محاولة تحقيق رسالة مخطوطة في تفسير قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله "
بسم الله الرحمن الرحيم
تـــمــــهـــيـ ـــد
لقد اهتم المغاربة بجميع العلوم الدينية، لكن تآليفهم في التفسير قليلة مقارنة بمؤلفات المشارقة، وقد عاملوا هذا العلم بنوع من الحذر ولا نكاد نجد إلا قلة قليلة ممن سمت عزائمهم إلى الخوض فيه. ولم يعتن المغاربة كثير الاعتناء بالإمعان في هذا الفن ناحية التفسير للمعاني لكننا نجد أنهم يعتنون به من الناحية الإعرابية أو اللغوية هذا وقد كانت قراءة التفسير ممنوعة في مراكش، ولما تصدى لذلك العلامة الإفراني صاحب الصفوة قامت ضجة كبيرة، وذلك في عهد المولى إسماعيل. ومما يلفت النظر كما ذكر صاحب سوس العالمة :"أن التأليف في التفسير قليل جدا من المغاربة حتى لا نكاد نتجاوز من ذلك نحو عشرة"[1].
وإن كنا نرى أن هذا القول فيه نوع من التقليل من شأن المغاربة في هذا الفن، وبرجوعنا إلى كتب فهارس المخطوطات بالخزانات المغربية نجد كثيرا من العلماء والفقهاء المغاربة ساهموا بحظ وافر في تفسير القرآن الكريم، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض التفاسير وإن كانت هذه التفاسير تقتصر على التقييدات وشروح بعض الآيات والحواشي ومن ذلك:
الفوائد المسجلة في شرح البسملة والحمدلة لمحمد بن حمدون بناني الفاسي ت 1245هـ.
- تقييد على البسملة لعبد العزيز الهلالي الفلالي ت 1096هـ.
- رسالة في تفسير الفاتحة بطريق الإشارة لعبد الرحمن بن محمد بن يوسف ت1035هـ.
- تفسير الفاتحة لابن عجيبة ت 1214.
- الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة لحسن بن علي الرجراجي 899هـ.[2]
- تقاييد للسلطان المولى سليمان في تفسير بعض الايات.
- تفسير آيات من القرآن الكريم لحمدون بن الحاج السلمي مع تفسير سورة الإخلاص لنفس المؤلف.
- تفسير الفاتحة لابن زكري.
- تفسير القرآن الكريم لأحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي 1175هـ.
- تفسير ابن عجيبة المسمى بالبحر المديد[3].
ومن بين مفسرينا نجد الطيب بن محمد بن عبد المجيد بنكيران الذي أدلى بدلوه في هذا الميدان. وتذكر كتب التراجم عنه أن له تفسيرا ينتهي بسورة غافر (حم) وهذا التقييد الذي بين أيدينا.
http://majles.alukah.net/imgcache/broken.gifترجمة المؤلف
العلامة المحقق الشيخ الطيب بن عبد المجيد
ابن كيران رحمه الله
هو الشيخ العلامة، المشارك، المطلع، الحافظ، المحقق، النقاد، حامل لواء العلوم المعقولية بالمغرب زمانه، محمد الطيب بن عبد المجيد بن كيران، له اطلاع واسع ومعرفة جيدة، متقن تفرد في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول، والفروع والأصول، يعرف أكثر الفنون على أنه مجتهد فيها لا مقلد، وهو ممن حصل رتبة الاجتهاد في زمنه كما وصف بذلك في "الروض المعطار" وغيره، أخذ عن التاودي بن سودة وبناني، ونظرائهما.
ذو قلم سيال، وفهم غزير، وإدراك ثاقب، تخرج عليه عدة من العلماء كالفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحجرتي.، وألف تآليف عديدة مفيدة كانت من الشهرة بمكان لتحقيقها وحسن أسلوبها، منها:
تفسير للقرآن يبتدئ من قوله تعالى في سورة النساء ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة﴾، الآية وينتهي بقوله تعالى في سورة غافر: ﴿إنما هذه الحياة الدنيا متاع﴾، الآية واخترمته المنية قبل إنهاء التفسير.
