إن كان قال فقد صدق.
محمد سيد حسين عبد الواحد
(إن كان قال فقد صدق) كلمة قالها الصديق أبو بكر رضى الله عنه في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلّم..
لما اجتمع الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليحدثهم عن الليلة التي أسرى به فيها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وبعد أن أفحمهم رسول الله حين وصف المسجد الأقصى بموضعه ومداخله وخوارجه، وبعد أصاب في حديثه عن تجاراتهم وقوافلهم في الطريق بين الشام وبين مكة..
منهم من أتى أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال يزعم صاحبك أنه أتى الليلة بيت المقدس ثم أصبح بين أظهرنا فقال أبو بكر أوقد قال ذلك؟
قالوا نعم.
فقال أبو بكر (إن كان قال فقد صدق) هذا هو انطباع الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم (إن كان قال فقد صدق).
تخيل: صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وهو قدوتنا وأسوتنا وسام شرف على صدره عليه الصلاة والسلام شهد له به العدو قبل الصديق..
بعد ثلاث سنوات من الدعوة إلى الإسلام سرا نزل قول الله تعالى ﴿ {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ} ﴾
قال عبد الله بن مسعود: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته حتى نزلت هذه الآية ﴿ {فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ} ﴾.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : ( {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ) ؛ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ : " يَا صَبَاحَاهْ ". فَقَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ؟ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ " قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ : " فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» ".
وعن ابن إسحاق قال حدثني الزهري قال: حدثت «أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا.
ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة.
ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد.
فقال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها.
فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ; أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نسمع به أبدا، ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق»
هذه الآثار وأشباهها كثير في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ماذا تقول؟؟
هذه الآثار تقول إن رسول الله بصدقه في قوله وعمله وأخذه وعطاءه وبيعه وشراءه وفي سائر المعاملات مع الزوج والولد والجار والقريب والبعيد ملك قلوب أعداءه قبل ان يأسر قلوب أصحابه
لكن أعداءه كذبوه حقدا وحسدا من بعد ما تبين لهم الحق قال الله تعالى {﴿ وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَٰرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجْنُونٌ ﴾ }
لقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا جهل فصافحه فقال رجل لأبي جهل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟
فقال: والله إنى لأعلم أنه لنبي، ولكن متى كنا لبنى عبد مناف تبعا؟ إنا والله لا نكذبه ولكن نكذب ما جاء به..
فأنزل الله هذه الآية {﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾}
الصدق هو الصفة التي غلبت وتغلبت على شخصية النبي محمد صلى عليه وسلّم..
صدق في دعوته فلم يزد فيها حرفا واحدا، ولم ينقص منها حرفا واحدا، وصدق في نبوته فما كل وما مل وما قصر صلى الله عليه وسلّم، وصدق في صحبته، وصدق في محبته، وصدق في غضبه وصدق في رضاه ..
في السنوات الأولى من بعثة النبي محمد صلى آلله عليه وسلّم كان يكتبون كل ما يسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكانوا يكتبون الحديث ويكتبون القرآن وكان الناس حديثي عهد بإسلام، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم وقال " لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ".
ومن ثقة رسول الله في عبد الله بن عمرو أذن له أن يكتب.. فجل عبد الله بن عمرو يكتب القرآن ويكتب الحديث فقيل له يا عبد الله بن عمرو إن رسول الله بشر وهو يتكلم في الرضا والغضب فلا تكتب عنه فسأل عبد الله رسول الله فقال يقول الناس إن رسول الله بشر وهو يتكلم في الرضا والغضب فلا تكتب عنه فقال صلى الله عليه وسلّم ولكني لا أقول إلا حقا..
قال الله تعالى {﴿ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا۟ مَا عَٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًا ﴾}
وقال عز من قائل {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ﴾ }
وفي صيح السنة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا » ".
الصادق: أيها المؤمنون حبيب الله عز وجل
الصادق: يحي بصدقه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
الصادق: يبارك له فيما باع وفيما اشترى وفيما ملك من مال وولد..
الصادق: محفوظ ، الله يحفظه، وينجيه، ويوفقه، ويهديه، ويرضى عنه، ويتقبل منه، وإذا قامت الساعة أدخله الله الجنة..
الصادق: مع رسول الله يوم القيامة في جنة عرضها الأرض والسموات {﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النبيين وَٱلصِّدِّيقِين َ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُو۟لَٰٓئِكَ رَفِيقًا ﴾}
نسال الله العظيم ان يرزقنا صدق القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
ايها الإخوة الكرام: لأنه ليس من الحكمة تأخير البيان عن وقت الحاجة، كان علينا أن نذكر أنفسنا ونذكر الناس أنه قد أظلنا شهر شعبان، وشهر شعبان هو أحد أعظم الشهور عند الله تعالى وعند رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصوم شعبان إلا قليلا قال: « أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ : " ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» ".
هذه الأيام التي نحن فيها.. أيام شهر شعبان، هى من الأيام العظيمة التي اختارها الله تعالى لرفع أعمال العباد بخيرها وشرها وبحسناتها وسيئاتها..
العجيب في الأمر أن الناس يعلمون هذا من شهر شعبان ورغم ذلك يغفلون.. يغفلون عن الرجوع عن الذنب، يغفلون عن التوبة عن الاستغفار، يغفلون عن خيرات ربما كانت سببا في ذهاب المنكرات ، يغفلون عن حسنات ربما كانت سببا في حرق السيئات... قال النبي عليه الصلاة والسلام " ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ "
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو القدوة والأسوة جعل رسول الله في شعبان يتقرب بأخلص عبادة إلى الله سبحانه وتعالى رجاء أن يرفع عمله وهو متلبس بها قال: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : «قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ : " ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» ".
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتم علينا نعمة شعبان وان يبلغنا بفضله وكرمه نعمة رمضان.. اللهم آمين.