تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 34

الموضوع: فوائد منتقاة من كتب الأدب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي فوائد منتقاة من كتب الأدب

    خرج الحجاج يوماً إلى ظاهر الكوفة منفردا، فرأى رجلاً أعرابياً فقال له:‏ ‏ ما تقول في أميركم؟ ‏ ‏ قال: الحجاج؟‏ ‏ قال: نعم.‏ ‏ قال الأعرابي: عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!‏ ‏ فقال الحجاج: أتعرفني؟ ‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قال: أنا الحجاج.‏ ‏ فقال الأعرابي: وأنت، أتعرفني؟ ‏ ‏ قال: لا.‏ ‏ قال: أنا مولى بني عامر، أُجَنُّ في كل شهر ثلاثة أيام، وهذا اليوم هو أَشَدُّها!‏ ‏ فضحك الحجاج من قوله وتركه. ‏

    من كتاب "سرح العيون" لابن نُباتة. ‏
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    روي أن رجلا قال لبعض الحكماء أوصني قال ازهد في الدنيا ولا تنازع فيها أهلها وانصح لله تعالى كنصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم نصحا.
    - من كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب -
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    كان بمصر مغنيّة تُدعَى عجيبة، قد أولع بها الملك الكامل محمد، فكانت تحضر إليه ليلاً وتغنّيه على الدّفّ في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره. ‏ ‏ ثم اتّفقت قضية عند القاضي ابن عين الدولة، وأراد الملك الكامل أن يشهد فيها فقال له ابن عين الدولة: ‏ ‏ السلطان يأمر ولا يشهد. ‏ ‏ فأعاد الكامل عليه القول فأبى. فلما زاد الأمر وفهم السلطان أنه لا يقبل شهادته قال: ‏ ‏ أريد أن أشهد. تقبلني أم لا؟ ‏ ‏ فقال القاضي: ‏ ‏ لا، ما أقبلك! وعجيبة تطلع إليك بآلات الطرب كل ليلة، وتنزل ثاني يوم وهي تتمايل سَكْرى على أيدي الجواري، وينزل ابن الشيخ من عندك!؟ ‏ ‏ فقال له الملك الكامل: يا كيواج! (وهي كلمة شتم بالفارسية). ‏ ‏ فقال القاضي: ما في الشرع يا كيواج! اشهدوا عليّ أني قد عزلت نفسي. ونهض فقام ابن الشيخ إلى الملك الكامل فقال: ‏ ‏ المصلحة إعادته لئلا يقال: لأي شيء عزل القاضي نفسه؟ وتطير الأخبار إلى بغداد، ويشيع أمر عجيبة. ‏ ‏ فنهض إلى القاضي، وترضّاه، وعاد إلى القضاء. ‏

    من كتاب "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" للسيوطي. ‏
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    صاحب الذكاء المفرط جوابه مسكت
    يشارك العلماء من غير اشتغال ولا يتكلم بمحال على كل حال
    تخيله صحيح وتكلمه مليح فصيح لا يحتاج إلى المنطق ولا إلى الألفية
    وتلك المعالم من نفسه سجية
    يرتب الألغاز والأحجيات ولا يحتاج إلى العروض في تلك الأبيات
    يصنف مثاتيل وخزعبلات رجل دهقان صاحب ذكاء ملسان
    يصنف مثل الألفية وله في تلك العلوم غية
    يهندس ويرتب ويفصل ويديون ويحصل
    صاحب حساب وديونة وفراسة وعنونة
    يركب أطعمة وشرابات ومعاجين وعلوكات
    يعرف الطب والجراح وأياديه في كل صنعة ملاح.

    صفة صاحب الذوق السليم للإمام السيوطي
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    حدّث بعض جلساء عبد الملك بن عبد العزيز الماجَشُون، قال: ‏ ‏ خرجتُ إلى بستان لي بالغابة. فلما دخلتُ في الصحراء وبعدت عن البيوت، تعرّض لي رجل فقال:‏ ‏ اخلع ثيابك! ‏ ‏ فقلت: وما يدعوني إلى خَلْع ثيابي؟‏ ‏ قال: أنا أَوْلى بها منك.‏ ‏ قلت: ومن أين؟‏ ‏ قال: لأني أخوك وأنا عُريان وأنت مكسوّ.‏ ‏ قلت: فأعطيك بعضها.‏ ‏ قال: كلاّ، قد لبستها كلها وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها.‏ ‏ قلت: فتعرّيني وتُبدي عورتي؟‏ ‏ قال: لا بأس بذلك، فقد رُوينا عن الإمام مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عُريانًا.‏ ‏ قلت: فيلقاني الناس فيرون عورتي؟‏ ‏ قال: لو كان الناسُ يَرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها.‏ ‏ قلت: أراك ظريفًا، فدعني حتى أمضي إلى بستاني وأنزع هذه الثياب فأوجِّه بها إليك.‏ ‏ قال: كلا، أردتَ أن توجِّه إليّ أربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويمزّق جلدي.‏ ‏ قلت: كلا. أحلف لك أيمانًا أني أَفِي لك بما وعدتُك ولا أسوءُك.‏ ‏ قال: كلا، فقد روينا عن الإمام مالك أنه قال: لا تلزمُ الأيمان التي يُحْلَفُ بها لِلّصوص.‏ ‏ قلت: فأحلف أني لا أختل في أَيماني هذه.‏ ‏ قال: هذه يمين مُرَكَّبة على أيمان اللصوص.‏ ‏ قلت: فدع المناظرة بيننا فوالله لأوجّهن إليك هذه الثياب طيّبة بها نفسي.‏ ‏ فأطرق ثم رفع رأسه وقال: ‏ ‏ تدري فيم فكرتُ؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: تصفّحتُ أمرَ اللصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا فلم أجد لصًا أخذ نسيئة. وأنا أكره أن أبتدع في الإسلام بدعة يكون عليّ وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها بعدي إلى يوم القيامة. اخلع ثيابك!‏ ‏ فخلعتُها ودفعتُها إليه، فأخذها وانصرف. ‏

