أ – لإخراج الأصوات العربية الفصيحة من مخارجها الصحيحة؛ اعلم أنَّ أفضل الطرق المؤدية إلى ذلك الهدف الرئيس هو إتقان أحكام تجويد كتاب الله إلينا. فإنْ لم تستطع، فاحرص _ما استطعتَ سبيلاً_ على تمييز الأصوات، فلا تجعل حركة الفتحة كمَدِّ الألف، ولا حركة الضمة كمَدِّ الواو، ولا حركة الكسرة كمَدِّ الياء، فمدة الألف فتحتان، والواو ضمتان، والياء كسرتان. كذلك فرِّق بين التاء والطاء، وبين الثاء والسين والصاد، وبين الجيم والشين، وبين الخاء والغين، وبين الدال والضاد، وبين الذال والزاي والظاء، وبين القاف والكاف... واذْكُرْ أن الخطأ في اللفظ يؤدي _في الغالب_ إلى خطأ المعنى، ولا تظنَّنَّ النية كافية، ولا يَغْرُرْك بعضُ الذين يُخطئون مثلك، ويوافقونك على غَفْلتِك لِغَفْلَتِهم عَن الحَقِّ؛ فإنَّ أهل العلم والفَنِّ إنْ سمعوا لفظك، حاكموك إليه، ولاموك عليه.
ب – الأصل في ضبط بنية الكلمة هو السَّماع، أي حفظ الكلمة كما نطق بها أهل الفصاحة. ولَمَّا كان ذلك شبه محال، وضع العلماءُ القواعدَ (علم الصرف)؛ ليقيس عليها مَن عرفها، وألَّفُوا المعاجم؛ ليرجع إليها طلابُ السلامة. واعلم أن شواهدهم على صحة قواعدهم ومعاجمهم - مستمدةٌ من كتاب الله بقراءاته الصحيحة، وأشعار العرب، وكلامهم المأثور، وسُنَّة أفصحِهم النبيِّ القرشي (صلوات ربِّي وسلامه عليه)، ولهم في كلِّ ذلك ضوابطُ وشروطٌ زمانية ومكانية وشخصية... يعرفها أهل الفَنِّ. واذكر _كذلك_ أن الخطأ في لفظ الكلمات مُوقِعٌ في فَسَادِ الدلالات.
ج – لقد استنبط النُّحاةُ مِن نصوصِ العَرَبِ سَنَنَهم وطرائقهم في الكلام، وسطَّروها قواعدَ يهتدي بها مَن ابتغى الوصول إلى فهم آثارهم، وعلى رأسها الكتاب العزيز الذي نزل بلسان عربيٍّ مُبين، وكذلك مَن رَامَ أن يكون لسانُه كلِسَانِهم. فمَن أخطأ في اتباع طريقتهم، كان كلامه لغير ما أراد له، ولا يكفيه حُسْنُ نيته، فكم ذهب الحق على يد أقوام، نيتهم حسنة، ولسانهم عليل!