**كانت الوثنيّةُ في العصر الجاهلي - بل في كلِّ عصرٍ - سبباً في إحساس الإنسان بافتقاد الغاية من وجودِه ... بل بافتقاد الغاية من وجودِ الوجودِ ، والإحساس العارم بعبثِ قصّة الخلقِ برمّتِها وافتقارِها إلى المنطقِ والحكمةِ والتفسيرِ والهدفِ ...!

*** كذلك كانت الوثنيّةُ سببا في فزعِ الإنسانِ من الوجود , ومعاداةِ الوجودِ لأنّ الوجودَ - كما يراهُ هو - غيرُ ودودٍ ... بل يبدو غامضاً ... مخيفاً ... مهولاً ... ليس لهُ معنى وليس لهُ مبرِّرٌ حقيقيٌ مشبعٌ للنفسِ والعقلِ والروح ... بل إنَّ هذا الوجود يبدو في النظرةِ الوثنية مستعلياً على الإنسانِ بقوتِه وقوانينِ سيرورتِه ، واستمرارِه المثير للدهشة والحنقِ في مقابلِ فناءِ الإنسانِ وموتِه المُحتَّم ...
*** كانت الوثنيّة سبباً في ضعفِ الإنسانِ في هذا العصر - وفي كل عصر - سببا في خوفِه من الحياةِ وخوفِه من الموتِ ... خوفِه من الطبيعةِ واستشعارِه الرّعب من الحيوانِ والطيرِ والرّيح والبرقِ والرعد والجبالِ والصّحارى ... بل كانت الوثنيّةُ سببا في استشعار الإنسانِ الفزعَ من الإنسانِ ذاتِهِ ... واستشعاره الفزع من نفسِه وعدم فهمه لها أو تصالحه معها ...!


*** ومن منطلقِ الضلالِ والعماء عن وجودِ اللهِ ... تمكّنَ الخوفُ والضّعفُ من قلبِ الإنسانِ فَرَهِبَ كلّ شئٍ ... من منطلقِ الكفرِ انطلقَ الخوفُ يعبثُ بالقلوبِ ... ومن منطلقِ الخوفِ والضَّعفِ تعدَّدت الآلهةُ في هذا العصر - وفي كل عصر يشبهه في سياقه وسماتِه - فالخوف والفزعُ الشديدُ من شئٍ ما يعني استعظام الإنسانِ لهذا الشئ وجهله بقيمة هذا الشئ وحدودِه ، وجهلِه بالمدى الذي يستطيعُ هذا الــ شئُ أنْ يضرَّه ... أو أنْ ينفعَه فيه ... ومن منطلِق هذا الخوفِ والفزعِ تبعثرتْ روحُ الإنسانُ وتشعّثت في العصر الجاهليّ فانطلقَ الإنسانُ مُتخبِّطا يعبدُ كلَّ ما استعصى عليه فهمُه وكلّ ما لم يقدر على تطويعِه واستئناسِه ، وكلّ ما خافَ منه واستعظَمَه ، وكلَّ ما ظنّ أنّه ينفعه وينجيه من هذا الخوف ...؟! وكلَّ ما لم يستطع أن يتخذ منه موقفا واضحا ... ، وكلَّ ما لم يستطع أن يحدِّد هويّته ...!

