ثم يأتي الدليل القاطع في قول المؤلف في سورة المؤمنون : (( " وشجرةٌ " : يزيد من طريق ابن أبي عبلة ، والصحيح عنه النصب.
وسمعت من أثق به ، وهو عبد العزيز المقرئ أن شيخي – رحمه الله – رجع عن قوله : " وَشَجَرَةٌ " ، وعن قوله : " اللهُ نَوَّرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " ؛ لعدم التواتر فيها عنه )).
فإذا علمنا أن عبد العزيز المقرئ هذا قد أدركته الوفاة في النصف الثاني من القرن السابع الهجري أيقنا أن الكتاب الذي بين أيدينا ليس لابن العراقي ( ت 486 هـ ) ، وإنما هو لمؤلف متأخر من علماء القرن السابع الهجري.
كما يؤكد ذلك خلو كتاب الإشارة للعراقي صـ 483 ، 512 من الحديث عن هذين الموضعين ، وبالتالي " كناب البشارة " لابنه عبد الحميد ، وبالرغم من أن الكتاب ليس بأيدينا فإن أكثر من نقل عنه ، واعتمده مرجعاً رئيسياً في كتابه ، ونص على القراءات الشاذة في هذين الموضعين وهو ابن خليفة القاري في بحر الجوامع لم يذكر " كتاب البشارة " ، لا تصريحاً ولا تلميحاً.
وهذا نص عبارته في الموضع الأول : (( قال ابن خالويه : وقرئ لعاصم ونافع : " وشجرةٌ " بالرفع )) بحر الجوامع ل 668 أ.
وعبارة النوزاوازي في المغني في القراءات الشواذ ل 113 أ : (( قال ابن خالويه : وقرئ لعاصم ونافع : " وشجرةٌ " برفع التاء )).
وفي الشفاء في علل القراءات ل 129 ب : (( " وشجرةٌ " بالرفع على الابتداء ؛ أي : ومما أنشئ لكم شجرةٌ. و" شجرةً " بالنصب عطف على " كتاب " )).
ويراجع : شواذ ابن خالويه صـ 99 ، وشواذ الكرماني صـ 333.
وقال ابن خليفة في الموضع الثاني : (( وعن زيد بن علي ، وثابت بن أبي حفصة ، والقورسي ، ومسلم بن عبد الملك : " الله نَوَّرَ " بالفتحات الثلاث ، مع تشديد الواو ، وكسر " السماواتِ " على النصب ، ونصب الأرض. قال في الاستغناء : وذكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأ عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : " اللهُ نَوَّرَ السماواتِ " بفتح النون والواو والراء على الفعل الماضي ، فتكون " السماواتِ " في محل النصب ، و" الأرضَ " منصوب لفظاً ... )) بحر الجوامع ل 676 ب.
وعبارة النوزاوازي في المغني ل 116 ب : (( القراءة المعروفة : " الله نُوْرُ السماواتِ " بضم النون ، وإسكان الواو ، ورفع الراء. " السماواتِ والأرضِ " بالجر فيهما.
زيد بن علي ، وثابت بن أبي حفصة ، والقورسي ، ومسلمة بن عبد الملك : " نَوَّرَ " بالفتحات الثلاث ، مع تشديد الواو. " السماواتِ " بالكسر على النصب. " والأرض " بنصب الضاد )).
وعبارة صاحب الشفاء في علل القراءات ل 132 ب : (( " اللهُ نوَّرَ السماواتِ والأرضَ ". وفي " الكشاف " : وعن علي – رضي الله عنه – " اللهُ نوَّرَ السماواتِ والأرضَ " ؛ أي : نشر فيها الحق وبثه ، فأضاءت بنوره ، أو نور قلوب أهلها به )).
ويراجع : شواذ ابن خالويه صـ 103 ، والكامل في القراءات صـ 608 ، وشواذ الكرماني صـ 342 ، وقرة عين القراء ل 151 أ.
أما عن شيخيه تاج الحق والدين أو تاج الملة والدين ، وشمس الملة والدين فإننا نجد نقولاً عنهما في صلب كتاب " الشفاء في علل القراءات " ، ومؤلفه متوفى في أواخر القرن السابع الهجري ، وينقل في كتابه عمن أدركتهم الوفاة في القرن السابع الهجري ؛ مثل : " مفتاح العلوم " للسكاكي ، وبعض شروح الشاطبية ، و" المكمل " و" الإقليد " في شرح المفصل.
فيقول في الورقة 13 ب – عند الحديث عن اختلاف القراء في قوله تعالى : " نغفر لكم " في سورة البقرة - :
(( وسمعت من شيخي وأستاذي تاج الملة والدين – أدام الله مجده – أنه قال مراراً : إدغام الراء في اللام لأبي عمرو جائز عند القراء ، ومذهب حسن.
وكذا قرأت على أستاذي وشيخي شمس الملة والدين – رحمه الله – بسمرقند في داره )).
ويقول في الورقة 32 ب – عند الحديث عن اختلاف القراء في قوله تعالى : " يغفر لمن " في آخر البقرة - : (( ... وذلك حسن ، وهذا مذهب مقبول معمول ، وعليه شيخنا وأستاذنا تاج الحق والدين – رحمة الله عليه - )).
ويقول عند ذكر اختلاف القراء في قوله تعالى : " ولا يأمركم " بآل عمران ل 37 أ – : (( قرأ أبو عمرو بالاختلاس.
قال الشيخ أبو نصر العراقي – رحمه الله - : كان ابن الإسكندراني يقول : الاختيار أن لا تختلس الحركة لبيان المذهب ، وكذلك قوله : " ويذرهم " في سورة الأعراف.
قال الشيخ الإمام العلامة تاج الحق والدين – رحمه الله – : ترك الاختلاس في الإعراب حسن ؛ لئلا يلتبس الرفع بالجزم الذي هو قراءة حمزة وعلي وخلف وعباس ، أما الاختلاف هاهنا ففي النصب والرفع ، فلا يلزم من اختلاس الرفع الالتباس )).
ويقول عند الحديث عن علل اختلاف القراء في قوله تعالى : " ملء الأرض ذهباً " بآل عمران ل 37 ب : (( " ملء " بغير همز. " الأرض " بالهمز ؛ لأن الهمز من " ملء " تركت في الخط ، فكان أولى بالحذف في اللفظ ، أو لأن الهمزة من " ملء " وقعت لام الكلمة ، وهي موضع تغيير وتبديل.
قال الشيخ أبو نصر العراقي – رحمه الله - : الاختيار عندنا في قراءة ابن كثير الهمز ، وعلى هذا أقرأنا شيخنا ومولانا – رحمه الله - )).
إلى غير ذلك من الأمثلة ، وأضعاف أضعاف ما ذكرت من أدلة.
أخيراً .. أوجه كلامي إلى الباحثين الذين أكثروا من السؤال عن مؤلف الكتاب ، وليس للمعاند.
إن مؤلف " موجز البشارة " المفقود هو أحد علماء القراءات في مدينة بخارى في القرن السابع الهجري ، وله مصنف آخر في اختصار أحد كتب الوقف والابتداء.
أما مؤلف " كتاب البشارة " الذي وصلتنا بعض نسخه الخطية ، فهو من علماء بخارى أيضاً ، وأحد رجالات القرن السابع الهجري ، وله مصنف آخر في القراءات.