ومنها تفسير الفاتحة.
ومنها: شرحه على الحكم العطائية، ألفه بأمر من السلطان سيدي محمد ابن عبد الله.
ومنها: شرح ألفية العراقي في السيرة.
ومنها: شرح الخريدة للشيخ حمدون بن الحاج في المنطق.
ومنها: شرح توحيد ابن عاشر، بإشارة من المولى سليمان.
ومنها: شرح لتوحيد الرسالة – لم يتم –.
ومنها: شرحه للعشرة الأخيرة من الأربعين حديثا للإمام النووي.
ومنها: حاشيته على محاذي الألفية لابن هشام، لم يؤلف مثله في كتب النحو، لم يتم، أوصلها إلى الإعراب.
ومنها: تقييده في الاستعارة وأقسامها نثرا.
ومنها: تقييد على قول صاحب التلخيص: فإن وإذا للشرط في الاستقلال.
ومنها: تقييد في حقائق تحتاج إلى معرفة الفرق بينها لاشتباه بعضها ببعض، وهي النكرة واسم الجنس، والمعرف بلام الحقيقة ولام العهد الذهني ولام الاستغراق ولام العهد الخارجي.
ومنها: تقييد على قول الغزالي "ليس في الإمكان أبدع مما كان".
ومنها: شرحه لكتابي العلم والإيمان من الإحياء للغزالي
ومنها: تقييد على قول التلخيص: الجامع الخيالي.
ومنها: شرح الصلاة المشيشية، احتصره من شرح ابن زكري.
ومنها: تقييد على جواز حذف كلمة قال بين رجال سند الحديث لفظا كما تحذف اختصارا.
ومنها: تقييد في حذف الهمزة المسهلة و حقيقة التسهيل.
ومنها: تأليف سماه عقد نفائس اللآلي في تحريك الهمم العوالي.
ومنها: تقييد تزاور أهل الجنة وتحسرهم.
ومنها: تقييد في قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة ولد زنى ولا ولد ولده".
ومنها: هذا التقييد في تفسير قوله تعالى "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" وهو موضوع التحقيق والدراسة.
ومنها: تقييد في الرد على الوهابي القائم في ناحية الشرق.
ومنها: تقييد في حكم السترة نظما و نثرا.
ومنها تقييد في توجيه رفع اسم الجلالة ونصب العلماء في قراءة من قرأ ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾.
ومنها: شرحه لرسالة مولانا سليمان في الكسب.
ومنها: شرحه لنصيحة الشيخ أحمد الهلالي.
ومنها: أرجوزة في الشرفاء القادريين، إلى غير ذلك من التآليف والتقاييد.
كانت ولادته رضي الله عنه عام اثنين وسبعين ومائة وألف، وتوفي في سابع عشر محرم عام سبعة وعشرين ومائتين وألف من هجرة من له العز و الشرف صلى الله عليه وسلم، ودفن بروضة العلماء بالقباب، قرب ضريح الشيخ الوزير الغساني، وهو من أشياخ المولى سليمان رحمه الله.[4]
المنهج الذي سلكه الطيب بن كيران في تفسيره لهذه الآية
إن اللافت للنظر تفسير الطيب بن كيران لهذه الآية: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم﴾ هو تنوع واختلاف العلوم والمنطلقات المعرفية في تفسير هذه الآية وشرحها. ففي المرتبة الأولى يأتي الفقه باعتبار أن المفسر طغى الفقه على تكوينه العلمي كسائر علماء المغرب. فهو فقيه نقاد وصل إلى درجة الاجتهاد كما وصفه مترجموه. ففي الوهلة الأولى ناقش التعوذ من وجهة نظر فقهية صرفة، فبين اختلاف الفقهاء فيها. موردا كل الآراء بين من رأى الإباحة ومن رأى الكراهية ومن رأى أيضا الجهر أو الإسرار بها، مرتكزا على مذهب الإمام مالك مرجحه على ما سواه (قال أشهب/ روي عن مالك، قال ابن حبيب/ ولشافعي قولان/و غيرها...).
وإلى جانب الفقه الذي حظي بالأولية لم يهمل المفسر علوما أخرى تشكل حجر الزاوية في كتب التفاسير، ومن بين ذلك علم المنطق، فقد طرح الآية كقضية منطقية مبنية على الشرطية وعمل على تفكيك الآية وتناولها لفظا لفظا معتمدا على كتب اللغة والقواميس كالقاموس المحيط لفيروزآباذي، والصحاح للجوهري وغريب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني، (شيطان- قراءة- تلاوة...) وفي بعض شرحه للكلمات راح يبحث عن العلائق الإسنادية التي تجمعها أي إنه دخل في مباحث علم النحو والصرف، ولم يهمل مفسرنا طرح القضية و المسألة المبحث. على علماء القراءات مرجحا قراء المدينة.
وكل ذلك يجمعه خيط رفيع، نعني أن هذه المباحث والعلوم اتخذها كوسيلة لإجلاء وتوضيح كل القضايا التي يمكن أن تساعد على كشف حقائق الآية.
أما التفسير بالمأثور عند الطيب بن كيران فكان قليلا بالمقارنة بالتفاسير المشهورة، فالمؤلف قد اعتمد على الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو لا يتقيد بذكر الأسانيد ولعل قصده من ذلك عدم التطويل، وخاصة أن السنن قد تم تدوينها لذا فهو ليس في حاجة إلى ذكر الأسانيد في تفسيره، كما نجد أن مفسرنا ليس له باع طويل في علم الحديث وذلك أنه أورد تقييده هذا بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها عند أهل الصنعة، كما سنرى في بعض هوامش التحقيق.
تأثر ابن كيران في تفسيره بكثير من العلماء حيث رجع إلى مصادر عدة ذاكرا اسمها في تقييده ومنها ما ورد في المتن ولم يشر إلى أنه نقل عنه، ومن أهم هذه المصادر نذكر:
- حلية الأولياء لأبي نعيم.
- النشر في القراءات العشر لابن الجزري.
- كتاب المحاذي لمحمد بن عبد السلام الفاسي.
- الحكم العطائية لابن عطاء الله .
- إبراز المعاني في شرح حرز الأماني لأبي شامة.
- تفسير الرازي.
- كما رجع إلى الكتب المعتمدة في الفقه المالكي وإن لم يذكر أسماء هذه الكتب، كما أننا نستشف من خلال هذا التقييد إطلاع المؤلف الواسع على كثير من كتب التفسير السابقة كتفسير ابن كثير، وتفسير ابن عطية الأندلسي، وهذا لا يدل على أن الطيب بن كيران كان مجرد ناقل عن من سبقوه، بل يدل على أنه قد كانت له وقفات تدل على شخصية علمية قوية، إذ نجده يناقش المسائل ليخلص إلى مجموعة من النتائج.
لقد اعتمد الطيب بن كيران على التفسير الصوفي في شرح هذه الآية، فهو يفسرها انطلاقا من أقوال المتصوفة كابن عطاء الله، ومالك بن دينار ومحمد بن واسع.
من خلال كل ما سبق نستطيع أن نستشف من هذا التقييد بعض الخلاصات والملاحظات منها:
- الخلو من التعقيد.
- إيراد الأحاديث الضعيفة الموضوعة دون التنبيه على ضعفها.
- بساطة الأسلوب ويسر عبارته مع التركيز على المناقشات اللغوية والنحوية.
- اشتماله على جوانب علمية متعددة، فقد جمع فيه الأحكام الفقهية والمأثور والمنطق والنحو وأقوال السلف.
- استفادته من المفسرين السابقين وخاصة الرازي وابن كثير دون ذكره لأسمائهم، يمكننا أن نعزو عدم ذكرها إلى شهرة هذه الكتب.
- تأثره بمذهبه المالكي.
- تأثره بخطاب التصوف الذي شاع كثيرا في المغرب وكان له مؤيدون ومساندون.
عـمـلـنا فـي الـكـتــاب
مما لاشك فيه أن لكل محقق منهجيته، التي يعمل بها على إيصال ما أعده من التراث للقارئ، على الوجه الأكمل ولأتم. وضرورة هذه المنهجية تكمن في مدى الاهتمام بنقل الفكر التراثي من دائرة الظل إلى دائرة النور.
وقد ارتأينا أن نبدأ هذا التقييد بمقدمة تكون بمثابة المدخل إلى معرفة اهتمام المغاربة بعلم التفسير، ثم عرفنا بمؤلفه، ـ ثم قمنا بدراسة للمنهج الذي سلكه المؤلف في تفسيره.
وبعد ذلك قمنا بالخطوات التالية:
- عرفنا بالأعلام الذين ورد ذكرهم في المتن
- رددنا الآيات إلى مواضعها من الكتاب الكريم
- خرجنا الأحاديث ودللنا على مواضعها في المطبوع من كتب السنة، وحرصنا على ضبطها بالشكل.
وقد اعتمدنا نسخة فريدة في تحقيق هذا التقييد، وهي نسخة الأزهر الشريف تحت رقم:331153.
حصلنا عليها عن طريق الشبكة العنكبوتية جازى الله القائمين على هذا الموقع خيرا، لما يقدمونه من خدمات جليلة لطلاب العلم.
وصف المخطوط:
هذا التقييد عبارة عن رسالة في تفسير قوله تعالى" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم "، للشيخ الطيب بن عبد المجيد بن كيران الفاسي، وقد وقف هذا المخطوط محمد عبد العظيم السقا وأخوه محمد إمام السقا على روح والدهما إبراهيم السقا، ينتفع به العلماء وطلبة العلم بالجامع الأزهر، وكان ذلك سنة ألف وثلاثمائة وسبعة وثلاثين هجرية.
به خروم دقيقة بسبب الأرضة، لكن ليس لها تأثير كبير في المتن
مسطرته: 17 سطر في الصفحة.
عدد كلماته: 8 كلمات في السطر.
معقبة بالكلمات في آخر الصفحة.
الفصول تحتها خط بالأحمر، مثال:(الرابعة، الخامسة، السادسة )
الاستنتاجات تحتها خط بالأحمر، مثال: (الحاصل، ومنها، ومنها)
استعمال إشارات باللون الأحمر فوق كلمات الحيثيات، مثال: ومن حيث.
ونظرا لاعتمادنا على نسخة فريدة، فإننا رجعنا إلى الكتب التي اعتمدها المؤلف في تفسيره، حتى نقف على الاختلافات الموجودة بينهما، وقمنا بتوثيق بعضها قدر المستطاع
وقد وضعنا الكلمات التي رأينا أن المعنى لا يستقيم بدونها بين معقوفتين، وأشرنا إلى ذلك في الهامش، وفي النص بعض الكلمات لم نتبين قراءتها وضعناها كذلك بين معقوفتين ودللنا عليها كذلك.
ثم بعد انتهائنا من المتن المحقق، اختتمناه بفهارس متنوعة للأعلام والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية.
[1] مختار السوسي، سوس العالمة، ص34-35.
[2] - انظر فهرس مخطوطات خزانة تطوان قسم القرآن و علومه
[3] انظر فهارس المخطوطات الخاصة بالخزانات المغربية
[4] أنظر ترجمة المؤلف ، سلوة الانفاس 3/2،شجرة النور/376، معجم المطبوعات /308، الأعلام6/178،الفكر السامي4/351