المسلك المختار في تلقِّي أقوال أهل العلم الأخيار، والبُعد عن مسلك الأغيار


قال البخاريُّ في صحيحه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [ابن المديني]، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [ابن عيينة]، قَالَ عَمْرٌو [ابن دينار]، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلاَ غَرَسْتُ نَخْلَةً، مُنْذُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم). قَالَ سُفْيَانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَنَى. قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ: فَلَعَلَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ).
قال ابنُ بطّال (تـ: 449) في "شرح الصحيح" (9/76): (فيه: أنّ العالِمَ إذا رُوِيَ عنه قولان مختلفان، أنه ينبغي حملهما من التأويل على ما ينفي عنه التناقض، وينزّهه عن الكذب؛ ألا ترى قول سفيان: "فلعلّه قال قبل أنْ يَبنِي [في المطبوع: يبتني]"؛ فلم يُكذِّب [في المطبوع: يكذبه] قريبَ ابن عمر في قوله هذا؛ فَعَلَّمَنَا سُفيان كيف يُتَأوَّل للسلف أحسن المخارج؛ لانتفاء الباطل عنهم، وأنهم القدوة في الخير والأُسوة، رضى الله عنهم).
وفي الفتح لابن حجر (تـ: 852): (قال ابن بطال: "يؤخذ من جواب سفيان: أنّ العالِم إذا جاء عنه قولان مختلفان، أنه ينبغي لسامعهما: أنْ يتأولّهما على وجه ينفي عنهما التناقض؛ تنزيهًا له عن الكذب".انتهى، ولعلّ سفيان فهم من قول بعض أهل ابن عمر الإنكار على ما رواه له عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر؛ فبادر سفيان إلى الانتصار لشيخه ولنفسه، وسلك الأدب مع الذي خاطبه بالجمع الذي ذكره، والله سبحانه وتعالى أعلم).اهـ.
قلت: وهذا التخريج والجمع من سفيان رحمه الله تعالى: تخريج حسَن، ومسلكٌ رصين، وجمعٌ موفَّق. وهذا لعمري، ممّا يورثُ: المواخاة والتشاكل والتآلف، ويدفع التناكر والتضارب والتخالف.. .
وإنَّ هذا لَهُو الأصل المعتبر، والمسلك المستقر، عند تلقِّي الأخبار والمسائل والكلام، والمتشابه مِن الفِعالِ والأقوال = أنْ يلتمس المتلقِّي ما يورث التوافق والتناسب، ويدفع التناقض والتضارب؛ فيخرج بإذْن الله تعالى مِن مشابهة "الزَّيْغِيَّ "، ويلج في مشاكلة "الرُّسُوخِيَّة" : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
ولا ريب أنّ سلوك هذا المسلك مع مَن رُفِعَ ذِكْرُه، واشتُهر صدقُه، واعتُبر قولُه، وذاع علمُه، وشاع فضلُه، أوْلَى ثم أوْلَى ثم أوْلَى.. ثلاثًا يا ابنَ جَرْمٍ أنْ تذُوقَ عِلمًا وفَهما..
والحمد لله رب العالمين.
كتبه/ أشرف بن محمد، صبيحة الجمعة، 8 صفر 1434.