    من كتاب "أخبار الأذكياء" لابن الجوزي
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    زعموا أن أسداً وذئبـاً وثعلبـاً. خرجوا معـاً يتصيـّدون، فصادوا حماراً وظبيـاً وأرنبـاً.‏ ‏ فقال الأسد للذئب:‏ ‏ اقسم بيننا صيدنا.‏ ‏ قال الذئب:‏ ‏ الأمر سهل؛ الحمار لك، والأرنب للثعلب، والظبي لي.‏ ‏ فخبطه الأسد فأطار رأسه. ثم أقبل على الثعلب وقال:‏ ‏ قاتله الله، ما أجهله بالقسمة. هات أنت.‏ ‏ قال الثعلب:‏ ‏ الأمر سهل؛ الحمار لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب تتخلـّل به فيما بين ذلك.‏ ‏ قال الأسد:‏ ‏ ويحك! ما أقضاك!(يعني : ما أعلمك بالقضاء !) من علـّمك هذه القضية؟‏ ‏ قال:‏ ‏ رأس الذئب الطائرة! ‏

    من كتاب "محاضرات الأدباء" للراغب الإصبهاني
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    جاء أبو العِبَر يعود صديقًا له وهو على فراش الموت، فإذا بامرأته تلطم وتصيح:‏ ‏ من لي بعدَك يا سيدي؟!‏ ‏ وكانت شابة جميلة. فغمزها أبو العبر وأومأ إليها:‏ ‏ أنا لكِ بعده!‏ ‏ فلما مات الرجل وانقضَتْ عِدَّتُها، تزوّجها أبو العبر، فأقامت عنده حينا ثم حضرتْ أبا العبر الوفاة. وجاء أصحابه يعودونه، فإذا بالمرأة تصيح:‏ ‏ من لي بعدَك يا سيدي؟!‏ ‏ ففتح أبو العبر عينيه وقال:‏ ‏ لا يغمزها إلا مَنْ تكون أُمُّه ............!

    من كتاب "جمع الجواهر في المُلَح والنوادر" للحُصري
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    من اللطائف أن هناك من أفرد فوائد العصا بمؤلف ، وقد عدوا من ذلك قول بعض العرب :"عصاي أركزها لصلاتي، وأعدها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي ليتسع خطوي، وأثب بها النهر، وتؤمنني العثر، وألقي عليها كسائي فتقيني الحر، وتدفيني من القر، وتدني إلي ما بعد مني، وهي تحمل سفرتي وعلاقة إداوتي، أستعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بني" انظر فتح القدير 3/507.
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    قال الجاحظ في "التبصرة بالتجارة" (1/37) :
    "وفراسه الرجل السوء أَن يكون منقبضاً غير منشرح، وَأَن يرى لَونه إِلَى الصُّفْرَة والكمود ، من غير مرض ، وَأَن يكون طائش الْقلب، وَأَن يكون للدعابة والمزاح كَارِهًا لَهُ عائباً ، وَأَن ترَاهُ غليظ اللَّفْظ عِنْد المحاورة.
    وَمن فراسة الرجل الصَّالح أَن ترَاهُ سهلا طلقاً ذَا منظر بهى وَكَلَام شهى، سبط الجبين غير منقبض وَلَا نزق علق قلق، وَغير كَارِه للدعابة والمزاح، يذكر من يذكر بِخَير لين المحاورة متواضعاً " .
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنا عند أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فمرت به امرأة تحمل شيخا على عنقها. فقال لها: من الشيخ منك؟ فقالت: أبي. قال: كم يعد؟ قالت: سمعته قبل أن يكون على هذه الحال وقد سئل عن سنه، فقال: نيف وثلاثون ومائة سنة؛ فقيل له: من أدركت؟ قال: أدركت أحسن الناس وجها، وأسخاهم كفا، وأتمهم طولا، وأكرمهم كرما، وأشرفهم شرفا، أب نضلة هاشم بن عبد مناف. فقال لها عمر: لو رعيته في منزلك كان أودع له. فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد حدث به حدث من خلق الصبيان، إذا جاع بكى؛ وقد أدر الله له ثديي فأنا أرضعه.
    فقال لأصحابه: أجازته؟ قالوا: نعم، فقالت: لا والله ما جازيته يا أمير المؤمنين. فقال لها: ولم؟ فقالت: لأني قد كنت في مثل حاله يتمنى بقائي، وأنا اليوم أتمنى موته. قال: فبكى عمر وبكينا معه، وأمر فزاد في عطائها وعطائه. ثم قال لأصحابه: أيما أبر: الوالد بالمولود أم المولود بالوالد؟ فقالوا: إن البر يزيد وينقص. قال: فإذا استويا في البر؟ قالوا: الوالد أبر. فقال: بل الولد أبر لأن بر الوالد طبيعة لا يملك غيرها، وبر الولد تكلف.
    وهذا معلوم محقق. ومما يقارب معناه قول الشاعر: من الطويل:
    يقر بعيني وهو ينقص مدتي ... مرور الليالي كي يشب حكيم
    مخافة أن يغتالني الموت قبله ... فينشو مع الصبيان وهو يتيم
    وكتب إبراهيم بن داجة إلى أبيه: جعلني الله فداك. فكتب إليه: لا تكتب مثل هذا، فأنت على يومي أصبر مني على يومك.


