بسم الله الرحمن الرحيم



الاختصار

في

حكم الاحتفال بأعياد الكفار



الحمد لله الذي أمر بالولاء والبراء, والصلاة والسلام على سيد الأنبياء, وعلى آله وصحبه الأتقياء, ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء, أما بعد:

ففي مثل هذه الأيام من كل عام, يكثر تساءل العوام من أهل الإسلام, حول موضوع الاحتفال برأس السنة الميلادية, وهل هي مسألة قطعية أم اجتهادية؟!

فإليهم الجواب على تساؤلهم بإيجاز, –اسأل الله أن يجعلنا ممن ظفر بالتوفيق وحاز-:

قال الله تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِيْنَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْرَ). "عن ابن عباس أنه أعياد المشركين". اهـ [انظر: تفسير القرطبي 13/78].

"وقال مجاهد: يعني أعياد المشركين".اهـ [انظر: تفسير البغوي 1/98].

وكذلك "قال أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين".اهـ [انظر: تفسير ابن كثير 3/439].

وقد استدل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله بهذه الآية على عدم جواز شهود أعياد الكفار كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود, نص عليه أحمد في رواية مهنا, واحتج بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ), قال: الشعانين وأعيادهم".اهـ [اقتضاء الصراط المستقيم 1/201].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما, فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما, يوم الأضحى ويوم الفطر". [أخرجه أبو داود].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وجه الدلالة: أن اليومين الجاهليين لم يقرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال: قد أبدلكم بهما يومين آخرين, والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجتمع البدل والمبدل منه".اهـ [اقتضاء الصراط المستقيم 1/184].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمور الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد الفطر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا)" [متفق عليه].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالدلالة من وجوه: أحدها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا), فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم كما قال سبحانه: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا), وقال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً), أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم, فإذا كان لليهود عيداً, وللنصارى عيداً, كانوا مختصين به, فلا نشاركهم فيه كما لا نشاركهم في قبلتهم وشرعتهم, وكذلك أيضاً على هذا لا ندعهم يشاركوننا في أعيادنا".اهـ [اقتضاء الصراط المستقيم 1/193-194].

وعن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثني ابن عباس رضي الله عنهما وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها أسألها أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر لها صياماً؟ قالت: يوم السبت والأحد, فرجعت إليهم فأخبرتهم, وكأنهم أنكروا ذلك, فقاموا بأجمعهم إليها, فقالوا: إنا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا, وذكر أنك قلت كذا وكذا, فقالت: صدق, إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام, يوم السبت والأحد, كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إنهما يوما عيد للمشركين, وأنا أريد أن أخالفهم). [أخرجه أحمد وغيره].

قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم".اهـ

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم".اهـ [أخرجه ابن أبي شيبة, وعبد الرزاق, والبيهقي].

وقال أيضاً: "اجتنبوا أعداء الله اليهود والنصارى في عيدهم".اهـ [أخرجه البيهقي].

ولقد نقل الإجماع على تحريم الاحتفال بأعياد النصارى وتهنئتهم عدد من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وتلميذاه ابن القيم, والذهبي, وغيرهم.

بل إن الأمر أشد من ذلك كله, فالأمر كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشر معهم يوم القيامة" .اهـ [أخرجه البيهقي].

وقال الإمام مالك رحمه الله: "فلا يعاونون على شيء من عيدهم, لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم, وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك".اهـ [اقتضاء الصراط المستقيم 1/231].

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن تهنئهم بأعيادهم وصومهم فتقول: عيد مبارك عليك, أو : تهنأ بهذا العيد, ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات, وهو بمنزلة من يهنئه بسجود للصليب, بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه , وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل , فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه".اهـ [أحكام أهل الذمة 1/441-442].

وقال أبو حفص الحنفي رحمه الله: "من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى".اهـ [فتح الباري 2/526].

فالحذر الحذر يا أهل الإسلام, من أن تزل بكم الأقدام, في هذه المعاصي والآثام.. والسلام

وكتب: تركي بن مبارك البنعلي

1434هـ -2012م