**انطلقَ الرجلُ في العصر الجاهليّ يعبدُ الحجرَ فكانت عبادةُ الأصنامُ والأوثانِ ، وانطلق يعبدُ النارَ فكانت المجوسيّةُ ، وانطلقَ - مستعظما - يعبدُ الكواكبَ والنجوم ، وانطلق يعبدُ الحيوانَ والطيرَ والنباتِ فكانتِ الطَّوطميَّةُ ... وكانت الطوطميةُ - وما زالت في بعض المجتمعات البدائيّة - دليلا وشاهِدا أميناً على أن منطلقاتِ الإنسانِ إلى الوثنيةِ هي الضعفُ والخوفُ الشديدُ والفراغُ الروحيّ المُرهقُ ... كانت الطوطميةُ شاهدا على أن منطلقات الإنسانِ إليها هي النفسُ الفزعةُ المرتعدةُ من كلّ شئ - على النقيضِ من النفس المطمئنة - فقد كان الرجلُ يعبدُ إلهه الطَّوطميّ طيلة السّنة يقدم له فروض التَّبجيل والولاء مُحرِّما على نفسه أنْ يقرّبه أو يأكل منه أو يستفيدَ به ... حتّى إذا جاء عيدُ هذا الطَّوطم في يومٍ بعينه في السّنة أكلَ الرجلُ طوطَمه ... نعم أكلَ العابدُ الوثنيُّ معبودَه ... أكَله في خضوعٍ وخشوعٍ مرتِّلا مهمهما بصلاتِه الفزعة ... ولكن : لماذا ؟!
كان التهامُ الطَّوطمِ طقساً وثنيّا مدفوعا بالرغبة في التَّوحدِ بهذا الطوطمِ ، والتّزود بقوته ، وإحلاله في جسد عابدِه حتّى تنتقلَ صفاتُ المعبودِ إلى العابدِ ، وهكذا كان منْ يعبدُ الأسدَ يظنُّ أنه قد حلّتْ فيه صفاتُ الأسدِ إذا التهمَه في عيد الطوطم ، وكذلك من يعبدُ البقرَ الوحشيّ أو النمور أو الكلابَ ، أو الشجر ، أو الحشراتِ ، أو... !
***وفي تفسيري كانت عبادةُ الطوطم محاولةً إنسانيّة تعيسةً - ساذجة - لالتهام الوجود وإثبات الإنسان لنفسه - أمامَ نفسه - قدرته على هذا الوجود ، كانت محاولة إنسانية تعيسةً لمواجهة الخوف من الوجود والتغلب على غموضه والتغلب على الخوف من الطبيعةِ وكائناتها القوية المتنوعة ... كانت الطوطمية مظاهرةً إنسانية وثنية بائسة تُعلنُ هشاشة الإنسان المفتقد للإيمان ... هشاشته البالغة التي تصل لحدّ استعظام الحيوان والطير والشجر والهوام ... هشاشة الإنسان التي تدفعه إلى عبادِة الطوطم ثم التهامه للتزود بقوته للتمكّن من مواجهة الطوطم ذاته مرة أخرى ومواجهةِ أمثالِه من غوامض الوجود وعمالقتِهِ ... !
*** إنَّ الطوطميّة شاهدٌ على أنَّ عبادة الله وحده هي وحدها قوة الروح وحريَّتها ... توحيدُ الله هو وحدَه عتقُ روح الإنسانيّة وأمنُها وتصالُحها مع الحياة و مع مطلقِ الوجود ... توحيدُ الله هو وحده فكُّ الرَّقبة ... فكُّ الرقبة الإنسانية من الذُّلِّ لغير الله والعبودية لغيرِه ...
*** إنَّ الطوطمية مسرحٌ عظيمٌ للتأمُّل في موقع الإنسان وقيمته في هذا الوجود ... إذْ يتبدى لنا أن الإنسانَ لا يكتسب قيمته وموقعه الخطير الشأن في هذا الوجود من مجرّد كونِه إنساناً بل بعبادته لله وخضوعه له حيثُ يكونُ توحيده لله وإجلالُه له كلمة المرورِ التي تفتح له بابَ تسخير الكون له ... الكون كله بجميع مخلوقاتِه يكونُ مسخَّراً للإنسان العابدِ ربّه ... أما في حالِ الشرك أو الوثنيّة أو ما يُشبه الطوطميَّة فيكونُ الإنسانُ هو المُسخَّرُ لكلِّ شئٍ ... هو الأسيرُ العاني لكلّ الوجود ... هو عابدُ كلّ شئٍ وهو آكلُ ما يعبدُ خوفا وخضوعاً وتذلُّلا ومهابة لا تنتهي ... فيظلُّ العابدُ الوثنيُّ وطوطمُه في علاقةٍ بائسةٍ مرهقة تراجيدية دائرية يمسكُ طرفُها بالطرفِ الآخر في دورانٍ والتفافٍ لا ينتهي ... يكونُ الإنسانُ - هنا - هو عبدُ الأشياء هو عبد القمر والشمس وعابد النجوم والأفلاك والكواكب والحجر ...، ولا يكونُ أبدا ... ولا ينبغي له أن يكونَ المخلوقً الذي كرَّمه اللهُ في البرِّ والبحر وسخَّر له الشمسَ والقمرَ وجعل له الأرضَ مهادا والسماءَ بناء والجبالَ أوتادا وجعل له النجوم مصابيحا في السماء ليهتدي بها ويمتع ناظريه بجمالها ...
*** إنَّ الطوطميّة شاهدٌ على أنَّ عبادة الله وحده هي وحدها قوة الروح وحريَّتها ... توحيدُ الله هو وحدَه عتقُ روح الإنسانيّة وأمنُها وتصالُحها مع الحياة و مع مطلقِ الوجود ... توحيدُ الله هو وحده فكُّ الرَّقبة ... فكُّ الرقبة الإنسانية من الذُّلِّ لغير الله والعبودية لغيرِه ...
*** إنَّ الطوطمية مسرحٌ عظيمٌ للتأمُّل في موقع الإنسان وقيمته في هذا الوجود ... إذْ يتبدى لنا أن الإنسانَ لا يكتسب قيمته وموقعه الخطير الشأن في هذا الوجود من مجرّد كونِه إنساناً بل بعبادته لله وخضوعه له حيثُ يكونُ توحيده لله وإجلالُه له كلمة المرورِ التي تفتح له بابَ تسخير الكون له ... الكون كله بجميع مخلوقاتِه يكونُ مسخَّراً للإنسان العابدِ ربّه ... أما في حالِ الشرك أو الوثنيّة أو ما يُشبه الطوطميَّة فيكونُ الإنسانُ هو المُسخَّرُ لكلِّ شئٍ ... هو الأسيرُ العاني لكلّ الوجود ... هو عابدُ كلّ شئٍ وهو آكلُ ما يعبدُ خوفا وخضوعاً وتذلُّلا ومهابة لا تنتهي ... فيظلُّ العابدُ الوثنيُّ وطوطمُه في علاقةٍ بائسةٍ مرهقة تراجيدية دائرية يمسكُ طرفُها بالطرفِ الآخر في دورانٍ والتفافٍ لا ينتهي ... يكونُ الإنسانُ - هنا - هو عبدُ الأشياء هو عبد القمر والشمس وعابد النجوم والأفلاك والكواكب والحجر ...، ولا يكونُ أبدا ... ولا ينبغي له أن يكونَ المخلوقً الذي كرَّمه اللهُ في البرِّ والبحر وسخَّر له الشمسَ والقمرَ وجعل له الأرضَ مهادا والسماءَ بناء والجبالَ أوتادا وجعل له النجوم مصابيحا في السماء ليهتدي بها ويمتع ناظريه بجمالها ...
*** إنَّ عابد المالِ وعابدَ السّلطة والنفوذ ، وعابدَ الشهرةِ ، وعابد الشهوات ، وعابد الـــ .... إن جميعَ هؤلاء همُ الطوطميُّون الجُدد الذين يثبتُون أنّ الإنسانَ قد طوَّر آلهته الوثنية وغيَّر من ملامحها لكنّ نفسه هو ما تزالُ كما هي... كما وصفها خالُقها - سبحانه -: " ونفسٍ ومَا سوَّاها 7 ) فألهمها فجورَها وتقواها 8) قد أفلح من زكَّاها وقد خابَ منْ دسَّاها 9 ) سورةُ الشمس ... إنّ عبَّاد المالِ والشهواتِ والسّلطة والقناطيرِ المُقنْطرةِ من الذّهبِ والفِضّةِ ليثبتُون أنّ الطوطميّة باقيةٌ في ثوبٍ جديد ... وأنّها تتحوّرُ وتتلوّن ... لكنّها هي هي الطوطميّة بعبثيّتها وسذاجتها - لا وثنيّتها فقط - هي هي ... إنّها عبادةُ ما سخَّرهُ اللهُ لخدمة الإنسانِ وتيسيرِ معيشتِه على الأرضِ لتذليلِ سبلِ عبادته وتوحيدهِ - سبحانه - الطوطميّة هي عبادةُ ما يجبُ أنْ يكونَ خادماً تابعاً للإنسانِ ... فيكونُ الإنسانُ الذي خلقه اللهُ في أحسنِ تقويمٍ وكرّمهُ في البرِّ والبحرِ عابداً لِما سُخِّر له ... وكفى بهذه الوضعيّة المُهينةِ المُذِلَّةِ المُزِّلّة عقاباً - في الدنيا - لمنْ غفلَ عن نورِ الله وَعَمِيَ قلبُهُ فَلمْ يراه ...!


########


بقلم : جاميليــــا حفني
مدوّنة " أدركتُ جلالَ القرآنِ "
/http://greatestqoran.blogspot.com/2013/01/blog-post.htm
l