    ضرب رجل وطولب بمال فلم يسمح به، فأخذ ابنه وضرب. فجزع، فقيل له في ذلك، فقال: ضرب جلدي فصبرت وضرب كبدي فلم أصبر.
    - التذكرة الحمدونية -
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    قال شبيب بن شبة : إنا لوقوفٌ في عرصة المربد - وهو موقف الأشراف ومجتمع الناس وقد حضر أعيان المصر - إذ طلع ابن المقفع ، فما فينا أحد إلا هش له ، وارتاح إلى مساءلته ، وسررنا بطلعته ؛ فقال : ما يقفكم على متون دوابكم في هذا الموضع ؟ فوالله لو بعث الخليفة إلى أهل الأرض يبتغي مثلكم ما أصاب أحداً سواكم ، فهل لكم في دار ابن برثن في ظلٍ ممدود ، وواقيةٍ من الشمس ، واستقبال من الشمال ، وترويحٍ للدواب والغلمان ، ونتمهد الأرض فإنها خير بساط وأوطؤه ، ويسمع بعضنا من بعض فهو أمد للمجلس ، وأدر للحديث . فسارعنا إلى ذلك ، ونزلنا عن دوابنا في دار ابن برثن نتنسم الشمال ، إذ أقبل علينا ابن المقفع ، فقال : أي الأمم أعقل ؟ فظننا أنه يريد الفرس ، فقلنا : فارس أعقل الأمم ، نقصد مقاربته ، ونتوخى مصانعته . فقال : كلا ، ليس ذلك لها ولا فيها ، هم قوم علموا فتعلموا ، ومثل لهم فامتثلوا واقتدوا وبدئوا بأمر فصاروا إلى اتباعه ، ليس لهم استنباط ولا استخراج . فقلنا له : الروم . فقال : ليس ذلك عندها ، بل لهم أبدانٌ وثيقة وهم أصحاب بناء وهندسة ، لا يعرفون سواهما ، ولا يحسنون غيرهما . قلنا : فالصين . قال : أصحاب أثاثٍ وصنعة ، لا فكر لها ولا روية . قلنا : فالترك . قال : سباع للهراش . قلنا : فالهند . قال : أصحاب وهم ومخرقة وشعبذة وحيلة . قلنا : فالزنج : قال : بهائم هاملة . فرددنا الأمر إليه . قال : العرب . فتلاحظنا وهمس بعضنا إلى بعض ، فغاظه ذلك منا ، وامتقع لونه ، ثم قال : كأنكم تظنون في مقاربتكم ،فوالله لوددت أن الأمر ليس لكم ولا فيكم ولكن كرهت إن فاتني الأمر أن يفوتني الصواب ، ولكن لا أدعكم حتى أبين لكم لم قلت ذلك ، لأخرج من ظنة المداراة ، وتوهم المصانعة ؛ إن العرب ليس لها أولٌ تؤمه ولا كتابٌ يدلها ، أهل بلد قفر ، ووحشةٍ من الإنس ، احتاج كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله ؛ وعلموا أن معاشهم من نبات الأرض فوسموا كل شيء بسمته ، ونسبوه إلى جنسه وعرفوا مصلحة ذلك في رطبه ويابسه ، وأوقاته وأزمنته ، وما يصلح منه في الشاة والبعير ؛ ثم نظروا إلى الزمان واختلافه فجعلوه ربيعياً وصيفياً ، وقيظياً وشتوياً ؛ ثم علموا أن شربهم من السماء ، فوضعوا لذلك الأنواء ؛ وعرفوا تغير الزمان فجعلوا له منازله من السنة ؛ واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض ، فجعلوا نجوم السماء أدلةً على أطراف الأرض وأقطارها ، فسلكوا بها البلاد ؛ وجعلوا بينهم شيئاً ينتهون به عن المنكر ، ويرغبهم في الجميل ، ويتجنون به على الدناءة ويحضهم على المكارم ؛ حتى إن الرجل منهم وهو في فجٍ من الأرض يصف المكارم فما يبقى من نعتها شيئاً ، ويسرف في ذم المساوىء فلا يقصر ؛ ليس لهم كلام إلا وهم يحاضون به على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد ، كل واحد منهم يصيب ذلك بعقله ، ويستخرجه بفطنته وفكرته فلا يتعلمون ولا يتأدبون ، بل نحائز مؤدبة ، وعقولٌ عارفة ؛ فلذلك قلت لكم : إنهم أعقل الأمم ، لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم .


    من كتاب الإمتاع و المؤانسة لأبي حيان التوحيدي
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    تسمية العرب أبناءها بالشَّنيع من الأسماء

    - هي من سنن العرب، إذ تُسَمَّى أبناءها بِحَجَر، وكلب، ونَمِر، وذئب، وأسد، وما أشبهها، وكان بعضهم إذا وُلدَ لأحدهم ولد سمَّاه بما يراه ويسمعه، مما يتفاءل به، فإن رأى حجرا أو سمعه، تأوَّل فيه الشدَّة والصَّلابة، والصَّبر والبقاء، وإن رأى كلبا تأوَّل فيه الحراسة والألفة وبُعْدَ الصوت، وإن رأى نَمِرا تأوَّل فيه المَنَعة والقِّيَه والشكاسة، وإن رأى ذئباً تأوَّل فيه المهابة والقُدْرَةَ والحِشْمةَ.

    وقال بعضُ الشُّعوبيَّة لإبن الكلبي: لِمَ سَمَّت العرب أبناءها بكلب وأوس وأسد وما شاكلها: وسمَّت عبيدها بيُسر وسَعد ويُمن؟ فقال وأحسن: لأنها سَمت أبناءها لأعدائها، وسمت عبيدها لأنفسها.

    من كتاب (فقه اللغة) للثعالبي


    قيل لأبي الرقيش الكلابي الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء، نحو: كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو: مرزوق ورباح ؟
    فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا .
    يريد أن الأبناء عدة الأعداء وسهام في نحورهم فاختاروا لهم هذه الأسماء .اهـ

    من الروض الأنف للسهيلي 1/49


    قال ابن دريد: « واعلم أن للعرب مذاهبَ في تسمية أبنائها، فمنها ما سمَّوه تفاؤلاً على أعدائهم؛ نحو: غالب، وغَلاّب ..... ومنها ما تفاءلوا به للأبناء؛ نحو: نائل، ووائل، وناجٍ، ومُدرِك .... ومنها ما سمِّي بالسِّباع ترهيبًا لأعدائهم؛ نحو: أسد، وليث، وفراس، وذئب ...... ومنها ما سمِّي بما غلُظ وخشُن من الشجر تفاؤلاً أيضًا؛ نحو: طلحة، وسَمُرة، وسلمة، وقتادة ...... ومنها ما سمي بما غُلظ من الأرض وخشُن لمسُه وموطِئُه؛ مثل حَجَر وحُجَير، وصَخْر، وفِهر ..... ومنها أن الرجل كان يخرج من منزله وامرأته تمخض فيسمِّي ابنه بأوَّل ما يلقاه من ذلك؛ نحو: ثعلب وثعلبة، وضب وضبة، وخُزَز، وضُبَيعة، وكلبٍ وكليب، وحمار وقرد وخنزير، وجحش، وكذلك أيضًا تُسمِّى بأول ما يَسنَح أو يبرح لها من الطَّير نحو: غُرابٍ وصُرَد، وما أشبَهَ ذلك » .
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    قصة ابن ثوابة مع الهندسة
    حدثنا أبو بكر الصَّيمريُّ قال: حدثنا ابن سمكة قال: حدثنا ابن مُحارب قال: سمعتُ أحمد بن الطيّب يقول: إن صديقاً لابن ثوابة الكاتب أبي العباس يُكنّى أبا عبيدة قال له ذات يوم: إنك رجلٌ - بحمد الله ومنّه - ذو أدب وفَصاحة وبراعة وبلاغة؛ فلو أكملت فضائلك بأن تُضيف إليها معرفة البُرهان القياسيّ، وعلم الأشكال الهندسية الدّالة على حقائق الأشياء، وقرأتَ كتاب " أُقليدس " وتدبّرته؟ فقال له ابن ثوابة: وما " أُقلِيدس " ؟ قال له: رجل من علماء الروم يُسمى بهذا الاسم، وضع كتاباً فيه أشكال كثيرة مختلفة تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمغيّبة، يَشحَذ الذهن ويدقّق الفهم، ويُلطّف المعرفة، ويصفّي الحاسّة، ويثبت الرَّوية؛ ومنه انفتح الخط وعُرفت مقادير حروف المعجم.
    فقال له أبو العباس ابن ثوابة: وكيف ذاك؟ قال: لا تعلم هو حتى تشاهد الأشكال وتُعاين البرهان.
    قال له: فافعل ما بَدَا لك. فأتاه برجل يقال له قُويري مشهور مقدّم، ولم يعد إليه بعد ذلك.
    قال أحمد بن الطيّب: فاستطرفت ذلك وعجِبتُ منه، وسألت المُخبر عن انصراف قُويري أي شيء كان سببه؟ فأجابني بأن لا أعلم، فكتبت إلى ابن ثوابة رقعة نُسْخَتها: بسم الله الرحمن الرحيم.
    اتّصل بي - جعلني الله فِداك - أن رجلاً من إخوانك أشار عليك بتكميل فضائلك وتقويتها بمعرفة شيءٍ من القياس البُرهاني، وطمأنينتك إليه، وأنك أصغيت إلى قوله وأذنتَ له، وأنه أحضرك رجلاً كان غايةً في سوء الأدب، معْدِناً من معادن الكُفْر، وإماماً من أئمة الشّرك؛ لاستفزازك واستغوائك، يُخادعك في عقلك الرَّصين، ويُنازلك في ثقافة فهمك المتين، فأبى الله العزيز إلاّ جميل عوائده الحسنة قِبَلك، ومِننه السَّوابق لدي، وفضله الدائم عندك، بأن أتى على قواعد بُرهانه من ذروته، وحطّ عوالي أركانه من أقصى معاقد أُسِّه، فأحببتُ استعلام ذلك على كنهه من جهتك، ليكون شُكري لك على ما كان منك حسب لومي لصاحبك على ما كان منه، ولأَتَلافَى الفارط في ذلك بتدبّر أُسُسِه إن شاء الله.
    قال: فأجابني ابن ثوابة برُقعة نُسختُها: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلت رُقعتك - أعزّك الله - وفهمتُ فحواها، وتدبّرتُ مُضمَّنها، والخبرُ كما اتّصل بك، والأمر كما بلغك. وقد لخصته وبيَّنته حتى كأنك معنا وشاهِدُنا.
    فأول ما أقول: الحمد لله وليّ النِّعم، والمتوحِّد بالقسم، إليه يُردّ علمُ السّاعة وإليه المصير؛ وإياه أسأل إيزاعَ الشكر على ذلك وعلى ما منَحنا من وُدّك وإتمامه بيننا بمنّه.
    ومما أحببتُ إعلامك وتعريفكه مما تأدّى إليك، أن أبا عُبيدة - عليه لعنةُ الله تَتْرى - بنحسِه ودسّه ودحْسِه اغتالني ليكلم ديني من حيث لا أعلم، وينقُلني عما أعتقده وأراه وأُضمره من الإيمان بالله عز وجلّ ورسوله صلى الله عليه، فوطّدَ لي الزّندقة بتزْيِينه الهندسة، وأنه يأتيني برجل يُفيدني علماً شريفاً تكمل به فضائلي - فيما زعم - فقلتُ: عسى أن أُفيد به براعةً في صناعة، أو كمالاً في مُروَّةٍ، أو نُسْكاً في دين، أو فخاراً عند الأَكفاء. فأجبته بأن هلُمّ به! فأتاني بشيخ ديرانيّ شاخص النظر، منتشر عصب البصر، طويل مشذّب، محزوم الوسط، متزمّل في مسكه، فاستعذتُ بالرحمن إذ نزغني الشيطان، ومجلسي قد غصَّ بالأشراف من كل الأطراف، كلهم يرمُقه ويتشوّف إلى رفْعي مجلسه وإدنائِه وتقريبه، ويعظّمونه ويحيُّونه، والله محيط بالكافرين.
    فأخذ مجلسه، ولَوَى أشداقه، وفتح أوساقه، فتبيّنت في مُشاهدته النِّفاق، وفي ألفاظه الشِّقاق.
    فقلتُ له: بلغني أن عندك معرفة بالهندسة، وعلماً واصلاً إلى فضل يفيد الناظر فيه حكمةً وتقدُّماً في كل صنعة؛ فهلُمَّ أفِدنا شيئاً منها عسى أن يكون عوناً لنا على دينٍ أو دنيا، وزَيْناً في مروّة أو مُفاخرة لدى الأكفاء، ومُفيداً نسكاً وزُهداً، (فذَلِكَ هُوِ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).

