فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمّةً عدلاً لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنّها قد بلّغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.
وقيل: معنى عليكم فى قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} لكم. كأن تأويله عندهم: ويكون الرسول شهيدا لكم.
وقال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى بنوحٍ عليه السّلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت ما أرسلت به؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ، فيقال له: من يعلم ذاك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فهو قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، إلاّ أنّه زاد فيه: «فتدعون فيشهدون أنّه قد بلّغ».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ: «{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس}بأنّ الرّسل قد بلّغوا{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}بما عملتم أو فعلتم».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن النّهّاس، أنّ مكتبًا لهم حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي وأمّتي لعلى كومٍ يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحدٌ من الأمم إلاّ ودّ أنّه منا أيّتها الأمّة، وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلاّ نحن شهداؤه يوم القيامة أنّه قد بلّغ رسالات ربّه ونصح لهم قال: {والرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن أبى الفضل، عن أبي هريرة، قال: «خرجت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فلمّا صلّى على الميّت، قال النّاس: نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت»، ثمّ خرجت معه في جنازةٍ أخرى، فلمّا صلّوا على الميّت، قال النّاس: بئس الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». فقام إليه أبيّ بن كعبٍ، فقال: يا رسول اللّه، ما قولك وجبت؟ قال: «قول اللّه عزّ وجلّ:{لتكونوا شهداء على النّاس}».
- حدّثني عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثني أبو عمرٍو عن يحيى، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، قال: حدّثني أبو هريرة قال: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ، فقال النّاس: نعم الرّجل». ثمّ ذكر نحو حديث عصامٍ، عن أبيه.
- حدّثنا العباس بن الوليد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدّثني عبد اللّه، قال: حدّثني أبو هريرة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، قال: حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمرّ عليه بجنازةٍ فأثنى عليها ثناءٍ حسنٍ، فقال: وجبت»، ومرّ عليه بجنازةٍ أخرى، فأثنى عليها دون ذلك، فقال: «وجبت»، قالوا: يا رسول اللّه ما وجبت؟ قال: «الملائكة شهداء اللّه في السّماء وأنتم شهداء اللّه في الأرض فما شهدتم عليه من شىء وجبت ثمّ قرأ: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} الآية».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}تكونوا شهداء لمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام على الأمم اليهود، والنّصارى، والمجوس».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحدٌ، فتشهد له أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قد بلّغهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه أنّه سمع عبيد بن عميرٍ يقول. فذكر مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثني ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة»، فذكر مثله، ولم يذكر عبيد بن عميرٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ قوم نوحٍ يقولون يوم القيامة: لم يبلّغنا نوحٌ. فيدعى نوحٌ عليه السّلام فيسأل: هل بلّغتهم؟ فيقول: نعم، قد بلّغتهم فيقال: من شهودك؟ فيقول: أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته. فتدعون فتسألون، فتقولون: نعم، قد بلّغهم. فتقول قوم نوحٍ عليه السّلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا؟ قالوا: قد جاءنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّه قد بلّغكم، وأنزل عليه أنّه قد بلّغكم، فصدّقناه. قال: فيصدّق نوحٌ ويكذّبون هم،قال:{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرني ابن أنعم المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا جمع اللّه عباده يوم القيامة، كان أوّل من يدعى إسرافيل، فيقول له ربّه: ما فعلت في عهدي هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغته جبريل عليهما السّلام، فيدعى جبريل، فيقال له: هل بلّغت إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغني. فيخلّى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلّغت الرّسل فتدعى الرّسل فيقال لهم: هل بلّغك إسرافيل عهدي فيقولون: نعم ربّنا، فيخلّى عن جبريل، ثمّ يقال للرّسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقول: بلّغنا أممنا. فتدعى الأمم فيقال: هل بلّغكم الرّسل عهدي؟ فمنهم المكذّب ومنهم المصدّق، فتقول الرّسل: إنّ لنا عليهم شهودًا يشهدون أن قد بلّغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقول: أمّة محمّدٍ. فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقول: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم ربّنا، شهدنا أن قد بلّغوا، فتقول تلك الأمم: ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرّبّ تبارك وتعالى: كيف يشهدون على من لم يدركوا؟ فيقولون: ربّنا بعثت إلينا رسولاً، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنّهم قد بلّغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرّبّ: صدقوا فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}والوسط: العدل{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}»، قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}يعني بذلك الّذين استقاموا على الهدى، فهم الّذين يكونون شهداء على النّاس يوم القيامة لتكذيبهم رسل اللّه، وكفرهم بآيات اللّه».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم به رسلهم، وبما كذّبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: أنّ أمّةً لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذّبنا نحن بما جاءوا به. فعجبوا كلّ العجب».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}يعني أنّهم شهداء على القرون بما سمّى اللّه عزّ وجلّ لهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: «ما قوله:{لتكونوا شهداء على النّاس}قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:{ويوم يقوم الأشهاد}والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود»). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.
2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم: فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فذلك قوله: جعلناكم أمّةً وسطًا الوسط: العدل. قال: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثمّ يشهد عليكم بعده»
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي عدلا على النّاس».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن أبي عمرٍو الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، حدّثني أبو هريرة قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ يصلّي عليها فقال النّاس. نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». وأتي بجنازةٍ أخرى فقال النّاس: بئس الرّجل. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت» قال أبيّ بن كعبٍ: ما قولك وجبت؟ فقال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{لتكونوا شهداء على النّاس}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {على النّاس}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّتي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذّبوهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}: فكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغتهم وأنّهم كذّبوا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{جعلناكم أمة وسطا}أي عدلا{لتكونوا شهداء على الناس}على الأمم كلها اليهود والنصارى والمجوس» قال ورقاء حدثني ابن أبي نجيح أنه سمع أباه يقول قال عبيد بن عمير: «يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ» ). [تفسير مجاهد: 90]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ محمّد بن غالبٍ، ثنا عيسى بن إبراهيم البركيّ، ثنا المعافى بن عمران الموصليّ، ثنا مصعب بن ثابتٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: «كنت مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في جنازةٍ فينا في بني سلمة، وأنا أمشي إلى جنب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال رجلٌ: نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفًا مسلمًا إن كان. فقال رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، ذاك بدا لنا واللّه أعلم بالسّرائر، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» قال: وكنّا معه في جنازة رجلٍ من بني حارثة - أو من بني عبد الأشهل - فقال رجلٌ: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظًّا غليظًا إن كان، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، اللّه أعلم بالسّرائر فأمّا الّذي بدا لنا منه فذاك، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» ثمّ تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}. «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه إنّما اتّفقا على وجبت فقط» ). [المستدرك: 2/ 294]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في المراد ب النّاس في هذا الموضع،
فقالت فرقة: هم جميع الجنس، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ، وذلك أن نوحا تناكره أمته في التبليغ، فتقول له أمة محمد نحن نشهد لك، فيشهدون، فيقول الله لهم: كيف شهدتم على ما لم تحضروا؟، فيقولون: أي ربنا جاءنا رسولك ونزل إلينا كتابك فنحن نشهد بما عهدت إلينا وأعلمتنا به، فيقول الله تعالى: صدقتم، وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه،
وقال مجاهد: «معنى الآية تشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس».
وقالت طائفة: معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرت به جنازة فأثني عليها بالخير، فقال: «وجبت» ، ثم مر بأخرى، فأثني عليها بشرّ، فقال: «وجبت»، يعني الجنة والنار، فسئل عن ذلك، فقال: «أنتم شهداء الله في الأرض»، وروي في بعض الطرق أنه قرأ {لتكونوا شهداء على النّاس}.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوحٌ وأمّته، فيقول الله: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله عز وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}». أخرجه البخاري والترمذي.
إلا أن في رواية الترمذي. فيقولون: «ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحدٍ» وذكر الآية إلى آخرها - ثم قال: «والوسط: العدل».
واختصره الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلاً»). [جامع الأصول: 2/ 13-14]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يقول تعالى: إنّما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأنّ الجميع معترفون لكم بالفضل.
...
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ وما أتانا من أحدٍ، فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته»قال: «فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}».
قال: «الوسط: العدل، فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ، ثمّ أشهد عليكم».رواه البخاريّ والتّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه من طرقٍ عن الأعمش، به .
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل والنّبيّ ومعه الرّجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه، فيقال لهم : هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فيدعى بمحمّدٍ وأمّته، فيقال لهم: هل بلّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّ الرّسل قد بلّغوا فذلك قوله عزّ وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}» قال: «عدلًا{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا».
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ،وابن أبي حاتمٍ من حديث عبد الواحد بن زيادٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهّاسٍ: حدّثني مكتبٌ لنا عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «أنا وأمّتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق. ما من النّاس أحدٌ إلّا ودّ أنّه منّا. وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن نشهد أنّه قد بلّغ رسالة ربّه، عز وجل».
وروى الحاكم، في مستدركه وابن مردويه أيضًا، واللّفظ له، من حديث مصعب بن ثابتٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي، عن جابر بن عبد اللّه، قال: شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جنازةً، في بني سلمة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: واللّه -يا رسول اللّه -لنعم المرء كان لقد كان عفيفًا مسلمًا وكان وأثنوا عليه خيرًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنت بما تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». ثمّ شهد جنازةً في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: يا رسول اللّه، بئس المرء كان، إن كان لفظّاً غليظًا، فأثنوا عليه شرًّا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبعضهم: «أنت بالذي تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت».
قال مصعب بن ثابتٍ: فقال لنا عند ذلك محمّد بن كعب: صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قرأ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}. ثمّ قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبي الأسود أنّه قال: أتيت المدينة فوافقتها، وقد وقع بها مرضٌ، فهم يموتون موتًا ذريعاً. فجلست إلى عمر بن الخطّاب، فمرّت به جنازةٌ، فأثني على صاحبها خيرٌ. فقال: وجبت وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني عليها شرٌّ، فقال عمر: وجبت وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما مسلمٍ شهد له أربعةٌ بخيرٍ أدخله اللّه الجنّة». قال: فقلنا. وثلاثةٌ؟ قال: «وثلاثةٌ». قال، فقلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» ثمّ لم نسأله عن الواحد.
وكذا رواه البخاريّ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من حديث داود بن أبي الفرات، به.
قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن عثمان بن يحيى، حدّثنا أبو قلابة الرّقاشيّ، حدّثني أبو الوليد، حدّثنا نافع بن عمر، حدّثني أمّيّة بن صفوان، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول اللّه؟ قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّئ، أنتم شهداء اللّه في الأرض». ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وعبد الملك بن عمر وشريحٍ، عن نافع عن ابن عمر، به.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير والن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}بأن الرسل قد بلغوا{ويكون الرسول عليكم شهيدا}بما عملتم».
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر قال: «شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان لقد كان عفيفا مسلما وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله بدا لنا والله أعلم بالسرائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، قال: «وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال: «وجبت» ثم تلا رسول الله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت» فسأله عمر، فقال: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض»، زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر: «أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: وما وجبت قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة، فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان، فقال: واثنان ولم نسأله عن الواحد».
وأخرج أحمد، وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في "سننه" عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم»، قال: بم يا رسول الله قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، وأوتي بجنازة أخرى فقال الناس: بئس الرجل، فقال: «وجبت»، قال أبي بن كعب: ما قولك فقال: «قال تعالى:{لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد، وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: «مر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار فأثني عليها خيرا فقال: «وجبت»، ثم مر عليه بجنازة أخرى فأثني عليها دون ذلك فقال: «وجبت»، فقال: يا رسول الله وما وجبت قال: «الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النّبيّ يقال له: بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقل لهذه الأمة{ما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج الآية 78]وقال{لتكونوا شهداء على الناس} وقال:{ادعوني استجب لكم}[غافر الآية 60]».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى اسرافيل فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك اسرافيل عهدي؟، فيقول: نعم، فيخلى عن اسرافيل ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟، فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟، فيقولون: نعم، فيخلى جبريل ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟، فيقولون: نعم بلغناه الأمم، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟، فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء، فيقول: من؟، فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟، فيقولون: نعم، فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟، فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا فنشهد بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}والوسط العدل{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في الآية قال: «{لتكونوا شهداء على الناس}يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وعلى قوم هود وعلى قوم صالح وعلى قوم شعيب وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم»، قال أبو العالية: «وهي في قراءة أبي (لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة)».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».). [الدر المنثور: 2/ 17-25]
من الذي يُمنع من الشهادة من هذه الأمة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (... قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه.). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».
وأخرج مسلم وأبو دلود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»). [الدر المنثور: 2/ 17-25]
المقصود بالرسول في الآية
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.). [جامع البيان: 2/ 629-637]
معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا على هذه الأمة
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({لّتكونوا شهداء على النّاس}, يقال: إن كلّ نبيّ يأتي يوم القيامة , فيقول: ((بلّغت))، فتقول أمّته: لا، فيكذّبون الأنبياء، ثم يجاء بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيصدّقون الأنبياء ونبيّهم, ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم , فيصدّق أمّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: {لّتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}، ومنه قول الله: {فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}). [معاني القرآن: 1/ 83]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال في قوله: {أمة وسطا} قال: «عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا أن قد بلغ ما أرسل به»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60-61]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ في قوله تبارك وتعالى: {ويكون الرّسول عليكم شهيدا} قال: «شهيدًا عليكم فيما فعلتم»). [تفسير الثوري: 51]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
والشّهداء جمع شهيدٍ.
فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمّةً عدلاً لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنّها قد بلّغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.
وقيل: معنى عليكم فى قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} لكم. كأن تأويله عندهم: ويكون الرسول شهيدا لكم.
وقال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
...
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ: «{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس}بأنّ الرّسل قد بلّغوا{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}بما عملتم أو فعلتم».
…
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به».
…
قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يعني بإيمانهم به، وبما أنزل عليه.
...
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: «ما قوله:{لتكونوا شهداء على النّاس}قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:{ويوم يقوم الأشهاد}والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود»). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.
2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت: فيقول نعم. فتدعون للشّهادة بالبلاغ. قال: ثمّ أشهد عليكم بعده».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «يشهد أنّهم قد آمنوا بالحقّ إذ جاءهم وقبلوه وصدّقوا به» وروي عن أبي العالية، وعكرمة، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} أي: «عدلا».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({ويكون الرّسول عليكم شهيداً} قيل: معناه بأعمالكم يوم القيامة، وقيل: عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان، وقيل: أي يشهد عليكم بالتبليغ إليكم.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}بأن الرسل قد بلغوا{ويكون الرسول عليكم شهيدا}بما عملتم».
…
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {ويكون الرسول عليكم شهيدا} قال: «يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به».
...
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».). [الدر المنثور: 2/ 17-25]
لمن الخطاب في قوله تعالى: {و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا…
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة)). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.)[عمدة القاري: 18/ 95]
معنى (ما) في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
المراد بالقبلة في الآية
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ: «{وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}يعني بيت المقدس».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال: «القبلة: بيت المقدس».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال لي عطاءٌ: «بيت المقدس».
وروي عن عطيّة والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا…
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة)). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.)[عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة.
…
وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
…
ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا ذلك في نظائره، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ومذهبًا مفهومًا.). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.
…
فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا، وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.). [عمدة القاري: 18/ 95]
الأقوال في معنى قوله: {لنعلم} وبيان مرجع الضمير فيه
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان اللّه عالمًا بمن يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه إلاّ بعد اتّباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتّى قال: ما فعلنا الّذي فعلنا من تحويل القبلة إلاّ لنعلم المتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو العالم بالأشياء كلّها قبل كونها وليس قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بخبر عن أنّه لم يعلم ذلك إلاّ بعد وجوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا فإنّه: وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه.
فقال جلّ ثناؤه: {إلاّ لنعلم}ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأولياؤه من حزبه،
وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرّئيس إلى الرّئيس، وما فعل بهم إليه نحو قولهم: فتح عمر بن الخطّاب سواد العراق، وجبى خراجها، وإنّما فعل ذلك أصحابه عن سببٍ كان منه في ذلك.
وكالّذي روي في نظيره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: [يقول اللّه جلّ ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني].
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول: وادهراه، وأنا الدّهر، أنا الدّهر].
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض، والعيادة إلى نفسه، وإن كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه.
