بل وبمساعدتهم على الحرية لأن الحر يأنف مما لا يأنف منه العبد :" وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ"

    فخصوا بالذكر في الآية ...
    بل قدم الله ذكرهم على الطفل

    الطريق إلى الاستخلاف والتمكين يبدأ منذ الصغر ، راية الجهاد لن يحملها الزناة والزواني ولا المريضة قلوبهم ،لن يحملها إلا القلوب الزكية النقية التي تربت في بيوت الطهر والعفاف .

    حكم الله عز وجل على بني اسرائيل بالتيه أربعين سنة حتى يتبدل الجيل الذي تربى على الذل والهوان ولم يستطع أن يستجيب لأمر الله بالدخول إلى الأرض المقدسة ، حتى ينشأ جيل جديد حر من تلك القيود .

    وسورة النور تبين أن القلوب التي قهرت سلطان شهواتها بتقوى الله عز وجل لها موعود العزة والنصرة والتمكين .

    والبيوتات المؤمنة المستجيبة لأوامر الله عز وجل هي التي ستخرج لنا هذا الجيل .

    قال ابن تيمية رحمه الله :
    وإذا كان الذي قد يهجر السيئات يغض بصره ويحفظ فرجه وغير ذلك مما نهى الله عنه يجعل الله له من النور والعلم والقوة والعزة ومحبة الله ورسوله فما ظنك بالذي لم يحم حول السيئات ولم يعرها طرفه قط ولم تحدثه نفسه بها -بل هو يجاهد في سبيل الله أهلها ليتركوا السيئات ؟ فهل هذا وذاك سواء ؛ بل هذا له من النور والإيمان والعزة والقوة والمحبة والسلطان والنجاة في الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ذاك وحاله أعظم وأعلى ونوره أتم وأقوى.اه

    و هذا هو الطريق الذي كان يرسم من أول السورة .

    والله تعالى أعلم




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    14

    افتراضي رد: الرد على د.كيالي فيما زعم لآية النور من معاني

    القرآن لا يناقض العلم الصحيح

    وإن صحت المعلومة بأن للميلاتونين دورأ في مقاومة السرطان

    فإن القرآن لا يناقضها

    لكن هذه المعلومة ما زالت قيد بحث ونظر :

    (أما التكهنات التي أدرجت السرطان والإيدز في قائمة الاستعمال فقد نشأت من الاعتقاد بأن أغلب النشاط المناعي يحدث أثناء الليل، لذا فقد يتأثَّر الجهاز المناعي من النوم الذي يستحثه الميلاتونين، ويرون أن السرطان مرجعه تعرُّض الجسم للضوء الاصطناعي لفترات طويلة، ومن جرَّاء هذا التعرُّض يقل مُعدل الميلاتونين لبضع ساعات يومياً في وقت كان من المفروض أن يكون فيه ارتفاعاً. ولا تقوم لهذه الآراء قائمة لو فحصت على مائدة البحث,وفحصت بمنظار العلم. )[1]

    لكن النوم ليلا دل عليه القرآن والسنة
    أما السنة فقد جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها
    وأما الآيات فإني أطلب من القارئ الكريم أن يتأمل الخواتيم أيضا حين قراءتها فسأطرح عليها بعض التساؤلات لبيان أمر :
    قال تعالي :
    "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ "
    [يونس : 67]
    " أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "
    [النمل : 86]
    "وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "
    [القصص : 73]
    " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ "
    [الروم : 23]
    " اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ "
    [غافر : 61]
    لم يقل جعلنا الليل مظلما كما قال في النهار مبصرا
    لأن الظلمة ليست هي الغاية بل وسيلة إلى السكن وهو الذي تتم به النعمة
    ولم يقل في النهار لتنتشروا فيها أو تعتاشوا لاختلافات الغايات والمنافع التي تحتاج إلى الضياء فهو شرط فيها فكان الضياء أساس النعمة
    لتظهر روعة الاحتباك .

    الآن :
    هل يحسن ان يُعرض القرآن بطريقة :
    سورة النور تقي الإصابة بالسرطان وما شابه هذا العنوان
    - هل أتى القرآن بصلاح الدنيا ؟
    - هل أتى القرآن بصلاح الآخرة فقط ؟
    - أم أتى القرآن بصلاح الدنيا والآخرة ؟
    وبعبارة أدق :
    بصلاح الآخرة الذي لا تصلح الدنيا إلا به ؟

    لماذا يُعرض القرآن لصلاح الدنيا فقط دون الربط بما أنزل به من مقاصده العلية ؟
    لا تصلح الدنيا إلا بصلاح الآخرة وليس هناك من هم أحرص على صلاح دنياهم من الغرب ويبذلون لهذه الغاية جهدهم ومالهم ... ومع ذلك لا تستقيم لهم ولن ، وهم أشد الناس بلاءً
    والمسلمون وإن كان يصيبهم هذا الداء - نسأل الله العفو والعافية – فإن ما ما يصيبهم هناك منه أشد وأمض ومنه أنواع لا تخطر على بال على غناهم وتقدمهم وعلومهم .
    لا تجد إرادة دنيوية في القرآن إلا ويقرن بها ما هو أعلى وأجل وتكون مرادة لغيرها
    وأضرب لذلك مثالاً :
    تأديب عيسى – عليه السلام - للحواريين :
    " قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿113﴾ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ "
    فبدأوا بالدنيا وبدأ بالآخرة (والعيد اسم ليوم يعود كلّ سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار )[2]

    وسأكتفي بعرض الآية الأولى آية يونس لبيان كيف يستفاد من السياق والخواتيم لبيان كيف تربط النعم بالآخرة ، وذلك من خلال تفسيرين جليلين أوردهما كاملين بلا اختصار ، لما فيهما من الفوائد واللطائف والاعتبار:
    سياق الآيات :
    { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

    جاء في نظم الدرر :
    ثم أثبت سبحانه اختصاصه بشيء جامع للعلم والقدرة تأكيداً لاختصاصه بالعزة وتفرده بالوحدانية، وأن من أشرك به خارص لا علم له بوجه لكثرة الدلائل على وحدانيته ووضوحها فقال: { هو } أي وحده { الذي جعل } أي بسبب دوران الأفلاك الذي أتقنه { لكم } أي نعمة منه { الليل } أي مظلماً { لتسكنوا فيه } راحة لكم ودلالة على قدرته سبحانه على الإيجاد والإعدام وأُنساً للمحبين لربهم { والنهار } وأعار السبب وصف المسبب فقال: { مبصراً } أي لتنتشروا فيه، حذف وصف الليل وذكرت علته عكس ما فعل بالنهار ليدل ما ثبت على ما حذف، فالآية من الاحتباك.
    ولما كانت هذه الآيات من الظهور بحيث لا يحتاج إلى أكثر من سماعها، قال: { إن في ذلك } أي الأمر العظيم { لآيات لقوم } أي لهم قوة المحاولة على ما يريدونه { يسمعون } أي لهم سمع صحيح، وفي ذلك أدلة واضحات على أنه مختص بالعزة فلا شريك له، لأن الشريك لا بد وأن يقاسم شريكه شيئاً من الأفعال أو الأحوال أو الملك، وأما عند انتفاء جميع ذلك فانتفاء الشركة أوضح من أن يحتاج فيه إلى دليل، ويجوز أن يكون المعنى: لآيات لقوم يبصرون إبصار اعتبار ويسمعون سماع تأمل وإدكار، ولكنه حذف " يبصرون " لدلالة { مبصراً } عليه، ويزيد ذلك وضوحاً وحسناً كون السياق لنفي الشركاء، فهو إشارة إلى أنها لا تسمع ولا تبصر أصلاً فكيف بالاعتبار والافتكار؟ فالذين عبدوهم أكمل حالاً منهم.[3]
    التحرير والتنوير:
    { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }
    جملة معترضة بين جملة إن يتبعون إلا الظن وجملة قالوا اتخذ الله ولدا جاءت مجيء الاستدلال على فساد ظنهم وخرصهم بشواهد خلق الليل والنهار المشاهد في كل يوم من العمر مرتين وهم في غفلة عن دلالته ، وهو خلق نظام النهار والليل .

    وكيف كان النهار وقتا ينتشر فيه النور فيناسب المشاهدة لاحتياج الناس في حركات أعمالهم إلى إحساس البصر الذي به تتبين ذوات الأشياء وأحوالها لتناول الصالح منها في العمل ونبذ غير الصالح للعمل .

    وكيف كان الليل وقتا تغشاه الظلمة فكان مناسبا للسكون لاحتياج الناس فيه إلى الراحة من تعب الأعمال التي كدحوا لها في النهار . فكانت الظلمة باعثة الناس على الراحة ومحددة لهم إبانها بحيث يستوي في ذلك الفطن والغافل .

    ولما قابل السكون في جانب الليل بالإبصار في جانب النهار ، والليل والنهار ضدان دل ذلك على أن علة السكون عدم الإبصار وأن الإبصار يقتضي الحركة فكان في الكلام احتباك .

    ووصف النهار بمبصر مجاز عقلي للمبالغة في حصول الإبصار فيه حتى جعل النهار هو المبصر . والمراد : مبصرا فيه الناس .

    ومن لطائف المناسبة أن النور الذي هو كيفية زمن النهار شيء وجودي فكان زمانه حقيقا بأن يوصف بأوصاف العقلاء ، بخلاف الليل فإن ظلمته عدمية فاقتصر في العبرة به على ذكر الفائدة الحاصلة فيه وهي أن يسكنوا فيه .

