مَن أراد الراحة ترك الراحة، وإذا كان عدوك نملة فلا تنم له!
كتبه/ صبري سليم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن شرف الإنسان في استسلامه لأوامر الله -عز وجل- وتحقيق العبودية له دون سواه، ومَن أراد السعادة الأبدية فليلزم العبودية لله -تعالى-، وها هو شهر رمضان على الأبواب؛ فليكن شعارك: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طه:84).
وقد قال -تعالى-: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر:37)، فلم يذكر بالآية واقفًا؛ لأنه لا منزل بيْن الجنة والنار، فمَن لم يتقدم بالأعمال الصالحة فهو متأخر بالأعمال السيئة.
وربما يتسم رمضان هذا العام بحرارة جوه وطول نهاره، فصوموا يومًا طويلًا حره للنجاة مِن طول يوم النشور، وصلوا في ظلمة الليل للنجاة مِن ظلمة القبور، ولا تركنوا للراحة في الدنيا؛ لتستريحوا أبد الدهور!
كان الأصمعي -وهو أحد أئمة العلم واللغة والشعر وُلد بالبصرة ومات بها- يقول: "دخل عليَّ شهر رمضان وأنا بمكة الحارة، فخرجت إلى الطائف الباردة لأصوم بها هربًا مِن حرِّ مكة؛ فلقيني أعرابي، فقلت له: أين تريد؟ قال: أريد هذا البلد الحرام لأصوم فيه هذا الشهر المبارك! فقلتُ: أما تخاف الحر؟! فقال: مِن الحر أفر!" يعني يلجأ إلى تحمل حرارة مكة ليتذكر قوله -تعالى-: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة:81)، ويتعظ ويفر مِن نار جهنم.
وهذا كلام شبيه بكلام الربيع بن خيثم حين رَآه رجل قد صلى ليلة حتى أصبح، فقال له: "أتعبتَ نفسك! فقال: بل راحتها أطلب!"؛ فاتقوا الله -رحمكم الله- فالميزان عند الله التقوى وليس الأغنى وليس الأقوى؛ فانظر يا عبد الله مقامك عند ربك لا عند البشر؛ فكم مشهور في الأرض مجهول في السماء، وكم مِن مجهول في الأرض معروف في السماء!
أخفى الله القبول لتبقى القلوب على وجل، وأبقى باب التوبة مفتوحًا؛ ليبقى العبد على أمل، وجعل العبرة بالخواتيم؛ لئلا يغتر أحد بالعمل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).
فاللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال، واجعلنا فيه المقبولين.