    قال: فأحضِرني دواةً وقرطاساً، فأحضرتُهما، فأخذ القلم فنكَت به نكتةً نقط منها نقطة، فَخيُّلها بصري ولحظها طرفي كأصغر من حبّة الذّر، فزمزم عليها بوسواسه، وتلا عليها من مُحكم أسفار أباطيله، ثم أعلن عليها جاهراً بإفكه؛ وأقبل عليّ فقال: أيها الرجل! إن هذه النقطة شيء ما لا جزء له.
    فقلت: أضلَلْتني وربِّ الكعبة! وما الشيء الذي لا جُزء له؟ فقال: كالبسيط. فأذهلني وحيّرني، وكاد يأتي على حِلمي وعقل لولا أن هداني ربّي؛ لأنه أتاني بلُغةٍ ما سمعتها والله من عربيّ ولا عجميّ، وقد أحطتُ علماً بلُغات العرب، وقُمتُ بها واستثرتُها جاهداً واختبرتها عامداً، وصرت فيها إلى ما لا أحسب أحداً يتقدّمني إلى المعرفة به، ولا يسبقني إلى دقيقة وجليله.
    فقلت له: وما الشيء البسيط؟ فقال: كالله تعالى وكالنفس.
    فقلت له: إنك من المُلحدين، أتضرب لله أمثالاً؟ والله تعالى يقول: (فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
    لعَن الله مرشداً أرشدني إليك، ودالاً دلّني عليك، فما ساقك إليّ إلاّ قضاء سوء ولا كسحك نحوي إلا الحَيْن، أعوذ بالله من الحين، وأبرأ إليه منكم ومما تُلحدون، والله وليُّ المؤمنين (إِني بَريءِ مِمَّا تُشْرِكُونَ)، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.
    فلما سمع مقالتي كره استعاذتي فاستخفّه الغضب، فأقبل عليّ مستبسلاً فقال: إني أرى فصاحة لسانك سبباً لعُجمة فَهمك، وتذَرُّعك بقولك آفةً من آفات عقلك.
    فلولا من حضر - والله - المجلس وإصغاؤهم إليه مستصوبين أباطيله، مُستحسنين أكاذيبه، وما رأيت من استهوائه إياهم بخُدعة، وما تبيّنتُ من تَوازُرهم لأمرت بسلّ لسانِهِ اللُّكع الألكن.
    وأمرتُ بإخراجه إلى حَرّ نار الله وسقره وغضبه ولَعْنتِه.
    فنظرتُ إلى أمارات الغضب في وجوه الحاضرين، فقلتُ: ما غضبُكم لنصرانيّ يشرك بالله ويتّخذ له من دونه الأنداد، ويُعلن بالإلحاد؟ ولولا مكانكم لنَهَكتُه عقوبةً.
    فقال لي رجل منهم: إنه أنسانٌ حكيم، فغاظني قوله.
    فقلت: لعن الله حكمةً مشوبةً بكُفر.
    فقال لي آخر: إن عندي مُسلماً يتقدّم أهل هذا العِلم.
    فرجوت - مع ذكرهِ الإسلام - خيراً فقلت: ائتني به، فأتاني برجل قصير دحداح مجدُورٍ آدم أخفش العينين أجلح أفطس سيِّئ النّظر قبيح الزيّ، فسلّم فرددتُ عليه السلام، ورفعت مجلسه وأكرمته، وقلت له: ما اسمك؟ فقال: أُعرف بكنيةٍ قد غلبت عليّ.
    فقلتُ: أبو مَن؟ فقال: أبو يحيى.
    فتفاءلتُ بملَك الموت عليه السلام، وقلتُ: اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، فاكفني اللهمَّ شرَّها، فإنه لا يصرف السوء إلا أنت، وقرأتُ " الحمد " ، و " المعَوِّذَتَيْن " ، و " قل هو الله أحد " ثلاثاً، وقلتُ له: إن صديقاً لي جاءني بنصرانيٍّ يتّخذ الأنداد، ويدّعي أن لله الأولاد ليُغويني ويستفزّني (ولَوْلاَ رَحْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرينَ)، فصرفته أقبح صرف، ثم ذُكِرتَ لي فرجوت - بذكر إسلامك - خيراً.
    فهلُمَّ أفِدنا شيئاً من هندستك، وأقبسنا من طرائف حكمتك ما يكون لنا سبباً إلى رحمة الله ووسيلة إلى غُفرانه، فإنها أربح تجارة وأعودُ بضاعة.
    فقال: أحضرني دواةً وقرطاساً.
    فقلت: أَ تدعو بالدَّواة والقرطاس، وقد بُليتُ منهما ببليّة كَلْمُها لا يندَمِل عن سُوَيداءِ قلبي؟ قال: وكيف كان ذلك؟ قلت له: إن النصراني نقط لي نقطةً كأصغر من سمّ الخياط، وقال لي: إنها معقولة كربّك الأعلى، فوالله ما عدا فرعون في إفكه وكُفره.
    فقال لي: فإني أُعفيك، لعنَ الله قُويري وما كان يصنع بالنُّقطة؟ وهل بلغت أنت أن تعرف النقطة؟ فقلت: استجهلني وربّ الكعبة، وأنا قد أخذت بأزمّة الكتابة، ونهضت بأعبائها، واستقللت بثقلها يقول لي، لا تعرف فحوى النُّقطة، فنازعتني نفسي في معاجلته بغليظ العُقوبة، ثم استعطفني الحِلم إلى الأخذ بالفضل.