    وفي قوله : هو الذي جعل لكم الليل طريق من طرق القصر وهو تعريف المسند والمسند إليه . وهو هنا قصر حقيقي وليس إضافيا كما توهمه بعض الكاتبين إذ جعله قصر تعيين ، وهم معترفون به لا يستطيعون دفع هذا الاستدلال ، فالمقصود الاستدلال على انفراده - تعالى - بخصائص الإلهية التي منها الخلق والتقدير ، وأن آلهتهم انتفت عنها خصائص الإلهية ، وقد حصل مع الاستدلال امتنان على الناس بجعل الليل والنهار على هذا النظام . وهذا الامتنان مستفاد من قوله : جعل لكم ، ومن تعليل خلق الليل بعلة سكون الناس فيه ، وخلق النهار بعلة إبصار الناس ، وكل الناس يعلمون ما في سكون الليل من نعمة وما في إبصارهم بالنهار من نعمة كذلك ، فإن في العمل بالنهار نعما جمة من تحصيل رغبات ، ومشاهدة محبوبات ، وتحصيل أموال وأقوات ، وأن في السكون بالليل نعما جمة من استجمام القوى المنهوكة والإخلاد إلى محادثة الأهل والأولاد ، على أن في اختلاف الأحوال ، ما يدفع عن المرء الملال .

    وفي إدماج الاستدلال بالامتنان تعريض بأن الذين جعلوا لله شركاء جمعوا وصمتين هما : وصمة مخالفة الحق ، ووصمة كفران النعمة .

    وجملة إن في ذلك لآيات مستأنفة . والآيات : الدلائل الدالة على وحدانية الله - تعالى - بالإلهية ، فإن النظام الذي نشأ عنه الليل والنهار مشتمل على دقائق كثيرة من العلم والحكمة والقدرة وإتقان الصنع .

    فمن تلك الآيات : خلق الشمس ، وخلق الأرض ، وخلق النور في الشمس وخلق الظلمة في الأرض ، ووصول شعاع الشمس إلى الأرض ، ودوران الأرض كل يوم بحيث يكون نصف كرتها مواجها للشعاع ونصفها الآخر محجوبا عن الشعاع ، وخلق الإنسان ، وجعل نظام مزاجه العصبي متأثرا بالشعاع نشاطا ، وبالظلمة فتورا [4]، وخلق حاسة البصر ، وجعلها مقترنة بتأثر الضوء ; وجعل نظام العمل مرتبطا بحاسة البصر ; وخلق نظام المزاج الإنساني مشتملا على قوى قابلة للقوة والضعف ثم مدفوعا إلى استعمال قواه بقصد وبغير قصد بسبب نشاطه العصبي ، ثم فاقدا بالعمل نصيبا من قواه محتاجا إلى الاعتياض بقوى تخلفها بالسكون والفتور الذي يلجئه إلى تطلب الراحة . وأية آيات أعظم من هذه ، وأية منة على الإنسان أعظم من إيداع لله فيه دواعي تسوقه إلى صلاحه وصلاح نوعه بداع من نفسه .

    ووصف " قوم " بأنهم " يسمعون " إشارة إلى أن تلك الآيات والدلائل تنهض دلالتها للعقول بالتأمل فيها ، وأن توجه التفكير إلى دلائلها غير محتاج إلا إلى التنبيه عليها ولفته إليها ، فلما كان سماع تذكير الله بها هو الأصل الأصيل في استخراج دلالتها أو تفريع مدلولاتها على تفاوت الأذهان في الفطنة وترتيب الأدلة جعل آيات دلالتها حاصلة للذين يسمعون .

    ويجوز أن يكون المراد يسمعون تفاصيل تلك الدلائل في تضاعيف سور القرآن . وعلى كلا الاحتمالين فالوصف بالسمع تعريض بأن الذين لم يهتدوا بها ولا تفطنوا لدلالتها بمنزلة الصم ، كقوله - تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي .[5]


    [1] مجلة الكويت :http://www.kuwaitmag.com/favicon.ico

    [2] التحرير والتوير

    [3] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي رحمه الله

    [4] جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا (إن إفراز هرمون الميلاتونين يتوقف على وجود الضوء في البيئة حيث يزيد إفرازه عندما يقل الضوء، بينما يقل إفرازه عند زيادة كمية الضوء. يقوم هرمون الميلاتونين بدور المنبه الخاص بجسم الإنسان فهو ينظم الدورة الخاصة بنومه واستيقاظه ولا يعرف حتى الآن ميكانيكية عمل هذا الهرمون. يفرز ليلاً لكي يساعد الإنسان على النوم ويتوقف الجسم عن إنتاجه نهاراً مع ضوء الشمس حتى يمكنه الاستيقاظ وممارسة أعماله ونشاطاته.)
    فمن الذي عرف هذا أولا ؟!


    [5] التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •