من صفات الصديق
بقلم: ناجي الطنطاوي ـ رحمه الله تعالى ـ
الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، وهو لا يستطيع أن يعيش وحده في عزلةٍ عن الناس، ولابد له من إخوانٍ يصطفيهم لمودته ويختارهم لعشرته، لأن الاجتماع بالإخوان هو الذي تقتضيه الفطرة ، وقد جعل الله سبحانه المؤمنين إخوة ليجتمعوا على الخير، ويتعاونوا عليه، وقد ورد في الحديث الشريف «أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : خالط الناس ودينك لا تِكِلْمْه ، يعني : إنك لا تستطيع أن تستغني عن معاشرة الناس ومخالطتهم، ولكن احذر أن يؤدي ذلك إلى نقص في دينك أو تهاونٍ في تنفيذ أوامر ربك.
ومن هنا تظهر فضيلة الأخ الصالح والصديق الطيب الذي يؤاخيك في الله لا لغايةٍ في نفسه ولا لنفع يطلبه، فلا خير فيمن يصاحبك للدنيا لينتفع بمالك أو جاهك.
وعلى صديقك أن يكون قاسياً في أحكامه عليك في تصرفاتك وأعمالك، فلا يجاملك في الحق ولا يتساهل في بيان أخطائك، ولا يتردد في مواجهتك بالصواب من غير أن يخشى غضبك، وقد قيل: إن صديقك من صدقك لا من صدَّقك. وقال أحد الصالحين: رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي.
ويجب عليه أن يحتمل تقلبات أخلاقك ونزوات طباعك لأن كل إنسانٍ يرضى ويغضب، ويفرح ويحزن، وتنقلب به الأحوال تبعاً لحالاته النفسية،فالصديق يحتمل هذه التقلبات، ولا يسرع بالغضب ، بل يكون ذا صدرٍ رحبٍ يصبر عليك ثم يحاسبك من بعد ذلك على هفواتك بعبارةٍ سمحةٍ وعتابٍ رقيقٍ وأسلوبٍ هادىٍ ناعم.
ويستحسن أن يكون صديقك أفضل منك خلقاً وأوسع عقلاً وأنبل غايةً ليرفعك إليه بدلاً من أن تنحدر إليه ،وعليك أن تختاره من أهل العلم والصلاح لتتعلم منه ما تجهله من أحكام دينك وتاريخ أمتك وأسرار لغتك، ولتتخذه قدوةً في الصلاح والعبادة والتقوى.
وكلما كانت طباعة أقرب إلى طباعك، وتفكيره مماثلاً لتفكيرك، كانت الصحبة أقوى وأمتن وأطول مدىٍ ،وعليه أن يحفظ سرك ولا يفشيه لأحدٍ من الناس ، وأن لا يغتابك ولا يعرض بك ولا يتكلم عنك بسوءٍ ، وأن يكون ظاهره كباطنه في كل أمرٍ من أموره، فلا خير في الصديق المرائي الذي يظهر غير الذي يبطن ، ولا تدوم صحبة مثله.
وعليه أن يبذل جهده في مساعدتك وتقديم العون لك ، ولو احتاج الأمر إلى أن يضحي في سبيلك.