    ودعا بغُلامه وقال: ائتني بالتّخت، فوالله ما رأيت مخلوقاً بأسرع إحضاراً له من ذلك الغلام، فأتاه، فتخيَلت به هيئةً منكرة ولم أدر ما هو، وجعلت أُصوّب الفكر فيه تارةً وأًصعّد أُخرى، وأجيل الرأي ملياً وأُطرق طويلاً، لا أعلم أي شيءٍ هو، أَ صندوق هو؟ فإذا ليس بصندوق، أَ تخت هو؟ فإذا ليس بتخت، فتخيّلته كتابوت لحد. فقلت: لحدُ الملحد يُلحد به وبالنّاس عن الحقّ. ثم أخرج من كُمّه مِيلاً عظيماً فظننته متطبّباً وإنه لمن شرار المتطبّبين.
    فقلت له: إن أمرَك لعَجَب كله ولم أرَ في أميال المتطبِّبين كميلك، أتقفأُ به الأعين؟ فقال: لستُ متطبِّباً ولكني أخطُ به الهندسة على هذا التخت.
    فقلت له: إنك وإن كنت مبايناً للنصراني في دينه، إنك لمؤازره في كُفره، أَ تخطُّ على تختٍ بميلك لِتعدل بي عن وضح الفجر إلى غسق الليل؟ وتميل بي إلى الكذب باللَّوح المحفوظ وكاتبيه الكرام؟ أَ إِيايَ تستهوي؟ أم حَسبتني ممّن يهتزّ لمكايدكم؟ فقال: لستُ أذكر لك لوحاً محفوظاً ولا مُضيعاً، ولا كاتباً كريماً ولا لئيماً، ولكني أخُطُّ به الهندسة، وأُقيم عليها البرهان بالقياس والفلسفة.
    وأخذ يخطّ وقلبي مُروَّع يجب وَجيباً.
    فقال لي غير مُستعظِمٍ: إن هذا الخط طول بلا عرض، فذكرت صراط ربّي المستقيم، وقلتُ له: قاتلك الله! أَ تدري ما تقول؟ تعالى صراط ربّي عن تخطيطك وتشبيهك وتبديلك وتحريفك وتضليلك، إنه لصراطٌ مستقيم، وإنه لأَحدُّ من السيف الباتر، والحُسام القاطع، وأدقُّ من الشَّعر، وأطول مما تمسحون، وأبعَد مما تذرعون، ومداه بعيد، وهولَهُ شديد؛ أَ تطمع أن تُزحزِحَني عن صراط ربي أم حسبتني غُمْراً غبياً لا أعلم ما في باطن ألفاظك ومكنون معانيك؟ والله ما خططت الخطّ وأخبرت أنه طولٌ بلا عرض إلا حيلةً بالصراط المستقيم لتُزِلَّ قدمي عنه، وأن تُرديني في نار جهنّم.
    أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة، ومما تدلُّ عليه وترشد إليه، وإني بريءٌ من المهندسين وما يُعلنون ويُسرُّون، ومما به يعملون؛ ولَبئس ما سوّلت لك نفسك أن تكون من خزنتها بل من وقودها، وإنّ لك فيها لأنكالاً وسلاسل وأغلالا، (وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وعَذَاباً أَليماً). قُم إلى لعنة الله وغضبه! فأخذ يتكلم. فقلت: سُدّوا فاه مخافة أن يبدر منه مثل ما بدّر من المضلِّل الأول، وأمرتُ بسحبه فسُحب إلى أليم عذاب الله ونارٍ (وَقُودُها النَّاسُ والحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
    ثم أخذتُ قرطاساً وكتبتُ بيدي يميناً آليتُ فيه بكل عهدٍ مُؤكَّد، وعقدٍ مُردَّد، ويمينٍ ليست لها كفّارة - أن لا أنظر في الهندسة أبدا، ولا أطلبها، ولا أتعلّمها من أحدٍ سرّاً ولا جهراً، ولا على وجهٍ من الوجوه، ولا بسببٍ من الأسباب؛ وأكَّدتُ بمثل ذلك على عقبي وعلى أعقاب أعقابهم: أن لا ينظروا فيها ولا يتعلّموها ما قامت السموات والأرض، إلى أن تقوم الساعة (لِميقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).
    فهذا بيانُ ما سألت - أعزّك الله - عنه مما دُفعتُ إليه وامتٌحنت به، ولتعلم ما كان مني، ولولا وَعكةٌ أنا في عَقابيلها لحضرتك مُشافِها، وأخذتُ بحظّي المُتمنّي من الأُنس بك، والاستراحة إليك؛ فمَهِّد على ذلك عُذري، فإنّك غير مُباين لفكري، والسّلام.

    - من كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي :
    قال الخليل: دخلتُ على سليمان بن علي وهو والي البصرة فوجدته يُسقط في كلامه، فجلستُ حتى انصرف الناس.
    فقال: هل من حاجةٍ أبا عبد الررحمن؟ قلت: أكبر الحوائج.
    قال: قل، فإن مسائلك مقضية، ووسائلك قوية.
    قلت: أنت سليمان بن عليّ، وكان عليٌّ في العلم علياً، وكان عبد الله بن العباس الحَبْرَ والبحر، وكان العباس بن عبد المطّلب إذا تكلّم أخذ سامعه ما يأخذ النَّشوان على نقْر العيدان؛ وأراك تُسقط في كلامك، وهذا لا يشبه منصبك ومحْتِدك.
    قال: فكأنما فُقئَ في وجهه الرمان خجلاً.
    فقال: لن تسمعه بعدها، فاحتجب عن الناس برهةً، وأكبَّ على النظر، ثم أذن للناس في مجلسٍ عام، فدخلتُ عليه في ثُمَّةٍ من الناس، فوجدته يُفصح حتى خِلته مَعدَّ بن عدنان. فجلست حتى انصرف الناس.
    فقال: كيف رأيت أبا عبد الرحمن.
    قلت: رأيتُ كلّ ما سرّ في الأمير، وأنشدته:
    لا يكون السَّرِيُّ مثلَ الزَّرِيِّ ... لاَ ولا ذو الذّكاءِ مثلَ الغَبِيِّ
    لا يكون الأَلدُّ ذو المِقْوَل المُرْ ... هَف عند الخِصَام مثل العَيِيِّ
    قيمةُ المرءِ كلُّ ما يُحسِن المَرْ ... ءُ قضاءٌ من الإِمام عَليِّ
    أَيُّ شيءٍ من اللّباس عَلى ذي السَّرْو أَبهَى من اللّسانِ السَّرِيِّ
    يَنظم الحجة الشتيتة في السِّلْك من القول مثل نَظم الهديّ
    وَتَرى اللَّحن في لسَان أَخي الهِمّة مثل الصَّدَا عَلى المشرفيّ
    فاطلب النحو للقُرَان وللشعر مُقيماً والمسنَد المرْويِّ
    والخطابُ البليغُ عند حِجاج الْ ... قوم يُزهَى بمثله في النَّدِىّ
    كلُّ ذي الجهل بالفنون يُعادِي ... ها ويزري منها بغير الزَّرِيِّ
    قال: وانصرفتُ. فشيّعني غلامه على كتفه بدرة فرددتها عليه، وكتبتُ إليه:
    أبلِغ سليمانَ أَنّي عنه في سَعَةٍ ... وفي غِنىً غيرَ أَني لَستُ ذَا مالٍ
    سَخَّى بنفْسِيَ أَنّي لا أَرَى أَحداً ... يَموتُ هَزلاً ولا يَبْقَى على حالِ
    والرِّزْقُ عن قَدَرٍ لاَ العَجْزُ يَدْفعُه ... ولا يَزِيدُك فيه حَولُ محتَالِ
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي :
    سُئل [ابن عباد] يوماً عن قول الشاعر:
    سَقَوني النَّسْيَ ثم تكَنَّفُوني ... عُداةَ الله مِن كَذِبٍ وزُورِ
    فقال: الخمر تسمّى نسْيا.
    فقيل له: ولم؟ فقال: ليس للأسماء علل.
    فلما خلوت بالزعفراني الشاعر قال لي: أخطأ، فإن الأسماء ضرب منها مُبتدأ، فالغرض فيه اختصاص العين به ليقع التمييز بينه وبين غيره، وضرب آخر يؤخذ من أصل الفعل وهو الذي سمي مُشتقّاً لتكون فيه دلالتان: دلالة كدلالة الأول في اختصاص العين، ودلالة على النعت.
    والنَّسي في أسماء الخمر من الضرب الثاني، لأن الخمر تنسأ العقل أي تؤخّره، وقال: هذا قاله بعض العلماء.
    فقلتُ له: هلاّ قُلت هذا في المجلس؟ فقال: لو قلت هناك لما وجدتني عندك قاعداً مطمئناً.
    قلتُ: صدقتَ، الرجل حسُود.
    فقال: ولربّه كَنود، ولآياته عَنيد، كأنه من اليهود، أو من بقية ثمود.
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي :
    روي عن الصاحب ابن عباد أنه قال :
    ما قطعني إلا شابٌّ ورَد علينا أصبهان من بغداذ، فقصدني فأذنت له، وكان عليه مُرقَّعة، وفي رجله نعل طاق. فنظرت إلى حاجبي، فقال له، وهو يصعد إليَّ: اخلع نعلك، قال: ولم؟ ولعلّي أحتاج إليها بعد ساعة، فغلبني الضحك وقلت: أَ تُراه يريد أن يصفعني بها.