وقد حكي عن العرب سماعًا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري، بمعنى جوع أهله، وعياله وعري ظهورهم، فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} بمعنى يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعه من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة».
وقد قال بعضهم: إنّما قيل ذلك من أجل أنّ العرب تضع العلم مكان الرّؤية، والرّؤية مكان العلم، كما قال جلّ ذكره: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} فزعم أنّ معنى: {ألم تر} ألم تعلم، وزعم أنّ معنى قوله: {إلاّ لنعلم}بمعنى: إلاّ لنرى من يتّبع الرّسول. وزعم أنّ قول القائل: رأيت وعلمت وشهدت حروفٌ تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعضٍ، كما قال جرير ابن عطيّة:
كأنّك لم تشهد لقيطًا، وحاجبًا ....... وعمرو بن عمرٍو إذ دعا يال دارم
بمعنى: كأنّك لم تعلم لقيطًا؛ لأنّ بين هلك لقيطٍ، وحاجبٍ وزمان جريرٍ ما لا يخفى بعده من المدّة؛ وذلك أنّ الّذين ذكرهم هلكوا في الجاهليّة، وجريرٌ كان بعد برهةٍ مضت من مجيء الإسلام.
وهذا تأويلٌ بعيدٌ، من أجل أنّ الرّؤية، وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنّه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب له رؤيته إيّاه علمًا بأنّه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الّذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إيّاه علمًا، وصحّ أن يدلّ بذكر الرّؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن جاز في الرّؤية لما وصفنا بجائزٍ في العلم، فيدلّ بذكر الخبر عن العلم على الرّؤية؛ لأنّ المرء قد يعلم أشياء كثيرةً لم يرها، ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئًا إلاّ علمه، على ما قد قدّمنا البيان، مع أنّه غير: موجودٍ في شيءٍ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنّما يجوز توجيه معاني ما في كتاب اللّه الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من الكلام إلى ما كان موجودًا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودًا في كلامها، فموجودٌ في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجودٍ في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه {إلاّ لنعلم} إلى معنى: إلاّ لنرى.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} من أجل أنّ المنافقين واليهود وأهل الكفر باللّه أنكروا أن يكون اللّه تعالى ذكره يعلم الشّيء قبل كونه، وقالوا: إذ قيل لهم: إنّ قومًا من أهل القبلة سيرتدّون على أعقابهم، إذا حوّلت قبلة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة: ذلك غير كائنٍ، أو قالوا: ذلك باطلٌ. فلمّا فعل اللّه ذلك، وحوّل القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال اللّه جلّ ثناؤه: ما فعلت إلاّ ليعلم عندكم أيّها المنكرون علمي بما هو كائنٌ من الأشياء قبل كونه، أنّي عالمٌ بما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد.
فكأنّ معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله: {إلاّ لنعلم} إلاّ ليتبيّن لكم أنّا نعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه. وهذا، وإن كان وجهًا له مخرجٌ، فبعيدٌ من المفهوم.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} وهو بذلك عالمٌ قبل كونه وفي حالٍ كونه على وجه التّرفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جلّ ثناؤه: {قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} وقد علم أنّه على هدًى وأنّهم على ضلالٍ مبينٍ، ولكنّه رفق بهم في الخطّاب، فلم يقل: إنّا على هدًى، وأنتم على ضلالٍ. فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} معناه عندهم: إلاّ لتعلموا أنتم إذ كنتم جهّالاً به قبل أن يكون؛ فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم.
وقد بيّنّا القول الّذي هو أولى ذلك بالحقّ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه::
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا».
وروى الحسن و، عطاء، وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250-251]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا،
…
ومعنى قوله تعالى: {لنعلم} أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل، ووجه آخر: وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا، وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه، وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز، وذكره الطبري عن ابن عباس، وحكى الطبري أيضا أن معنى لنعلم لنرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كله متقارب»، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن، وقرأ الزهري ليعلم على ما لم يسم فاعله.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [143]
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من أهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). [العجاب في بيان الأسباب:390 - 1/392]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيّ ُ (ت: 923هـ) : ({إلا لنعلم} لنختبر ونتبين
…
قال البيضاوي: «فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}[الأنفال: 37]فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه».). [إرشاد الساري: 7/ 17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: «إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
يتبع