    واتقوا الله ويعلمكم الله

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    كان ابن عبّاد شديد السفه عجيب المناقصة، سريع التحوّل من هيئة إلى هيئة، مُستقبلاً للأحرار بكل فرْية وفاحشة؛ كان يقول للإنسان الذي قد قدم عليه من أهل العلم: تقدّم يا أخي! وتكلّم، واستأنس، وافترِح، وانبسِط، ولا تُرع، واحسبني في جوف مرقعة، ولا يهولك هذا الحشم والخدَم، وهذه الغاشية والحاشية، وهذه المرتبة والمسْطَبة، وهذا الطارق والرِّواق، وهذه المجالس والطنافس؛ فإن سلطان العلم فوق سلطان الولاية، وشرف العلم أعلى من شرف المال، فليفرح روعك ولينعم بالُك، وقُل ما شئت، وانصُر ما أردت، فلست تجد عندنا إلا الإنصاف والإسعاف والإتحاف والإطراف، والمقاربة والمواهبة، والموانسة والمقابسة، وعلى هذا التنزيل، ومن كان يحفظ ما يهذي به في هذا وغيره؟ حتى إذا استقى ما عند ذلك الإنسان بهذه الزّخارف والحيل، وسال الرجل معه في حدُوره على مذهب الثّقة، وركب في مناظرته، وردعه وحاجّه، وراجعه وضاجعه وشاكعه ووضع يده على النكتة الفاصلة، والأمر القاطع تنمَّر له، وتنغّر عليه، واستحصد غضباً وتلظّى لهباً وقال بعد وثبتين أو ثلاث: يا غلام! خذ بيد هذا الكلب إلى الحبس، وضعه فيه بعد أن تصبّ على كاهله وظهره وجنبيه خمس مئة عَصا؛ فإنه مُعاند ضدّ، يحتاج إلى أن يُشدّ بالقِدّ، ساقط هابط، كلبٌ نبّاح، متعجرف وقَاح؛ أعجبه صبري، وغرّه حلمي، ولقد أخلف ظني، وعدت على نفسي من أجله بالتوبيخ، وما خلق الله العصا باطلاً، ولا ترك خلقه هاملاً.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    هذا عيسى بن فَرُّخَانْشاه عُزِل عن الوزارة وكان مُستخِفّاً بأبي العَيْناء فوقف عليه أبو العَيْناء وقال: الحمد لله الذي أذلّ عزّتك، وأذهب سطوتك، وأزال مقدرتك، وأعادك إلى استحقاقك ومنزلتك، فلئن أخطأت فيك النّعمة، لقد أصابن منك النّقمة، ولئن أساءت الأيام بإقبالها عليك، لقد أحسنت بإدبارها عنك؛ فلا أنفذ الله لك أمراً، ولا رفع لك قدراً، ولا أعلى لك ذكراً.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .
    واتقوا الله ويعلمكم الله

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    لا خِلاف بين الحكماء أن الجالب خير من المجلوب، والفاعل خير من المفعول.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .

    واتقوا الله ويعلمكم الله

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    مصر (القاهرة)
    المشاركات
    812

    افتراضي رد: فوائد منتقاة من كتب الأدب

    صاحب الفقر إن مدح فرّط، وإن ذمّ أسقط، وإن عمل صالحاً أحبط، وإن ركب شيئاً خلط وخبّط؛ ولم أر شيئاً أكشف لغطاء الأديب، ولا أنشف لماء وجهه، ولا أذعر لسرب حياته منه، وإن الحُرّ الآنف، والكريم المتعيّف من مُقاساته والتجلّد عليه، لفي شغل شاغل وموتٍ مائت.
    - من كتاب أخلاق الوزيرين لأبي حيان التوحيدي - .
    واتقوا الله ويعلمكم الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •